المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"المشهد الاسرائيلي":

فاجأ موقف الرئيس الاميركي جورج بوش، وتأكيداته المتكررة تمسكه بدفع العملية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، العديد من الاوساط الاسرائيلية التي اعتقدت ان الادارة الحالية في واشنطن تخشى التورط في المستنقع الشرق اوسطي، وانها ستكتفي بدفع ضريبة كلامية ديبلوماسية. غير ان شيئا ما قد تغير لدى الرئيس بوش، مثلما لاحظ ذلك رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون خلال لقائهما في قمة العقبة يوم الاربعاء الماضي.

وخلافا لمواقفه في الماضي التي تحدث فيها بوش ايضا عن رغبته في تحقيق تسوية اسرائيلية - فلسطينية ، لكن ليس بحماس، لاحظت اسرائيل في هذه المرة "ان لديه اندفاعا وحافزا مسيحانيا لم يعرفه او يلاحظه من قبل"، كما يكتب المراسل السياسي لصحيفة هآرتس "الوف بن (8/6).

وقد تمثلت الدلائل العملية على الدور الاميركي النشط في كثرة زيارات كبار المسؤولين في الادارة الاميركية للمنطقة منذ حرب العراق، وفرض قبول الحكومة الاسرائيلية بخطة خارطة الطريق، والاخراج الصارم والدقيق لقمة العقبة، والقرار بايفاد طاقم مراقبين اميركيين الى الاراضي الفلسطينية، اضافة الى وضع قضية معالجة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني على رأس سلم اولويات مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس ووزير الخارجية كولن باول .

وتثير هذه التحركات الاميركية عددا من التساؤلات:

هل فاجأ البيت الابيض اسرائيل؟ وما الذي كان شارون يعرفه حول ما يدور في واشنطن؟ وما هي تقديرات المسؤولين الاسرائيليين؟

يستدل من تحليل للتصريحات الاميركية، وتصريحات المصادر المطلعة على العلاقات الاسرائيلية – الاميركية، ان بوش ومعاونيه اوضحوا نواياهم للمسؤولين الاسرائيليين، "لكن هؤلاء لم يتمكنوا من تقدير قوة تصميم الرئيس الاميركي وتوقيتها بصورة سليمة".

مصدر سياسي اسرائيل رفيع قال للصحيفة: "لم تكن هناك اي مفاجأة بيننا وبين الاميركيين.. لم نفاجأ بأي خطوة، بل اعطيت لنا دائما الفرصة للتعبير عن موقفنا. كان من الواضح ان الاميركيين عازمون، بعد الانتهاء من الازمة العرقية، على معالجة هذا الموضوع (موضوع النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني)، ولكن كانت هناك مفاجأة في التوقيت، اذ لم يكن من المتوقع ان تكون الحرب في العراق قصيرة الى هذا الحد".

واردف نفس المصدر قائلا ان احدا لم يول اهمية لخارطة الطريق، سواء في اسرائيل او في واشنطن او في السلطة الفلسطينية، ولكن الادارة الاميركية قررت في فرصتين العمل على دفع الخطة قدما، مرة جراء تدخل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي عانى من ازمة سياسية عشية بدء الحرب على العراق، ومرة بسبب "مناورة" قام بها الفلسطينيون، الذين اعتقدوا ان شارون لن ينجح في تمرير موافقة على الخطة (خارطة الطريق) داخل حكومته، محاولين حشره في الزاوية.

الهاجس الاكبر الذي راود شارون هو تخوفه من امكانية ان تصبح اسرائيل، بعد الحرب في العراق، مطالَبة بتقديم تنازلات، وان يخف الضغط على الفلسطينيين.

واعتبر المصدر السياسي الاسرائيلي الرفيع ان النجاح في قمة العقبة تمثل في ان جل الحديث في القمة كرس للحاجة الملحة في ان يقوم الجانب الفلسطيني بـ " محاربة الارهاب" والاسهام في توفير الأمن، بينما لم يخصص سوى جزء ضئيل من محادثات القمة للثمن السياسي الذي يتعين على اسرائيل دفعه بعد ذلك.

ما الذي قاله الاميركيون؟

يمكن تشخيص ثلاث نقاط ادت الى التحول في الدور (التدخل) الاميركي: تعيين محمود عباس (ابو مازن) رئيسا للحكومة الفلسطينية في آذار الماضي، والنصر العسكري الاميركي في العراق في نيسان؛ وقرار بوش ارغام اسرائيل على قبول خارطة الطريق والدعوة لعقد قمة في المنطقة، وهو القرار الذي اتخذ في منتصف شهر ايار المنصرم.

وقد اكد بوش على جديته في عدة مناسبات:

· عشية الحرب على العراق زار واشنطن مدير مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، دوف فايسغاليس ومستشار الامن القومي افرايم هليفي. وقد ابلغا عقب وصولهما الى واشنطن ان الرئيس بوش يعتزم الادلاء ببيان سيعلن فيه التزامه الشخصي بتطبيق خارطة الطريق لحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني.

وقد مهدت لذلك الضغوط التي مارسها "بلير" على الرئيس بوش لحثه على زيادة دوره في حل النزاع من جهة، وتعيين ابو مازن رئيسا للوزراء من جهة اخرى. وطبقا لمصادر اميركية فقد التقى بوش في 13 اذار الماضي مع مبعوثي شارون، حيث اوضح لهما بوش خلفية بيانه، وتحدث عن الحاجة لاحراز تقدم، مشيرا الى تعيين ابو مازن.. وعبر بوش في نفس اللقاء عن ادانته لمواقف لرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، واسهب في الحديث عن عزمه شن الحرب على العراق وما يراه من مسوغات اخلاقية لهذه الحرب. وفي اليوم التالي- 14 آذار، خطب بوش في حديقة الزهور بالبيت الابيض، معلنا ان خارطة الطريق ستقدم للاطراف حال اداء حكومة ابو مازن يمين الولاء. ووعدت الادارة الاميركية بالاستماع لملاحظات اسرائيل على الخطة .

· في نهاية آذار، وبينما كانت الحرب (على العراق) في اوجها، قام وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم بزيارة لواشنطن، اوضح له خلالها الرئيس بوش اهمية تعاون اسرائيل في انجاح مهمة "ابو مازن"، وتحدث عن رؤيته لتحقيق حرية واستقلال الفلسطينيين، مستخدما مصطلحات مبدئية.

عاد وزير الخارجية الى اسرائيل وقال لشارون: "الرجل مصمم. انه يقدر جدا العلاقات بينكما، لكنه عقد العزم على دفع الاسرائيليين والفلسطينيين نحو التوصل الى تسوية".

· في مطلع ايار اجتمع بوش مع مجموعة من الزعماء اليهود الاميركيين. وروى احد المشاركين في اللقاء لجهات اسرائيلية ان الرئيس بوش قال عن شارون: "لقد انقذت مؤخرته في العراق. انه مدين لي، وانا انوي استرداد الدين".

الرسالة المركزية التي وجهتها الادارة الاميركية اشارت الى ان النصر في العراق وصعود ابو مازن (توليه لرئاسة الحكومة الفلسطينية) يوفران فرصة لدفع عجلة عملية السلام، لا يجوز اضاعتها.

رد شارون برسائل مماثلة في المقابلات التي ادلى بها عشية عيد الفصح اليهودي في نيسان الماضي. في 30 نيسان قدمت خارطة الطريق للطرفين، وفي اليوم ذاته وصل الى اسرائيل في زيارة سرية، الموظفان في البيت الابيض ستيف هدلي واليوت ابرامز، حيث قاما خلال الزيارة بمرافقة شارون في جولة بالطائرة فوق مناطق الضفة الغربية. وقد استهدفت زيارتهما الوقوف عن كثب على نوايا رئيس الوزراء الاسرائيلي والاطلاع بأعينهما على خريطة انتشار المستوطنات والمواقع الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية. وتحدث الموفدان الاميركيان عن تحقيق الرؤية التي طرحها بوش في 24 حزيران 2002، والتي دعت الى حل يرتكز الى دولتين، وقال ان " اليوم التالي" للحرب على العراق قد حان وان على اسرائيل اخلاء مواقع الاستيطان "غير المرخصة".

السؤال الرئيسي الذي شغل في تلك الفترة، بال مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي كان: الى اي حد ستأخذ الادارة الاميركية بالحسبان ملاحظات اسرائيل على خارطة الطريق.

وجهت واشنطن رسائل متضاربة في هذا الخصوص: اذ اوضحت من جهة انه لن يتم اجراء تغييرات على الخطة، ووعدت من جهة اخرى بالاصغاء لملاحظات اسرائيل.

وبعد تأجيل وتأخير دعي في 14 نيسان فريق من الموظفين الاسرائيليين برئاسة مدير مكتب شارون، دوف فيسغاليس، الى واشنطن ليقوم بعرض الملاحظات الاسرائيلية امام رايس وباول ومعاونيهما.

اوحى المسؤلون الاميركيون بأنهم يوافقون على جميع الملاحظات الاسرائيلية تقريبا، لكن مسألة ادخال هذه الملاحظات للخطة ظلت مفتوحة.

في العاشر من ايار زار باول المنطقة، وتحدث في جميع اللقاءات التي اجراها عن التزام ونية الرئيس بوش بالتدخل في تسوية النزاع، لكن باول قلل من اهمية خارطة الطريق وقال ان الخطوات التي تتم على الارض اهم من موافقة رسمية على الخطة. زار فايسغاليس مرة اخرى واشنطن في 15 ايار للتحضير لزيارة شارون، وهناك قيل له ان الرئيس يرغب بالاستماع من رئيس الوزراء عن الوجهة التي يقكر بالتقدم نحوها.

تغير التوجه في اعقاب لقاء شارون – ابو مازن في 17 ايار، والذي طالب فيه الفلسطينيون الجانب الاسرائيلي بتبني خارطة الطريق كشرط لاحراز اي تقدم.

في واشنطن تقرر قبول المطلب الفلسطيني، وفي ايار جاء السفير دان كرتسر الى رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون حاملا الطلب الداعي لقبول اسرائيل خارطة الطريق.

وفي اليوم التالي هاتف بوش شارون مكررا على مسامعه نفس الرسالة. توجه فايسغاليس الى واشنطن ليستمع هناك الى ترقب اميركي لاعلان قبول اسرائيل بالخطة وعدم ترك اي ذرائع للفلسطينيين. عاد فايسغاليس حاملا بلاغا اميركيا يعد بالتعامل بجدية مع الملاحظات الاسرائيلية، وان بوش ينوي القدوم بنفسه الى المنطقة.. في 25 آيار صادقت الحكومة على الاسرائيلية على قبول خارطة الطريق بشروط متشددة، وهكذا اصبحت الطريق ممهدة لقمة العقبة.

قبل انعقاد القمة زار اسرائيل والاراضي الفلسطينية المبعوثان الاميركيان ابرامز وبيرنز وقاما باعداد بيانات الزعماء الذين سيلتقون في العقبة. صيغة مسودة كلمة شارون سببت في البداية ضيقا للاسرائيليين حيث بدت لهم بمثابة قفزة الى الامام من جانب الادارة الاميركية، لكنهم (اي الاسرائيليين) نجحوا في استبعاد الصيغ والعبارات المقلقة من نص الكلمة.

المصادر السياسية الاسرائيلية اجملت الموقف بقولها ان "الصيغة النهائية لم تتضمن شيئا فرض علينا، او لم نصرح به قبل ذلك".

وماذا بعد؟

مصادر سياسية قالت مطلع الاسبوع انه من السابق لاوانه توقع كيف سيكون مستقبل التدخل والدور الاميركي في اعقاب لقاء العقبة. التقدير السائد في ديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي يشير الى ان الرئيس بوش يريد اولا وقبل كل شيء ان يعاد انتخابه لفترة رئاسية ثانية في العام 2004، وانه لا يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام. وان تدخله الشخصي نجم عن انتقادات داخلية ودولية لرفع يده او نأيه عن التدخل في النزاع، وكذلك جراء الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الولايات المتحدة امام خلق وضع مستقر في العراق، وبالتالي فان تحقيق انجاز في الحلبة الاسرائيلية – الفلسطينية من شأنه الحد من الضغوط على ادارة بوش، ولكن اذا واجه بوش صعوبات على هذا الصعيد فأنه سيوقف فورا تدخله، وفقا لتقديرات المحافل السياسية الاسرائيلية.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات