المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بروفيسور يئير زيمون / الاقتصاد العالمي
حرب مُحفّزة

تبدو الحرب على العراق قصيرة وناجحةً، قياسًا للتكهنات التي كانت عشيتها، كما أنه من المتوقع أن يكون لها تأثير أيجابي على الاقتصاد العالمي.

الدولار: إذا كان الحرب قريبةً من نهايتها حقًا، كما يتضح الآن، فإن العملة الأمريكية ستستمر في التقوّي نسبةً إلى العملات الرئيسية الأخرى في العالم، ونسبة إلى اليورو خصوصًا (ولكن ليس بالضرورة مقابل الشيكل، الذي من المتوقع أن يحافظ على مستواه الحالي، مع بعض الزيادة أو النقصان). وقد كان سعر الدولار الواحد عشية الحرب 0.9 يورو. وفي أعقاب الشعور بأن الحرب على وشك أن تنتهي بنصر أمريكي، فإن سعره ارتفع بحوالي 5%، ويمكن التقدير أن سعر الدولار الواحد يمكن أن يصبح أكثر من يورو واحد.

سعر النفط: ارتفع جدًا عشية الحرب، ومن ضمن الأسباب لذلك التخوف من أن يشعل العراقيون آبار النفط، ووصل سعر البرميل الواحد إلى 35 دولارًا. وكلما اتضحت نتائج الحرب إنخفض سعر البرميل، وهو اليوم حوالي 27 دولارًا. ومن الممكن أن تؤدي نهاية ناجحة للحرب إلى إنخفاض إضافي في أسعار النفط، وليس هنلك ما يمنع إنخفاضه إلى ما تحت الـ 20 دولارًا، كما كان قبل أشهر.

المرافق الأمريكية: المرافق الأمريكية موجودة في ركود إقتصادي منذ أكثر من سنتين، تجسّد في حضيض في البورصة أيضًا. وقد سجل مؤشر "داو جونس"، الذي يعكس أسعار الأسهم الصناعية الكبيرة في المرافق الأمريكية، حوالي 7700 نقطة. واليوم يدور الحديث عن إرتفاع في مؤشرات الأسهم الأمريكية بـ 8% قياسًا بالأسعار التي سادت قبل الحرب. ويمكن الافتراض أن المرافق الأمريكية ستدخل في مسار من النشاط الاقتصادي المتصاعد، في أعقاب الحرب، كنتيجة لإنخفاض أسعار النفط المتوقع وللتحسن المتوقع في المزاج القومي في الولايات المتحدة، الذي سيزيد من المشتريات والنشاط الاقتصادي.

المرافق الاسرائيلية: لدينا هنا مشاكل خاصة بنا، غير متعلقة بالعراق، لكن نهاية موفقة للحرب ستسهم في تحسين المرافق الاسرائيلية بلا شك. ومن الممكن أن يؤدي زوال الخطر الصاروخي إلى تحسين المزاج القومي وأن يزيد بالتالي من حجم المشتريات والنشاط الاقتصادي. وكانت التوقعات لذلك واحدة من العوامل التي أدت إلى إرتفاع في أسعار الأسهم في إسرائيل في الأيام الأخيرة. وبموازاة ذلك، هناك إحتمال بأن يدفع النظام الأمريكي بعد الحرب مساعدات مالية أخرى وحتى أن يوافق على ضمان ديون تجندها إسرائيل في الخارج.

(الكاتب هو محاضر رفيع للاقتصاد والتمويل في المجمع الأكاديمي في كريات أونو)

آفي بريمور / العلاقات الأوروبية الأمريكية

ترميم العلاقات الزوجية

الاحراج هو ما يميز العلاقات عابرة القارات في الأيام الأخيرة. وإذا بدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية المعارضة للحرب على العراق، إلى ما قبل أسبوعين، كزوج ديكة يستعدان للعراك، فإن الطرفين الآن يبحثان عن مخرج من هذه المتاهة.

ودعا وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، نفسه بشكل مفاجئ، إلى لقاء وزراء الخارجية الأوروبيين الذي جرى في بريسل في الثالث من الجاري. ولم يكتفِ بالتحدث أمام المؤتمر الوزاري، بل أصرّ على أن يلتقي كل واحد من الوزراء الـ 22، على حدة.

وفي نفس المدينة، سينعقد في التاسع والعشرين من الجاري، مؤتمر لأربع دول ترى في نفسها النواة الصلبة للاتحاد الأوروبي: ألمانيا، فرنسا، لوكسمبورغ وبلجيكا، والتي تحاول إعادة بناء برنامج لاتحاد أوروبي قوي، في ضوء الصدمات التي حلت بالاتحاد الواسع نتيجة الخلافات في الرأي حول العراق. والهدف المعلن لهذه الدول هو إقامة نواة من الجيش والأمن الأوروبي، تُستثمر بهما جهود على مستويات لم تعرفها أوروبا منذ عشرات السنوات. التفكير هو أنه عن طريق القوة العسكرية الأوروبية الموحدة فقط، يستكمل القوة الاقتصادية الأوروبية الموحدة، يمكن التأثير على الأحداث في العالم والمشاركة في عملية صنع القرارات الكونية.

ويرد الألمانيون على الانتقاد الموجه بشأن تمويل الاستثمارات الكبيرة في التسلح في فترة أزمة إقتصادية كبيرة، بأن الجيش والتسلح التقني ليسا شؤونًا سياسية فقط، وإنما يجب التعامل معهما على أنهما إستثمار في البنى التحتية الضرورية للتطوير الاقتصادي، لأن التقنيات العسكرية تدفع البحوثات والتطوير ومجال الهاي تك برمته.

ومع ذلك، يشددون في أوروبا على أنه ليست هناك أية نية، في أي حال من الأحوال، لمنافسة الولايات المتحدة، وبالطبع لمناوشتها، بل على العكس: النية هي وضع قوة يحوّل أوروبا إلى شريكة حقيقية في عملية صنع القرار العالمي وإلى حليفة أكثر نجاعةً للأمريكيين.

وفي مثل هذه الأوضاع، يبحث الطرفان الآن عن طرق لإعادة بناء الشراكة عابرة القارات، التي يبدو أن لا غنى للولايات المتحدة ولأوروبا عنها. وقد إختير توني بلير لدور الوساطة، الذي يرى فيه الأمريكيون والأوروبيون مرشحًا مثاليًا لتسوية الخلافات.

(الكاتب هو نائب رئيس جامعة تل أبيب، وسفير إسرائيل السابق في الاتحاد الأوروبي وألمانيا)

روني شكيد / إسرائيل والفلسطينيون

هنا ليس العراق

"خارطة الطريق" ستُوضع على الطاولة، وهذه مسألة وقت فقط. ولكن "خارطة الطريق" ليست كلمة سحرية ستحل النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني بالسرعة التي تنتهي فيها الحرب على العراق.

وسيُلزم طرح "الخارطة" إجراء نقاش حول بنودها، بما في ذلك رؤيا الدولة الفلسطينية التي تتضمنها. لـ "الخارطة" إحتمالات، ولها خيارات، ولكن الطريق لتحقيقها هي طويلة ومليئة بالعقبات والاختبارات المتبادلة، ويعصب التصديق أن الاسرائيليين والفلسطينيين قادرين على الالتزام بها.

هناك أمر واحد مؤكد: منذ لحظة وضع "خارطة الطريق" على الطاولة، ستتغير القواعد. لن يكون بإمكان إسرائيل بعد ذلك أن تقوم بعمليات عسكرية بالحرية التي تقوم بها الآن في المناطق (الفلسطينية)، مستعينة بالدبابات و"الأباتشي"، ومن المؤكد أنه قتل المدنيين بعد العراق لن يكون أمرًا مغفورًا. وستكون خطوط حمراء للتصرفات السياسية. مثلا، لو فكّر أحدهم في بناء الجدار "الأمني" شرقي أريئيل، فإنه لن يكون بإمكانه فعل ذلك، وستكون هناك حاجة للتعامل بجدية مع المستمسكات غير القانونية. وستضطر إسرائيل إلى تطبيق خطوات لخلق الثقة، مثل تخفيف الضغط عن السكان، منح حرية التنقل بين المدن وتحرير الأموال، وأيضًا، الموافقة على "بالونات تجارب" مثل "غزة أولا"، "بيت لحم أولا" أو خطة جزئية أخرى.

وسيضطر الفلسطينيون أيضًا إلى القيام بالكثير، خاصةً في مجال مكافحة "الارهاب" وتطبيق الاصلاحات السلطوية. وقد بدأ "أبو مازن" في إبداء علامات اليأس، وليس بسبب من "حماس"، وإنما بسبب عرفات.

ولكن في اليوم التالي للحرب على العراق، لن يكون إسرائيل والفلسطينيون لوحدهم في ساحة اللعب. الأمريكيون مدينون بديْن كبير لرئيس الحكومة البريطانية، توني بلير، وسيُدفع قسم من هذا الديْن عن طريق دفع "خارطة الطريق". ومع ذلك، يجب التأمل في الحلبة الأمريكية الداخلية أيضًا، وهناك لا يبدو أن الرئيس بوش سيدخل في مواجهة مع المتبرعين اليهود والصوت اليهودي، قبل الانتخابات لولاية ثانية له.

من المؤكد أن "خارطة الطريق" ستفتح جولة أخرى من المحادثات، وربما ستؤدي إلى مؤتمر سلام جديد أو جولة مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي. وستكون نهاية كل هذا مرهونة بالسؤال ما إذا كان "الارهاب" سيقرر مرة أخرى مصير العملية السياسية؛ وأيضًا، مثلما في العراق، ستكون مرهونة بالرئيس بوش: ما غذا كان مصرًا بشأن "خارطة الطريق" كما كان مصرًا بشأن صدام حسين، وربما هنا سيحدث أمرٌ ما أيضًا.

د. غاي بخور / العالم العربي

تهديد على الأنظمة الدكتاتورية

لم يسبق وأن حدث مثل هذا الأمر في تاريخ الشرق الأوسط: العراق، واحدة من الدول الرائدة في العالم العربي، سيتحول في السنوات القادمة إلى مختبر للديمقراطية.

الأمريكيون مصرّون على عدم الاكتفاء بعمليات الدمقرطة أو التعددية. في نيتهم تأسيس عراق علماني، حر وفدرالي، ذي جيش صغير. هذه رؤيا ساطعة، بُلورت تحت تأثير منفي عراقي في الولايات المتحدة، بروفيسور للشرق الأوسط إسمه كنعان مكية، الذي شغّل "لوبي" قويًا في البيت الأبيض والحكومة.

ويبدو أن الأمريكيين يفضلون الديمقراطية على جنرال سني متنور يؤسس حكمًا يشبه حكم مبارك في بغداد. وبما أن الحديث عن تجربة جديدة لم يعرفها العالم العربي من قبل، فيبدو أن الأمريكيين ينوون إعادة بناء الأجهزة الاجتماعية والسياسية في الدولة، عن طريق حاكم عسكري أمريكي، كما بنى الجنرال مكارثور الديمقراطية في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. والقصد هو أن يتنافس أثناء الانتخابات الديمقراطية مرشحون شيعة علمانيون، مثل أحمد تشيلبي، وشيعة متدينون مثل آية الله محمد بكر الحكيم، أو سنة مثل د. عدنان فضاضي.

حتى هنا الحلم، ومن هنا يبدأ الشرق الأوسط، القديم، وليس الجديد. ويمكن أن يتضح أن العراق من بعد صدام حسين، هو كيوغوسلافيا من بعد تيتو، وعلى الرغم من النوايا الحسنة عند الأمريكيين، إلا أن العراق قد يجنح نحو "البلقانية"، ونحو أعمال ذبح متبادلة ونحو التفتت إلى العناصر الإثنية المعادية لبعضها البعض.

والأخطر من ذلك: يمكن أن يقطف الشيعة، الغالبية في العراق، ثمار الحكم في الدولة عن طريق الانتخابات الديمقراطية، أو الانتقال إلى حرب إستنزاف و"إرهاب" ضد القوات المسيطرة في العراق، كما حدث في بيروت في العام 1982، إلى حين هرب الأمريكيين من هناك. وعندها من الممكن أن يتحول العراق إلى دولة "حزب الله" واحدة تحت قيادة آية الله الحكيم الكرزماتي، صاحب ملايين الأتباع. يجب التذكر أيضًا، أنه من ناحية أنظمة الحكم في العالم العربي، فإن هذه التجربة الديمقراطية هي تهديد وجودي، وسيعملون على إفشاله.

العراق الجديد يخرج صوب رؤيا كبيرة، وفي حالة نجاح هذه الرؤيا فإنها ستُسهم كثيرًا في قبول إسرائيل في المنطقة. ولكن في حالة فشلها لا سمح الله، فإن العراق والمنطقة كلها مهددون بأن ينبلعوا في كابوس سيكون أكثر سوءًا حتى من صدام حسين.

(الكاتب هو مستشرق ومختص قضائي للعالم العربي، من المركز متعدد المجالات في هرتسيا)

د. عوفره بنجو / مستقبل العراق

ناضجون للديمقراطية؟

قبل وقت طويل من بدء الحرب على العراق، بدأت المداولات حول مستقبل هذه الدولة، في اليوم التالي لصدام. ومن أدار هذه المداولات عن الجانب العراقي كان الأكراد- في العراق وفي المنفى. وقد قاد المداولات الحزب الكردستاني الديمقراطي برئاسة مسعود برزاني والاتحاد الوطني لكردستان برئاسة الطالباني، وهما من أمليا النغمة فيها. وقد أدى تفوقهما على مجموعات المعارضة الأخرى إلى قبول صيغة دولة ديمقراطية ذات مبنى فدرالي.

وقد تحول شعار الديمقراطية إلى علم رائد عند الأمريكيين والبريطانيين في الحرب. لكن السؤال الذي يجب التفكير به هو مدى نضج العراق بعد صدام حسين لتأسيس نظام ديمقراطي. ومن يعتقدون أن الجواب على هذا السؤال أيجابي يعتمدون على النموذج الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قاد نظام عسكري أمريكي اليابان نحو الديمقراطية. وفي الحقيقة، فإن الحالة العراقية تختلف بعدة نواحٍ مهمة عن الحالة اليابانية: أولا، العراق ليس جزيرةً مثل اليابان، وسيكون موضوعًا تحت تأثيرات وضغوطات من الدول المحيطة به، التي ستعارض كل واحدة منها، كل لأسبابه، نموذج الديمقراطية الفدرالية. ثانيًا، في الوقت الذي كانت فيه اليابان دولة متطورة عشية الحرب العالمية، فإن العراق لم يمرّ بعد بالثورة الصناعية، بالاضافة إلى تآكل الطبقة الوسطىجدًا أثناء الحرب والعقوبات المتواصلة، والتي من المفروض أن تقود العمليات الديمقراطية. ثالثًا، وعلى خلاف المجتمع الياباني المتشابه في أجزائه، فإن المجتمع العراقي هو مجتمع غير متجانس يعاني من إنقسامات دينية، طائفية، إثنية وقبلية، سيكون لها دور مؤكد في عرقلة كل محاولة لتأسيس الديمقراطية.

ومن أجل تأسيس الديمقراطية، فإن على الأمريكان أن يقلبوا الأنظمة السائدة التي كانت متبعة في العراق، وأن يمكّنوا الأغلبية الشيعية، المعدودة على أنها أقلية سياسية، من التحوّل إلى العنصر الحاكم والمسيطر في الدولة. مثل هذه العلمية بحاجة إلى قوة كبيرة لفرضها، وهناك شك في رغبة الأمريكيين في تفعيل مثل هذه القوة، لأنه من الممكن أن يؤدي إلى إنضمام الشيعة في العراق مع أولئك في أيران.

في نهاية الأمر، من يود تأسيس ديمقراطية في العراق، فهو بحاجة إلى قوة عسكرية. السؤال الحاسم هو ما إذا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة، خصوصًا أن هناك حرب حضارات بين الاسلام والغرب، تدور رحاها في الخلفية.

(الكاتبة هي باحثة كبيرة في مركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب)

(يديعوت احرونوت/ 9/4، ترجمة: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات