المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قريباً، ستنشب الحرب ضد العراق وسيلف ستار من التعتيم ما يجري في المناطق الفلسطينية. لن يأبه ولن يعير أحد ذلك أي انتباه، طالما أن الأحداث لا تعيق مجرى تلك الحرب المتوقعة. وفي ظل هذا التعتيم قد تقع أحداث خطيرة من الجدير التحذير منها منذ الآن.ليس لأن "نورا" ساطعا يسود الآن هناك، فهناك منذ أمد بعيد شعور (في إسرائيل والعالم) بأن كل شيء مباحاً في الحرب ضد الفلسطينيين، بدليل أنه ما من أحد يحتج على ما يحدث، لا على القنابل العنقودية التي تطلق على ملعب لكرة القدم، ولا على الفلاحين والمزارعين الذين يصرعون برصاص القوات الإسرائيلية، ولا على هدم البيوت بمعدلات مرعبة (مؤخرا جرى هدم 22 بيتا فلسطينيا في يوم واحد) أو هدم وتدمير سوق بأكمله في يوم آخر، ولا على تدمير منزل مطلوب لم يلق القبض عليه بعد على رؤوس ساكنيه، كما حصل في قضية مصرع "كاملة أبو سعيد" (65 عاما). كل هذه الأعمال حصلت في الأسبوع الفائت فقط.

وتشهد المناطق الفلسطينية من يوم لآخر أعمالا تزداد خطورتها وفظاعتها بشكل تصاعدي، وهي ممارسات تهدف إلى تركيع وكسر شوكة الجماهير الفلسطينية، لكنها تحطم في الوقت ذاته ما تبقى من صورتنا وسمعتنا الأخلاقية.

الأحداث التي كانت تهز العالم قبل عامين فقط، أصبحت اليوم جزءًا من روتين مألوف. من كان يصدق أن الجيش الإسرائيلي يمكن له أن يطلق قنابل انشطارية "فلاشت" على ملعب لكرة القدم أثناء وجود صبية يلهون فيه، ليصيب تسعة بجروح، إثنان منهم من الأطفال، ومع ذلك لا يحتج على ذلك أحد؟! ومن ذا الذي سيحتج على حدث بالكاد أذيع خبر وقوعه؟

من شاهد فقط مئات الشظايا المدببة التي تناثرت وتطايرت من تلك القذيفة في كل اتجاه - كما حصل في حادث وقع في غزة قبل ستة أشهر ولقي فيه أربعة من أبناء عائلة "أبو الهجين"مصرعهم، أو نتائج تشريح جثامين ثلاثة فتية فلسطينيين حطمت قذيفة "فلاش" أجسادهم في غزة قبل عدة أشهر.. من شاهد ذلك يمكنه أن يدرك مدى بشاعة وفظاعة الأمر، علما أن استخدام هذا النوع من الأسلحة يعتبر محرّماً حسب ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية. وتدعي إسرائيل، بأنها تستخدم هذا النوع من القذائف في قطاع غزة فقط، وذلك استنادا إلى الحجة الفظيعة بأنه يوجد هناك (في القطاع) فصل واضح بين المستوطنات اليهودية والتجمعات السكنية الفلسطينية.. وهي (إسرائيل) تقر بذلك أيضا أنه توجد في القطاع مناطق قتل متعمد (إعدام) يتساوى فيها مصير كل من يدخل إليها، مسلحاً كان أم غير مسلح، لأن أوامر إطلاق النار في هذه المناطق "إباحية". هذا الأمر يتضح من رد الدولة الإسرائيلية على التماس جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان، ضد استخدام قذائف الـ "فلاشت"، وهو الإلتماس الذي أجلت المحكمة الإسرائيلية العليا النظر فيه إلى شهر أيار المقبل. في هذه الأثناء عاود الجيش الإسرائيلي استخدام هذا النوع من القنابل ضد الأطفال.

المحكمة الإسرائيلية ليست مكترثة أو متعجلة البت بالأمر حتى وهي تنظر في التماسات ضد لجوء الجيش الإسرائيلي لإجراءات من قبيل استخدام "الجيران" والمواطنين الفلسطينيين كـ "دروع بشرية". مداولات المحكمة تمتد لفترة طويلة، ويقدم المحامي مروان دلال من منظمة "عدالة" شهادات إضافية للمحكمة تؤكد استمرار الجيش الإسرائيلي في اتباع إجراءاته التنكيلية والتعسفية، كإجراء "الخاسر" على الرغم من إصدار المحكمة أمرًا احترازياً ضد اتباع مثل هذا الإجراء. وطبقا لرسالة وجهتها جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى المدعي العسكري الرئيسي، فقد أمر جنود إسرائيليون في نابلس قبل نحو أسبوعين أفراد طواقم خمس سيارات إسعاف فلسطينية بالوقوف كحاجز بين الجنود وبين رماة حجارة في المدينة. وكان الجنود، حسب الشهادات، يصفقون مرحا في كل مرة تصيب فيها الحجارة سيارات الإسعاف. المدعي العسكري الإسرائيلي لم يقدم بعد رده على رسالة الشكوى في هذا الخصوص.

إن "إباحية" الجيش الإسرائيلي جلية للعيان في جميع المجالات، فإطلاق النار على رماة الحجارة بات أمرا بديهيا. في نهاية الأسبوع الماضي قتل بالرصاص ممرضان يعملان في أحد مشافي غزة، وقد أقر الجيش الإسرائيلي فور الحادث بأن الضحيتين غير ضالعين في "أعمال الإرهاب"، وأنهما قتلا نتيجة صواريخ أطلقتها مروحيات عسكرية "كإجراء رادع"، وهو اصطلاح جديد يضاف إلى قاموس ذرائع القتل غير المبرر التي يلجأ إليها الجيش الإسرائيلي. وإذا كان الجنود قد احتاجوا إبان الإنتفاضة الأولى إلى إذن مسبق من ضابط برتبة جنرال قبل مداهمة أي مسجد، فإنهم الآن يطلقون قنابل الغاز المدمع داخل المساجد كأمر روتيني.

كل ذلك يحدث قبل أن يتحول الإهتمام العالمي إلى ميادين حرب وسفك دماء أخرى. وفي ظل الحرب المتوقعة على العراق، سيكون هناك من يتطلع إلى تصعيد هذه الإجراءات أكثر فأكثر. هذا الأمر لا يجوز السماح بحدوثه. لقد استنفدت إسرائيل في محاربتها لـ "الإرهاب" منذ وقت بعيد ترسانة القوة والبطش والوحشية في مواجهة السكان المدنيين الأبرياء. وسيتبين مجددا بعد أن تضع الحرب أوزارها بأن المحصلة ليست سوى تعاظم الكراهية والإرهاب.

(هآرتس، 9 شباط، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات