المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أعقاب النجاح الذي حققته عملية حرية العراق ذهب الكثيرون من المحللين إلى القول إن هناك تغيرًا جوهرياً قد طرأ على طبيعة الحرب بعد تلك العملية، وإن ما تحقق فيها من نجاح باهر أمر يمكن تكراره حرفيًا في أماكن أخرى وبالتكلفة نفسها تقريباً، وهي تكلفة ضئيلة للغاية كما نعرف• ويخشى المعارضون للحرب من إمكانية حدوث ذلك، وخصوصا أنهم، ومعهم منتقدو إدارة بوش من مختلف ألوان الطيف السياسي، يذهبون إلى أن خطة بوش الكبيرة الآن هي التحرك إلى أهداف ودول جديدة مثل سوريا وإيران وليبيا وكوريا الشمالية.

إن فكرة أن هناك نوعا جديدا من الحروب يتم فيه قتل الأشرار فقط، ولا تترتب عليه أضرار جانبية، هي فكرة تقع ما بين المبالغة والسخف• فالإدارة الأميركية لن تقوم بشن الحرب على دولة بعد الانتهاء من دولة قبلها مباشرة، لمجرد أن مسؤولي البنتاجون يرون أن ذلك ممكن• ويرجع هذا إلى سبب بسيط للغاية و هو أن النشطاء السياسيين في واشنطن يعرفون أن المعدل الأمثل للحرب التي يمكن شنها في فترة ولاية أي رئيس من الرؤساء هي حرب واحدة فقط.

مع ذلك فإن الرئيس بوش يعتبر من ضمن هؤلاء الذين يريدون إثبات صحة الحجة القائلة بإمكانية شن حرب دون إحداث أضرار جانبية. فأثناء الزيارة التي قام بها لمصنع البوينج، حيث يتم تصنيع الطائرة (إف- 18) قال بوش مخاطبا عمال الشركة: أكثر من أي وقت مضى ، تقوم دقة التقنيات الخاصة بنا بحماية أرواح جنودنا وحماية أرواح المدنيين الأبرياء. إن هذا يمثل عصرا جديدا للحروب••• عصرا يمكن فيه استهداف الأنظمة لا الأمم... إن الإرهابيين والطغاة لم يعد في مقدورهم اليوم الشعور بالأمن عن طريق الاختفاء وراء المدنيين الأبرياء، كما كان يفعل نظام صدام حسين في العراق.

ولكن هل فعلا طرأ تغيير جذري على طبيعة الحروب بحيث أن تلك الحروب الآن لم تعد تؤذي سوى الأشرار فقط؟• وهل هناك ضمان لأن تقوم تلك الحرب بتغيير النتيجة تماما، حتى في حالة وجود عدو يلجأ إلى استخدام تكتيكات مختلفة ومبتكرة كما حدث في فيتنام؟ وهل ليست هناك إمكانية لأن يقوم عدو لديه القدرة على مواجهة السيادة الأميركية في الجو والبحر، بجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لقواتها البرية؟ وماذا سيحدث إذا ما كان العدو لديه القدرة على ضرب مراكز الكثافة السكانية لدى حلفاء الولايات المتحدة سواء بالمدفعية والصواريخ كما هو الحال بالنسبة لسوريا وكوريا الشمالية؟ ثم ما هو حجم المعلومات المتاحة عن الخسائر المدنية الحقيقية في العراق؟

إن الحرب على العراق قد أصبحت حتمية بمجرد أن هيمن المحافظون الجدد على السياسة الخارجية الأميركية. فبمجرد أن تولت الإدارة الجديدة وجد هؤلاء أنفسهم أمام التحدي الخاص بتسويق فكرة زيادة الإنفاق الدفاعي على حساب البرامج الاجتماعية للرأي العام الأميركي. وبدون الحرب على العراق لم يكن ممكنا لهؤلاء تبرير رؤيتهم الجديدة للعالم التي تقوم على الهيمنة الأميركية، والإنفاق العسكري الهائل كما قلنا، و الوضوح الأخلاقي كما يدعون.

ولم توفر الحرب ضد أفغانستان التي قامت الولايات المتحدة بشنها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، المبرر الكافي لتحقيق هذه الرؤية العالمية على أرض الواقع لسبب بسيط وهو أن الجزء الأكبر من تلك الحرب تم خوضه بواسطة القوات الخاصة الأميركية• وحتى حرب العراق لم تكن هي تماما ما يمكن للمحافظين الجدد الاستناد إليه في تبرير رؤيتهم، ولكنها كانت مع ذلك جزءا لا يتجزأ من هذه السياسة، أي أنها كانت مجرد خطوة ولكن ليست نهاية المطاف.

ويمكننا أن نتخيل مدى الضرر الذي كان يمكن أن يلحق بسياسة أو رؤية المحافظين الجدد، لو أن صدام حسين كان قد تعاون بدلا من أن يتصلب، ولو كان مفتشو الأمم المتحدة قد نجحوا في مهمتهم• لو كان ذلك قد حدث لكانت التعددية قد أثبتت أن العمل الانفرادي ليست له ضرورة.. ولو كان المترددون الأوروبيون قد أنفقوا قدرا أكبر من الأموال على جيوشهم، لكان بمقدورهم إثبات أن العمل الجماعي كاف في حد ذاته لمواجهة التهديد ، ولكانت رؤية المحافظين الجدد لأميركا الإمبريالية بالتالي قد فقدت بريقها.

لذلك كله كان لابد للمحافظين الجدد من خوض حرب جديدة ، وهو ما حدث بالفعل وإن كان ذلك لا يعني أنهم متعطشون لخوض حرب ثانية الأسبوع القادم مثلا.

لقد كان صدام حسين هو الهدف المثالي للهجوم حيث كان شريرا وضعيفا في الوقت نفسه• والعثور على عدو جديد تتوافر فيه هذه الصفات لن يكون بالأمر السهل، إلا إذا ما قررت الولايات المتحدة أن تقصر حروبها المستقبلية على الدول التي يمكن هزيمتها بأرخص الأثمان. فإيران يتم النظر إليها من قبل الشعب الأميركي على أنها دولة شريرة ولكنها ليست ضعيفة.. أما سوريا فهي ضعيفة ولكنها ليست شريرة على النحو الذي كان عليه عراق صدام• بالإضافة إلى كل ذلك، وبصرف النظر عما يحلم به حاليا المحافظون الجدد المستلقون الآن على ظهورهم في واشنطن، فإن الشيء المؤكد هو أن الهدف من الحرب على العراق كان هو تلافي تغيير النظام في واشنطن ذاتها•• أما القيام بحرب أخرى خلال فترة وجيزة للغاية فإنه ببساطة لن يفيد في ذلك.

عميد المركز الدولي في جامعة فلوريدا، والسفير السابق للولايات المتحدة في بيرو و موزمبيق، وعضو مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس بيل كلينتون.

(ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور - الأتحاد - الأمارات)

المصطلحات المستخدمة:

مجلس الأمن القومي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات