المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم محمد دراغمة
توهج ليل جادة الخالدية في نابلس بنور الشموع التي أضاءها الصحافيون في موقع استشهاد زميلهم المصور نزيه دروزة.

وقد تداعى عشرات الصحافيين لإضاءة الشموع على روح الشهيد الذي سقط في ساعات صباح التاسع عشر من نيسان 2003، وهو يلتقط صوراً لجنود الاحتلال وهم يواجهون تلاميذ المدارس بسيل من الرصاص القاتل.

وخيمت روح الشهيد على المكان مشيعة فيه أجواء من الحزن الشديد على غيابه، والتصميم على مواصلة المسيرة.

أخذ زملاء نزيه يستذكرون المواقف التي جمعتهم معه، والحالات والمصائر المماثلة التي لاقاها زملاء له في مهنة المتاعب، التي باتت في احتلالات عصر الصورة، مهنة المخاطر بامتياز.

أستذكر زميله عاطف سعد أشعاراً للشاعر الفرنسي الشهير بول ايلوار عن ممارسات الوحش النازي بحق المثقفين في فرنسا، عندما كتب ذات نهار: "لقد طاردوا الأبرياء كالوحوش، وفتشوا في العيون التي تبصر في الظلام، كي يفقأوها".

كان الوصف مطابقاً تماماً للموصوف، فنظارة الشهيد دروزة، التي حملها زملاءه معهم إلى الموقع، كانت شاهداً على استهداف عينه اليمنى التي يستخدمها في تصوير وتوثيق ما يمارسه الوحوش في هذه المدينة.

دموع كثيرة سفحها زملاء نزيه في موقع استشهاده.

فزميلته رانية أبو جرادة، مراسلة تلفزيون فلسطين في نابلس، لم تعد تحتمل الفراغ الذي تركه نزيه وراءه في مكتب التلفزيون في المدينة.

قالت رانية: عندما جئت صباح اليوم إلى المكتب ولم أجد نزيه شعرت بضيق شديد، نظرت الى ورقة الحضور والغياب، وعندما لم أجد توقيعه، لم أحتمل البقاء فيه، فغادرته على الفور. روت رانية بدموعها عن نزيه الإنسان الذي استقبلها لدى قدومها للعمل في المكتب، ووفر لها كل سبل الرعاية: من شقيق خبير إلى شقيقته الصغيرة".

وروى زملاء نزيه، المصورون عبد الرحيم قوصيني وناصر اشتية وجعفر اشتية وحسن التيتي وعلاء بدارنة وعبد الرحمن خبيصة هم الآخرون عن عالم لهم انهار فجأة أمام أعينهم بعد فقد زميلهم.

"لم يعد للعمل طعم، ولم يعد لدينا أي قدر من الأمان، قال زميله حسن التيتي.

ويعمل حسن في التصوير التلفزيوني منذ مطلع الانتفاضة الأولى عام 87، واجه خلالها العديد من الأخطار التي هددت حياته، شأنه في ذلك شأن باقي زملائه.

لكن هذه المرة كانت مختلفة، فقد شهد المصورون زميلهم يسقط بينهم، وتتناثر دماؤه على ملابسهم، وهم يصطفون لالتقاط صور الجنود يلاحقون طالبات وطلاب المدارس من راشقي الحجارة.

"طلب مني ابني الصغير أن لا اذهب اليوم للعمل خشية أن أتعرض للقتل مثل نزيه دروزة، قال المصور في تلفزيون نابلس سامي العاصي.

وكان سامي عاد إلى منزله وعلى ملابسه شيئاً من دماء نزيه، ونتفاً من دماغه الذي تناثر بعد أن شجت رأسه رصاصة قاتلة اخترقت عينه اليمنى ومضت لتفتت جمجمته.

وفيما نفت السلطات الإسرائيلية أن تكون الرصاصة التي أصابت نزيه أطلقت من قبل جنودها، تداعت العديد من الجهات الإعلامية الدولية إلى المدينة لتشاهد الصور التي التقطت للجندي لحظة إطلاق النار على نزيه، وتستمع في الموقع إلى شهادات حية عن الحدث الجلل الذي واجهته الصحافة الأجنبية العاملة في البلاد.

وتظهر الصور جندياً يتخذ وضعية التصويب والقنص، ويطلق رصاصة واحدة باتجاه المصورين، فتصيب نزيه ليخر بعدها صريعاً في موقعة.

وتظهر الصورة، التي التقطت عن قرب، حتى دخان البندقية لحظة انطلاق رصاصة الموت تلك.

"الإسرائيليون يجدون في الإعلام العالمي ساحة خاصة لهم، ولا يحتملون مشاركة أحد لهم فيها، لذلك، فإنهم يحاولون بشتى السبل الحيلولة دون وصول أحد غيرهم لها، ولهذا اقدموا على قتل هذا المصور الذي توزع صوره في مختلف أنحاء العالم"، قال الكاتب زهير الدبعي.

المصطلحات المستخدمة:

بول

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات