المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة
كثيرة، وغريبة، وقاسية، وأحياناً قاتلة ممارسات الجنود الاسرائيليين بحق المارة عبر الحواجز، تماماً كما هم الجنود غريبون وقساة وغالباً مستعدون للقتل.

وما تعرض له طالب القانون في جامعة النجاح قاسم كايد عويسات 19 عاماً في طريق عودته من الجامعة إلى مدينته قلقيلية الأربعاء الماضي كانت واحدة من تلك الممارسات الغريبة، والمهينة والقاسية، والقاتلة للكثير من المعاني والمشاعر الإنسانية.

ففي ذلك اليوم، غادر قاسم إلى قلقيلية عبر الطرق الالتفافية المعتادة، ولكن كان عليه أن يمر عبر حاجز في الطريق بين قريتي صرة وجيت، غرب نابلس، وهناك أوقفه ضابط، وأجلسه عنوة على الأرض، وسحب ذراعه بقوة وقسوة، وكسر زجاجة مشروبات غازية، وتناول قطعة زجاج حادة منها، وحفر في لحمه الحي رسماً لنجمة داود.

ورغم مرور عدة أيام على الحادث، ما زال الحفر بارزاً بوضوح على ذراع هذا الطالب، الذي يدرس القانون، ويؤمن به وسيلة لحل النزاعات بين الدول والشعوب كما بين الأفراد.

<<كان الجنود في غاية الغضب والتوتر على الحاجز ذلك اليوم، بعد مرور أقل من 24 ساعة على عملية تفجيرية في تل أبيب، وقد أخذ الضابط يشتم العرب وهو يحفر في لحمي قائلاً: "أنتم العرب قتلة مجرمون، تقتلوننا وتريدون منا أن نسمح لكم بالمرور، سنجعلكم تذوقون الجحيم".>>

حاول قاسم مقاومة ما تعرض له مدفوعاً في ذلك بشدة الألم الذي يكابده، والشعور بالامتهان، لكن الضابط، المدرب جيداً على فنون الضرب والقتال، وجه له ضربات شديدة على مفاصل كلتا رجليه، ما جعله يفقد الإحساس بهما، ويستسلم لقدره.

وقال: <<كان دخول الزجاج الحاد في اللحم مؤلماً جداً، وقد سحبت ذراعي كاظماً الغيظ والألم، فما كان من الضابط إلا أن نهض، ووجه بقدمه ضربتين على العصب الرئيس بين عظمتي كلتا الركبتين، ما جعلني افقد الشعور بالرجلين، ليواصل هو ما بدأه>>.

<<كان الحر شديداً ، وكان جسدي ينزف عرقاً، واختلطت الدماء بالعرق، والألم الجسدي بالنفسي>>، قال قاسم.

ويصف الطالب الجامعي الحالم بالتخرج والعمل في مجال القانون شعوره في تلك اللحظات بالقول: <<لأول مرة في حياتي يتملكني هذا الشعور بالضعف، لقد شعرت بأني ضعيف ومهان قبالة ضابط لديه كل وسائل القتل>>.

وقد وقع اختيار الضابط على قاسم لممارسة هذا التعذيب والتنكيل بحقه في ذلك اليوم لسبب توقع أن يكون امتيازاً له وهو: إتقانه العبرية. <<فقد سأل الضابط عن متحدث بالعبرية ليبلغ العشرات من المواطنين، غالبيتهم من طلبة الجامعة العائدين لبيوتهم، عن قراره عدم السماح لأي منهم بالمرور، وهو ما فعله. لكن الطالبات فضلن الانتظار على الحاجز لعل الجنود يغيرون رأيهم، ويسمحون لهن بالعبور بدلاً من تسلق جبال ونزول وديان>> قال قاسم.

وأضاف: <<عندها استدعاني الضابط، واتهمني بأنني لم أبلغ أوامره، وطلب مني، بعصبية، الجلوس على الأرض، ثم تناول الزجاجة، وشجها بحجر، وأخذ منها قطعة حادة، وشرع في الحفر على يدي>>.

ويعتقد قاسم، من خبرته الطويلة في المجتمع الإسرائيلي، أن الضابط المذكور من المهاجرين الروس، وذلك للكنته الثقيلة.

وقد دأب هذا الطالب على العمل في إسرائيل مع والده خصوصاً في العطل المدرسية.

ولطبيعة العمل الذي مارسه، وهو شراء الأثاث المستعمل من بيوت الإسرائيليين، فقد كوَّن هذا الشاب انطباعاً ومعرفة قويين عن هذا المجتمع.

ويقول: <<أنا لا اكرههم، وليس ثمة ما يدعوني لمحبتهم، فمشاعري تجاههم محايدة>>.

<<فكرتي عن الإسرائيليين أنهم يتعاملون بفوقية مع الفلسطينيين، دائماً ينظرون نحونا من فوق، ويتوقعون منا أن نقبل ما يطرحوه علينا، ويغضبون جداً إن خالفنا توقعاتهم>>.

وكما انطبعت هذه الحادثة في جسده، على لحمه الحي، فإنها انطبعت أيضاً في ذاكرته.

يقول: <<ما تعرضت له لا ينسى. ولدت لديَّ مشاعر جديدة تجاه كل من يرتدي الزي العسكري الإسرائيلي، مشاعر هي مزيج من الحقد والرغبة في الثأر لكرامتي الشخصية، كإنسان أولاً، وكفلسطيني ثانياً>>.

أما مشاعره تجاه اليهود عامة فلم تتغي: <<زملائي في الجامعة يعرفون موقفي الذي أختلف مع الكثيرين منهم حوله، فأنا دائماً أقول أنني وبنفس الدرجة التي أرفض فيها المس بالمدنيين الفلسطينيين، فإنني أرفض المس بالمدنيين الإسرائيليين أيضاً، فالإنسان هو الإنسان وحياته يجب أن تحترم بصرف النظر عن دينه وجنسيته..>>

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات