المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد أقل من اسبوع على تشكيلها، وجدت حكومة شارون الثانية نفسها أمام وضع مشابه لما كانت عليه الحال إلى ما قبل شهرين، عندما وقعت العملية الانتحارية السابقة. في تلك الايام تصدرت العمليات الانتحارية الفلسطينية واجهة المشهد، وكانت تتطلب <رد فعل فوري>، عادة ما يجيء مشابهاً لما كان حتى الآن – اجتياح وقتل وتدمير في مناطق السيادة الوطنية الفلسطينية.


ومع ان وسائل الاعلام والمحللين السياسيين والعسكريين في اسرائيل عادوا الى اسطوانة <رد الفعل الاسرائيلي الفوري والمطلوب> على العملية، منذ اللحظة الاولى على وقوع الانفجار في الباص رقم 37 في الكرمل بحيفا (5 آذار) – أي: إبعاد الرئيس ياسر عرفات والدخول الى غزة – الا ان حكومة شارون الثانية، بشقيها المتطرفين، <المفدال> و <الاتحاد القومي>، قررت في ختام جلسة طارئة للكابينيت اتخاذ سلسلة من العمليات العسكرية <التقليدية> ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك في الضفة الغربية المحتلة، حيث يتواصل <العمل ضد قواعد الارهاب> منذ اللحظة الاولى على اعتلاء ارئيل شارون سدة الحكم قبل سنتين.

<حالياً – يكتب شمعون شيفر المراسل السياسي لصحيفة <يديعوت احرونوت> 6 آذار – بقي مُعطى واحد في مسار الدم على ما هو عليه منذ سنوات: ياسر عرفات لا يزال يقف برأس السلطة الفلسطينية، وحكومة اسرائيل لا تزال ترى فيه، على رغم حقيقة ان جيش الدفاع يسيطر في معظم مناطق الضفة، مسؤولاً عن عمليات "تنظيمات الارهاب">.

وتروي المصادر الصحفية الاسرائيلية ان شارون تلقى عبر الهاتف نبأ الانفجار في الباص بحيفا دقائق معدودة بعد محادثة مطولة مع رئيس حكومة ايطاليا سيلفيو برلوسكوني. اما وزير الخارجية سلفان شالوم فسمع بالعملية بعد محادثة مع موفد الاتحاد الاوروبي موراتينوس، الذي اخبره بنية الرئيس عرفات تعيين <ابو مازن> في الايام القريبة رئيساً للحكومة، ورئيس الحكومة السابق ووزير المالية الحالي بنيامين نتنياهو سمع بالعملية عندما سلمه مستشاروه تقريراً عن ارتفاع الدولار في الاسواق المالية.

<التقديرات التي كانت مقبولة الى الان بخصوص "مصير عرفات" قالت انه سيجيء يوم، يبو انه سيكون بعد عملية كبيرة، يتم فيه تحميل عرفات على طائرة عمودية لسلاح الجو وابعاده من المناطق>، كتب شيفر في مقاله.

هناك اغلبية كبيرة في حكومة شارون الحالية تؤيد هذا التوجه: نتنياهو، الذي يدعي ان المجابهة مع الفلسطينيين <ستحسم فقط بعد إبعاد ياسر عرفات>، وشاؤول موفاز وزير الدفاع، الذي يدعي ان إبعاد الرئيس الفلسطيني <سيفتح الباب امام حوار مع قيادة اخرى من بين الفلسطينيين>، وسلفان شالوم وزير الخارجية، الذي اعتاد ان يطالب بعد كل عملية بإبعاد القائد الفلسطيني.

<لكن احدًا من الوزراء في جلسة الكابينيت التي عقدها شارون لم يثر هذا المطلب بتاتاً>، يقول شيفر، <كل من هو بمستوى صاحب قرار يدرك ان المنطقة تقف امام تطورين دراماتيكيين: في نهاية الاسبوع قد تنشأ فرصة ينتخب فيها المجلس التشريعي الفلسطيني رئيس حكومة، والتطور الاخر – تتزايد المؤشرات على ان الاميركان يقفون لحظة قبل المعركة المصيرية ضد العراق>.

بموجب شيفر في <يديعوت> والوف بن في <هآرتس>، فإن شارون وكبار وزرائه يخططون مواصلة الصمت على مضض وعدم اصدار الاوامر للجيش الاسرائيلي للقيام بعمليات قد تصرف الانظار الدولية عن القضية العراقية، او <توفر لعرفات ذريعة لمنع تعيين رئيس الحكومة الفلسطيني الاول>.

أما الجيش، كما تقول المصادر المقربة من موفاز، فسيواصل عملياته <لتفكيك قواعد الارهاب> في الاراضي الفلسطينية بموجب انماط العمل التي شاهدناها حتى اليوم. <لا اكثر من ذلك>.

<مصير عرفات حسب الوسط السياسي في اسرائيل يتقرر في اليوم التالي على انهاء الحرب في العراق>، يكتب شمعون شيفر. ويرى افرايم هليفي، رئيس <الموساد> السابق والمستشار لشؤون الامن القومي، ان صدام حسين وياسر عرفات <سيختفيان معاً في سنة 2003>. لكن جهاز الامن العام <الشين بيت>، وكما نشر مؤخراً، ليس شريكا في هذه التقديرات.

قبل عدة أيام – يروي شيفر في صحيفته – ظهر مسؤول امني امام الصحفيين وبصورة مفاجئة قدم تقديرات مناقضة للتقديرات التي كانت سائدة حتى الان: <عرفات سيبقى معنا بعد ان يختفي صدام حسين ايضاً>، قال. <وحتى لو ابعد عرفات من المناطق الفلسطينية>، اضاف، <فانه مثل ذلك الملك الذي يأخذ التاج معه، ولن يكون هناك احد من بين القادة الفلسطينيين ممن سيجرؤ على مخالفته>.

<خلاصة الامر – حكومة في اسرائيل تمضي وحكومة اخرى تحل مكانها. عملية حيفا عززت حاليا المتشائمين من بيننا، اولئك الذين يدعون ان شيئاً اساسيًا لن يتغير في الصراع مع الفلسطينيين>.

* حكومة شارون الجديدة تتبنى سياسته الأمنية القديمة

قبل الانفجار في حيفا عصر الاربعاء 5 آذار عقد رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون، اجتماعاً للبحث في <تصاعد التهديدات الإرهابية> ضد اسرائيليين في خارج البلاد. <ليتنا فقط لا نتعرض الآن فجأة الى عملية جديدة>، قال رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الأستخبارات العسكرية، العميد يوسي كوبرفاسر. في أوج البحث أدخلت الى الجلسة قصاصة ورق للتبليغ عن السيارة المفخخة التي انفجرت في باريس بالقرب من المدرسة الأسرائيلية. هذا الحادث تبين فيما بعد انه كان اغتيالاً جنائيا. العملية الحقيقية وقعت بعد ذلك بساعات قليلة في مدينة حيفا، اكثر قربا الى اسرائيل بكثير.

في ساعات المساء عقد شارون اجتماعًا للمجلس الوزاري المقلص للشؤون السياسية والأمنية، كان الهدف الأساسي منه منح الوزراء الجدد إحساسًا بالمشاركة في اتخاذ القرارات. قبل ان تبدأ الجلسة، أوضحت مصادر سياسية وأمنية اسرائيلية انه لا نية للانحراف عن السياسة الأمنية الرسمية المتبعة في المناطق الفلسطينية والرد بعملية واسعة. ما كان هو ما سيكون: احتلال جزئي في الضفة الغربية وعمليات توغلية في قطاع غزة.

جلسة المجلس الوزاري الأمني الاسرائيلي المقلص للشؤون السياسية والأمنية كانت تستهدف، بالأساس، تثبيت السياسة القديمة بتوقيع وتصديق من الحكومة الجديدة.

المصادر المذكورة عددت <ثلاثة أسباب لضبط النفس> الذي يبديه ارئيل شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز:

* اسرائيل معنية باجتماع المؤسسات الفلسطينية في نهاية الأسبوع لانتخاب رئيس للحكومة الفلسطينية. <الرد العنيف من جانب اسرائيل سيوفر للرئيس ياسر عرفات ذريعة لتأجيل القرار واتهام اسرائيل بذلك>، يقول الوف بن في <هآرتس> (6 آذار).

* اسرائيل لن تقوم بأعمال من شأنها وضع عقبات ومصاعب امام الولايات المتحدة في استعداداتها للحرب القريبة على العراق. <هذا ليس أسبوعا ملائما لأزعاج الولايات المتحدة ومضايقتها>، على حد تعبير مصدر أمني اسرائيلي.

* <السياسة الأمنية الحالية حققت نجاحاً كبيرا في احباط المزيد من العمليات الفلسطينية، وهي السبب وراء الهدوء النسبي في الأسابيع الأخيرة> - (الوف بن – هآرتس).

يضاف الى هذه الأسباب سبب رابع هو غياب الضغط السياسي الداخلي على شارون للرد بصورة أقسى مما كان حتى الأن! حتى وزراء اليمين الأكثر تطرفا امتنعوا عن اطلاق التصريحات الحربجية وامتدحوا السياسة الحالية. بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم التزما الصمت. وسوى اصوات معدودة من <المفدال> (اورليف) و <الليكود> لم يرفع احد صوته مطالباً باللجوء الى <خيار الإبعاد>.

اما وزير المالية الجديد نتنياهو فمشغول بمهاتفة أصدقائه في مجلس النواب الأمريكي في محاولة لدفع موضوع الضمانات المالية الامريكيو لاسرائيل.

*<خريطة الطرق> تستطيع الانتظار...

في موازاة ذلك، لم يتأثر أحد في تل ابيب من بيانات الشجب والتنديد الدولية على عمليات عمليات الجيش الاسرائيلي الاجرامية في غزة، التي اوقعت قتلى بالعشرات بين المدنيين الفلسطينيين في الأيام الأخيرة. هذه الاوساط الرسمية اشارت الى ان رد الفعل الأمريكي الرسمي كان <طبيعيا> وبقي <في مستوى بيان من الناطق الرسمي>. الإنتقادات الشديدة جاءت، اساساً، من بريطانيا ومن سائل الإعلام الأمريكية.

اسرائيل والفلسطينيون بعيدون اليوم عن مقدمة جدول الأعمال السياسي الأمريكي، وأكثر ما في الأمر ان مسؤولين امريكيين يقطعون وعودًا لزملائهم الأوروبيين بأنهم سيتفرغون لمعالجة النزاع الأسرائيلي - الفلسطيني، بعد العراق مباشرة.

وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قال في الأيام الأخيرة لبعض زملائه الأوروبيين ان الرئيس جورج بوش <جاد للغاية> في مسألة المستوطنات، لكنه لم يدل بأي تفاصيل حول الخطوات التي يعتزم بوش اتخاذها، ومتى. وقد اكد باول ان الرئيس الامريكي <ملتزم بخريطة الطرق> الدولية لحل النزاع، وقال انه بالإمكان ادخال بعض التعديلات عليها، لكن الأطار العام سيبقى كما هو.

التقديرات في تل ابيب تقول ان <خرطة الطرق> ستنتظر الى ما بعد الحرب في العراق. وعندئذ ستقف امام الولايات المتحدة اعتبارات اخرى، أهمها العمل على اعادة انتخاب بوش للرئاسة مجدداً.

من الممكن أيضاً ان تتغير خريطة الطرق، بكاملها. وهذا مرتبط ايضًا بما سيحصل في الجانب الفلسطيني. ومن هنا، فشارون لا يتعجل في تسليم الولايات المتحدة الرد الأسرائيلي الرسمي على خريطة الطرق. الطاقم الذي يتولى اعداد الرد الأسرائيلي سيجتمع مرة اخرى الأسبوع القادم لوضع الصيغة النهائية للرد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات