المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خارج المكتب يدحرجون القصة المطلوبة، غير قلقين البتة. العلاقات مع رئيس الولايات المتحدة جورج بوش ممتازة: تقدير متبادل، وُدٌّ متبادل، وصدقية. لذلك، ليس ثمة ما يثير التخوف. ليس ثمة أي خطر في ان تتحول "خارطة الطريق" للتسوية الاسرائيلية - الفلسطينية الى مصيدة. ثم ان ارئيل شارون يجيد التملص من المصائد. انه متخصص في اقتياد الاخرين الى المصائد التي يتملص منها بنفسه.


لكن يبدو ان رئيس الحكومة نفسه لم يعد كما كان دائمًا. انه مهذب كما دائمًا، يسترجع الذكريات كما دائمًا، لكنه حذر اكثر من ذي قبل بكثير. مع كل سؤال يرى المطبّ الذي قد يكون فيه، ومع كل تصريح يطلقه لا يلبث ان يرى الأزمة التي قد يثيرها.

منذ انتخابات الكنيست الأخيرة في نهاية كانون الثاني، لم يدل بأي تصريحات. لا بل حتى في خضم المعركة الانتخابية، لم يكثر من الحديث. المرة الأخيرة التي قال فيها امورًا واضحة وحازمة قطعت اقواله بأمر من رئيس لجنة الانتخابات المركزية القاضي ميشائيل حيشين. لا، انه لم ينس ذلك، كما انه لم يحببه. لكن لا احد يمكن ان يسمع منه كلمة نقد لقاض. كذلك الأمر بالنسبة الى الصحفيين. انه يدرك اهمية الاعلام الحر.

السنة الماضية منذ العملية العسكرية ليلة عيد الفصح العبري في فندق "بارك" في نتانيا، كانت سنته الأكبر. لقد رد على الارهاب بقوة عسكرية (عملية "السور الواقي") وباعتدال سياسي (المواجهة مع بنيامين نتنياهو في مركز الليكود). في منتصف السبعينات من عمره حظي بشعبية غير مسبوقة، لأنه عرف كيف يناور في داخل المثلث: بوش - عرفات - نتنياهو. الدعم القوي من الرئيس الأمريكي هو الذي مكّنه من حبس (الرئيس ياسر) عرفات في المقاطعة، ونتنياهو في وزارة المالية. لكن ثمة تخوف الآن من ان بوش على وشك ان يحبس شارون نفسه في "خارطة الطريق". ولذلك فان اجواء من التوتر الشديد جدًا تسود ديوان رئيس الحكومة. صمت وتوتر.

- رئيس الحكومة شارون، نحن نقف الآن في لحظة تاريخية مذهلة. الواقع من حولنا يتغير من أساسه. هل الواقع الشرق اوسطي الجديد ما بعد سقوط العراق هو، من وجهة نظرك، بشير خير ام نذير سوء، هل هو جيد لاسرائيل ام سيء؟

شارون: " قيادة العراق كانت قيادة قتل فظيعة. منذ عشرات السنين ادركت انه من غير الممكن امتلاك / شراء قنبلة (ذرية) اسلامية، ولذلك قررت انتاجها بنفسها. ومن هنا فان ازالة التهديد العراقي يشكل مبعثاً للراحة. لكن، بذلك لم تزل جميع المشاكل التي تواجهنا. ايران تبذل كل ما في وسعها من اجل انتج اسلحة دمار شامل، وتعكف على انتاج صواريخ بالستية. ليبيا تبذل جهدًا كبيرًا جدا لبلوغ السلاح النووي. ان ما يحصل في هذه الدول هو خطير وجدي. كذلك في السعودية، هنالك نظام يقدم الدعم للمنظمات الارهابية هنا".

- هل تعني، بأقوالك هذه، ان ما حصل في العراق يجب ان يحصل ايضاً في ايران وليبيا والسعودية؟

شارون: "اظهرت الولايات المتحدة في موضوع العراق درجة عالية جدًا من القيادة والمسؤولية. اعتقد انه ليس من الواقعي التفكير بأنه فور انتهاء المعركة الاولى ينبغي ان تبدأ المعركة الثانية. ثمة قيود على الدولة الأعظم ايضاً. حتى حين تنتصر، لا بد انك تضعف نوعاً ما.

"لكننا نقف ازاء امكانية ان تبدأ هنا مرحلة اخرى مختلفة. العملية في العراق احدثت هزة في الشرق الاوسط وهي تحمل الأمل بتغييرات كبيرة. ثمة هنا الآن فرصة لانشاء منظومة جديدة مختلفة في العلاقات بيننا وبين الدول العربية، كما بيننا وبين الفلسطينيين ايضاً. ممنوع اغفال هذه الفرصة. انني انوي فحص هذه الأمور بمنتهى الجدية".

- هل ترى املاً في التوصل الى تسوية في المستقبل المنظور؟

"الأمر منوط بالعرب، اولاً وقبل كل شيء. انه يستلزم قيادة اخرى بديلة، ومحاربة الارهاب وجملة من الاصلاحات. انه يستوجب وقف التحريض بشكل مطلق وتفكيك كل التنظيمات الارهابية. واذا ما وجدت قيادة تدرك هذه الامور وتنفذها بشكل جدي، فان امكانية التوصل الى تسوية واردة".

- هل تعتبر ابا مازن قائداً يمكنك التوصل معه الى تسوية؟

شارون: "ابو مازن يدرك انه لا يمكن اخضاع اسرائيل بواسطة الارهاب".

- في احد الايام القريبة قد يرن جرس الهاتف. سيكون على الخط رئيس الولايات المتحدة. سيقول لك: "اريك، لقد خلّصت اسرائيل من خطر كان يهدد وجودها. انني انفذ ثورة في المنطقة كلها. الآن جاء دورك لتقدم حصتك. نيتسريم، رجاء..."

شارون: "ثمة امور سنكون مستعدين لاتخاذ خطوات بعيدة الأثر فيها. سنكون مستعدين لاتخاذ خطوات مؤلمة جدًا. لكن هناك امراً واحداً قلته للرئيس بوش عدة مرات: لم اتنازل في الماضي، ولن اتنازل الآن، ولن اتنازل اطلاقاً في المستقبل، عن أي شيء يتعلق بأمن اسرائيل. اوضحت للرئيس بوش ان هذه هي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقي تجاه مستقبل الشعب اليهودي ومصيره. عليكم ان تعلموا: في هذا الموضوع لن نقدم اي تنازلات. نحن الذي سنقرر، في نهاية المطاف، ما الذي يشكل - وما الذي لا يشكل - خطراً على اسرائيل".

- وماذا بشان "نيتسريم"؟

شارون: "لا اريد الخوض الان في نقاش حول هذا الموقع او ذاك. الموضوع على غاية من الحساسية ولا ينبغي الاكثار من الحديث عنه. ولكن اذا تبين ان ثمة من يمكن التفاوض معه، وانهم يفهمون ان السلام ليس عمليات ارهابية ولا العمل ضد اسرائيل، عندئذ سأقول بالتأكيد اننا سنضطر الى اتخاذ خطوات مؤلمة لأي شخص يهودي، ومؤلمة لي شخصيًا".

- اليس تعبير "خطوات مؤلمة" هو تعبير أجوف؟

شارون: " لا، قطعياً. انه يخرج من اعماق روحي. انظر، الحديث هنا هو عن مهد ولادة الشعب اليهودي. تاريخنا كله مرتبط بهذه المواقع: بيت لحم ، شيلو، بيت ايل. وانا اعرف اننا سنضطر الى الخروج من بعض هذه المواقع. سيكون هنالك انفصال عن مواقع ترتبط، ارتباطًا وثيقًا، بكل سيرورة تاريخنا. كيهودي، هذا يعذبني جدًا. لكنني قررت بذل كل الجهود من اجل التوصل الى تسوية. الضرورة العقلانية للتوصل الى تسوية تتغلب عندي، الآن، على المشاعر".

- أقمتَ المستوطنات وآمنتَ بها ورعيتَها. هل انت مستعد اليوم للبحث في اخلاء مستوطنات معزولة؟

شارون: "اذا ما توصلنا الى سلام حقيقي، سلام يدوم لأجيال، سنكون مضطرين لتقديم تنازلات مؤلمة. ليس مقابل وعود، وانما مقابل سلام".

- هنالك من يتوقع منك ان تكون ديغول الاسرائيلي - قائدًا وطنيًا، جنرالاً، يدرك في لحظة معينة ان الواقع قد تغير، يدير ظهره لجزء من تاريخه وسيرته الذاتية ليخلق تحولاً تاريخياً جذرياً. هل لديك مثل هذا الطموح؟

شارون: "بالنسبة للمقارنة مع ديغول ينبغي ان نتذكر امرًا واحدًا: الجزائر هنا. انها ليست على بعد مئات الكيلومترات. ولذا، فان درجة الحذر المطلوبة هنا اعلى بكثير".

- لكنني أسأل عنك شخصياً: هل تود ان يذكروك بصفتك قائد التحول التاريخي؟

شارون: "سأقول لك ما يلي: لقد حزمت امري على بذل جهد حقيقي للتوصل الى تسوية. انني اعتقد ان من شاهد هذا الشيء العظيم المسمى دولة اسرائيل في مرحلة نشوئها وتكوّنها، ربما يفهم الأمور بصورة افضل ويفهم بطريقة افضل ايضًا الطريق الصحيح للتوصل الى حل. ولذلك اعتقد ان هذه المهمة ملقاة على ابناء جيلي، الذين عايشوا احدى الحقب الأكثر دراماتيكية في تاريخ الشعب اليهودي.

"انا ابن 75 عاما. ليست عندي طموحات سياسية اكثر من هذا المنصب الذي اتولاه. وارى امامي هدفاً واحداً هو جلب الأمن والسلام لهذا الشعب. ولذلك سوف ابذل جهودًا كبيرة جدًا. اعتقد ان هذا ما ينبغي ان يكون تركتي: محاولة التوصل الى تسوية".

- هل قبلت حقاً بفكرة الدولتين للشعبين؟ هل تنوي حقاً تقسيم ارض اسرائيل الغربية؟

شارون: "اعتقد ان هذا هو ما سيكون. يجب رؤية الامور بصورة واقعية: في نهاية الأمر ستقوم دولة فلسطينية. انني ارى الأمور، اولاً، من وجهة نظرنا نحن. انا لا اعتقد ان علينا السيطرة على شعب آخر وادارة شؤون حياته. لا اعتقد ان لدينا القوة والقدرة على ذلك. انه حمل ثقيل جداً على الجمهور ويخلق مشكلات اخلاقية ومشكلات اقتصادية حادة".

- ورغم ذلك، عادت اسرائيل بقيادتك الى السيطرة بشكل مباشر على المدن الفلسطينية.

شارون: "وجودنا في جنين ونابلس هو مؤقت. تواجدنا في هذه المدن جاء لحماية سكان اسرائيل من العمليات الارهابية. هذا الوضع لا يمكن ان يستمر".

- في السابق كنت تتحدث عن تسويات مرحلية طويلة الأمد. لم تكن تؤمن بالحل النهائي وبنهاية النزاع.

شارون: "أعتقد ان هنالك اليوم فرصًا لم تكن متوفرة من قبل. العالم العربي عامة، والفلسطينيون خاصة، مروا بزلزال. ولذلك توجد اليوم فرصة للتوصل الى تسوية بأسرع مما يعتقد البعض".

- الجمهور الاسرائيلي انتخبك مرتين بأغلبية كبيرة لأنه كان يريد منك ان تصدّ عرفات وان تهزمه. هل حققت ذلك؟

شارون: "اعتقد ان احد النجاحات التي حققناها هو في فتح اعين الكثيرين على حقيقة السلطة الفلسطينية وحقيقة من يقف على رأسها وجعله غير ذي صلة. حين استخدمت هذا التعبير في السابق اصيب بعض رجالنا بصدمة. وخاصة اولئك الذين يكتبون ويصرّحون. ولكن عرفات اصبح حقاً، في نهاية الامر، غير ذي صلة".

- الا تخشى ان تكون قد كسبت المعركة ضد عرفات وضد الارهاب، بينما خسرت المعركة بشأن الدولة الفلسطينية والمستوطنات؟ المطروح على بساط البحث الآن هو "خارطة الطريق" التي هي ليست جِدّ مريحة لاسرائيل.

شارون: "اننا نؤيد المبادىء التي وردت في خطاب الرئيس بوش من يوم 24 حزيران 2002. طالما كان المسار متوافقًا مع الخطاب، يبقى مقبولاً علينا. اما بالنسبة للمسودة الأخيرة التي ارسلت الينا، فلدينا عليها 14 - 15 تحفظاً نقلناها الى البيت الأبيض".

- ما هي التحفظات الاساسية؟

شارون: "الموضوع الاساسي هو الأمن - كيف تتم معالجة الارهاب. لا خلاف بيننا حول هذا الموضوع، لكن ثمة اختلافاً في صياغة الامور. الموضوع الثاني هو موضوع المرحلية. هنالك تفاهم بيننا وبين الولايات المتحدة على انه لا يتم الانتقال من مرحلة الى اخرى، الا بعد اتمام المرحلة السابقة. الأمر المقرر هو ليس الجدول الزمني وانما مدى التنفيذ. ولذا، فان موضوع المرحلية ذو اهمية قصوى من ناحيتنا. تحفظنا الثالث هو في موضوع حق العودة. هنالك بالتأكيد مشكلة حقيقية في موضوع حق العودة".

- هل استعدادك للاعتراف بدولة فلسطينية مشروط بتخلي الفلسطينيين عن حق العودة؟

شارون: "اذا كانوا راغبين في وضع حد نهائي للصراع، على الفلسطينيين ان يعترفوا بحق الشعب اليهودي في وطن له، حقه في اقامة دولة يهودية مستقلة في ارض وطنه. هذا يشكل، من ناحيتنا، شرطاً لما يسمى انهاء الصراع.

"هذا ليس بالأمر السهل. هذا لم يتسنَّ لنا كذلك في الاتفاقيات التي وقعناها مع مصر والاردن. ولذلك، لم تؤد تلك الاتفاقيات الى انهاء الصراع. انها اتفاقيات مهمة، بل مهمة جدًا، لكنها لم تؤد الى انهاء الصراع. نهاية الصراع تأتي فقط بتوفر اعتراف كهذا بحق الشعب اليهودي في وطنه".

- هذا في ما يتعلق بنهاية العملية. ولكن، هل تعتقد ان التنازل عن حق العودة يجب ان يتم قبل ذلك؟

شارون: "هذا الأمر يجب ان يكون واضحًا منذ البداية".

- هل ستكون مستعدًا، في المرحلة الأولى وربما كبادرة حُسن نية تجاه الأمريكيين، لتجميد اعمال البناء في المستوطنات او لاخلاء نقاط استيطانية غير قانونية؟

شارون: "هذا موضوع حساس. سيطرح للبحث في المرحلة النهائية من المفاوضات. لا ينبغي البحث به اليوم".

- احد انجازاتك التكتيكية هو انك تلافيت الوقوع، حتى الآن، في حالات توجب الاختيار بين بدائل قاسية. لكن اذا ما اقتربنا من لحظة الحقيقة وكان عليك ان تختار بين بوش وبين "زمبيش" (زئيف حيفر - من رؤساء مجلس المستوطنات) فمن ستختار؟

شارون: "كل واحد من الشخصين اللذين ذكرتهما هو انسان فريد وايجابي. كل واحد في مجاله هو فريد وايجابي جدًا".

- بوش ايضاً سيضطر الى الاختيار بين شخصين يكنّ لهما الكثير من التقدير: ارئيل شارون وطوني بلير. الست متخوفاً من انه، ورغم كل الاحترام والمودة التي يكنهما لك، سوف يختار طوني بلير؟

شارون: "نحن لسنا في حالة ضغط. هنالك حوار. احياناً نرى الامور بصورة متطابقة، واحياناً تكون هنالك اختلافات. لكن العلاقات وثيقة جدًا. العلاقات بيننا وبين البيت الابيض وصلت الى حالة لم تكن عليها في السابق قط. واريد ان اؤكد: نحن لسنا في حالة صراع مع الولايات المتحدة. انا لا اشعر بأننا مهددون".

- هنالك من يعتقد ان خارطة الطريق أسوأ حتى من اوسلو. وهنالك من يقول ان الأمريكان قد نوّموك. أفهموك بأن خارطة الطريق وثيقة غير جدية، ثم قدموها لك كحقيقة ناجزة. الا تشعر بأنهم خدعوك؟

شارون: "لا، لا. اسرائيل ليست حجَرًا على لوحة يستطيع أي طرف ان يحركه. نحن موجودون هنا. لن يكون ممكناً ازاحة اسرائيل في القضايا المبدئية الأساسية لوجودها".

- هل تعتقد ان فترة السنوات الثلاث الأخيرة، المظلمة والعنيفة، هي على وشك الانتهاء؟

شارون: " سأبذل كل جهد مطلوب من اجل الوصول الى ذلك. في اللحظة التي تقوم فيها الحكومة الفلسطينية انوي الشروع في العمل معها. لن اتريث، ولن انتظر ان يرن جرس الهاتف".

(آري شفيط هآرتس ـ 13/4، ترجمة: "مـدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات