المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عندما شكل ارئيل شارون حكومته الثانية اعلن أنه سيتولى رئاسة لجنة وزارية واحدة فقط، تلك التي تختص بشؤون السكان غير اليهود.

هذا الامر اوحى بأن رئيس الوزراء ينوي تكريس قدر من الاهتمام الشخصي لتحسين اوضاع الوسط العربي (في اسرائيل).

بعد مرور خمسة اشهر، اعتبرت الحكومة برئاسة شارون ان التصويت الى جانب إقرار مشروع القانون الذي يلغي حق الفلسطينيين المتزوجين من مواطنين من "العرب الاسرائيليين" بالحصول على الجنسية الاسرائيلية، بمثابة تصويت على الثقة بالحكومة، التي فرضت بذلك على الكنيست قبول موقفها، لتضيف في الحال الى كتاب القوانين الاسرائيلي قانونا ينطوي على تمييز سافر ضد مواطني الدولة العرب.

يوم الخميس الماضي لم يظهر رياء رئيس الحكومة ووزراؤه وكتل الائتلاف (بما فيها "شينوي") فقط، وانما جهاز مخابرات "الشاباك" ايضا، الذي يحرص في السنوات الأخيرة على التظاهر بأنه الجهاز الاكثر تسامحاً تجاه الاقلية العربية، بين مؤسسات الحكم الاسرائيلية. فرؤساء الجهاز يطرحون ظاهريًا مواقف تعارض التمييز المجحف بحق العرب في اسرائيل وتدعو المستوى السياسي الى تبني سياسة ليبرالية تجاه الاقلية العربية. ولكنه تبين من خلال المداولات حول تعديل قانون المواطنة ان جهاز الشاباك هو الذي وفر المسوّغ الاساسي لمبادرة تعديل القانون، حيث اقتبس اعضاء الكنيست معطيات جهاز الشاباك القائلة ان 11% من مجمل عرب اسرائيل الذين كان لهم ضلع في هجمات (ضد الاسرائيليين) اتوا من عائلات مختلطة (بمعنى زيجات مختلطة بين عرب اسرائيليين وفلسطينين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة). لكن هذه الارقام "المطلقة" ما هي الا ارقام هزيلة، اذ ان العدد الاجمالي للعرب الاسرائيليين الذين تنسب لهم تهم الضلوع في اعمال ونشاطات معادية بلغ في العام الماضي 68 شخصا.

صحيح ان هذا الرقم يدعو للقلق ويشير الى ارتفاع ملحوظ مقارنة مع سنوات سابقة، لكنه يدل ايضا على ان سبعة من هؤلاء فقط (11%) جاءوا من عائلات او اسر مختلطة.. وحتى اذا كانت بطاقة الهوية الزرقاء تسهل بالفعل على شخص يدبر لتنفيذ اعتداء، فان ذلك لا يبرر محاولة درء الخطر عن طريق سن قانون عام كالذي اعتمده الكنيست يوم الخميس الماضي.

ان قادة الجمهور العربي مدعوون بالفعل لابداء رأيهم ازاء ازدياد ضلوع شبان عرب في هجمات معادية وازاء ردة الفعل الغاضبة من جانب الاغلبية اليهودية والتي عبرت عن نفسها في تعديل قانون المواطنة.

ومع ذلك ينبغي القول ان التشريع الجديد لم يستهدف سد ثغرات في نظام الدفاع الأمني بقدر ما استهدف تلبية واشباع الرغبات الدفينة لدى النواب اليمينيين في الكنيست (والذين تبين ان قائمة "شينوي" تشاركهم في رغباتهم هذه) والتنفيس عن غرائزهم القومية المتعصبة.

من الواضح ان الحكومة الحالية تتألف من احزاب تقوم نظرتها الاولية للعرب، أي كانوا، ومن ضمنهم عرب اسرائيل، على اسس من الاغتراب والريبة والشك ان لم يكن العنصرية التامة. وهذه الاحزاب ليست شاذة، وانما تمثل السواد الاعظم من الجمهور اليهودي في البلاد. هناك اقلية فقط في المؤسسة (الاسرائيلية) الرسمية وفي صفوف النخبة السلطوية نمت داخلها قيم التسامح والتقبل للعرب، وهو ما تؤكد عليه تقارير جمعية "سيكوي" التي تبين سنة تلو اخرى عجز مؤسسات الحكم (وكذلك المؤسسات الاكاديمية) في اسرائيل عن استيعاب مواطنين عربا في مناصب هامة وعن اتباع سياسة متساوية تجاههم.

ان تعديل قانون المواطنة، الذي يحرم الفلسطينيين المتزوجين من عرب اسرائيليين من حق الحصول على المواطنة والجنسية، المكفول لأفراد قوميات اخرى تزوجوا من اسرائيليين، انما يشكل تعديا ومسا بحق اساسي مكفول لكل انسان وهو الزواج دون ان يدفع ثمن ذلك باقتلاعه.

هذا التعديل لا يعكس فقط رد فعل سلطوي متهور ازاء معضلات امنية، وانما يعكس ايضا توجها نحو إبعاد وطرد اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من الدولة الاسرائيلية، وهو يؤكد بذلك الطابع العنصري للتشريع القانوني ويعزز الطرح القائل بأن ادعاء اسرائيل بأنها دولة يهودية ودمقراطية على حد سواء، ما هو الا هرطقة جوفاء.

(هآرتس 3 آب)

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, شينوي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات