المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة:
بعد اقل من شهر على البحث في مقترحات جديدة لتعديل مسار السور الفاصل بين إسرائيل والضفة، جاء قرار وزارة الدفاع في حكومة شارون قبل أيام ليحدد الشكل شبه النهائي للمرحلة الأولى والأهم من هذا السور، عندما قررت نقله عشرين كيلومترًا إلى الشرق، ليضم كتلة استيطانية ضخمة مؤلفة من 15 مستوطنة، تقع جنوب وغرب نابلس، أبرزها ارئيل وقدوميم وعمنوئيل.

لكن الشكل النهائي لهذا السور سيكتمل عندما تبت الحكومة في اقتراح رئيسها شارون القاضي بإقامة سور مواز من الشرق، يبقي خلفه غور الأردن برمته، وهو ما يبدو كشروع رسمي في تقسيم الضفة بين إسرائيل والفلسطينيين.

وكانت حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية السابقة بدأت ببناء هذا السور في حزيران الماضي، لتحقيق الفصل الأمني بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في الضفة.

وقضى القرار الذي بادر إليه في حينه وزير الدفاع، زعيم حزب العمل، بنيامين بن اليعيزر، بالاتفاق مع رئيسه شارون، بإقامة المرحلة الأولى من السور على طول الخط الأخضر بين قريتي سالم وكفر قاسم بطول 120 كيلومتر.

لكن بعد الشروع في بنائه، تداعت جهات عديدة في إسرائيل، أبرزها مجلس المستوطنات، وأحزاب اليمين واليمين الفاشي مثل المفدال وغيره لتقديم مقترحات لتعديل السور، كلٌّ وفق رؤيته ومصالحة.

وجاءت اقتراحات المستوطنين منسجمة تماماً مع خطط وأحلام شارون التاريخية القائمة على ضم شريط بعمق عشرين كيلومتراً في الجانب الفلسطيني من الخط الأخضر، وآخر بعمق عشرة إلى خمسة عشرة كيلومتر من الشرق خلف الحدود مع الأردن.

وقد دأب شارون على تكرار أفكاره هذه في مختلف مشاريعه واقتراحاته بشأن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وآخرها اقتراحه القاضي بالتوصل إلى اتفاق انتقالي يقضي بإقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة.

والتعديل الأخير ليس الأول الذي تدخله السلطات الإسرائيلية على هذا السور، فقد أدخلت عليه منذ الشروع بإنشائه عدة تعديلات، أسفرت عن تخريب وضم مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية.

وكان التعديل الأول للسور قد نقله عدة كيلومترات الى الشرق ليضم مستوطنة ألفي منشه الواقعة بالقرب من قلقيلية.

ومع نهاية المرحلة الأولى من السور، المتوقع اكمالها في حزيران هذا العام، سيكون السور قد وصل إلى أبواب مدينة نابلس على مفترق زعترة ملتفاً حول مستوطنة تبوح عائداً غرباً إلى قرية كفر قاسم (تقع غربي الخط الاخضر).

وتؤدي أعمال المصادرة والتجريف المتواصلة من قرية تعِنّك في محافظة جنين شمالاً مروراً بمحافظتي طولكرم وقلقيلية، وانتهاء بمحافظة نابلس، إلى تخريب وضم مساحات واسعة من الاراضي.

وتتجسد عمليات التخريب على نحو صارخ في مدينة قلقيلية، التي أحدث التجريف والبناء الجاري للسور تغيراً كلياً في جغرافيتها، وعلى نحو تحولت فيه من أرض زراعية ممتدة إلى ما يشبه مجسم الزجاجة، وفق ما يصفها رئيس بلديتها معروف زهران.

فقد حاصرها السور من مختلف الجهات ولم يُبقِ لها سوى مخرج وحيد من ناحية الشرق. يشار إلى أن السلطات الاسرائيلية صادرت سبعة آلاف دونم من أراضي هذه المدينة الواقعة على الخط الأخضر لهذا الغرض.

ونظرياً، فقد كان من المتوقع أن يقام السور غربي المدينة، لكن الحكومة الإسرائيلية، ولاعتباراتها الاستيطانية والسياسية، جعلته يحيط بالمدينة من الجهات الأربع، باستثناء المخرج الشرقي.

وتتكرر عملية تطويق وعزل قلقيلية في مدن أخرى منها طولكرم، التي يشترك الجدار الفاصل مع الطرق الاستيطانية المخصصة فقط للمستوطنين والجيش، في عزلها من الجهات الثلاث. وبعد القرار الأخير القاضي بنقل السور عشرين كيلومتراً إلى الشرق، فإن عملية العزل هذه يتوقع لها أن تتكرر في مدينة نابلس وبلدة سلفيت.

وكانت حكومة شارون صادرت في العامين الأخيرين "90" ألف دونم لإقامة المرحلة الأولى من السور.

ومن المتوقع أن يستكمل إنشاء هذا السور في مرحلة ثانية لاحقة.

وحسب الخطة الأولى للسور فإنه يحتجز خلفه 11 قرية من المحافظات الثلاث، يسكنها 110 آلاف نسمة، إضافة إلى عشرات آلاف الدونمات من الأراضي، لكن التعديل الجديد يضيف المزيد من القرى والأراضي والسكان إليه.

وأشارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في تقرير لها قبل أيام إلى ان التعديل الجديد سيضم 60 ألف مستوطن وسبعة آلاف مواطن فلسطيني خلف السور.

وفيما يشبه السباق مع الزمن لإقامة هذا الجدار، توظف الحكومة الإسرائيلية سبعاً من كبريات الشركات في أعمال التجريف والبناء وإقامة الأسيجة وغيرها من الأعمال المتصلة بإقامته. وألحقت عمليات المصادرة والتجريف هذه دماراً شاملاً للأراضي الزراعية في المحافظات الثلاث.

ففي مدينة قلقيلية، على سبيل المثال، طالت المصادرات أراضٍ لـ 45% من سكان المدينة، وفق ما يؤكد رئيس بلديتها معروف زهران.

ويحتجز الجدار خلفه ما يربو على الخمسة آلاف دونم من أراضي قلقيلية، وفيها 14 بئراً ارتوازياً، تنتج 32% من مجموع المياه الجوفية في هذه المدينة الزراعية.

وتشكل المياه الجوفية في قلقيلية 55% من مياه الضفة.

رغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تعلن عن قرارها إقامة ما تسميه بالسور الأمني الفاصل على طول الخط الأخضر، سوى في النصف الثاني من العام الماضي، إلا أن الحقائق التي تكشفت لاحقاً تبين أن التحضير لإقامة هذا الجدار بدأت منذ العام الأول لتسلم أرئيل شارون رئاسة الحكومة، الأمر الذي يبين أبعاده السياسية والاستيطانية.

فبعد سبعة أشهر من وصول شارون إلى سدة الحكم، وتحديداً في السادس عشر من أيلول 2001، أصدر قائد الجيش الاسرائيلي في الضفة قراراً يقضي بإغلاق "69" ألف دونم من أراضي منطقة جنين المحاذية للخط الأخضر لما وصفه بـ "أغراض عسكرية"، تبين أخيراً أنها، أي أغرض المصادرة، إقامة الجدار.

وتمتد هذه الأراضي من قرية تعِنّك شمالاً حتى قرية باقة الشرقية قرب طولكرم جنوباً. وتوالى، بعد ذلك، صدور قرارات إغلاق أراضي في مناطق أخرى محاذية للخط الأخضر لأغراض مماثلة.

ففي الثاني والعشرين من آذار العام 2002، أصدر الجيش قراراً مماثلاً يقضي بإغلاق عشرة آلاف دونم من أراضي طولكرم المحاذية للخط الأخضر للغرض ذاته.

وتقع هذه الأراضي في قرى الراس وكفر صور وفرعون وجبارة.

وفي الثلاثين من آذار، والثلاثين من حزيران، من ذات العام أيضاً، صدر قراران يقضيان بإغلاق مساحات واسعة أخرى من أراضي في قرى سلفيت للغرض ذاته.

أما في قلقيلية فقد بدأت السلطات بالعمل في المرحلة الأولى في أراض تقع على الخط الأخضر كانت صودرت في فترات سابقة.

وفي آب وأيلول الماضيين، أصدر الجيش قراراً يقضي بمصادرة سبعة آلاف دونم إضافية من أراضي المدينة لهذا الغرض.

ويقول رئيس بلدية قلقيلية معروف زهران إن السلطات تقوم بمصادرات دورية في أراضي المحافظة تبعاً لعمليات الإنشاء الجارية للجدار.

ومنذ طرح فكرة إقامته، شهت إسرائيل، ولم تزل، جدلاً واسعاً حول هذا السور، أدى إلى الوصول إلى الترسيم الحالي له.

ففي حين لقي لمشروع ترحيباً في الأحزاب الرئيسية مثل الليكود والعمل، فإنه واجه اعتراضات من المستوطنين وأحزاب اليمين الفاشي والمتطرف، التي واصلت الضغط من أجل تعديله إلى أن وصل إلى شكله الحالي.

ويقول الخبراء في شؤون الاستيطان بأن الشكل الحالي للمشروع يمثل ما يطلق عليه في إسرائيل اسم الإجماع القومي القاضي بضم الكتل الاستيطانية الرئيسية للدولة العبرية.

وقال خليل تفكجي: القرار الأخير بشأن نقل السور عشرين كيلومتراً إلى الشرق يشكل تطبيقاً للخريطة الإسرائيلية التي قدمت إلى مفاوضات كامب ديفد وطابا."

وأضاف يقول: وإذا ما أقرت الحكومة، كما هو متوقع، خطة شارون للسور الشرقي، فإن المشروع سيشكل تطبيقاً كاملاً لرؤية شارون التاريخية الخاصة لضم أجزاء واسعة من الضفة لإسرائيل."

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات