المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

درج الناس علي استدارة العيون دهشة من السلوك الشاروني: ها هو شخص لم يفعل شيئا واحدا كما ينبغي في كل سياق حياته السياسية، هناك من يقول ـ العسكرية أيضا. ففي كل ما لمسته يده لم يحقق سوي الدمار والدماء والفشل والخراب. وفي كل مكان وطأته قدمه، لم ينبت سوي الشوك.

لقد مللنا حقا العودة لتكرار قائمة اخفاقاته الطويلة (ولكننا سنفعل ذلك إذ ليس لليهودي في عالمنا الكثير من الراحة، فلما التجلد؟): الاقتصاد في الحضيض، الامن في المؤخرة، المجتمع في العناية المكثفة، المكانة العالمية في أسفل البرميل، الجيش غدا ذراعا عسكريا لحزب، والان هو وعائلته أيضا ينتظرون تحقيقات غير لطيفة علي الاطلاق لدي الشرطة. ومع كل ذلك فان شعبته تتعاظم. وحتي التراجع الطفيف في الاستطلاعات إثر الكشف عن جملة الحقائق التي كانت من شأنها ان تلقي بكل سياسي آخر الي الارض، لا يصمد الا ليوم ونصف اليوم.

لماذا؟ ما سر هذا السحر؟ من أين هذه المناعة العجيبة؟

قضية شارون ـ المليون ليست شبهات أو شائعات . فالحديث يدور عن حقائق معروفة وغير منفية، جوهرها الجنائي او غير الجنائي ليس سوي موضوع تفسير. وحتي اذا كانت رواية عائلة شارون صحيحة تماما فلا يغير هذا من الامر في الشيء الاساسي: مال بفائدة غير معقولة نقلها رجل اعمال الي عائلة شارون، وساعد في حل المشاكل المالية لرئيس الوزراء. تكفي هذه الحقائق كي ينجح طاقم نيابة عامة نشيط في أن يستخلص لائحة اتهام غير لطيفة علي الاطلاق.

وفي نهاية المقال المؤطر، يمكن العودة الي البحث في الشعبية الغير متصدعة لرئيس الوزراء. وبالفعل، يجدر علي سبيل الحكمة الايضاح انه ليس صعبا جدا تضليل شعب. فالشعب بشكل عام ليس ذكيا مثلما يطيب لبعض السياسيين ذوي الوجهين القول والقاريء الفهيم مطالب بالاطمئنان، فأنا بالطبع لا أقصده، بل أقصد غيره فقط. أي، كل اولئك الاشخاص الذين يعتقد هو أيضا انهم أغبياء .

وفي تعميم معين يمكن القول بأن الشعب هو تقريبا ذكي مثله مثل زعمائه. فمثلا، أمريكيو كلينتون كانوا أمريكيين أكثر فهما بكثير من امريكيي بوش. والمصريون في ظل ناصر كانوا كسالي حقا بالنسبة للمصريين في ظل السادات (الايطاليون وحدهم هم اللطيفون دوما، ولا يمكن لأي موسوليني او برلسكوني ان يقدر عليهم). الشعب في اسرائيل كان مؤخرا ذكيا في نهاية 1995. وبعد ذلك غدا غبيا بين ليلة وضحاها، وغباؤه يتواصل حتي يومنا هذا. يعتقد المتشائمون ان سبع سنوات من الكسل، يغدو هذا مستديما. أما المتفائلون من امثالي فعلي قناعة بأنه مثلما يمكن للناس ان يصبحوا أغبياء بين ليلة وضحاها، فان بوسعهم ان يصبحوا أذكياء كذلك بين ليلة وضحاها. يكفي أن يقع علي الشعب زعيم ذكي (تمييزا له عن النبيه ، الداهية ، الشعبي أو البريء ). حتي يصبح الشعب ذكيا في اعقابه. ومع ان بعض هذه السذاجة تشرح انتخاب شارون، ولكنها تشرح فقط بشكل جزئي المناعة المبالغ فيها لشعبيته. بيد أن ليس في هذا عجب كبير ايضا. فالشعب ، الذي هو كما أسلفنا ليس من يدري ذكيا، ولكنه بالتأكيد مغسول الدماغ، تعب، مذعور، غاضب، خائن الأمل، محبط ويائس، ببساطة يريد ان يستظل بظل أزعر. غريزة طبيعية ومفهومة لكل مخلوق مضروب. إنه يريد لاحد ما ان يضرب الناس الاشرار بدلا منه. واحد ما يصفعهم أكثر مما يصفعونا . واحد يجلب البشائر الطيبة عن التنكيل بالاغيار، ويفرح عظامنا المعذبة بالعلم بأن هناك من يعاني اكثر منا. وطالما حافظ شارون (وبالمعونة الحيوية لموفاز ويعلون) علي التفوق في عدد الاموات، أي ـ ان يكون عدد الاموات العرب أعلي دوما من عدد الاموات اليهود، فستبقي شعبيته في ذروتها. ذلك أن الشعب، الذي يجد كل رعاته صعوبة في إبلاغه المرة تلو الاخري بأنه ليس هناك حل وليس هناك احتمال وليس هناك امل وليس هناك من يمكن الحديث معه وليس هناك من يمكن الحديث فيه، هذا الشعب ببساطة يبحث لنفسه عن المساواة في الثأر. هذه هي كل التوراة. لا احد يكترث بالفساد، بالجريمة، بالغباء، بالشر، بالتعفن. المهم ان تتواصل توريدات الثأر. نزعة الثأر هذه التي يغذيها بعناية رئيس الوزراء ومحيطه، تقبع أيضا في جذر عدة سياقات اخري للشعب. فمثلا درج القول علي أن الشعب يريد الوحدة . ولكن الشعب لا يريد الوحدة. انه يريد فقط الا يكون هناك من يعرقل منفذ الثأر الرسمي من القيام بمهمته. الشعب يريد الوحدة فقط كي لا تكون هناك معارضة مثيرة للاعصاب. فقد نسي كيف يبدو مثل هذا المخلوق او كيف يسمع، وفكرة ان يكون معسكر علي ما يكفي من الحجم يعرقل الثأر بأصوات حادة من الاحتجاج والنقد، تبدو له في غاية الاثارة للذعر. انه لا يريد لاحد ان ينغص عليه فرحة اليأس او بهجة الثأر. فقد اعتاد علي ذلك وهو لا يكره التغيير.

لا غرو اذن في أن كبار المحتجين علي بيان متسناع لرفضه تشكيل سترة واقية لشارون وموفاز يمثلون كل القوي اليميني ـ من ليمور ليفنات، عبر تومي لبيد وحتي ايفي ايتام. كل اولئك الذين يؤسسون سياساتهم علي الا ينقشع انعدام الامل. ألا يكون الا ما كان. الا تتناهى لا سمح الله الي اذان الشعب شائعة باحتمال طريق آخر. فهكذا وهكذا فقط، يمكنهم ان يواصلوا سبيلهم السابق، هؤلاء ـ لتوسيع المستوطنات، وهؤلاء ـ لتقليص الاصوليين، واولئك ـ للتقرب من المخلص.

ب. ميخائيل

(يديعوت احرونوت 17/1)

المصطلحات المستخدمة:

ايتام

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات