المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعكف "مجلس المستوطنات" في الاراضي المحتلة على إعداد مسار بديل للجدار الفاصل بين اسرائيل والفلسطينيين، يمر الى الشرق من "الخط الاخضر". واستكمل عدد من المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية خطط ترسيم المسار البديل، ورُفعت الخرائط كتوصيات لدى وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز.
وأفادت صحيفة "هارتس" الاسرائيلية التي نشرت الخبر (17 كانون الثاني) ان قرار "مجلس المستوطنات" ترسيم خط فاصل بديل اتخذ في الاسابيع القليلة الماضية استمرارا لقرار سابق للمجلس، يؤيد مبدئيا اقامة الجدار الفاصل.

واثار القرار السابق – الذي اتخذ قبل عدة اسابيع – ردود فعل صاخبة في اوساط المستوطنين، حيث قرر ان الجدار لن يمر بمحاذاة "الخط الاخضر" (حدود الرابع من حزيران 67)، وتضمن عددا من الاسس الموجهة للمسار البديل: "اكبر قدر من السكان اليهود، واقل قدر من السكان العرب واقصى حد من الارض، وذلك في نطاق محاولات إصلاح الاضرار التي ستنجم عن اقامة جدار على الخط الاخضر". فعلى سبيل المثال، الخط الذى رسمه مجلس المستوطنات في "منطقة بنيامين" يمر بمحاذاة شارع 443 والى الشرق من مستوطنات "دوليف" و "عطيرت".

ويؤيد معظم اعضاء مجلس المستوطنات قرار الموافقة على الجدار وتخطيط مسار بديل للجدار المخطط اقامته على طول "الخط الاخضر".

وتفيد "هآرتس" ان المستوطنين في عدد من المستوطنات يقومون بتشكيل مجموعات احتجاجية تستعد للعمل ضد هذا القرار، وتقف برأس هذه المبادرة رئيسة مجلس مستوطنة "كدوميم" دانيئيله فايس.

واقتبست "هارتس" عن الياكيم هعتسني عضو مجلس المستوطنات قوله انه يؤيد ترسيم خط يقام الجدار على طوله "لكي لا يتحول الخط الاخضر الى حدود سياسية، وكذلك على ارضية انعدام المنطق العملي في اقامة جدار على طول الخط الاخضر"، كما يقضي المسار الاصلي للجدار. يقول هعتسني: "يمكن منذ الان ان نتعلم الدرس من المستوطنات التي احاطت نفسها قريبا من بيوتها. المسافة الامنية الفاصلة بين البيوت الاخيرة من المدن والتجمعات السكانية على طول الخط الاخضر يجب ان تكون كيلومترات وليس مئات الامتار، لكي يتسنى لنا ما يكفي من الوقت للتصدي لمحاولات التسلل اليها".

"خلافا لليسار – يقول هعتسني – المعني باقامة جدار الفصل لسبب واحد ووحيد هو تخريب الاستيطان اليهودي، فانني اؤيد الجدار البديل لأننا لسنا مستعدين لتحمل الاعباء الضميرية الناجمة عن مقتل يهودي لانه لم يكن هناك جدار".

بالنسبة لهعتسني، هناك "انجاز" اضافي من الجدار البديل: "سيؤدي الى الفصل الاقتصادي المطلوب بين اسرائيل والفلسطينيين، ولن تسمح لهم بمواصلة امتصاص دمنا بالارهاب والسرقات والتخريب".

* 149 مستوطنة – ربع مليون مستوطن

من جهتها ذكرت "يديعوت احرونوت" (17 كانون الثاني)، ان العمل سيبدأ هذا الأسبوع على إقامة "جدران أمنية" حول جميع المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية. وسيمتد الجدار على طول أكثر من ألف كيلومتر، وسيحيط بـ 149 مستوطنة في أنحاء الضفة، ويعوّل عليه أن ينجح في حماية ربع مليون مستوطن. وتبلغ تكلفة المشروع الاجمالية أكثر من مليار شيكل، أي ما قيمته 700 ألف إلى مليون شيكل للكيلومتر الواحد.

وبدأ في الأيام الأخيرة العمل على تعزيز وسائل الحماية في مستوطنتي "حرميش" و "مافو دوتان" في منطقتي طولكرم وجنين. وتأتي هذه الأعمال تنفيذا لقرار الجيش الإسرائيلي إحاطة جميع المستوطنات بجدران ووسائل حماية الكترونية جديدة، بعد ان شهد قسم من المستوطنات عمليات اقتحام قام بها مسلحون من المقاومة الفلسطينية، في اكثر من عشرين عملية وقعت حتى الان، وقتل فيها 36 إسرائيليًا، وكان اوجها خلال شهري مايو ويوليو الماضيين.

وقال ضابط كبير في قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي "إن العقبة الرئيسية التي يجابهها هذا المشروع هي إقناع المستشار القضائي للحكومة بوجوب إقامة هذا الجدار حول كل مستوطنة، وهو ما يعني احاطة كل مستوطنة بـ "حزام امني" بعرض 400 متر تقريبًا".

ويقضي مخطط تطويق المستوطنات بـ "أحزمة أمنية" بمصادرة الالاف من الدونمات من الاراضي الفلسطينية في المنطقة الواقعة بين مخطَّطَي مسارَي الجدارين: الخارجي والداخلي. وبموجب "يديعوت"، "سيسمح للفلسطينيين بالدخول إلى أراضيهم لزراعتها، لكن ستتم مصادرة الأراضي الواقعة في الحزام الأمني الخارجي وذلك لاستغلالها في اضافة المزيد من وسائل الردع".

* خلفيات القرار

في ايار 2002 فاجأ رئيس الوزراء ارئيل شارون مجلسَ المستوطنات عندما وقف وراء خطة وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر لبناء جدار على طول "الخط الاخضر" وفي مناطق "خط التماس". في حزيران 2002 جرت سلسلة من المشاورات مع وزراء "المفدال"، "يسرئيل بعلياه"، والوزراء المؤيدين من "الليكود"، كانت كفيلة بتوضيح الامر لرؤساء المجلس بأن شارون ليس مستعدا للانسحاب. وعندما انعقد "الكابينيت" وبدأ بإقرار أجزاء من المسار المقترح على طول "الخط الاخضر"، عقدت ادارة مجلس المستوطنات اجتماعا طارئا كان بمثابة منعطف تاريخي تقريبا في موقفه.

حتى ذلك الحين ابدى رؤساء "مجلس المستوطنات" على اختلاف اجيالهم معارضة شبه جارفة لفكرة الجدار. نجمت مخاوفهم من ان يتحول الجدار "الامني" الى حدود سياسية، تـُبقي في الوراء المستوطنين، مميزين (سلبا) عن بقية سكان اسرائيل، بما يشبه المؤشر على ما سيجيء. لم يكن الظل الثقيل الذي ألقاه الجدار على المستوطنين سياسيا فحسب، بل نفسيا ايضا. لم تكن تلك مخاوف من "ميلاد متجدد للخط الاخضر"، وانما مخاوف حقيقية من ان "ما هو بعيد عن العين ومن وراء جدار ايضا، سيصبح بعيدا عن القلب ايضا".

كان لهذه الاحاسيس – سواء على الصعيد السياسي او النفساني – طابع ايديولوجي متجذر. عارض قدامي الاعضاء في "مجلس المستوطنات" جدارا يرمز لديهم الى الجيتو، والانغلاق، والخوف والانهزام. ما يجب ان يحدث برأيهم هو العكس، لذلك اقترحت دانيئيله فايس ان من يجب تسييجهم هم الفلسطينيين. مثلت فايس خطاً بدا له الجدار الفاصل مؤشرا على الضعف، وفيه ما يستدعي المزيد من ضربات "الارهاب". في مواجهة ذلك ارادت فايس ان توحي بالمناعة والقوة!

مرة كان خط فايس خط "مجلس المستوطنات" كلها، لكن الاوقات تغيرت. "مجلس المستوطنات" اليوم جسم ايديولوجي "لكنه براغماتي" ايضا. منذ اللحظة التي تحوّل فيها الجدار الى موضع إجماع (نسبي) في الخطاب الاسرائيلي، تغير موقف المجلس. التغيير، الذي كان تكتيكيا في البداية، اصبح مع الوقت جوهريا ايضا. بموجب هذا التكتيك، كان لا بد من جدار ولكن في مكان اخر.

كان التغيير الحقيقي الذي تبناه كثيرون من رؤساء "مجلس المستوطنات" على النحو التالي: اذا كان هناك هذا العدد من رجال الامن الذين يتحدثون مع فكرة الجدار، فلن نتحمل مسؤولية حتى عن دم اسرائيلي واحد. هكذا ولدت لدى المستوطنين فكرة ترسيم مسار بديل للجدار الفاصل. وبنفس الشكل الذي اثر فيه زئيف حيفر على مسار خرائط اوسلو – يكتب نداف شراغاي في هارتس – وخلال جلسات ومباحثات مع رجالات الجيش (رابين وبيريس سمحا بالامر في حينه)، هكذا يحاول رؤساء مجلس المستوطنات الان – ومعهم زئيف حيفر ثانية – التأثير على مسار الجدار. حاليا، لا توجد سوى كيلومترات قليلة من الجدار، لكن مجلس المستوطنات مقتنع انهم سيتمكنون من التأثير على المسار المستقبلي لبقية اجزائه، التي لم تقم بعد.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات