المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خصصنا الحيّز الأكبر من هذا العدد للتداعيات المترتبة على سنّ الكنيست الإسرائيلي، يوم 19 تموز 2018، لما يسمى "قانون القومية". ويُعرّف هذا القانون الأساس (دستوري) إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويمنح أفضلية للغة العبرية على اللغة العربية، وللاستيطان اليهودي، كما يمنح حصرية تقرير المصير في فلسطين لليهود فقط، ويعتبر القدس المُوحّدة عاصمة أبدية لإسرائيل.

 

وتسبّب سنّ القانون باستئناف الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن الحركة الصهيونية وعقيدتها. وبرزت في خضمه أصوات كثيرة أبدت معارضتها للقانون، إنما من منطلق محدّد فحواه أنه يتضاد مع "أسس العقيدة الصهيونية"، بل وادعى بعضها أن القانون يحوّلها إلى "عقيدة عنصرية"، بما من شأنه أن يوحي بوجود قناعة راسخة لديه أنها ليست كذلك.

وبمرور الوقت وتعاظم حجم الاحتجاجات ووتيرتها، ولا سيما من جانب المجتمعين الدرزي والعربي في الداخل، وجد عدد من رموز حكومة بنيامين نتنياهو في نفسه جرأة أكثر لتحرير مزيد من النيّات الحقيقية التي تقف وراء هذا القانون.

ومع أن جلّ تلك النيّات يبقى متعلقاً بسياسة إسرائيل حيال قضية فلسطين، وحيال الفلسطينيين، سواء في مناطق 1967 أو مناطق 1948، أو في الشتات، فإن ما لا يقلّ أهمية منها يبقى مرتبطاً بجوهر العلاقة القائمة بين سلطات الحكم الإسرائيلية، ولا سيما بين السلطتين التشريعية والقضائية. وفي هذا الشأن تحديداً كان كل من وزيرة العدل ووزير السياحة الأكثر صراحة. وذهب الثاني إلى حدّ القول إن الهدف المركزي من القانون هو "أن يتيح لقضاة المحكمة الإسرائيلية العليا ذوي التوجهات اليمينية إمكان أن يعبروا عن توجهاتهم في قراراتهم، استناداً إلى القانون"، مؤكداً أن القانون مهم لأنه ينزع القناع عن وجه قضاة المحكمة الحاليين، الذين درجوا حتى اليوم على الاختباء من وراء الادعاء بأنهم مقيدون بأحكام قوانين الأساس القائمة. وهدّدت الأولى المحكمة العليا مباشرة بـ"اندلاع حرب" بين سلطات الحكم المتعددة إذا ما أقدمت على إلغاء القانون، تجاوباً مع طلبات التماس قُدمّت إليها من بينها طلب التماس قدمه مركز "عدالة". وشدّدت على أن الكنيست هو السلطة الأساسية التي تعرّف قوانين الأساس وتحددها، وعلى قضاة المحكمة العليا تفسير القوانين بحسب قوانين الأساس، ولا يحق لهم إلغاء هذه القوانين.

وفيما يختصّ باحتجاجات المجتمع الدرزي في إسرائيل، يشتبك أستاذ العلوم السياسية أمل جمّـال مع أهم الدلالات الكامنة فيها، وخاصة انحباسها في شرنقة منظومة الامتيازات والتمييز ومنحها الشرعية، مؤكداً من ضمن أمور أخرى أنه لا ينبغي بمطالب المواطنين الدروز أن تعتمد على هويتهم بل على مواطنتهم، ويجب ألا تتوقف عند حماية الامتيازات الجزئية لأنها تحوّل مكانتهم بهذا من مواطنين إلى رعايا. عدا عن ذلك فإن التساوق مع منظومة الامتيازات تتضمن مصادقة مبدئية على سياسة "فرّق تسد" التي تعتمدها الحكومة الإسرائيلية.

ولا يجوز، في معرض استكناه النيات الحقيقية الواقفة من وراء "قانون القومية"، التي جرى تحرير المزيد منها، عدم الالتفات إلى أن النشوة العارمة التي أصابت اليمين الإسرائيلي من جراء سنّ القانون لا تزيّن له سبيل الإلحاح على تحقيق تلك النيّات فحسب، إنما أيضاً تفتح شهيته على ما هو أكثر وأبعد مدى منها.

ولعلّ الدليل الأوضح على ذلك هو المقال الذي كتبه محرّر موقع "ميداه" اليميني الإلكتروني، زيف ماؤور، تحت عنوان "قبل خط النهاية: أييلت شاكيد استثمرت في تعيين القضاة وأهملت مكافحة الموظفين"!

وفيما يثني هذا المقال على النجاح الباهر الذي حققته شاكيد في كل ما يتعلق بتعيين القضاة، وبالذات في المحكمة العليا، فإنه في الوقت عينه يشدّد على أن هذه النجاح يشكل نصف المهمة المعوّلة على وجود وزير عدل يمينيّ، وأن النصف الآخر يتمثّل بـ"التخلص من نشطاء اليسار المنتشرين في مواقع مختلفة في وزارة العدل" من جهة، وتقليم أظافر المستشارين القانونيين في الوزارات المتعددة وفي مقدمهم المستشار القانوني للحكومة من جهة أخرى مكملة.

كما أنه لا يجوز عدم قراءة ردات الفعل من طرف زعماء الائتلاف والمعارضة على حدّ سواء في إثر التظاهرة التي نظمها الفلسطينيون في الداخل في مدينة تل أبيب والتي إن أثبتت شيئاً لا يرقى إليه الشكّ فهو وجود إجماع يهودي صهيوني في إسرائيل على مبادئ "قانون القومية"، التي قامت الدولة عليها، وهي مبادئ الاستيطان الإحلالي والهجرة والهوية القومية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات