المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تطالعون في هذا العدد ترجمة خاصة لغالبية مقاطع مقالة جديدة تحت عنوان "حربا 1948" للمؤرخ الإسرائيلي هيلل كوهن، ظهرت في العدد الأخير (آب 2018) من مجلة "هذا الزمن" الإلكترونية الجديدة التي تصدر عن "معهد فان لير" في القدس، وتُعنى بالقضايا الفكرية والجدل الجماهيري العام.

ويميّز هذه المقالة ما سبق أن أشرنا إليه لدى تقديم آخر كتاب من تأليف هذا المؤرخ، وهو "هبّة البراق: 1929 سنة الصدع بين العرب واليهود"، الذي صدر بترجمة عربية عن منشورات "مركز مدار" قبل فترة وجيزة. ونقصد ميزة اعتماده على ما يسميه بـ"التوجّه الاحتوائي"، والذي هو بقراءته توجّه تاريخي، وغير قومي. وكما في الكتاب، لا ينفك كوهن في المقالة يشير إلى أن تبنيه توجهاً كهذا لا يعني الافتقار إلى الحسّ القوميّ، أو تجاهل أهمية وقوة الهويات القومية، ولا يعني ادعاء الحيادية، وإنما لأنه لا يبغي، بوعيه على الأقل، خدمة أي رواية قومية، أو الطعن بها.

وقد جادلنا في حينه بأن ما تأدّى عن هذا التوجّه هو تقديم منظور تاريخي أقلّ أحادية، بقدر ما تأدّى عنه ما يمكن توصيفه بأنه "تفسير مُتفهّم"، كي لا نقول "تبريراً مُبطّناً"، لمعظم جوانب الرواية التاريخية الفلسطينية حيال الصراع عموماً، وحيال الموقف من الحركة الصهيونية فكراً وممارسة على وجه الخصوص.

ولئن ارتبط ذلك المنظور التاريخيّ الأقل أحادية، في كتاب "هبّة البراق"، بأحداث العام 1929 وتلك الهبّة الفلسطينية، فإنه في هذه المقالة الجديدة يرتبط بوقائع "حرب 1948" وما أسفرت عنه من النكبة الفلسطينية، ومن نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين.
قد تكون مثل هذه المقالة مهمّة، الآن وهنا، ضمن السياق الإسرائيلي الداخلي، الذي تتكشف فيه يوماً بعد يوم حقائق جديدة بشأن استقتال المؤسسة السياسية اليمينيّة في اتخاذ مزيد من الإجراءات الرامية إلى تشديد قبضتها حيال النشاطات والإنتاجات والمؤسسات الفنية والثقافية التي ترفض إملاءات سياسية مرتبطة بتعريف النكبة الفلسطينية وبالموقف منها، ما يقع عملياً في خانة التضييق على الموقف والتعبير عنه والتفكير فيه، لكن لا شك في أن أهميتها ليست منحصرة فقط في مترتبات هذا السياق.

ولعله يتعين التنويه بأن أشدّ ما يعنينا إزاء مثل هذه المقالات يبقى متمثلاً في كونها تؤشر إلى ثقوب يطلّ عبرها مأزق الخطاب الصهيوني أو الرواية الصهيونية لتاريخ الصراع. وهي ثقوب مترتبة أيضاً، فضلاً عن مستحصلات الكتابة ذاتها، على مجرّد النقاش الذي تثيره وعلى مجرياته ومنطوقاته المتعدّدة. وتظل مهمتنا بإزائها أن نفهم ما هو موجود، إنّما من غير خداع للذات بأن ما هو حاصل يشكل ثورة في طريقة التفكير الإسرائيلية تجاه الداخل والخارج معاً. فلئن كانت تلك الثقوب تسعفنا قليلاً لدى الآخر في مجال سرد روايتنا التاريخية المدافعة عن وعينا التاريخي، حتى لو أتى ذلك من لدن هذا الآخر ذاته، فإن ما ينبغي ملاحظته قبل أي شيء هو كون حدود إسعافها لا تتخطى نخبة ثقافية وأكاديمية ما تزال منشغلة بالتاريخ الجديد والسوسيولوجيا الانتقادية، وتستحق أن نلتفت إليها. وهي نخبة تتعرّض الآن إلى التضييق والحصار الصارمين، بالرغم من أنه ليس مبالغة القول إن فاعليتها في التأثير على الوعي التاريخي الشعبي في أوساط الرأي العام الإسرائيلي لا توازي أكثر من خدش صخرة صمّاء، كما كررنا القول مرات من الصعب حصرها. وحتى قبل أن تتعرض هذه النخبة إلى الحصار الحالي بخطواته العديدة وذات المنهجية الواضحة، لم تعدم المؤسسة الإسرائيلية الوسيلة لفرض هامشية على النقاش حول الصهيونية عموماً وعلى نقاش أصحاب المنظور الأقل أحاديّة تخصيصاً، لجهة استحالة الرهان على أن في مقدوره أن يحدث في المدى المنظور انقلاباً في طريقة تفكير الإسرائيليين بخصوص المسألة الفلسطينية، التي لم تبدأ بالنكبة في 1948.

المصطلحات المستخدمة:

معهد فان لير, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات