المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ممداني فائزاً. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 10
  • أنطوان شلحت

يمكن إعادة أبرز تحسّبات إسرائيل، ولا سيما أطياف اليمين فيها، من انتخاب زهران ممداني رئيساً لبلدية نيويورك يوم 4 تشرين الثاني الحالي إلى الأسباب التالية: أولاً، يُنظر إلى ممداني كجزء من صعود تيّار تقدمي ينتقد إسرائيل داخل الولايات المتحدة. ثانياً، كل تقدّم انتخابي لهذا التيار يُقرأ في إسرائيل باعتباره إشارة إلى تحوّل في المزاج الأميركي العام. ثالثاً، نجاح ممداني في استقطاب الكثير من يهود نيويورك من حوله يُنظر إليه كنجاح في تفكيك "التضامن اليهودي العالمي" على قاعدة "الارتباط بإسرائيل".

وكانت هناك تحليلات أشارت إلى أن التركيز الإسرائيلي على ممداني له ما يبرّره نظراً إلى كونه أول رئيس بلدية مسلم في تاريخ نيويورك، بجانب كونه ناقداً شديداً لإسرائيل يتم انتخابه في مدينة تضم أكبر تجمّع سكاني يهودي في العالم، ولكن في الوقت عينه من المهم استبطان أن فوزه ليس سوى قطعة واحدة من "بازل" أكبر، يُظهر واقعاً سياسياً إشكالياً جداً بالنسبة إلى إسرائيل على الساحة الأميركية.

ومثلما كتب أمير تيبون في صحيفة "هآرتس" (6/11/2025) فإن العناوين في إسرائيل تناولت، حصرياً، فوز زهران ممداني في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، وتجاهلت القصة الأكبر في الانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة، وهي سلسلة من الانتصارات الواضحة للحزب الديمقراطي، من الساحل إلى الساحل. وبرأيه، بالنسبة إلى إسرائيل ليس فقط المهم فوز ممداني في نيويورك، بل تزامنه مع انتصارات الحزب الديمقراطي العامة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تعيد تشكيل الخطاب والتوقعات قبل انتخابات منتصف الولاية الرئاسية في العام المقبل، في وقتٍ وصلت مكانة إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، لدرجة أن الديمقراطيين الأكثر اعتدالاً من رئيس بلدية نيويورك الجديد يرفعون نبرة الانتقاد لإسرائيل، ويجدون صعوبة كبيرة في دعمها، مثلما كانت عليه الحال في الماضي. كما أن مكانة إسرائيل داخل الحزب الجمهوري أيضاً لم تعُد مثلما كانت عليه، وبالأساس في ظل تصاعُد نفوذ التيارات المعادية لإسرائيل ولليهود، في صفوف جيل الشباب من اليمين الأميركي.

ومثل هذا التقييم بل وأكثر حدّة منه، يمكن استشفافه من التحليلات التي صدرت عن أوساط مقربة من اليمين الإسرائيلي الحاكم على غرار ما نُشر في صحيفتي "يسرائيل هيوم" و"مكور ريشون" أو في موقع "ميداه"، أو ضمن مقالات السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة زلمان شوفال من حزب الليكود.

بعض هؤلاء ارتأى التذكير بأن رؤساء بلدية نيويورك كانوا طوال الوقت حريصين على إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل، وأن رئيس البلدية الحالي إريك آدامز أقام مكتباً خاصاً لمحاربة معاداة السامية وجاهر بتأييده مواقف إسرائيل في حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة.

من الملاحظ كذلك أنه كانت هناك تقييمات إسرائيلية بدأت تحذّر من أن انتخاب ممداني ينذر بهزّة متوقعة في الولايات المتحدة في اليوم التالي لولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب. وتمثّل على هذه التقييمات، مثلاً، ورقة سياسات نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب مؤخراً، وهي من إعداد رئيس المعهد تامير هايمان، والمختص في الشؤون الأميركية أفيشاي بن ساسون غورديس، وتؤكد أن الولايات المتحدة تشهد تحوّلات داخلية جوهرية، مثلما هي الحال في المجتمع الإسرائيلي، والعلاقات بين الدولتين تتأثر عميقاً بهذه التحوّلات التي تشمل تغيّرات ديموغرافية واجتماعية وسياسية. وبصورة عامة يمكن القول إن الصوت التقدمي الراديكالي يزداد قوةً في أوساط جناح اليسار في النظام السياسي الأميركي، ويحاول التكفير عن خطيئة الآباء المؤسّسين، أي خطيئة استعباد السود وإبادة سكان القارة الأصليين، من خلال تمجيد الضعيف والمظلوم، وتبنّي الكراهية للرجل الأبيض، ومن هذا المنظور بالذات تصوَّر إسرائيل كرمز للأبيض القوي المستغِل في مقابل الشعب الفلسطيني الضعيف والمقهور والمضطهَد. وإلى جانب هذه الدوائر الراديكالية، يتعمق الإحباط من إسرائيل داخل شرائح أوسع من اليسار الأميركي المعتدل، بسبب الطريقة التي ترى بها ممارسات الحكومة الإسرائيلية على الساحة الداخلية الأميركية.

وتتطرّق الورقة أيضاً إلى اليمين الأميركي المحافظ، وبالأساس إلى حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدّداً" (MAGA) التي يقودها الرئيس ترامب، فتنوّه بأن "العظَمة الأميركية"، حسبما يراها أتباع الرئيس، تتطلب الاستثمار داخل الولايات المتحدة نفسها (وضمن ذلك تحقيق النصر في المنافسة مع الصين)، بينما يُنظر إلى الاستثمار خارجها على أنه غير ضروري. والأهم من هذا أن بعض هؤلاء يرون أن إسرائيل دولة انتهازية تحاول دفع الولايات المتحدة إلى خوض حروبها، ليس بالضرورة بما يتوافق مع المصالح الأميركية، وبذلك تضعف أميركا في منافستها على الهيمنة العالمية. إلى جانب ذلك، تُسمع أصوات في هذا المعسكر تعبّر عن نزعات معادية للسامية وتربطها بإسرائيل.

وتستند الورقة لتعزيز استنتاجاتها الذهنية، وخصوصاً فيما يتعلق بالهزة المتوقعة بعد نهاية ولاية ترامب، إلى آخر استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة والتي تشير إلى هذه الاتجاهات بوضوح، منوهة بما يلي:

(*) أولاً، هناك انخفاض ملموس وآخذ بالاضطراد في تأييد المواطنين الأميركيين لإسرائيل، سواء على مستوى الرأي العام، أو على المستوى البرلماني، فوفقاً لاستطلاع أجراه معهد "بيو" في نهاية آذار 2025، بلغت نسبة الأميركيين الذين يبدون موقفاً سلبياً تجاه إسرائيل 53 بالمائة، في حين وصلت درجة التعاطف مع إسرائيل، مقارنةً بالتعاطف مع الفلسطينيين، إلى أدنى مستوى خلال 25 عاماً. كذلك أظهر استطلاع شركة "غالوب" في الشهر نفسه أن نسبة الدعم لإسرائيل بين مجمل البالغين الأميركيين انخفضت إلى 46 بالمائة فقط، وهو أيضاً الرقم الأدنى خلال ربع قرن.

(*) ثانياً، فيما يخص رؤية الأميركيين لسياسة إسرائيل وممارساتها بشكل عام وفي غزة بشكل خاص، أظهر استطلاع لجامعة ميريلاند أن 41 بالمائة من الأميركيين يرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية أو أفعالاً مشابهة في قطاع غزة، وارتفعت نسبة التأييد للفلسطينيين بالتدريج، لتصل إلى 33 بالمائة (مقارنةً بـ15 بالمائة في العام 2016). وما زال التأييد لإسرائيل مرتفعاً بين الجمهوريين (75 بالمائة) لكن تظهر بوادر تراجُع أيضاً، ففي الفئة العمرية 18–34 عاماً، لا يؤيد إسرائيل سوى 13 بالمائة، في مقابل 67 بالمائة من جيل الـ65 عاماً فما فوق.

(*) ثالثاً، لا يزال الأفنجيليون البيض من أشد أنصار إسرائيل حماسةً، ولكن الدراسات تُظهر تراجعاً مستمراً في حجمهم وتأثيرهم. فلقد انخفضت نسبة الأميركيين الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم أفنجيليون من 23 بالمائة في العام 2006 إلى 14 بالمائة في العام 2020. حتى داخل هذه الفئة، يُلاحَظ تآكل في دعم إسرائيل، فقد هبط التأييد لإسرائيل بين الأفنجيليين الشباب من 69 بالمائة في العام 2018 إلى 34 بالمائة في العام 2021، وما زال هذا الاتجاه مستمراً. وتشير استطلاعات جديدة إلى أن دعم إسرائيل بين الشباب الأفنجيليين، على الرغم من أنه أعلى من أقرانهم غير الأفنجيليين، يبقى أدنى بعشرات النقاط المئوية، مقارنةً بالأفنجيليين الأكبر سناً.

(*) رابعاً، هناك ربط قائم في الرأي العام الأميركي، وأكثر داخل أوساط الحزب الديمقراطي، بين إسرائيل والحزب الجمهوري، ومن شأن ذلك أن يُترجَم إلى سياسة خارجية مختلفة لإدارة ديمقراطية مستقبلية تكون أقل تأييداً لإسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

مكور ريشون, هآرتس, يسرائيل هيوم, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات