يمكن القول، بكل تأكيد، إن المحكمة العليا الإسرائيلية لم تكن، في يوم من الأيام منذ إنشاء دولة إسرائيل وتأسيسها، في مثل هذا الوضع الذي وصلت إليه في هذه الأيام (أو: الذي أوصلت نفسها إليه، كما يمكن الادعاء بدرجة ما من الصواب)، رغم كل ما تعرضت له خلال السنوات من نقد واعتراض، وصل في السنوات الأخيرة تحديداً حدّ شن الهجوم الفظ والصريح والفظ عليها، على أدائها وقراراتها القضائية، ثم المحاولات العملية لمحاصرتها وتضييق رقعة عملها وصلاحياتها، من خلال تشريعات قانونية خاصة.
من المقرر أن تُعرَض حكومة الليكود ـ "أزرق أبيض" الجديدة في إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو وبنيامين غانتس، على الكنيست غداً الأربعاء، كما اتفق الرجلان، لتصويت الثقة عليها، وذلك بعد (وبفضل) قرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي رفضت، بإجماع 11 قاضياً (!)، جميع الالتماسات التي قُدمت إليها ضد إسناد مهمة تشكيل الحكومة لنتنياهو في ظل لائحة الاتهام الجنائية الخطيرة المقدَّمة بحقه وضد بنود مركزية في الاتفاق الائتلافي المبرم بين الليكود و"أزرق أبيض" لتشكيل "حكومة الطوارئ الوطنية" الجديدة.
من المتوقع أن تنطلق هذا الأسبوع حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والتي من المفترض أن يتقاسم رئاستها معه زعيم كتلة "أزرق أبيض" بيني غانتس، بعد 18 شهرا من الآن.
وبحسب التخطيط فإن الهيئة العامة للكنيست ستصوت، يوم الخميس من هذا الأسبوع، على منح الثقة لهذه الحكومة، التي قد ترتكز على ما بين 72 إلى 78 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست.
تنص اتفاقية الائتلاف لحكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، التي سينطلق عملها هذا الأسبوع، بعد 17 شهرا من عمل الحكومة الانتقالية، بفعل حل الكنيست ثلاث مرات في غضون 12 شهرا، على أنه يحق لرئيس الحكومة نتنياهو أن يشرع في إجراءات فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة الغربية المحتلة، ابتداء من مطلع شهر تموز المقبل 2020. ورغم ذلك، فإن هناك العديد من الأسئلة المطروحة، تتعلق بعملية الضم ذاتها، من حيث توقيتها وحجمها، إذ أنه ستكون عوامل مؤثرة على كل واحد من السيناريوهات المحتملة، رغم ما يظهر من دعم مطلق لكل خطوة إسرائيلية، من البيت الأبيض.
تناول تقرير رقابة الدولة الإسرائيلية السنويّ الموسوم بـ 70أ، وهو الأول الذي وضعه مراقب الدولة الجديد مَتنْياهو أنجلمان على طاولة الكنيست هذا العام (ويعد الجزء الأوّل من التقرير السنويّ لمراقب الدولة للعام 2019) مسألة "الرقابة على مواضيع هيكليّة ذات استحقاقات وتأثيرات قوميّة واسعة".
كانت حالة اليسار في إسرائيل حتى قبل اندلاع وباء الكورونا سيئة. فبعد الانتخابات الأخيرة (آذار 2020)، اتحد حزب العمل المتحالف مع حزب "غيشر"، مع حزب ميرتس بهدف اجتياز نسبة الحسم (السقف الأدنى الذي يجب وصوله كي تصل إلى تمثيل برلماني في الكنيست الإسرائيلي). كان القصد من وراء هذا الاصطفاف الجديد هو الانضمام لاحقاً لدعم الكتلة الائتلافية التي يقودها بنيامين غانتس، التي كان من المفترض وفقاً لحسابات الاستطلاعات أن تحل محل ائتلاف الحكومة اليمينية. وهي الكتلة اليمينية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو منذ 11 عاماً، والذي لم يقُد إسرائيل إلى الحكم الاستبدادي فحسب، بل قُدمت ضده أيضاً اتهامات خطيرة في بنود خرق الثقة والاحتيال والرشوة، ومن المتوقع أن يُقدم للمحاكمة.
الصفحة 183 من 351