المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
كاحول لفان: الليكود يُماطل في الالتزام بشأن نظام العمل الداخلي (فرانس برس)

لا يعني إقرار الهيئة العامة للكنيست، مساء الاثنين 24 آب الجاري، بالقراءة النهائية، القانون الذي يؤجل الموعد النهائي لإقرار الموازنة الإسرائيلية العامة 120 يوما إضافيا، حتى 23 كانون الأول المقبل، إنهاء الأزمة الائتلافية، فالتفاهمات المبرمة بين كتلتي الليكود أزرق أبيض هي مجرد عناوين عامة، والمشكلة في التفاصيل. وطالما أن مسألة الانتخابات المبكرة هي لمصلحة شخص بنيامين نتنياهو، وفق الانطباع السائد، فإن إنهاء الأزمة هذا الأسبوع هو أمر مرحلي، أو لنقل، مجرد "فاصل" حتى يتم استئناف الأزمة من جديد، كي يتخلص نتنياهو من هذه الحكومة، وعدم تسليم رئاسة الوزراء لشريكه بيني غانتس.

وتنص التفاهمات بين الكتلتين الشريكتين في الحكومة على أن يتم إقرار ميزانية عامة، حتى يوم 23 كانون الأول المقبل، دون تحديد ما إذا ستكون للعام الجاري فقط، أم مزدوجة أيضا للعام المقبل، وهذه نقطة خلاف مركزية ما تزال قائمة. ولكن حتى ذلك الحين يتم دفق 11 مليار شيكل (3,2 مليار دولار) لميزانية 2020 التي لم تقر بعد؛ وهذا من أجل تمويل ميزانيات تتعلق بالصرف على أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية، وبضمنها أيضا دفق مبالغ ضخمة على مؤسسات المتدينين المتزمتين الحريديم، الذين ساهمت كتلتاهما، شاس ويهدوت هتوراة، في الضغط على نتنياهو لإنهاء الأزمة مرحليا.

كما تنص التفاهمات على عدم القيام بالتعيينات الكبيرة حتى إقرار الميزانية العامة، وبالذات تعيين القائد العام للشرطة، والمدعي العام للدولة، اللذين يرفض المستشار القانوني للحكومة أن يتدخل بنيامين نتنياهو في تعيينهما.

هناك الكثير من الافتراضات للأسباب التي جعلت نتنياهو يغير الاتجاه ولو مرحليا، ويقبل بتأجيل الأزمة. فعلى الصعيد الداخلي، وجد نتنياهو نفسه محاطا بضغوط ليست قليلة عليه، إذ يظهر أنه هو وحده في داخل الليكود، تقريبا، المعني بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، لأن في صفوف كتلة الليكود معارضة واسعة، بادعاء أن الجمهور لا يريد انتخابات مبكرة، ورغم أنه ادعاء يتناسب مع ما تُظهره استطلاعات الرأي، إلا أن في هذا دوافع شخصية لكل واحد من أعضاء الكتلة، مهما كانت وظيفته الحالية، حكومية أم برلمانية. فاستطلاعات الرأي تتنبأ بخسارة الليكود لبعض من مقاعده، والحديث كما أسلفنا وقلنا في الأسبوع الماضي، أنه في حال انتخابات رابعة فإن الحزب سيتجه لانتخابات داخلية قد تطيح بنحو 40% من أعضاء الكتلة الحالية عن المقاعد المضمونة، وفق نظام الحزب الذي يضمن للمرشح أن يترشح عن منطقته الجغرافية فقط مرّة واحدة، ثم ينتقل لاحقا للترشح على اللائحة القطرية، لإتاحة الفرصة أمام تمثيل جديد للمناطق.

كذلك فإن كتلتي الحريديم ضغطتا على نتنياهو كي لا يتجه لانتخابات مبكرة، والادعاء المعلن أن الكتلتين تريدان إنجاز الميزانيتين سريعا كي تضمنا ميزانيات جديدة لمعاهد ومؤسسات الحريديم. وهذا تفسير ممكن أن يكون واقعيا، خاصة وأن كتلتي الحريديم ليستا قلقتين على قوتيهما الانتخابية، اللتين تعتمدان أساسا على جمهور الحريديم الملتزم بممثليه.

في ذات الوقت، فإنه ليس من المستبعد أنه إلى جانب الأجواء التي أحاطت نتنياهو، فإنه يريد التوجه لانتخابات مبكرة مع مزيد من الأوراق الرابحة، على الصعيد الإقليمي، فحتى الآن الاتفاق مع دولة الإمارات المتحدة لم يعوّض الليكود عن خسائره في المقاعد، كما يظهر في الاستطلاعات، وبرأيي المحللين فإن أثر الاتفاق سيكون عابرا لا أكثر. في المقابل، فإن سلسلة من التقارير تتحدث عن أن واشنطن، وأذرع نتنياهو، تتحرك في الشرق الأوسط لتحقيق اتفاق إضافي على الأقل، وليس واضحا مدى صحة هذه التقارير، خاصة على ضوء التصريحات الصادرة عن مسؤولين في السعودية وسلطنة عمان والسودان، وآخرها في المغرب العربي، بأن التطبيق مع إسرائيل ليس واردا حاليا.

تأجيل الأزمة ابتداء من هذا الأسبوع سيمنع اجراء انتخابات مبكرة، في نهاية تشرين الثاني أو مطلع كانون الأول المقبلين، وهو تاريخ جيد لنتنياهو، يسبق بأكثر من شهر بدء جلسات محاكمته المكثفة، في الشهر الأول من العام المقبل. وهذا ما سيفرض على نتنياهو تغيير حساباته من حيث توقيت الانتخابات، طالما أن هدفه عدم الوصول الى موعد تسليم غانتس رئاسة الحكومة، يوم 21 تشرين الثاني من العام المقبل.

وكما يبدو فإن قلق نتنياهو هو بشأن احتمال تجميد صلاحياته خلال عمل المحكمة المكثف، بعد أن تلقى طمأنة مشروطة من المستشار القانوني للحكومة، بأنه لن يطلب تجميد صلاحياته ليتفرغ للمحكمة، شرط أن لا يتدخل في التعيينات الكبرى، ذات العلاقة بجهاز تطبيق القانون، وخصوصاً تعيين القائد العام للشرطة، والمدعي العام للدولة، وقد أعلن نتنياهو مساء الأحد أنه ليس منشغلا الآن بتلك التعيينات، وهذا ما نصت عليه التفاهمات مع كتلة أزرق أبيض.

واستنادا لما تقدم، ولأن نتنياهو لن يقبل بأن تدور معركة انتخابية وهو يجلس يوميا في قاعة المحكمة، إذا لم ينجح في تأجيلها، فإن انتخابات مبكرة إما ستجري قبل بدء المحكمة بأيام، أو أن التاريخ الجديد سيكون في مطلع الصيف المقبل.

نتنياهو يسعى لتخفيف حدة المشهد الاقتصادي المأزوم

ثارت ضجة في الأيام الأخيرة في أعقاب إعلان مكتب الإحصاء المركزي الحكومي أن الاقتصاد الإسرائيلي سجل في الربع الثاني من العام الجاري انكماشا بمعدل سنوي بنسبة 28,7%. وسارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى نشر تعليق في شبكة التواصل تويتر، يعلن فيه أن الاقتصاد سجل في الربع الثاني انكماشا بنسبة تجاوزت بقليل 10%، وقد اعتمد نتنياهو النسبة العينية للربع الثاني وحده، بينما المتابع في بيانات مكتب الإحصاء هو الإعلان عن النسبة بمعدل سنوي.

وكان هدف نتنياهو هو التقليل من النسبة التي لاقت ضجة. ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس في مقال في صحيفة "ذي ماركر"، إنه إذا كان نتنياهو يبادر للتوجه لانتخابات مبكرة، "فإن كل ما بقي عليه أن يفعله هو الإمساك بمعطى اقتصادي عيني، كي يظهر الاقتصاد بأنه أقل سوءاً من الآخرين".

وفي المقارنات التي عرضتها الصحافة الاقتصادية وأيضا المؤسسات المالية الرسمية، يظهر أن الوضع في إسرائيل أفضل من دول مركزية في أوروبا، مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ولكن هناك، كما يشير بيرتس، فإن ضربة كورونا كانت أضعاف وضعها في إسرائيل. وفي حال جرت المقارنة مع دول متطورة كان فيها انتشار الكورونا شبيها نوعا ما بحاله في إسرائيل، فإن النسبة تكون متقاربة.

ورغم ذلك، فإن التقديرات الجديدة لبنك إسرائيل المركزي أظهرت تفاؤلا محدودا، ولكن هذا بشرط أن لا تندلع موجة ثالثة تقود إلى إغلاق اقتصادي؛ إذ عدّل البنك تقديراته من جديد، وقال إن الانكماش الاقتصادي الإجمالي في العام الجاري سيكون في حدود 4,5%، وفي حال تأزمت الأوضاع الصحية، وبالتالي الاقتصادية، فإن الانكماش قد يصل إلى نسبة 7%. وحسب المحللين، فإنه لا يمكن الاعتماد على هذه التقديرات منذ الآن، وهي مرشحة للتقلبات، لأن الاقتصاد الإسرائيلي مرتبط أيضا بأوضاع الأسواق العالمية.

ويقول بيرتس إنه على الرغم من أن معطيات الاقتصاد الإسرائيلي تحل في وسط جداول الدول المتطورة، فهذا لا يعني أن الأداء الاقتصادي الإسرائيلي جيد، وناجم عن قرارات "تجعل نتنياهو يتفاخر بها". وقال إنه حتى الآن تم اتخاذ قرارات حكومية اقتصادية جيدة، وأخرى سيئة، وفي حال اتجهت إسرائيل نحو انتخابات مبكرة رابعة، فسيتم اتخاذ قرارات سيئة أكثر، على حد ما يؤكد بيرتس.

توقعات: موجة كورونا ثالثة أخطر

في الجانب الصحي، أظهرت الإحصائيات حتى مطلع الأسبوع أن عدد الحالات الفعالة لفيروس كورونا هو في تراجع مستمر، ولكن وتيرة التراجع باتت أبطأ، فقد تم تسجيل الذروة بنحو 36 ألف حالة نشطة يوم 27 تموز الماضي، وتراجعت إلى محيط 22 ألف حالة، في مطلع الأسبوع الجاري. إلا أن معهد الأبحاث وايزمان يحذر من أن إسرائيل مقبلة على موجة ثالثة قد تكون أخطر وأصعب من الموجة الأولى، ومن الموجة الثانية التي ما تزال دائرة. ويستند المعهد في تقديراته إلى تراجع وتيرة انخفاض الحالات النشطة في الأيام الأخيرة، واستقرار عدد الحالات الجديدة اليومية بما بين 1400 إلى 1500 حالة يوميا. ويبدو أن المعهد يأخذ بالحسبان موسم الأعياد اليهودية ابتداء من 19 أيلول المقبل، وحتى التاسع من تشرين الأول المقبل، وهي أيام تشهد اكتظاظا في الكُنُس اليهودية، بالنسبة للمتدينين والمحافظين، ولكن بشكل خاص لدى المتدينين المتزمتين، الحريديم. كما أنه من ناحية أخرى تكثر المناسبات الاجتماعية.

حاليا فإن النسبة الأكبر للحالات النشطة هي بين الحريديم والعرب، وحسب التقديرات فإنهم معا يشكلون ما بين 60% إلى 70% من الحالات النشطة. ففي الموجة الأولى حافظ العرب في إسرائيل على التزام لافت، وكانت نسبة الإصابات بينهم بالكاد تتعدى نسبة 5% من إجمالي المصابين، رغم أن نسبتهم بين السكان 18%، ومع القدس والجولان المحتلين الذين يدخلون الاحصائيات الإسرائيلية ترتفع النسبة إلى 21%. أما حاليا، وحسب التقديرات، فإن العرب ضاعفوا نسبتهم بأكثر من أربعة أضعاف وهم يشكلون حوالي 22% من الحالات النشطة. ويعود هذا بالأساس إلى الأعراس المنتشرة في البيوت والأحياء.

وفي ورقة البحث التي طرحها معهد وايزمان، فإن الجهاز الصحي في المستشفيات حتى الآن بعيد عن الانهيار، وبتقديره أن الجهاز الصحي سيدخل في أزمة وشبه انهيار في حال بلغ عدد الحالات النشطة المكتشفة يوميا حوالي 4 آلاف مصاب، بمعنى قرابة ثلاثة أضعاف معدل الإصابات المكتشفة يوميا حاليا. وفي خلفية العدد 4 آلاف تقدير الجهاز الحكومي المسؤول عن إدارة أزمة كورونا، بأن الجهاز الصحي لن يحتمل وجود 800 حالة صعبة في آن واحد، بمعنى ضعفي الحالات اليوم. وأجرى المعهد حسابات تبين فيها أن عدد 800 حالة خطرة في آن واحد سيكون في حال وصل عدد الحالات النشطة الجديدة المكتشفة يوميا إلى 4 آلاف. كما يأخذ هذا التقدير بالحسبان حقيقة طول فترة المكوث في المستشفيات للمرضى في الحالات الصعبة والمتوسطة.

الأزمة في جهاز التربية والتعليم

مع اقتراب افتتاح كل عام دراسي مدرسي في الفاتح من أيلول سنويا، تظهر جهة من الجهات ذات العلاقة بجهاز التعليم، مهددة بمنع افتتاح العام الدراسي، عارضة مطالب فورية. ولكن مع اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد، فإن ثلاث جهات تهدد بالإضراب ومنع افتتاح العام، وهذا يحدث لأول مرّة منذ سنوات طوال. وهي المجالس البلدية والقروية، واتحاد أولياء أمور الطلاب، ونقابة المعلمين. ولكن الأزمة لا تنتهي عندهم، فنظام التعليم الذي تعرضه وزارة التعليم للعام الدراسي المقبل سيكشف أكثر عجز الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية لدى مئات آلاف العائلات، التي لن تكون قادرة على انخراط أبنائها في التعليم.

وتطالب المجالس البلدية والقروية، من خلال "اتحاد الحكم المحلي"، الحكومة بوضع خطة وضحة لسد نقص 2400 غرفة تعليمية، وحسب التقديرات فإن نسبة عالية جدا منها هي في جهاز التعليم العربي، رغم أن التقديرات بأن عدد غرف التعليم لدى العرب يتجاوز العدد الكلي المعلن. كما تطالب المجالس بدعم يوم التعليم الطويل وروضات الأطفال لتقليل الكلفة.

ويطالب اتحاد أولياء أمور الطلاب بتخفيض جدي في رسوم الأهالي لجهاز التعليم الرسمي المجاني، وهي رسوم يدفعها الأهل مقابل خدمات طبية، وقسم من البرامج الثقافية والترفيهية، وغيرها من نفقات التعليم، رغم أن التعليم الرسمي مجاني أصلا.

وتطالب نقابة المعلمين بوضع ترتيب خاص للمعلمين والمعلمات الذين هم ضمن شريحة الخطر صحيا، إذا أصيبوا بفيروس كورونا، إضافة الى ترتيبات جديدة في مدفوعات الضمان الاجتماعي، واحتساب أيام المرض من كورونا، أو أيام الحجر الصحي، كأيام عمل مدفوعة الأجر، وأن لا تكون محسوبة ضمن أيام المرض المحددة سنويا.

وحسب التقديرات، فإن الحكومة ستعمل على التوصل إلى حلول واتفاقيات في الأيام المتبقية حتى افتتاح السنة الدراسية لضمان افتتاحها في موعدها، وهو ما فعلته الحكومة بأوامر من بنيامين نتنياهو في معارك نقابية أخرى، لمحاصرة الاعتراض على سياسات وبرامج الحكومة.

ولكن نظام التعليم عن بُعد الذي سيكون في الأساس لطلاب الصفوف من الخامس وحتى الثاني عشر، والذي بدأ في الفصل الأخير من العام الماضي، لم تظهر فيه بشكل كبير أوضاع الطلاب من العائلات الفقيرة، العاجزة عن تأمين أجهزة اتصال إلكترونية، مثل أجهزة الحاسوب والحاسوب النقال وهواتف ذكية. ولكن هذا سيتكشف الآن أكثر، لأنه حسب التقديرات فإن هذا النظام سيرافق كل العام الدراسي أو في غالبيته، طالما استمرت جائحة كورونا. فالعائلات الفقيرة التي لديها عدة أولاد في المدرسة عاجزة عن تأمين جهاز لكل واحد من أبنائها، أو حتى عاجزة عن تأمين جهاز واحد. والمشكلة أيضا ستكون أكبر لدى العائلات التي ليس لديها شبكة إنترنت، وهنا الحديث عن الشرائح الأكثر فقرا، وغالبية هؤلاء من العائلات العربية. وتشتد الظاهرة لدى عشرات آلاف العرب الذين يقيمون في قراهم في صحراء النقب، والتي ترفض السلطات الاعتراف بوجودها على الأرض وهي محرومة من كل البنى التحتية، بما فها شبكات المياه والكهرباء والهواتف الأرضية وبالتالي شبكات الإنترنت. وتدعي الحكومة أنها خصصت ميزانية لضمان جهاز حاسوب لكل طالب من العائلات الفقيرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات