المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مناورة بحرية ضمن المياه الإقليمية البحرينية بمشاركة إسرائيلية في 17 شباط 2022 (وكالات)
مناورة بحرية ضمن المياه الإقليمية البحرينية بمشاركة إسرائيلية في 17 شباط 2022 (وكالات)

بعد الإعلان عن "اتفاقيات أبراهام" ودخول أربع دول عربية، هي الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب والسودان، في علاقات تطبيع مع إسرائيل، يكاد لا يمر أسبوع واحد بدون أن يتم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الأكاديمية، السياسية، الأمنية والاستخباراتية. على سبيل المثال، في بداية شباط 2022، زار وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، البحرين وقام بتوقيع اتفاقية تم اعتبارها بأنها تاريخية.

أحد أهم مخرجات هذه الاتفاقية كان إرسال ضابط بحرية إسرائيلي للتموضع في البحرين بشكل دائم ليشكل رجل اتصال ما بين إسرائيل والأسطول الخامس الأميركي والقوات البحرينية.Jerusalem Post, “Israeli Navy Officer to Be Permanently Stationed in Bahrain - Report - The Jerusalem Post,” Jerusalem Post, 2022, https://www.jpost.com/breaking-news/article-696145. في مجال آخر، تم توقيع مذكرة تفاهم في 30 نيسان من العام 2021 ما بين الأرشيف الوطني الإماراتي والمكتبة الوطنية في إسرائيل لتعزيز التعاون الثقافي المتعلق بالإرث المعرفي.WAM, “UAE National Archives, Israeli National Library Sign MoU,” Wam, 2021, https://wam.ae/en/details/1395302931499. وفي حقل مختلف كليًا، في 20 كانون الثاني 2022، أقامت الجامعة العبرية في القدس وجامعة بوليتكنيك محمد السادس في المغرب اتفاق تعاون أكاديمي للبحث المشترك وتبادل الطواقم التدريسية والطلاب.AAPI, “2021 Abraham Accords Progress Report: A Year In Review,” 2022, https://www.aapeaceinstitute.org/latest/abraham-accords-progress-report-2021-a-year-in-review. أما على صعيد العلاقات العامة التي تسمح بنسج "قصص إنسانية"، فقد قامت فتيات إماراتيات وإسرائيليات بتبادل ثلاثة أزواج من الكلى (clinic exchange)، وتم تصوير الأمر على أنه تبادل للدم العابر للأديان.AAPI, “Daughters from the UAE and Israel Save Lives in Kidney Exchange,” 2021, https://www.aapeaceinstitute.org/latest/daughters-from-the-uae-and-israel-save-lives-in-kidney-exchange. هذه الأمثلة هي غيض من فيض، فالاتفاقيات التي تم توقيعها خلال العام 2021 وبداية العام 2022 تصل إلى أكثر من 160 اتفاقية تغطي كافة مجالات الحياة الاجتماعية، وتنخرط فيها فئات وطبقات وشرائح متنوعة من كافة الدول المطبعة بالإضافة إلى إسرائيل. تلقي هذه المقالة الضوء على طبيعة "السلام" الذي قامت به إسرائيل مع الإمارات والبحرين بشكل أساس، ومع المغرب بشكل جزئي، وخلال فترة قصيرة جدا. وتسعى المقالة إلى استشراف مستقبل "اتفاقيات أبراهام" التي لا تشبه بتاتًا اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن قبل أكثر من عقدين.

بعض الاستخلاصات

خرج المحللون السياسيون الداعمون لـ"اتفاقيات أبراهام" ببعض الاستخلاصات التي ستكون لها تبعات بعيدة المدى على الشرق الأوسط في العقود القادمة. ففي أحد المقالات التي نشرتها مجلة Foreign Policy، يدعى المحللون بأن "اتفاقيات أبراهام" الموقعة ما بين إسرائيل من جهة، وما بين الإمارات والبحرين والمغرب من جهة أخرى، يمكن أن توصف بأنها سلام دافئ، على العكس من السلام البارد الذي ساد على مدى أكثر من أربعة عقود ما بين إسرائيل وكل من مصر والأردن. بالطبع، السلام الدافئ هو السلام الذي يوقع عليه النظام الحاكم، فيستجيب له معظم سكان الدولة، بما يشمل أجهزتها الأمنية، وقطاعاتها الاقتصادية كافة، ومؤسساتها الأكاديمية، ووزاراتها المختلفة، بالإضافة إلى منظمات الشبيبة والنقابات العمالية ومنتديات رجال الأعمال، ويفتح الباب على سياحة متبادلة بدون قيود ومشاركة في معظم المناسبات الوطنية وغير الوطنية ما بين الدول. هذا النوع من السلام لم تشهده الأردن ومصر مع إسرائيل إذ ظلت القاعدة الشعبية فيهما معارضة تماما للسلام الدافئ مع إسرائيل. ويعزو كاتب المقال في المجلة المذكورة السبب إلى أن الإمارات والبحرين تعتبران "واحة اقتصادية" وليستا دولتين فقيرتين مثل الأردن ومصر، وبالتالي كانتا جاهزتين للاندماج الكلي لأن المناخ الشعبي فيهما منشغل أكثر بالاقتصاد الرأسمالي، والتبادل التجاري، والبحث والتطوير، والثقافة النيوليبرالية المنفتحة.Varsha Koduvayur Daoud David, “Welcome to a Brand-New Middle East,” Foreign Policy, 2020, https://foreignpolicy.com/2020/09/30/israel-uae-bahrain-palestinians-peace/. وعلى العكس من الأردن ومصر اللتين تعانيان من نسب بطالة عالية، وفقر مدقع، و"تقوقع" شعبي حول الخطابات القومية والإسلام السياسي والانشغال بالهم الوطني (مواطن سياسي)، فإن البحرين والإمارات على الأقل عملتا على مدار أكثر من عقدين على تحويل شعبيهما إلى شعبين منخرطين في عجلة العولمة (مواطن اقتصادي). بالطبع، هذا رأي يحتاج إلى تحليل أعمق للموافقة عليه، لكنه قد يعني أن بقاء مصر والأردن في إطار الدول الفقيرة قد لا يخدم المساعي الإسرائيلية لضمهما إلى هذا النوع من السلام الدافئ.

مهما يكن من أمر، فليس هنا المجال لتقرير فيما إذا كان مهندسو "اتفاقيات أبراهام" قد اختاروا الإمارات والبحرين قصداً كونهما من دول "المواطن الاقتصادي" ويشكلان نموذجا ناجحا للتطبيع، أم أنهما كانتا الوحيدتين من الدول العربية اللتين استعدتا للانخراط في "اتفاقيات أبراهام". في كل الأحوال، فإن السلام الدافئ ما بين إسرائيل والإمارات والبحرين، لكن أيضا المغرب، يأخذ بالفعل منحى مختلفاً كلياً، ولا بد من الإشارة إلى أهم الخطوات التي خطاها، والتي تعكس مدى التشابك في العلاقات ما بين دول "اتفاقيات أبراهام":
1. المستوى الأمني الرسمي: يشمل التعاون والاتفاقيات الموقعة على مستوى وزارات الدفاع والأجهزة الاستخباراتية والجيوش. من الصعب الحصول على نصوص هذه الاتفاقيات التي ستظل سرية من حيث المحتوى لكنها علنية من حيث وجودها ومدى اتساعها. إسرائيل قامت بتوقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية مع البحرين والمغرب والإمارات في أوقات مختلفة من العام السابق. شارك في توقيع هذه الاتفاقيات وزير الدفاع الإسرائيلي، غانتس، وأعقبتها زيارات متعددة قام بها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وممثلون عن أجهزة استخباراتية لوضع تفاصيل التعاون الذي وصف بأنه استراتيجي ومنقطع النظير بين إسرائيل ودول عربية.
2. المستوى الأمني غير الرسمي: والمقصود به الشركات الإسرائيلية الخاصة التي تعمل في مجال الأمن، والاستخبارات، وتصنيع المعدات العسكرية والبحث والتطوير. مثلا، في 19 نيسان 2021، وقعت شركة أبو ظبي G42 اتفاقاً مع شركة "رفائيل" للصناعات العسكرية الإسرائيلية لإقامة مشروع مشترك لتسويق تكنولوجيات المعلومات (AI and big data technologies).reuters, “Abu Dhabi’s G42 Forms Big Data JV with Israeli Defence Company Rafael,” Reuters, 2021, sec. Middle East, https://www.reuters.com/world/middle-east/abu-dhabis-g42-forms-big-data-jv-with-israeli-defence-company-rafael-2021-04-19/. وفي 14 تشرين الثاني 2021، وقعت شركة أنظمة إلبيت (Elbit systems) للمقاولات العسكرية في إسرائيل اتفاقاً مع الإمارات لإقامة تعاون طويل المدى.باقي الاتفاقيات التي سترد أدناه، يمكن العثور عليها في قاعدة بيانات "مركز اتفاقيات أبراهام للسلام"، على الموقع التالي: https://www.aapeaceinstitute.org/latest/abraham-accords-progress-report-2021-a-year-in-review وبعد أيام وقعت شركة إيدج للتكنولوجيا التابعة لوزارة الدفاع الإماراتية مذكرة تفاهم مع الصناعات الجوية الإسرائيلية لتطوير سفن روبوتية.
3. قصص إنسانية: وهي أنشطة تقوم بها إسرائيل بالإضافة إلى دول عربية مطبعة للتسويق الإعلامي وتشكيل "نموذج إنساني" يحتذى به. على الرغم من بساطة هذه الفعاليات المتبادلة الا أنها تتمتع بقوة رمزية مصحوبة بتسويق إعلامي لا يمكن الاستهانة به. مثلا، في 27 أيلول 2021، اتجهت طواقم "إنقاذ" مشتركة بين إسرائيل والإمارات إلى أفغانستان في مهمة لـ "تخليص" نساء وأطفال عالقين في كابول بعد استيلاء طالبان عليها! وفي 8 كانون الثاني 2021، اجتمع أطفال إماراتيون وإسرائيليون في برنامج "عصف ذهني" لوضع حلول لمشاكل "ندرة المياه" في منطقة الشرق الأوسط.
4. تعاون اقتصادي: وهو تعاون على أكثر من مستوى. من جهة، هناك التعاون على المستوى الرسمي بين وزارات الاقتصاد والصناعة أو بين هيئات تشجيع الاستثمار ومكاتب التبادل التجاري. مثلا، في 15 تشرين الثاني 2021، عقد اجتماع بين وزارتي الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية والإماراتية لتوقيع اتفاق تعاون اقتصادي شامل (CEPA) بين البلدين. وفي اليوم التالي، بدأت إسرائيل والإمارات مباحثات رسمية لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين. وفي 27 تموز 2021، تم تجهيز مسودة اتفاق تعاون اقتصادي بين إسرائيل والبحرين وطرحها لمصادقة الحكومتين ومن المتوقع المصادقة عليها خلال أشهر بحيث أن التبادل التجاري بين البلدين سيصل إلى مئات الملايين من الدولارات، ويشمل المعدات الطبية، التكنولوجيا الزراعية، السايبر، الطاقة وغيرها. وفي 13 آذار 2021، وقع اتحاد المشغلين المغاربة اتفاقاً ومذكرة تفاهم مع اتحاد منظمات المشغلين ورجال الأعمال الإسرائيلي لتطوير العلاقات التجارية واتفاقيات رؤوس الأموال بين البلدين.
5. مشاركة اقتصادية: والمقصود هنا تبادل رؤوس الأموال بحيث يشارك رأس المال العربي المطبع في شراء أسهم وأصول في البنية الاقتصادية الإسرائيلية والعكس صحيح. وهذا النوع من المشاركة الاقتصادية المعولم من شأنه أن يعمل على تشبيك المصالح الاقتصادية بشكل يصعب الانفكاك منه، بل يخلق بيئة تدفع رأس المال العربي المطبع إلى الاهتمام بأمن إسرائيل خوفا على مصالحه، والعكس صحيح. مثلا، في 2 أيلول 2021، باعت شركة ديلك الإسرائيلية للتنقيب 22% من أسهمها في بئر الغاز الطبيعي "تمار" إلى شركة "مبادلة" للبترول الإماراتية. وفي 17 تشرين الثاني 2021، وقعت شركة SolconIGEL الإسرائيلية اتفاقا مع شركة CMETS Engineering Solutions الإماراتية بموجبه تقوم الأخيرة ببيع أسهم ومنتجات وخدمات الأولى في أبو ظبي. وفي 12 آذار 2021، أعلنت الإمارات تخصيص صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في إسرائيل في قطاعات مختلفة منها الطاقة، المياه، الفضاء، الصحة والزراعة عالية التقنية.
6. تعاون على مستوى البنى التحتية، وتشمل اتفاقيات بين سلطات المياه والكهرباء ومد أنابيب الغاز وغيرها. لعل أهم اتفاق تم في 22 تشرين الثاني 2021، عندما تم توقيع اتفاق إسرائيلي- أردني- إماراتي، وهو الأضخم بين إسرائيل ودول المنطقة، بموجبه تورد الإمارات الطاقة لإسرائيل، والتي ستقيم محطة تحلية مياه لتزويد الأردن بالماء. لكن لا يمكن الاستهانة أيضا بالاتفاقيات بين سلطتي المياه الإسرائيلية والبحرينية، وفي 21 كانون الثاني 2021، وقعت شركة المياه الإسرائيلية (مكوروت) اتفاقاً مع سلطة المياه والكهرباء البحرينية لتزويد البحرين بتقنيات تحلية المياه.
7. تعاون صحي بحيث أن معظم وأهم المستشفيات الإسرائيلية تشابكت مع مستشفيات ومنظمات صحية إماراتية وبحرينية ومغربية. والتشابك شمل تبادل خبرات، وقضايا تتعلق بالبحث والتطوير بالإضافة إلى تشابك منظوماتي يتعلق بطرق الإدارة الحديثة للمستشفيات والتمريض. مثلا، دائرة الصحة في أبو ظبي وقعت اتفاقاً مع مستشفى شيبا الإسرائيلي وشركة كلاليت للخدمات الطبية الإسرائيلية للتعاون في المجال الصحي.
8. تعاون أكاديمي بحيث أن أهم الجامعات الإسرائيلية تقوم بالتشبيك مع جامعات مغربية، إماراتية، وبحرينية لتبادل البحث العملي، وتبادل الطلاب والهيئة التدريسية. وربما يعتبر هذا النوع من التطبيع الأهم اذ أنه يخترق النخبة الأكاديمية والتي قد يكون جزء لا بأس منها في مواقع صناعة القرار مستقبلا. في هذا السياق، يمكن ذكر الاتفاق بين جامعة بار إيلان الإسرائيلية وجامعة جولف ميديكل الإماراتية لتبادل الطلاب، أو الاتفاق بين الكلية الوطنية لإدارة الأعمال في كازبلانكا المغربية وجامعة تل أبيب من أجل التعاون العلمي وتبادل الطلاب وخلق فرص العمل، أو الاتفاق بين جامعة بن غوريون في النقب وجامعة المغرب الدولية في الرباط للتعاون الأكاديمي في مجالات البحث المشترك وتبادل الطواقم التدريسية والطلاب.

قد لا تكفي هذه المقالة لذكر كل الاتفاقيات التي شملت أيضا تعاونا ثقافيا، ورياضيا، و"تآخيا" بين الأندية، ومشاركات متبادلة في المعارض، والعروض المسرحية، والفن والسينما، وغيرها. لكن الخلاصة المطلوبة ربما هي أن "اتفاقيات أبراهام" فتحت المجال أمام إسرائيل لإقامة "سلام دافئ" مع دول عربية أساسية في الشرق الأوسط. ولأهمية هذه الاتفاقيات قام المهندس الأبرز للاتفاقيات، جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي السابق ترامب، بإنشاء مركز أبحاث (Think tank) ضخم باسم "مركز أبحاث اتفاقيات أبراهام للسلام"، ومقره في واشنطن. ويعمل المركز حاليا على صعيدين: الأول، كمنسق للتشبيك بين فئات وشرائح اجتماعية واقتصادية لم يطَلها التطبيع بعد، والثاني كمركز أبحاث يوثق مسيرة التطبيع التي تمضي على قدم وساق وبشكل لم تتوقعه إسرائيل في السابق.

من الصعب الجزم بكيف ستضر هذه الاتفاقيات بالقضية الفلسطينية. من جهة، لا شك في أنها تضعف الدبلوماسية الفلسطينية التي استندت إلى مبدأ "لا تطبيع مع إسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية بحسب مبدأ حل الدولتين".لتحليل أعمق، أنظر تقرير مدار الاستراتيجي 2022 للعام 2021، والذي سيصدر في نهاية آذار الحالي 2022. لكنها في المقابل، وبشكل متناقض، قد تسمح لإسرائيل بالمضي قدماً في مشروعها الاستعماري، والذي بات في أوساط منظمات حقوق الإنسان الدولية يوصف بأنه "أبارتهايد من النهر إلى البحر". فالاتفاقيات هذه، حتى لو مضت قدما وشملت دولاً عربية أخرى، من شأنها أن "توتر القوس"، حسب المثل الشعبي الصيني، بحيث أنها قد تغري إسرائيل بالمضي قدماً في اضطهاد حقوق الفلسطينيين وتكشف بالتالي عن طبيعتها الاستعمارية بشكل مفضوح أكثر.

المصطلحات المستخدمة:

شركة المياه الإسرائيلية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات