المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الهسبراه: احتلال الحكاية.
الهسبراه: احتلال الحكاية.

 "إن الطريقة الصحيحة للتواصل مع الرأي العام حول العالم، هي التواصل مع الناس على الأرض، وزارة الشؤون الاستراتيجية اتخذت من الضوابط العسكرية منطقاً لها، وهي تتعامل مع "الهسبرا" على أنها حرب؛ يتم تحديد مكان الأعداء عبر المؤسسة الأمنية وبواسطة وسائل الذكاء الأمنية، ومن ثم مهاجمتها، لكن التعامل مع حركة المقاطعة ومواجهتها يفرض على إسرائيل أن تُظهر للعالم أنها قابلة للنقد"، هكذا عبّر نداف تمير، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق وأحد الخبراء في مجال العلاقات الدولية، عن فهمه لدور عملية "الهسبرا" ونقده لمنطق عمل وسلوك "وزارة الشؤون الاستراتيجية" الإسرائيلية في مواجهة BDS.

استناداً إلى الرأي السابق، تأسّست جمعية "كونسيرت" اليمينية، التي تترأسها مقدّمة البرامج التلفزيونية الأفنجيلية لوري كاردوزا، بهدف- كما تقدّم نفسها- "توعية المسيحيين حول العالم بمسؤوليتهم التوراتية والإنجيلية المقدّسة التي تقضي بالوقوف إلى جانب إسرائيل"، وقد عبّرت كاردوزا عن إعجابها الشديد بشخصية دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، وفي إثر مقطع فيديو مصوّر على مدخل "مستوطنة ترامب" في الجولان السوري المحتلّ، تلقّت كاردوزا قرابة 80 ألف دولار (300 ألف شيكل) من "وزارة الشؤون الاستراتيجية" حينها كدعم لمؤتمر "ارتباطنا التوراتي بالأرض المقدّسة".https://bit.ly/3gtpALm

بدايةً، تأسّست "وزارة الشؤون الاستراتيجية" في العام 2006، بعد أن قرّر إيهود أولمرت- رئيس الحكومة في ذلك الوقت- منح أفيغدور لبيرمان حقيبة وزارية في ائتلافه، قبل أن يتم حلّها في العام 2008، لتعود مرّة أخرى في عهد نتنياهو، وتحديداً في العام 2015، جلعاد إردان، الذي قادها كجسم حكومي يهدف لمواجهة "حملات مقاطعة إسرائيل ونزع الشرعية عنها، ومواجهة BDS وحملات المقاطعة المختلفة". فقد أوكل الكابينيت الأمني- السياسي "وزارة الشؤون الاستراتيجية" في تشرين الأول 2015، مهمة مواجهة حملات نزع الشرعية عن إسرائيل التي تقودها حركة المقاطعة العالمية (BDS)، وقد ترأس الوزارة منذ ذلك الحين، وحتى إغلاقها في العام 2020 جلعاد إردان، الذي يشغل منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة في الوقت الحالي. علماً أن الوزارة تأسست العام 2006، وقد تم حلّها في العام 2008، لتعود للعمل مرة أخرى في العام 2009، ولتستمر في العمل كوزارة مستقلة إلى أن تم حلها بقرار من الحكومة الأخيرة (حكومة بينيت- لبيد) في العام 2021. هوديا كريش حازوني، تم إغلاق وزارة الشؤون الإستراتيجية: ضرورة أم وزارة الخارجية؟، مكور ريشون، 19.07.2021، https://bit.ly/3wxCFKO وقد موّلت الوزارة قبل إغلاقها العديد من مشاريع "الهسبرا" الإسرائيلية، كان آخرها منح "المجلس الإقليمي- عربة الأردن" مبلغ 1.2 مليون شيكل، و"المجلس الإقليمي- شومرون" مبلغ 1.6 مليون شيكل، لتمويل مشاريع إعلامية ودعائية، تتمثّل بعضها باستضافة ناشطين ومؤثرين أجانب (من إسبانيا وإيرلندا والولايات المتحدة وغيرها) لمواجهة حملة نزع الشرعية عن إسرائيل التي تقودها BDS. https://bit.ly/3gtpALm

ما هو مشروع "كونسيرت"؟ ولماذا قرّرت الحكومة الإسرائيلية إعادة تمويله؟

تأسست جمعية "كونسيرت" في العام 2017، في الوقت الذي كان يشغل فيه جلعاد إردان منصب وزير الشؤون الاستراتيجية، وقد حملت الجمعية في البداية اسم "مقلاع شلومو" بهدف "تجنيد المنظّمات والمؤثرين عبر منصّات الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي للتضامن مع إسرائيل والوقوف إلى جانبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الإعلامية في إسرائيل وخارجها. بكلمات أخرى، انطلق هذا المشروع لنشر الدعاية الحكومية الإسرائيلية لكن بزي مدني وعبر هيئة يتم تقديمها عالمياً على أنها هيئة مدنية، للتغلّب على معضلتين: الأولى؛ أن تسجيل الجمعية كجمعية حكومية سيضع حداً للتبرعات الأميركية الخاصة لها، كون أي جمعية تروّج للسياسة الخارجية مُطالبة بالتعريف بنشاطاتها والإعلان عن اسمها وأهدافها للحصول على هذه التبرّعات، ثانياً؛ اعتقاد المستوى الرسمي في إسرائيل، وتحديداً نخبة اليمين الجديد، أن النخب والمتحدثين الرسميين باسم الحكومة لا يُمكنهم تحقيق التأثير المطلوب في الفضاء الجماهيري والتأثير على المواطن الغربي، لذلك؛ من الأفضل أن يكون جزء من عملية "الهسبرا" الإسرائيلية قيام "المواطن المدني" وليس الحكومي أو العسكري بالدفاع عن إسرائيل وتمرير أجنداتها السياسية الحكومية، وهذا سيجعل الأمر أكثر سهولة. في المقابل، تقف خلف هذه الجمعية شخصيات عسكرية ودبلوماسية من المستويات العليا، ويُشرفون على صياغة أجندات عملها وخطاباها واستراتيجياتها المختلفة أمثال عاموس يدلين، دوري غولد، ويعقوب عميدرور وغيرهم.للمزيد، أنظر/ي: https://bit.ly/3J71gLD.

كان من بين أهداف الجمعية أن تقوم بتأدية دور دعائي بالنيابة عن الحكومة الإسرائيلية، وذلك في سياق محاولة خلق رأي عام جماهيري إيجابي تجاه إسرائيل حول العالم، وخاصة عبر منصّات Facebook وTwitter وInstagram، خصوصا في ظل حملات نزع الشرعية عنها، التي يخوضها الفلسطينيون بشكل مستمر، بعد أن كانت عملية "الهسبرا" في مجال الإعلام والشبكات الاجتماعية تقتصر على الأجسام الحكومية الرسمية، ومقسّمة إلى عدّة وحدات إعلامية، تُشرف على كلّ منها وزارة الشؤون الاستراتيجية ومكتب رئيس الحكومة فقط.

تُشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن الجمعية فشلت في السابق في تجنيد المبالغ المالية المطلوبة، فقد فشلت "مقلاع شلومو" في تجنيد 128 مليون شيكل من خلال التبرّعات الأجنبية، على أن تقوم الحكومة بتزويدهم بنفس المبلغ إذا نجحوا في زيادته، لكن الوثائق التي حصلت عليها بعض الجهات الحقوقية الإسرائيلية تُظهر أن عملية جمع التبرعات فشلت ووصلت إلى طريق مسدود، وأقرّت "وزارة الشؤون الاستراتيجية" بفشل موظفي "مقلاع شلومو" في مهمة جمع التبرعات، في المقابل، اتهمت الأخيرة الوزارة بعدم تحويل الميزانيات المطلوبة والتسبّب بأضرار جسيمة للمشروع برمّته، مما أدّى إلى توقّف المشروع نهائياً. جدير بالذكر أن "مقلاع شلومو" تلقّت حينها تمويلاً بقيمة 7.3 مليون شيكل من الصندوق المركزي لإسرائيل (The Central Fund of Israel) وهو صندوق أميركي متورّط بتمويل جمعيات ومنظّمات اليمين في إسرائيل، للمزيد، أنظر/ي: https://bit.ly/3ru37nI. في الوقت الذي يشنّ فيه اليمين ومنظّماته حملات تحريض و"نزع شرعية" عن المنظّمات الحقوقية اليسارية في إسرائيل بسبب حصولها على تمويل وتبرّعات من مصادر خارجية.

في أواخر كانون الثاني المنصرم، قرّرت الحكومة الإسرائيلية استثمار 100 مليون شيكل على مدار أربعة أعوام في مبادرة، اعتبرها العديد من المحلّلين الإسرائيليين مُثيرة للجدل، تسعى "لتغيير صورة إسرائيل وفي مواجهة حملات نزع الشرعية عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية"، وعلى الرغم من أن المحاولات السابقة لهذه المبادرة قد فشلت فشلاً ذريعاً؛ إلّا أن الحكومة قد قرّرت أن تصل موازنة المشروع، باحتساب التبرّعات الشخصية أيضاً، لـ 200 مليون شيكل حتى العام 2026. وقد تم اعتماد المبادرة خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي. ووفقاً للقرار الجديد؛ سيترأس نائب وزير الخارجية الإسرائيلي عيدان رول "كونسيرت"، الذي سبق أن شغل منصب منسّق عمل "وزارة الشؤون الاستراتيجية" في وزارة الخارجية، وستحصل الجمعية على مبلغ 100 مليون شيكل على مدار الأعوام 2022-2025 بمعدّل 25 مليون شيكل سنوياً، من الحكومة الإسرائيلية (50% من المبلغ الكلّي)، على أن يتم تأمين المبلغ المتبقّي من الهيئات المدنية، ليصل المبلغ في النهاية إلى 200 مليون شيكل. للاستزادة، أنظر/ي: https://bit.ly/3LaWqil.

إجمالاً، لا يُمكن اعتبار قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير باستحداث، وتجديد عمل "مقلاع شلومو" ذات التوجّهات اليمينية المحافظة بمثابة استمرار لأجندات خطط بنيامين نتنياهو فقط، كون الجمعية قد تأسّست في عهده وبشكل يتناسب مع رؤيته اليمينية في السياسة الخارجية، وإنما أيضاً يكشف عن نفوذ اليمين الجديد ومنظّماته، في السياسة الإسرائيلية الرسمية الحكومية، وقدرته في صياغة الأجندة السياسية للحكومة الإسرائيلية، حتى وإن لم تكن هذه الحكومة حكومة يمينية بحتة كما كانت عليه الحال خلال العقد الماضي، أي خلال حكومات بنيامين نتنياهو 2009-2021.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات