المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة أرشيفية لفتاة تمر من أمام محلات مغلقة في القدس الغربية.  (عن: ذي تايمز أف إسرائيل)
صورة أرشيفية لفتاة تمر من أمام محلات مغلقة في القدس الغربية. (عن: ذي تايمز أف إسرائيل)

تناول تقرير الرقابة السنويّ 71 ب وهو القسم الثاني من التقرير السنويّ لمراقب الدولة في إسرائيل، نتائج الرقابة على الهيئات الخاضعة للرقابة في العام 2020، وبينها "تعامل السلطات في إسرائيل مع تحدّي الاستعداد لسوق العمل المتغيّرة، بتشكيلة واسعة من الأبعاد ذات الصلة برأس المال البشريّ للعمّال القائمين حاليّاً والعمّال المستقبليّين"، كما جاء في التقرير. وهو ينوّه خصوصا إلى التغيّرات في هذه الفترة خاصّة، في ظلّ وباء كورونا، وفي ظلّ التأثيرات الجوهريّة للوباء على احتياجات السكان في مجموعة منوّعة من المجالات.

يقول المراقب: تطرأ في جميع أنحاء العالم تغيّرات كبيرة وسريعة على سوق العمل، وتتميز بحالات دمج جديدة بين التقنيّات من العوالم الماديّة والبيولوجيّة والرقميّة. سرعة هذه التغيّرات غير مسبوقة وكذلك نطاقها وتأثيرها. سوق العمل الإسرائيليّة تتغيّر أيضاً، وهناك بعض الخصائص الفريدة التي تعزّز الحاجة إلى ملاءمة المهارات للتغيّرات في سوق العمل سواء تلك التي يكتسبها الطلاب في جهاز التعليم الذين يسميهم "موظّفي المستقبل"، أو لدى الموظّفين الحاليّين. وانصبّ عمل الرقابة في هذا المجال على موضوع الجاهزيّة في إسرائيل لسوق العمل المتغيّرة، وكذلك في إطار مشروع رقابة جرى بتعاون دوليّ بين مكاتب مراقبي الدولة في الاتّحاد الأوروبّيّ ودول أخرى: فنلندا، كوريا الجنوبيّة، إيطاليا، بلغاريا، وشمال مقدونيا. ومن بين النتائج المتعلّقة بالمواضيع التي تمّ فحصها:

نواقص تصعّب إكساب الطلاب المهارات المطلوبة للقرن الـ 21

تبيّن في الرقابة على موضوع استعداد وزارة التربية والتعليم لسوق العمل المتغيّرة، أنّه أُعدَّت وثائق السياسة العامّة حول موضوع المهارات اللازمة، وبدأت بلورة سيرورة من جانب الوزارة لتذويتها. ومع ذلك، هناك نواقص تجعل من الصعب على المدارس إكساب الطلاب المهارات المطلوبة للقرن الـ 21، وهي نواقص في مجال التخطيط والسياسة، فضلاً عن تذويت المهارات في المناهج التعليميّة وأساليب التقييم ودرجة المرونة البيداغوجيّة الممنوحة للمدارس.

بالإضافة إلى ذلك، يشير الفصل الذي يتناول موضوع البيئة التعليميّة في المدارس فوق الابتدائيّة بوصفها بنية تحتيّة لإكساب مهارات للقرن الـ 21، إلى أنّه عشيّة أزمة كورونا، في بداية العام 2020، لم توفّر البيئة المدرسيّة المادّيّة والتكنولوجيّة والمحوسبة للمدارس عامّة، وفي المدارس فوق الابتدائيّة خاصّة، الظروف اللازمة لاكتساب مهارات للقرن الـ 21 عامّة بنجاعة، والمعرفة التكنولوجيّة والرقميّة خاصّة. وإمكانيّة وصول الطلاب والمعلّمين إلى وسائل التعلّم المحوسبة كانت محدودة، ولم تكن هناك تغييرات كافية أدخلت على البيئة المادّيّة في المدارس الثانويّة لإتاحة التعلم الخلاّق.

وهو يستنتج أنه يجب على جهاز التعليم، من أجل إعداد خرّيجيه لوظيفة ناجحة في حياتهم المستقبليّة، أن يذوّت لدى الطلاب، إلى جانب المعرفة في مختلف مجالات المعرفة والقيم، المهارات التي ستكون ضروريّة لهم كخرّيجين أيضاً في حياتهم الاجتماعيّة والشخصيّة والمهنيّة في القرن الـ 21. وينصح بأن تبلور وزارة التربية والتعليم سياسة شاملة وبرامج استراتيجيّة خاصّة لتذويت مهارات القرن الـ 21 لدى الطلاب في جهاز التعليم. وأن تكون الخطّة الاستراتيجيّة بمثابة إطار لتنسيق الأنشطة المتعلّقة بهذا الموضوع لجميع مديريات الجهاز ذات الصلة، وأن تنظّم أيضاً طريقة تذويت المهارات في المناهج التعليميّة والتقييم والقياس، وطريقة إكساب المهارات في المدارس الثانوية، ووسائل لتوسيع المرونة البيداغوجيّة في المدارس فوق الابتدائيّة.

أما بالنسبة للبيئة المدرسيّة المادّية والتكنولوجيّة، يقول التقرير، فتجدر الإشارة إلى برنامج تجهيزيّ لوزارة التعليم في هذا المجال تمّت صياغته خلال فترة تفشّي كورونا بهدف تقليل الفجوات في موضوع حوسبة المدارس وتعزيز البنية التحتيّة الرقميّة للتعلّم عن بعدُ. ونصح بأن تعمل وزارة التعليم على الاستفادة من الميزانيّة المخصّصة لها لتنفيذ برنامج شامل لتعزيز التعلم عن بعد في ظلّ كورونا، ومواصلة العمل على تحسين البيئة المادّيّة والتكنولوجيّة، وتوسيع دائرة المدارس التي تستفيد من بيئة مبتكرة وفعالة ومختلف الوسائل التكنولوجيّة. ويحث المدارس نفسها، وبالذات المدارس فوق الابتدائيّة، على المشاركة في مشاريع تعزّز بناء بيئة كهذه مع إزالة المعيقات التي تواجهها، مع الأخذ بعين الاعتبار الفجوات في المدارس الضعيفة اجتماعيّاً واقتصاديّاً في التعليم في الوسط الحريديّ والتعليم العربي (يسميه "غير اليهودي"!).

 "الهايتك": نقص في العاملين من العرب والنساء والحريديم خصوصاً

يلاحظ التقرير بروز صناعة التكنولوجيا المتطورة (الهايتك) في إسرائيل في مقارنة دوليّة، وتُعرض دولة إسرائيل على أنها "دولة الستارت- أب" (الشركات الناشئة لتطوير منتوج أو برنامج في الهايتك). ويقول إن هذه الصناعة هي محرّك نمو رئيس للاقتصاد الإسرائيليّ، وتُسهم بنحو 12% من الناتج المحلّيّ الخام في إسرائيل. والإحصائيات المتوفرة في مجال صناعة الهايتك تدل على أنّه في تمّوز 2019، أشارت التقديرات إلى وجود 18.500 وظيفة شاغرة في صناعة التكنولوجيا العليا، وأن هناك بشكل أساس نقصاً في خرّيجي الجامعات المتميّزة في مجالات الأجهزة والعتاد والبرمجيّات من ذوي الخبرة في التوظيف.

ويرى المراقب أنه لضمان استمرار تعريف دولة إسرائيل على أنّها "دولة ستارت- أب"، يجدر بالهيئات الحكومية ذات الصلة (مجلس التعليم العالي؛ وزارة الماليّة؛ وزارة التربية والتعليم؛ وزارة الرفاه والخدمات الاجتماعية؛ سلطة الابتكار؛ ووزارة الدفاع) أن تهتم بإزالة الحواجز التي تحول دون تحقيق هذا الهدف. والمطلوب هو تقليص النقص في القوى العاملة الماهرة في صناعة الهايتك وضمان توفير عرض قوى عاملة مناسبة على المدى البعيد؛ التركيز بشكل خاصّ على الدمج الجدي والنوعي لجهاز التعليم في هذه المهمّة. ويتابع: مصدر آخر لزيادة القدرات غير المستغلة للعاملين في صناعة الهايتك هو الفئات السكّانيّة ذات التمثيل الأدنى في هذا المجال حاليّاً، وبشكل عام يمكن القول إنّها مستبعدة ومقصاة منها: أوّلاً وقبل كلّ شيء الأمر يتعلّق بالتمثيل المحدود جدّاً للنساء، وللمواطنين العرب واليهود الحريديم أيضاً. ويخلص إلى أن هناك حاجة أخرى برزت في أعقاب هذه الرقابة، ومن الضروريّ جدّاً توفير ردود لضمان جيل التكنولوجيا العليا في المستقبل، وهي سدّ النقص في أعضاء هيئة التدريس في المؤسسات الأكاديمية، والحدّ من تسرّب الطلّاب الذين يدرسون مهن الهايتك.

يتوقف التقرير عند مصطلح "الإلمام الرقميّ" ويعرّفه بكونه مجموع القدرات والمهارات والمعرفة المطلوبة للتصرّف في بيئة رقميّة، وكإحدى أكثر المهارات الضرورية والأساسيّة في القرن الـ 21. ويقول إنه في عصر ثورة تكنولوجيّة فريدة وسريعة، من المتوقّع وجود ميزة كبيرة للموظّفين الذين يعرفون كيفيّة العمل في البيئة الرقميّة. وقد تبيّن وفقاً لمسوحات وأبحاث، أن "الفجوة الرقميّة" في إسرائيل في اختبار حلّ المشكلات في بيئة محوسبة في العام 2015 كانت هي الأكبر بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة OECD.

وهو ما دل عليه استطلاع أجرته المنظّمة لتقييم المؤهلات المنوعة للخريجين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و65 عاماً والذي فحص أيضاً حل المشكلات في بيئة محوسبة، قدرة الشخص على استخدام التكنولوجيا الرقمية ومستوى المهارة الرقمية والملاءمة لاحتياجات سوق العمل. وتم إجراء الدورة الأولى من المسح في ثلاث جولات - في 2011 - 2012 و2014 - 2015 و2017. وشاركت إسرائيل في الجولة الثانية، بين نيسان 2014 وكانون الثاني 2015، ومن المتوقّع أيضاً أن تشارك في الاستطلاع في 2022 - 2023. أي أن هناك نتائج منهجية تدل على الفجوات وأبرزها أنه تمّ رصد إلمام رقميّ متدنٍّ خاصّة بين المواطنين العرب والحريديم. وبما أنّ الإلمام الرقميّ هو وسيلة أساسيّة للاندماج الجيد في سوق العمل المتغيّرة، فهي واحدة من الأدوات القادرة على منع اتّساع الفجوات وتحسين إنتاجيّة العمل. لذلك من المهمّ وضع الإلمام الرقميّ كهدف يجب تحقيقه في جميع نظم التعلم والتأهيل. ويجب التركيز على إكساب المهارات الرقمية للأطفال وأبناء الشبيبة كأدوات تخدمهم طوال حياتهم وكأساس للمزيد من التعلّم، ويجب السماح أيضاً للبالغين غير المتمكّنين منها بشكل جيّد باكتسابها في كبرهم.

ضرورة فتح برامج تعلّم للكبار وخصوصاً للفئات السكّانيّة الأكثر حاجة إليها

تقدّم سلطة الاستخدام والتشغيل، بواسطة وزارة الاقتصاد، برامج مخصصة لتطوير المستقبل المهني للعاملين، كما تكتب على موقعها. هذا التأهيل المهني الذي تديره وزارة الاقتصاد في جميع أنحاء البلاد، هدفه المساعدة في إيجاد عمل ملائم وتطوير مهنة المتقدّم للبرنامج، ومنح مهنة تمكّن من التطور مهنياً وشخصياً، وزيادة الاحتمالات للعثور على عمل في مجال التخصص الجديد. سياسة سلطة الاستخدام والتشغيل، كما تعرضها، ترى أن القرار بخصوص التوجّه المهني واختيار مجال التعليم والتأهيل له أهمية كبيرة، لأن في ذلك اختيار مهنة تؤثر كثيراً على مستقبل العامل ولأن القرار الذي لا يأخذ القدرات والميول والمهارات بعين الاعتبار قد يؤدي إلى اختيارات خاطئة وغير ناجعة.

يجرى هذا التأهيل المهني في عدة فروع تأهيل منوعة موازية لفروع العمل في المرافق وسوق العمل: البناء والبيئة، الطباعة والتصوير والإنتاج، الاستضافة والفندقة، كهرباء وإلكترونيات، النسيج، حواسيب، إدارة، تخطيط، حضانات الأطفال، التجميل، الآلات، الخشب والأثاث، السيارات والمركبات، المواصلات وغير ذلك. ويتم التعليم في المؤسسات المعترف بها من قبل وزارة الاقتصاد وتستمر لمدة نحو سنة.

تطرق تقرير مراقب الدولة إلى هذا الجانب من باب فحص مجالي التعلّم والتدريب المهنيّ للبالغين- وملاءمتهما لسوق العمل المتغيّرة، ويقول: يقدّر عدد العمال في إسرائيل الذين يعملون في وظائف معرّضة لخطر كبير بسبب التغيير الجوهريّ، والذين يمكن أن يطردوا من سوق العمل في السنوات القادمة، بـ 600 ألف وهو ما يعادل حوالي 15% من الوظائف؛ وحوالي 2.1 مليون موظف معرضون لخطر متوسط (حوالي 54% من الوظائف). وبالنظر إلى واقع سوق العمل المتغيّرة والخوف من أن يجد العديد من العمال صعوبة في الاندماج فيها، يحث التقرير على أن تجري الوزارات ذات الصلة- وعلى رأسها وزارة العمل، وزارة التعليم، وزارة الاقتصاد ووزارة الماليّة- فحصاً مشتركاً لنظام التأهيل المهنيّ والتكنولوجيّ القائم وطرق تحديثه، عرض برامج التعلّم للكبار وإتاحتها للفئات السكّانيّة الأكثر حاجة إليها، والعمل على مشاركة المشغّلين في سيرورات تأهيل الموظّفين بناءً على التوصيات التي وردت في التقرير.

مراقب الدولة في إسرائيل يقدّر بأن هذه الإجراءات مهمّة على نحو خاصّ في مواجهة الأزمة الاقتصاديّة المصاحبة لوباء كورونا والتي من المحتمل أن تتطلّب تعديلات مهنيّة وإعادة تدريب في جميع المرافق الاقتصاديّة، خاصّة في الصناعات التي تضرّرت. ويضيف: يجب اعتبار هذه الفترة فرصة لرفع مستوى مهارات العديد من المعطلين عن العمل، حتّى يتمكّنوا من ملاءمة أنفسهم لسوق العمل المتغيّرة، والاندماج في العمل في أقرب وقت ممكن. وبالنظر إلى أزمة التشغيل المصاحبة لوباء كورونا الذي تفشّى في البلاد في آذار 2020، فهي تزيد من أهميّة الاستثمار في رأس المال البشريّ للعمال، المعطلين عن العمل وعمّال المستقبل - الأطفال وأبناء الشبيبة اليوم- من أجل زيادة القدرة على العمل في واقع متغيّر ومواصلة ترسيخ وتأسيس قطاع الهايتك. وينطبق هذا بشكل خاص على السكان في المجتمع الإسرائيلي الذين يفتقرون إلى الوسائل والمهارات.

أخيراً، يجدر التذكير بجانب إضافي عينيّ للقضية قيد البحث، وهي تتعلق بعشرات آلاف المصالح التي تضررت في أثناء أزمة كورونا. فقد شدّد تقرير سابق لمراقب الدولة، في أواخر 2020، على أن أكثر من 27% من العمال والموظفين قد وقعوا لفترة ما على الأقل، أو طيلة فترة أزمة كورونا، في دائرة البطالة، وتلقوا مخصصات دون مستوى رواتبهم، مما أضعف قدرتهم الشرائية، وقدرتهم على تسديد احتياجاتهم الاستهلاكية. كذلك، هناك الأزمة الحاصلة بين المستقلين وأصحاب المهن الحرّة، وبالذات أصحاب مصالح صغيرة تعتمد أساساً على عمل أبناء العائلة الواحدة، إذ أن التقديرات تتحدث عن تقليص عدد المصالح الاقتصادية والتجارية في إسرائيل بما يتراوح بين 40 ألف إلى 45 ألف مصلحة، بمعنى أن أكثر من 80 ألف مصلحة أغلقت أبوابها، في مقابل فتح أكثر من 35 ألف مصلحة جديدة، مصيرها غير واضح في العام المنتهي- 2020.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات