المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يرى العديد من المحللين الإسرائيليين أن بنيامين نتنياهو قرر استغلال محاكمته التي بدأت في الأسبوع الماضي، للتحريض العنيف على الشرطة وقائدها السابق روني ألشيخ، والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، وجهاز النيابة العامة، بزعم أنهم حاكوا ضده مؤامرة لإسقاطه عن الحكم، وليعمل على تجييش الرأي العام ضدهم، وبذلك يستعد أيضا لانتخابات 2023، خاصة وأنه بحسب تقديرات خبراء، فإن هذه المحاكمة التي تشمل ثلاثة اتهامات ومئات الشهود من النيابة والدفاع قد تستمر لسنوات، أقلها ثلاث.

وكان واضحا في جولات الانتخابات الثلاث الأخيرة، وأيضا لدى تشكيل نتنياهو حكومته الخامسة الجديدة، أنه يتعامل وكأنه لا توجد محاكمة ضده بقضايا فساد، أو أنه قد ضمن نتيجتها مسبقا؛ ورغم ذلك، فإن اتفاقية الائتلاف الحكومي، التي وقّع عليه خصمه السابق بيني غانتس، تقضي بحل الحكومة، إذا ما أقرت المحكمة في مرحلة ما بعدم أهلية استمرار نتنياهو على رأس الحكومة، فحتى الآن أصدرت المحكمة العليا قرارا يجيز لنتنياهو الاستمرار في رئاسة الحكومة، وقالت في قرارها التفصيلي الصادر في الأسبوع الماضي "إن المحكمة لا يمكنها أن تحل مكان الجمهور"، بقصد نتائج الانتخابات.

 جدول وقت المحكمة على أساس سياسي

 ويقول الخبير الحقوقي البروفسور عيدو باوم، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن نتنياهو عمل على "تقسيم فترة حكومة الوحدة وحكومة بيني غانتس بطريقة تتوافق مع المراحل القانونية المتوقعة. هذا على افتراض أن السلطة القضائية توافق على مراجعة ادعاءات نتنياهو وأرنون موزس والزوجين ألوفيتش، في ما يتعلق بالعيوب في التحقيق وقرار مقاضاتهم، أمام النيابة".

ويرى باوم أنه حتى قبل بدء المحاكمة، استخدم نتنياهو قضية محاكمته "بشكل متقن"، من أجل إثارة حماسة الجمهور بشكل ديماغوغي، ضد أجهزة الشرطة والنيابة والقضاء، إلا أنه في يوم افتتاح محكمته أدلى نتنياهو بخطاب تحريض، ليس ضد محاكمته، وإنما كان ذلك من أجل الحملة الانتخابية للعام 2023.

وفي العام ونصف العام المقبلين، سيكون نتنياهو منشغلا بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا. وخلال هذه الفترة، فإن وجوده في المحكمة ليس مهما. ولهذا سيتركز معظم النقاش هناك على رده على لائحة الاتهام ومزاعمه الأولية ضد الشرطة ومكتب المدعي العام. فنتنياهو يلوم المحققين على "تحقيق منهجي لملاحقته"، بزعم أنهم عملوا بشكل انتقائي في جمع المواد، وفي المرحلة الأولى من المحكمة سيجعل نتنياهو التركيز ليس في صد الادعاءات ضده بل في توجيه الاتهامات للشرطة والنيابة. وفقط بعد إيضاح الادعاءات ضد الشرطة والنيابة، يأتي دور شهود الادعاء، وحينها، أي بعد عام ونصف العام، سيكون نتنياهو في منصب رئيس الحكومة البديل، وسيكون رئيس الحكومة الفعلي بيني غانتس، ولهذا سيكون لنتنياهو الكثير من وقت الفراغ للاستفادة من المحاكمة لتعزيز موقفه في انتخابات 2023، بحسب باوم.

وحسب ذات التقديرات، ففي تلك الأيام لن يكون لوزراء الليكود والمخلصين لنتنياهو مصلحة في مساعدة غانتس في إدارة حكومته، وسيهتمون أكثر بمرافقة نتنياهو إلى جلسات المحاكمة، والتحريض في الاستوديوهات وتهييج الجمهور، الذي سيحقق مقاعد برلمانية أكثر في الانتخابات التالية، وسنرى إذا ما سيتمكن غانتس من إمكانية العمل الطبيعي لستة أشهر.

ويقول باوم إنه في العام ونصف العام التاليين، سيتكامل خط الدفاع في المحكمة بشكل جيد مع دعاية "البيبيين" (نسبة لبيبي- نتنياهو) في وسائل الإعلام، مما يخلق عدم الثقة في نظام إنفاذ القانون، وكأن الجمهور يجب أن يؤمن بالسياسيين.

ومن بين أكثر من 300 شاهد إثبات، هناك العشرات من محققي الشرطة. ومن خلال محققي الشرطة، سيقدم الادعاء الأدلة التي تم جمعها خلال التحقيقات. جزء كبير من هذه الأدلة هو تقني، لذلك من المحتمل أن يتخلى عنها الادعاء والدفاع بالاتفاق. في المقابل، هناك عدد غير قليل من محققي الشرطة الذين سيطلب محامو نتنياهو إحضارهم إلى منصة الشهود لإثبات مزاعم التحيز أو الانتقائية أو الهجومية في العام المقبل، بعد أن يقوم محامو الدفاع عن نتنياهو وأرنون موزس وإيريس وشاؤول ألوفيتش بجرد الأدلة. هنا سيدخل وزير الأمن الداخلي (الشرطة)، أمير أوحانا، إلى الصورة. وإذا كان هناك أي شخص تنفس الصعداء عندما غادر أوحانا وزارة العدل، فهذا خطأ مرير، لأن القادم أسوأ من خلال منصبه الجديد. فوزير الأمن الداخلي المكلف بالشرطة، أوحانا، مسؤول عن شهود الادعاء، من أفراد الشرطة، ضد نتنياهو. وأوحانا يسعى لتشكيل لجنة تحقيق في الشرطة، حول تصرف وحدة التحقيق في قضايا نتنياهو، وحتى الآن أوقفت المحكمة هذا الإجراء. ويقول باوم إنه من المأمول أن يوقف المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت محاولة كهذه إذا كررها أوحانا.

 الحكومة تخوض معركة رجل واحد

 ويقول المحلل حجاي عميت، في مقال آخر له في "ذي ماركر"، إن وزراء الليكود قرروا خوض معركة نتنياهو ضد أجهزة الشرطة والنيابة والقضاء. ففي خطابه مع افتتاح محاكمته، خصص قسما منه لتوجيه الاتهامات للقائد العام السابق للشرطة روني ألشيخ، والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، والمدعي العام السابق شاي نيتسان.

ويشار هنا، إلى أن نتنياهو لعب دورا في تعيين روني ألشيخ قائدا عاما للشرطة، بإحضاره من جهاز المخابرات العامة، وليس من سلك الشرطة، ليتولى مهمته، كذلك فإن نتنياهو مارس ضغوطا جمّة على شركائه في الحكومة، من أجل تعيين المقرّب له، مندلبليت، الذي كان سكرتير الحكومة، في منصب المستشار القانوني للحكومة، ولكن هذين كغيرهما، اصطدما بحقائق لم يكن بإمكانهما غض الطرف عنها، ولذا تحولا بين ليلة وضحاها إلى خصوم، وحتى أعداء لنتنياهو والمقربين منه.

ويقول عميت: لقد كرر نتنياهو في خطابه ما فعله مرات عديدة في الماضي، وجها لوجه ضد مؤسسات الحكم الاسرائيلي. وذكّر المواطنين الإسرائيليين بأنه لا ينبغي أن يثقوا بالشرطة، وأنهم لا ينبغي أن يصدقوا الادعاء، وأنهم لا يجب أن يثقوا بالنظام القضائي. فعل نتنياهو ذلك، وإلى جانبه كان وزير المالية يسرائيل كاتس، ورئيس الائتلاف ميكي زوهر، ووزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، ووزير الإنترنت والكمبيوتر دافيد إمسالم، والوزير بدون حقيبة تساحي هنغبي، ووزيرة المواصلات ميري ريغف، ووزير المخابرات إيلي كوهين، ونائب الوزير غادي يبركان؛ وأعضاء الكنيست شلومو كرعي، وكاتي شطريت، نير بركات. ويعتقد جميع هؤلاء المسؤولين المنتخبين، مثل نتنياهو، أن القانون والشرطة والنيابة العامة قد تدهوروا، وأنه لا ينبغي الوثوق بهذه المؤسسات. وكاتس هو الذي يفترض أن يخصص ميزانية لهذه المؤسسات، وأوحانا هو الذي يفترض أن يقود الشرطة.

وكتب عميت: إذا كان هذا هو بالفعل اعتقاد كل هؤلاء السياسيين، فعليهم أن يصرخوا بأنهم يريدون إصلاح الأنظمة والقوانين الإسرائيلية. إذا كان الأمر كذلك، يمكن الافتراض فقط أنه تم تلفيق الملفات لعشرات الآلاف من الإسرائيليين على مر السنين. لذلك من المناسب أن يخرج هؤلاء المسؤولون المنتخبون، إذا كان هذا هو اعتقادهم، ليقاتلوا من أجل حرية جميع المواطنين العاديين، الذين تلقوا معاملة كتلك التي تلقاها نتنياهو في السنوات الأخيرة.

ويضيف أن هؤلاء الوزراء والنواب "يقاتلون من أجل حقوق شخص واحد فقط، الرجل الذي أبقاهم في السلطة لمدة عشر سنوات، وكان يعتني بهم للمناصب الوزارية والبرلمانية. في خطابه، أوضح نتنياهو أنه طالما استمرت محاكمته، حتى المواطن الإسرائيلي الذي يرغب في ذلك، لن يتمكن من رؤيته كرئيس وزراء شرعي ويعتمد في الوقت نفسه على مؤسسات القانون الإسرائيلية".

وختم كاتبا: "كان بإمكان نتنياهو أن يختار خلاف ذلك. يمكنه أن يقرر أنه من تلك اللحظة سيسمح بمحاكمته كما لو كان في حالة أي مواطن. يمكنه أن يقرر أنه يعتقد أن هناك قضاة في إسرائيل. إذا اختار هذه الطريقة، فإنه سيكسب أيضا المواطنين الإسرائيليين الذين يبهظهم العيش مع حقيقة أن رئيس وزرائهم يواجه لائحة اتهام. بدلا من ذلك، قرر نتنياهو تحدي دولة إسرائيل وسيادة القانون".

من ناحيته يقول المحلل غور مجيدو في مقال له في "ذي ماركر": وصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى جلسة محاكمته الجنائية الأولى "بعد فشل الاستراتيجية التي اختارها للتعامل مع وضعه القانوني. خطط لأن لا تكون هناك محاكمة. وكان يأمل في الحصول على أغلبية برلمانية لإسقاط القضايا بالوسائل السياسية، مثل الحصانة أو القانون الفرنسي، وحتى أخذ إسرائيل إلى ثلاث حملات انتخابية باسم تلك المحاولة، لكنه فشل".

وتابع أن نتنياهو أظهر في خطابه اهتماما كبيرا بسحب شرعية الجهاز القضائي والشرطة والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت بعد حوالي أربع سنوات من توليه منصبه بمبادرة نتنياهو.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات