المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن مسؤولين في هيئة المحاكم يفكرون بنقل محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشبهات فساد من محكمة القدس المركزية إلى مكان آخر بسبب الاضطراب الناجم عن حاجة تأمين موقع المحكمة لرئيس الحكومة.

وأشار هؤلاء المسؤولون إلى أن نتنياهو كان مطالباً بحضور الجلسة الافتتاحية لمحاكمته التي عقدت يوم الأحد الفائت، الأمر الذي استلزم القيام بعملية أمنية كبيرة وإغلاق الطرق في المنطقة المحيطة بالمحكمة، وهو ما أدى أيضاً إلى عدم تمكن المحكمة من الاستماع إلى أي قضايا أخرى في ذلك الوقت.

وأصبح نتنياهو أول رئيس حكومة إسرائيلية يقدم إلى المحاكمة وهو يتولى مهمات منصبه. وجلس على مقعد المدعى عليه وأجاب بنعم لتأكيد أنه قرأ تهم الفساد في القضايا الثلاث المرفوعة ضده. وسيُسمح لرئيس الحكومة بتجنب حضور الجلسة المقبلة التي ستعقد يوم 19 تموز المقبل، وقال قضاة المحكمة إنه لن يضطر إلى العودة إلى المحكمة حتى مرحلة تقديم الأدلة.

وقبل بدء المحاكمة طلب نتنياهو الإذن بعدم حضور جلسة يوم الأحد، مشيراً إلى أن العدد الكبير من حراس الأمن المرافقين له ينتهك تعليمات وزارة الصحة التي تحد من عدد الأشخاص في قاعة المحكمة كجزء من التدابير لمنع تفشي فيروس كورونا. وتم رفض الطلب، وقال القضاة إنهم أخذوا تفاصيل الأمن الخاصة به في الاعتبار عند التفكير في من يُسمح له بدخول الجلسة.

من ناحية أخرى أدلى نتنياهو قبل دخوله إلى قاعة المحكمة ببيان لوسائل الإعلام ادعى فيه أن القضايا المرفوعة ضده ملفقة وهي جزء من محاولة انقلاب سياسي لإطاحته من السلطة.

وقال نتنياهو وهو محاط بوزراء وأعضاء كنيست من الليكود: "اتحدت عناصر في الشرطة ومكتب المدعي العام مع صحافيين يساريين لفبركة قضايا لا أساس لها من الصحة ضدي. إن الهدف هو إطاحة رئيس حكومة يميني قوي وإبعاد معسكر اليمين عن قيادة البلد لسنوات عديدة". وتباهى نتنياهو بالدعم الذي حصل عليه حزب الليكود في الانتخابات الأخيرة، واصفا إياه بأنه تصويت على الثقة به وتصويت بعدم الثقة بأولئك الذين حققوا معه وقدموا لوائح الاتهام ضده. وادعى أيضاً أنه تم ترهيب الشهود لإجبارهم على أن يشهدوا ضده.

ورافق نتنياهو في المحكمة الوزراء يسرائيل كاتس وأمير أوحانا وميري ريغف ودافيد أمسالم وتساحي هنغبي، إلى جانب معظم أعضاء الكنيست من الليكود.

وواصل نتنياهو هجومه على جهاز الشرطة وطالب بإجراء تحقيق عاجل لمعرفة هوية المسؤولين في هذا الجهاز الذين أطلقوا تهديدات علنية ضد رئيس الحكومة، وذلك بعد تصريحات لمسؤولين في هذا الجهاز بثتها قناة التلفزة الإسرائيلية 12. وجاءت مطالبة نتنياهو هذه في رسالة بعث بها محامي الدفاع عن رئيس الحكومة إلى قسم التحقيقات مع رجال الشرطة (ماحش) أواسط الأسبوع الماضي، وأشار فيها إلى أن هذه التصريحات تنطوي على تهديد صريح يهدف إلى إيجاد ردع لأي انتقاد عموماً وإلى إسكات انتقادات رئيس الحكومة وخصوصاً ضد الفساد في الشرطة، فضلاً عن أن هذا التهديد نشر علناً بشكل يناسب المجرمين وليس رجال شرطة.

وطالبت الرسالة بفتح تحقيق فوري لكشف من يقف وراء هذه التصريحات وإصدار أوامر بمحاكمتهم وأكدت أن عدم اتخاذ إجراءات صحيحة لمنعهم سوف يبث رسائل إلى الجمهور فحواها أن دم رئيس الحكومة رخيص وأن رجال الشرطة فوق القانون وفوق كل نقد وهو أمر يتناقض مع الديمقراطية.

كما بعث وزير الأمن الإسرائيلي الداخلي الجديد أمير أوحانا (الليكود) برسالة إلى القائم بأعمال القائد العام للشرطة طالب فيها باتخاذ كافة الخطوات المطلوبة بحق المسؤولين المهددين، وباستخدام كافة الوسائل المتاحة للوصول إلى هؤلاء المسؤولين في سلك الشرطة.

وكانت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 نقلت عن مسؤولين في الشرطة رفضوا الكشف عن هويتهم قولهم إن محققي وحدة 433 قاموا بعمل ممتاز وتجاهلوا الضغوط التي كانوا يحاولون ممارستها عليهم في أثناء التحقيق مع نتنياهو.

وأكد هؤلاء المسؤولون أيضاً أنهم سيتصرفون على هذا النحو أيضاً في حال قيام المستشار القانوني للحكومة بإصدار أوامر بإجراء أي تحقيقات أخرى ضد رئيس الحكومة تتعلق بملف الأسهم الخاص به ولن يقدموا له أي تنازلات.

"عرض رعب"

شنّ رئيس تحالف "يوجد مستقبل- تلم" وزعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد هجوماً حادّاً على الخطاب الذي ألقاه نتنياهو قبل دخوله الجلسة الافتتاحية لمحاكمته في قضايا فساد واصفاً إياه بأنه "عرض رعب"، وقال إن هذا الخطاب يؤكد أن متهماً في قضايا جنائية لا يمكن أن يكون زعيماً لإسرائيل.

وقال لبيد: "وقف رئيس الحكومة وقال إنه لا يمكن للناس أن تثق بالشرطة وبالنيابة العامة أو بالمحكمة، فماذا يحدث للمواطن الإسرائيلي الذي يسمعه ويعتقد بأنه محق؟ أنا أقول منذ أكثر من 18 شهراً إن شخصاً يجلس على كرسي الاتهام لا يمكنه أن يكون أيضاً رئيس حكومة. واليوم حصلنا على ما يوضح صحة هذا المبدأ. لقد كان هذا عرض رعب لرجل مذعور يقول لمواطني إسرائيل إنه ليس بإمكانهم أن يثقوا بأي شيء، مع أتباع يقفون وراءه ويقولون آمين".

وأكد لبيد أن رئيس الحكومة والموالين له يسعون لترهيب القضاة ولجرّ إسرائيل إلى حضيض غير مسبوق ولا يجوز السماح له بذلك.

وشنّ عضو الكنيست موشيه يعلون من تحالف "يوجد مستقبل- تلم" هجوما على شريك نتنياهو في الحكومة الجديدة وزير الدفاع بيني غانتس. وأشار يعلون إلى أنه طوال أكثر من عام قاد غانتس حملة وثلاث جولات انتخابية متتالية بغرض وضع حدّ لحكم نتنياهو بسبب التهم الجنائية التي يواجهها ولكنه الآن بعد أن أصبح شريكاً له في الحكومة اكتفى بإصدار بيان خفيف اللهجة أشار فيه إلى أن رئيس الحكومة يتمتع بقرينة البراءة إلى أن تثبت إدانته.

ودعا يعلون غانتس وأعضاء "أزرق أبيض" إلى تفسير كيف يمكنهم توحيد المجتمع وتوفيقه في ظل كل الكلمات القاسية الصادرة عن رئيس الحكومة.

من ناحية أخرى نشرت المحكمة الإسرائيلية العليا الأسبوع الماضي تفسيرات القضاة في طلبات الالتماس التي قدمت إليها ضد تكليف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بمهمة تأليف الحكومة، وضد اتفاقية الائتلاف الحكومية بين حزبي الليكود و"أزرق أبيض".

وأشار القاضي ميني مزوز إلى أن الواقع الذي يقوم فيه متهم بارتكاب مخالفات جنائية قاسية تتعلق بطهارة الذمة بتأليف حكومة ومن ثم برئاستها يثير معضلة أخلاقية عامة، وأكد أن واقعاً كهذا يعكس أزمة اجتماعية وإخفاقاً أخلاقياً للمجتمع والنظام السياسي في إسرائيل.

وقالت القاضية عنات بارون إن الذين قدموا طلبات الالتماس وآخرين غيرهم يشعرون بالإحباط من أنه يقف على رأس دولة إسرائيل شخص قدمت ضده لائحة اتهام قاسية ولذا يدور الحديث حول وضع استثنائي في المشهد الديمقراطي وثمة من يقول إنه خطر. وأشارت إلى أن تقديم طلبات الالتماس سرّع النقاش العام المطلوب بهذا الشأن لكنها في الوقت ذاته أكدت أن الحل موجود في صناديق الاقتراع وليس في قاعة المحكمة.

وتعقيباً على أقوال القاضي مزوز قال حزب الليكود في بيان صادر عنه إن مواطني إسرائيل اختاروا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رئيساً لهم بأغلبية كبيرة، وكان هذا نجاحاً عظيماً لزعيم اليمين وتعبيراً عن الثقة التامة به.

وأضاف البيان أنه في ديمقراطية المواطنين يصوتون في صناديق الاقتراع ويختارون رئيس الحكومة ولا يجوز استبداله إلا من خلال خوض الانتخابات ومنح المواطنين صلاحية اتخاذ قرار كهذا بأنفسهم.

لائحة الاتهام

تجدر الإشارة إلى أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، أعلن يوم 21/11/2019، تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل، منذ تأسيسها، التي يجري فيها تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة إبان إشغال منصبه هذا، وهي المرة الأولى التي تُقدَّم فيها لائحة اتهام بتهمة الرشوة ضد رئيس حكومة إبان إشغال منصبه، كما أنها المرة الأولى التي تتطرق فيها لائحة الاتهام إلى مخالفات جنائية جرى تنفيذها إبان فترة إشغال رئيس الحكومة منصبه ومن خلاله وخلال مزاولة مهام منصبه هذا رسمياً. ولهذا كله، وعلى خلفية ما سيكون لهذا القرار من انعكاسات سياسية ـ حزبية، قانونية ـ دستورية وشخصية محتملة، وهي عديدة جداً ومتنوعة، ذهب كثيرون إلى اعتبار القرار بتقديم لائحة الاتهام بمثابة "هزة أرضية" حقيقية في تاريخ إسرائيل، السياسي والدستوري.

وذكر مندلبليت أنه قرّر تقديم لائحة اتهام بحق نتنياهو بشبهة تلقي رشوة في القضية المعروفة باسم "الملف 4000"، بالإضافة إلى تقديم لائحتي اتهام أخريين بشبهتي الاحتيال وخيانة الأمانة في القضيتين المعروفتين باسم "الملف 1000" و"الملف 2000".

وبموجب اللائحة، اتهم نتنياهو بتلقي الرشوة في "الملف 4000"، وذلك على خلفية قيامه بالدفع قدماً بمصالح رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول ألوفيتش المالك الرئيسي لشركة "بيزك" للاتصالات، في مقابل تغطية أخبار رئيس الحكومة وعائلته بشكل إيجابي في الموقع الإخباري "واللا" الذي يمتلكه ألوفيتش. وتم إغلاق الملف ضد زوجة رئيس الحكومة سارة في هذه القضية، في حين تم توجيه تهمة تلقي الرشوة إلى ألوفيتش وزوجته.

وفي "الملف 1000" وجهت إلى نتنياهو تهمتا الاحتيال وخيانة الأمانة بشبهة تلقيه عطايا من الثري أرنون ملتشين. ولم يتم توجيه أي تهم ضد ملتشين في هذه القضية.

ووجّهت تهمتا الاحتيال وخيانة الأمانة في "الملف 2000" على خلفية اتصالات جرت بين نتنياهو ومالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" وناشرها أرنون (نوني) موزس من أجل التضييق على صحيفة "يسرائيل هيوم" المنافسة في مقابل قيام "يديعوت أحرونوت" بنشر أخبار عن رئيس الحكومة بصورة إيجابية. وتم اتهام موزس بالرشوة.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات