المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المتوقع أن يُسمي رئيس الدولة الإسرائيلية، رؤوفين ريفلين، عضو الكنيست الذي ستلقى عليه مهمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، طبقا للنتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل وعدد المقاعد الذي فازت به كل واحدة من القوائم الانتخابية التي نجحت في عبور "نسبة الحسم".

وسيعلن ريفلين قراره هذا بعد أن ينهي سلسلة المشاورات التي يجريها مع ممثلي جميع الكتل البرلمانية الجديدة التي فازت بتمثيل في الكنيست الـ 23، في الانتخابات التي جرت يوم 2 آذار الحالي.

وبموجب "قانون أساس: الحكومة"، يمنح رئيس الدولة عضوَ الكنيست المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة (وهو صاحب الحظوظ الأوفر في تشكيل الحكومة غالبا) مهلة مدتها 28 يوما لإنجاز المهمة، قابلة للتمديد بـ 14 يوما إضافية، إذا لم يفلح في نهايتها بتشكيل حكومة جديدة يمكن لرئيس الدولة أن يلقي المهمة على عضو كنيست آخر تتاح له المهلة الزمنية ذاتها من غير تمديد، فإن نجح كان به وإلا فيصار إلى إعادة الانتخابات من جديد.

هنا تذكير بالسيرورة السياسية ـ الحزبية التي ستفضي إلى تشكيل وعرض الحكومة الجديدة في إسرائيل.

التكليف بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة

تعتمد إسرائيل نظام الديمقراطية البرلمانية الذي لا ينتخب فيه المواطنون رئيس حكومتهم في انتخابات مباشرة (اعتمدت إسرائيل هذا النظام لفترة قصيرة جدا بين الأعوام 1996 و2001 حيث جرى خلالها اعتماد قانون الانتخاب المباشر لمنصب رئيس الحكومة)، بل تتحدد هويته (رئيس الحكومة) وفق موازين القوى الحزبية في الكنيست. ونظرا لأن أيا من الأحزاب لم يفز، لوحده، بأغلبية المقاعد في الكنيست في أية انتخابات في إسرائيل منذ تأسيسها، فليس في وسع نتائج الانتخابات أن تشكل مؤشرا دقيقا دائما إلى هوية رئيس الحكومة الجديد وتشكيلة حكومته الجديدة.

ويضع القانون الإسرائيلي بين يدي رئيس الدولة صلاحية اختيار الشخص (عضو الكنيست) وتكليفه بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية، بعد أن يقدم رئيس لجنة الانتخابات المركزية إليه، رسميا، النتائج النهائية والرسمية للانتخابات. ولا يفعل رئيس الدولة هذا إلا بعد إجراء مشاورات مع جميع الكتل البرلمانية التي فازت بتمثيل في الكنيست الجديد الذي تم انتخابه. وخلال هذه المشاورات، يستكشف رئيس الدولة موقف الكتل المختلفة بخصوص المرشح الذي تراه كل منها الأنسب لتشكيل الحكومة الجديدة. وفي ختام هذه المشاورات، يكوّن رئيس الدولة رأيا بصدد عضو الكنيست صاحب الحظوظ الأكبر في النجاح في تشكيل حكومة جديدة، وهو الذي يقوم بإلقاء المهمة عليه. ويتمتع رئيس الدولة في هذا السياق بمساحة واسعة من حرية الرأي والتقييم، إذ ينص "قانون أساس: الحكومة" ببساطة ووضوح على أنه "من أجل تشكيل حكومة جديدة، يلقي رئيس الدولة، بعد التشاور مع ممثلي الكتل في الكنيست، مهمة تشكيل الحكومة على عضو في الكنيست أعلن موافقته وقبوله".

وقد درجت العادة في إسرائيل على تكليف رئيس الدولة، غالبا، رئيس الكتلة الأكبر في الكنيست بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، أي الكتلة التي حصلت على العدد الأكبر من أعضاء الكنيست في الانتخابات. وعلى الرغم من أن العادة قد درجت على ذلك، إلا أن هذا ليس إلزاميا، في أي نص قانوني. ذلك أن المبدأ الموجّه في اعتبارات رئيس الدولة وقراره هنا هو الجواب عن السؤال التالي: مَن هو عضو الكنيست صاحب الحظوظ الأكبر والأوفر في تشكيل الحكومة الجديدة؟

ففي الانتخابات للكنيست الـ 18، التي جرت في العام 2009، مثلا، فاز حزب كديما بمقعد واحد أكثر مما فاز به حزب الليكود (28 عضوا مقابل 27). واستنادا إلى ذلك، دعت رئيسة كديما آنذاك، تسيبي ليفني، رئيس الدولة في حينه، شمعون بيريس، إلى إلقاء مهمة تشكيل الحكومة الجديدة عليها هي، لكن بيريس قرر تكليف رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، بالمهمة، بعدما تبين له ـ في ختام مشاوراته مع ممثلي الكتل البرلمانية المختلفة ـ أن الأخير يحظى بدعم عدد أكبر من أعضاء الكنيست، ولذا فهو صاحب الحظوظ الأوفر في إنجاز المهمة.

وكما في إسرائيل، كذلك هي الحال في غالبية الدول التي تعتمد الديمقراطية البرلمانية، يتولى رئيس الدولة ـ وهو، في العادة هناك، رئيس أو ملك يشغل منصبا رمزيا لا تنفيذيا ـ صلاحية القرار بشأن هوية الشخص الذي ستناط به مهمة تشكيل حكومة جديدة. وهذا خلافا لنموذج آخر لنظام سياسي لا يتولى فيه رئيس الدولة صلاحية تعيين المكلف بتشكيل حكومة جديدة، بل يقر القانون، بصورة واضحة وصريحة، منح رئيس الحزب الأكبر (صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان) الفرصة الأولى لتشكيل حكومة جديدة.

 المفاوضات الائتلافية

القبول بالتكليف لا يشكل ضمانة لنجاح المكلّف في إنجاز مهمته، وخلال المهلة الزمنية المحددة. ففور تكليفه بالمهمة رسميا، يشرع المكلف في إجراء "مفاوضات ائتلافية" مع الكتل المختلفة المرشحة للانضمام إلى الحكومة الجديدة، بغية بلورة وبناء ائتلاف حكومي يستند إلى أغلبية برلمانية من بين أعضاء الكنيست. وغالبا ما ينجح الشخص المكلف بإنجاز مهمته خلال المهلة الزمنية التي حددها له رئيس الدولة (كما يحددها القانون)، رغم وجود حالات أخرى لم تكلل مساعي المكلفين بالنجاح، كما حدث بعد انتخابات نيسان وأيلول الماضيين. كذلك في العام 1990، وبعد سقوط حكومة إسحاق شامير في تصويت نزع ثقة عنها في الكنيست، ألقى رئيس الدولة، حاييم هيرتسوغ، على شمعون بيريس مهمة تشكيل حكومة جديدة. لكن المفاوضات الائتلافية التي أجراها بيريس منيت بالفشل وأخفق في مهمته هذه. وحيال ذلك، ألقى رئيس الدولة على شامير مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، فأفلح هذا الأخير في تشكيل حكومة يمينية. وفي العام 2008، في أعقاب تقديم رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، استقالته إلى رئيس الدولة، شمعون بيريس، ألقى الأخير على تسيبي ليفني (التي انتخبت آنذاك لخلافة أولمرت في رئاسة حزب كديما) مهمة تشكيل حكومة جديدة، غير أن المفاوضات الائتلافية التي أجرتها ليفني لم تبلغ النتيجة المرجوة وكان إخفاقها السبب المباشر في تبكير موعد الانتخابات للكنيست الـ 18.

ومع تكليف رئيس الدولة ريفلين عضو الكنيست المعنيّ بتشكيل الحكومة الجديدة تتاح له مهلة زمنية من 28 يوما لإنجاز المهمة. وإذا لم تكف المهلة الأولى، يمكنه أن يطلب من رئيس الدولة تمديدها فيستجيب هذا للطلب وفقا للقانون، فيمنحه مهلة إضافية مدتها 14 يوما. وإذا ما انتهت المهلة الإضافية، أيضا، من غير إنجاز المهمة، يكون رئيس الدولة حرا في إلقاء المهمة على عضو آخر من أعضاء الكنيست تتاح له مهلة زمنية مدتها 28 يوما فقط، غير قابلة للتمديد.

وتتراوح المدة الزمنية التي تستغرقها عملية ومساعي تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، عادة، ما بين 20 يوما في الحد الأدنى و100 يوم في الحد الأقصى. ولا تتميز إسرائيل بطول المدة الزمنية التي تستغرقها سيرورة تشكيل الحكومة بشكل خاص، وذلك قياسا بما يحدث في دول أخرى، كما في بلجيكا مثلا، التي تسجل الرقم القياسي في هذا المجال.

يُشار إلى أن مهمة تشكيل الحكومات الجديدة خلال العقدين الأولين من عمر الدولة كانت تستغرق وقتا أطول مما تستغرقه اليوم.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات