المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أفرزت الانتخابات الإسرائيلية الثالثة التي تجري في غضون 11 شهرا، ذات الدوامة التي خلفتها جولتا الانتخابات السابقتان، في نيسان وأيلول 2019، فلن يكون لأي فريق، الليكود وحلفاؤه، و"أزرق أبيض"، الأغلبية المطلقة الفورية لتشكيل الحكومة، في حين أن العقبة الأساسية هو تعاظم قوة القائمة المشتركة التي قفزت من 10 نواب في نيسان 2019، إلى 15 نائبا في انتخابات آذار الأخيرة؛ إلا أنه في الوقت ذاته، فإن أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، يبقى هو بيضة القبان المرجحة لصالح الليكود، خاصة وأن رئيس "أزرق أبيض" لن يحظى هذه المرّة، كما يبدو، بتوصية من القائمة المشتركة، وإن حظي فإنها ستكون بشروط سياسية "صعبة" على "أزرق أبيض".

ومن المفترض أن يعلن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين عن اسم المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، هذا الأسبوع أو في منتصف الأسبوع المقبل، حتى 10 أيام من يوم انتهاء المشاورات مع الكتل البرلمانية؛ في حين هناك من يطرح فرضية أن لا يعلن ريفلين عن اسم المرشح، بل أن ينقل التكليف مباشرة إلى الكنيست، بدعوى أنه لا يوجد شخص قادر على تحقيق الأغلبية المطلقة.

وحتى الآن، فإن كل واحد من الأطراف متمسك بمواقفه المعلنة طوال السنة الأخيرة، وهذه المواقف تعززت أكثر لدى من يعارضون رئاسة نتنياهو للحكومة، بسبب محاكمته التي ستبدأ في 17 الجاري، في ثلاث قضايا فساد. فمن ناحيتهم ليس من المنطق أن يتمسكوا بموقفهم بعد انتخابات أيلول، ما قاد إلى انتخابات ثالثة، وأن يتراجعوا الآن عن هذا الموقف، في الوقت الذي ستبدأ محاكمة نتنياهو.

وحسب نتائج الانتخابات، فإن لنتنياهو عدد النواب الأكبر الذي يؤيد رئاسته للحكومة، 58 نائبا، إلا أن الوصول إلى أغلبية الحد الأدنى، 61 نائبا من أصل 120 نائبا، ليس بهذه السهولة، ففي كل واحد من هذه السيناريوهات، هناك عقبات سياسية، وأخرى قانونية.

وتبقى العقبة الأساس أمام الليكود هي رئاسة نتنياهو شخصيا للحزب والحكومة المقبلة. إذ سنرى في العرض التالي أنه لو أقصى نتنياهو نفسه عن منصب رئيس الحكومة، لتشكلت حكومة برئاسة الليكود، أو بتناوب مع "أزرق أبيض"، أسرع بكثير مما نتخيل، خاصة وأن الفوارق السياسية ليست جوهرية، ولا تمنع شراكة في الحكم.

وفي ما يلي السيناريوهات أمام الليكود برئاسة نتنياهو:

انقلاب في موقف ليبرمان

هذا سيناريو ما زال ضعيفا، ولكن لا يمكن شطبه كليا، فليبرمان خرج من هذه الانتخابات منتصرا نسبيا، إذ توقعت له استطلاعات الرأي خسارة أكبر مما كانت له، فقد خسر حوالي 47 ألف صوت من قوته التي حققها في أيلول، ولكنه خسر مقعدا برلمانيا واحدا. وبقي الكتلة التي تستطيع أن تحسم لصالح الليكود.

حتى الآن، فإن ليبرمان متمسك بموقفه ضد رئاسة نتنياهو للحكومة، وقال إنه ليس لديه مشكلة في الانضمام إلى حكومة برئاسة الليكود، ولكن ليس برئاسة نتنياهو، وأيضا مع شروط معينة، يطلبها ليبرمان، لأنه من دون تحقيق بعضها يعتقد أنه سيزول عن الساحة السياسية في الانتخابات التالية.

ومراجعة إلى الخلف طرحنا سيناريو تراجع ليبرمان في اللحظة الأخيرة، منعا لحل الكنيست بعد انتخابات نيسان 2019، وبعد انتخابات أيلول 2019، إلا أن ليبرمان بقي متمسكا بموقفه، وهذا، كما ذكر هنا، لأنه ينظر للمستقبل، فدخوله إلى حكومة، دون أن يحقق فيها ولو جزءا من مطالبه على الصعيد العلماني، وفرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، إلى جانب مطالبه السياسية الاستيطانية، يعني نهايته السياسية البرلمانية.

حكومة وحدة واسعة

وهذا أيضا سيناريو ضعيف في الوضع القائم، طالما أن نتنياهو يترأس حزب الليكود. فنتنياهو لن يقبل حكومة يترأسها أولا بيني غانتس، على سبيل الافتراض، وهذا ما رفضه حينما كانت كتلة الليكود ومعسكرها أقل بمقعدين من الآن، بعد انتخابات أيلول. وهو يعتبر أنه مع معسكره المباشر، حصلوا على 55% من أصوات اليهود وحدهم. في حين يرفض تحالف "أزرق أبيض" رئاسة نتنياهو للحكومة أولا، وهذا رفضه حينما لم يصدر قرار نهائي بمحاكمة نتنياهو، فكيف سيكون الحال في ظل بدء محاكمة نتنياهو في منتصف الشهر الجاري.

ولذا فإن احتمالات حكومة موسعة، برئاسة واحد من الاثنين، نتنياهو أو غانتس، أيضا بعد هذه الانتخابات، تبقى أقرب إلى الصفر، إن لم تكن معدومة كليا.

4 سيناريوهات لشق الكتل

أمام واقع كهذا، تبدو فيه كل الأبواب مغلقة ليبدأ الحديث عن انتخابات رابعة، بدأ الحديث عن احتمالات الانشقاق في أربع كتل، رغم أنه لا يلوح في الأفق أي مؤشر ولو صغير لانشقاقات كهذه. وحسب القانون لا يمكن لأي مجموعة في كتلة برلمانية أن تنشق عن كتلتها، إلا إذا شكلت ثلث أعضاء الكتلة على الأقل. وعدا هذا، يجيز القانون انشقاق حزب مسجل، وشريك في قائمة تحالفية، حتى لو لم يشكل نوابه ثلث الكتلة البرلمانية.

والسيناريوهات هي:

أن يقنع الليكود ثلاثة نواب على الأقل في حزب "يسرائيل بيتينو" الذي يترأسه ليبرمان، بالانشقاق عن الكتلة، مقابل إغراءات بحقائب وزارية ومناصب برلمانية، إذ أن حالة التطابق السياسي قائمة كليا بين هذا الحزب والليكود، في حين أن كل الشخصيات التي في الكتلة هي شخصيات ظل، يحركها ويتحكم بأدائها شخص ليبرمان. وهذا احتمال ممكن، ولكن لا يمكن التخمين بأي قدر.

ثانيا: انشقاق في كتلة "العمل- غيشر- ميرتس"، وهذا احتمال ضعيف، فلو صدقت استطلاعات وسائل الإعلام التي نشرت مع اغلاق الصناديق، بأن الليكود وحلفاءه سيحصلون على 60 مقعدا، لكان احتمال انشقاق النائبة أورلي ليفي، رئيسة حزب "غيشر"، بمثابة أمر وارد. ولكن بحصول الليكود وحلفائه على 58 مقعدا، فإنه بحاجة إلى ثلاثة نواب على الأقل.

ثالثا: انشقاق في تحالف "أزرق أبيض"، بمعنى انشقاق واحد من الأحزاب الثلاثة التي تؤلف هذا التحالف. ولكن كل واحد من احتمالات الانشقاق في هذا التحالف، يبدو صعبا للغاية. فالحزب الأقرب لليكود هو حزب يمين استيطاني، "تلم"، ويترأسه رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون. ولكن يعلون ذاته الذي انشق عن الليكود، غادر حكومة نتنياهو في العام 2016، متهما نتنياهو بتورطه في قضية شراء الغواصات من ألمانيا، وهي القضية التي تكشفت فيها قضية رشاوى وفساد اداري. كما أن نوابا هذا الحزب الصغير في التحالف (4 نواب) يعارضون رئاسة نتنياهو للحكومة بسبب قضايا الفساد.

والحزب الثاني هو "مناعة لإسرائيل"، برئاسة رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، الذي ركز حملته ضد نتنياهو في قضايا الفساد، وليس سياسيا، ولهذا يبدو صعبا رؤيته ينفصل عن تحالف يترأسه، كي ينضم لحكومة برئاسة نتنياهو.

أما الحزب الثالث، "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، فهو ليس فقط يرفض فكرة الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، وإنما أيضا شركاء نتنياهو، وكتلتا الحريديم، شاس وبالذات يهدوت هتوراة الأشكنازية، ترفضان الشراكة مع يائير لبيد الذي له في الكتلة البرلمانية 13 إلى 14 نائبا.

سيناريو الانشقاق الرابع، هو حالة تمرد في حزب الليكود، وهذا يحتاج إلى 12 عضوا على الأقل، من أصل كتلة الليكود التي تضم 36 نائبا. ولا تظهر حتى الآن بوادر لانشقاق كهذا.

ودلالة على تماسك الليكود ظهرت في الانتخابات لرئاسة الحزب التي جرت في منتصف كانون الأول الماضي، تمهيدا لانتخابات آذار، إذ حصل نتنياهو على 72% من أصوات الحزب، مقابل 28% لمنافسه غدعون ساعر، الذي لم يجد سوى ثلاثة نواب من حزبه يدعمونه، مقابل 27 نائبا دعموا نتنياهو.

مقابل كل هذا، فإنه لا احتمال لانتقال أي من كتلتي المتدينين المتزمتين، شاس ويهدوت هتوراة، لدعم حكومة يرأسها بيني غانتس.

وفي كل ما سبق هنا كانت السياسة غائبة، وهذا ليس صدفة، فانتخابات آذار غيبت أي جدل سياسي، وكانت المنافسة في خانات اليمين الاستيطاني، وتحالف "أزرق أبيض" أيد ودعم ما يسمى "صفقة القرن"، وأعلن عزمه على تطبيقها في حال رئاسته الحكومة بعد الانتخابات. ولذا فإن الجدل دائر حول أهلية من يحاكم في قضايا فساد بأن يترأس الحكومة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات