المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في وقت سابق من هذا الشهر، وفي نشاط عقد في مقر رئيس الدولة، تم إطلاق مبادرة جديدة تسمى "إسرائيليون ضد العنصرية" والتي، كما يوحي الاسم، تهدف إلى القضاء على العنصرية. ولتحقيق هذه الغاية، تم تجنيد مسؤولين سابقين في أجهزة الشرطة والجيش والأمن وفي الوزارات الحكومية وكذلك في الشركات الخاصة. كان الهدف الأول من المبادرة هو تشجيع مكافحة العنصرية تجاه المجتمع الأثيوبي في إسرائيل. وبموجب هذه المبادرة، صدرت معاهدة، يناشد فيها المبادرون الجمهور ويطلبون من خلالها من المواطنين التعهد بعدم القيام بتصرفات عنصرية، بل السلوك من خلال التسامح والاحترام المتبادل.

تأتي هذه المبادرة بعد أن أطلقت الشرطة النار، في العام 2019، على شابين من المجتمع الأثيوبي ما أدى إلى قتلهما - هما الراحل يهودا بيادجه والراحل سلومون تيكا، في الأحداث التي أثارت احتجاجات واسعة النطاق في عشرات المدن.

يبدو أن الخط الذي تسترشد به المبادرة الجديدة هو وضع المسؤولية عن العنصرية، أو على الأقل، وضع المسؤولية عن القضاء على العنصرية، على عاتق "المجتمع" أو "الإسرائيليين"، بدلاً من الموقف الذي يضع المسؤولية عن السياسات التمييزية على عاتق الدولة وسلطاتها. في مؤتمر إطلاق المبادرة، قال رئيس الدولة رؤوفين ريفلين: "يجب ألا تُوضع مسؤولية مكافحة العنصرية والتمييز على المؤسسة فقط، على الدولة فحسب". وقال إن النشاط "الإيجابي" الذي بدأ لدى السلطات يجب أن يقابل "بحركة اجتماعية عامة موازية".

كذلك الأمر، فقد أعربت المديرة العامة السابقة لوزارة العدل إيمي بالمور، وهي واحدة من أعضاء المبادرة والرئيسة السابقة للجنة مناهضة العنصرية ضد مهاجري أثيوبيا، عن الموقف نفسه. في مقابلة مع موقع واينت تكريما لإطلاق المشروع، قالت بالمور: "إن المسؤولية ليست على المؤسسة، وليست على المجتمع، وليست علي شخصيا. بل إن المسؤولية تقع على الإسرائيليين".

على الرغم من أن المبادرة هي موضع ترحيب في حد ذاتها، إلا أن هناك إشكالية بكون الأشخاص الذين يشكلون "نواة المواطنين الذين ينتمون إلى سويداء قلب مجال الأمن والأعمال والمؤسسات العامة الإسرائيلية" - كما يحدد المبادرون أنفسهم - يختارون التركيز على الجمهور، وليس على أولئك الذين يقودون ويكرّسون ويعزّزون هذه السياسة التي تروج للعنصرية.. هناك شيء مقلق في حقيقة أن الأشخاص الذين جاؤوا من قلب المؤسسة والذين كان لديهم تأثير على هذه السياسة، يقفون الآن على الجانب "الصحيح"، من دون مساءلة أو حساب للنفس أو حتى التطرق إلى موقع هذه السياسة وتأثيرها على العنصرية.

أحد أعضاء "منتدى الكبار" في المبادرة، على سبيل المثال، هو مفتش الشرطة العام السابق، روني ألشيخ، الذي قال في العام 2016 عن عنف الشرطة ضد المهاجرين الأثيوبيين: "من الطبيعي أن نشتبه بهم أكثر". وقال ألشيخ أيضاً إنه كان يعمل "لاستعادة ثقة المجتمع الأثيوبي". ولكن فقط خلال العام التالي لمغادرته منصبه، قتل اثنان من أفراد المجتمع الأثيوبي برصاص عناصر من الشرطة.

هذا الأمر يشبه مسؤولي الأمن الذين يتقاعدون من المؤسسة الأمنية ويبدأون في الترويج لمبادرات السلام والتعايش، وهناك أيضاً يوجد سؤال يطرح نفسه - هل يشمل الجمهور الذي يريدون العمل معه على ترويج مبادراتهم، يشمل أيضاً أجهزة الجيش والشرطة والأمن والوزارات الحكومية؟ هل سيعملون أيضاً على تغيير السياسات التمييزية؟

هل سيذهب هؤلاء المسؤولون الكبار أيضاً إلى المتنزهات ليلاً لرؤية وضعها بل استغلال صلاحياتهم لغرض القيام بشيء حيال ذلك، في إزاء قيام الشرطة بتنفيذ سياسات التنميط والقولبة ومضايقة الفتيان الأثيوبيين، والقيام باستخدام أجهزة الصعق بالكهرباء ضدهم، واحتجازهم؟ أم أن المبادرة ستبقى فقط على المستوى الرمزي للتوقيع على معاهدات؟ أم ربما أن تجنّدهم في المبادرة يهدف إلى مساعدتهم في الترويج لصورة جديدة و "اجتماعية" لأنفسهم؟

أين اختفى العرب؟

قضية أخرى بين القضايا التي يصعب تجاهلها هي اختفاء المواطنين الإسرائيليين العرب. تدّعي المبادرة الجديدة أنه "بسبب حالة الطوارئ، فإنها ستركز جهودها الأولية على مكافحة العنصرية تجاه المهاجرين الأثيوبيين"، ومقطع فيديو إطلاق المبادرة تظهر فيه الفنانة ميرا عوض وفيه عدد من التعليقات العنصرية مثل "الموت للعرب" وشارك فيه العديد من القادة الدروز.

ولكن فيما يتجاوز ذلك، لا توجد إشارة واضحة للعنصرية الممارسة تجاه المواطنين العرب، وليس واضحاً سبب عدم تضمينها في "حالة الطوارئ" المعنية. بمجرد النظر إلى قائمة القتلى بسبب عنف الشرطة داخل إسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية، يمكن للمرء أن يرى أن معظم الضحايا هم من العرب، إلى جانب بعض الشرقيين والأثيوبيين.

وبهذا المعنى، فإن اختيار التركيز على نوع واحد من العنصرية تجاه مجتمع واحد، هو موقف يساعد أيضاً في إخفاء وكتم السياق الأوسع - حيث توجد صلة مباشرة بين العنصرية المنتهجة ضد المجتمعات المختلفة.

قد يكون اختفاء مواطني إسرائيل الفلسطينيين من مبادرة الكفاح ضد العنصرية نابع من أن التعامل مع العنصرية المؤسسية اليومية للمجتمع العربي، هو أمر غير مريح – وهي عنصرية مؤسسية تمارَس من خلال هدم المنازل والتمييز في جميع مناحي الحياة والتحريض المستمر من قبل الحكومة والفكرة الجديدة-القديم للقيام بترانسفير ونقل بعض المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية. فهذه ستتحول إلى قضية "سياسية" تجلب معها مطالب التغيير السياسي، وليس مجرد إصدار بيان عام للنوايا ضد العنصرية.

يبدو أنه بصدد العنصرية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس لدى هذه المبادرة ما تقوله هنا. اثنان من قادة المبادرة كانا سابقاً قادة سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي. أحدهم هو أمير إيشل، الذي تولى قيادة سلاح الجو بين عامي 2012 و 2017، بما في ذلك خلال حرب غزة في العام 2014، والتي قتل فيها 1391 شخصاً، منهم 526 طفلاً - العديد منهم نتيجة للغارات الجوية على المناطق السكنية في مدن ومخيمات القطاع. وقد أقرّت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بهذا الشأن أن 142 أسرة فلسطينية فقدت 3 أو أكثر من أفراد الأسرة في قصف القوات الجوية على المساكن المدنية (إجمالي القتلى في هذه العائلات هو 742 قتيلا).

إن الميل الإسرائيلي إلى عدم رؤية من يعيشون وراء الجدران والأسوار على أنهم بشر، مما يسمح بسجنهم أو تجويعهم أو قصفهم أو ضمهم، هو في نهاية المطاف أخطر أشكال العنصرية - والأكثر صعوبة في الاعتراف بها.

"واجب إحضار البيّنة على عاتقكم"

جمعية اليهود الأثيوبيين في إسرائيل قالت: "ترحب الجمعية بأي مبادرة تهدف إلى مكافحة ظاهرة العنصرية القبيحة. ومن بين الأسئلة التي تناولناها في الاحتجاج الأخير، مع وفاة الراحل سلومون تيكا مؤخراً على يد ضابط شرطة، سؤال كيفية جعل الإسرائيليين غير الأثيوبيين يتحملون مسؤولية قضية العنصرية، والعمل من أجل القضاء عليها. نحن نعتبر هذه المبادرة خطوة مهمة، وهي تعبر عن المسؤولية.

"ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هدفنا ليس إدارة ظاهرة العنصرية، بل القضاء عليها داخل المجتمع الإسرائيلي - بحيث لا يعود أطفالنا يتعرضون لها ولا يعود عليهم وجوب التعامل معها. لقد حان الوقت لأن تكون هذه سياسة المجتمع الإسرائيلي كله وسياسة مؤسسات الدولة برمتها. لأجل القيام بذلك، يجب أن نبدأ بالعنصرية المؤسسية الموجودة في الأروقة الحكومية، بين صانعي السياسات ومنفذي السياسات – وهي نفس السياسة التي مهدت لعيش المجتمع الأثيوبي في الأحياء الفقيرة المحرومة؛ والتي أدت لوضع المجتمع الأثيوبي في أسفل السلم الاجتماعي- الاقتصادي؛ مما خلق فصلاً في النظم التعليمية وتسبب في ممارسات التنميط والقولبة التي تقوم بها الشرطة الإسرائيلية وفتح ملفات جنائية بكميات غير متناسبة ضد شباب المجتمع الاثيوبي.

"بالنظر إلى أن معظمهم كانوا جميعاً من نفس المؤسسات التي قادت السياسات العنصرية تجاه المجتمع الأثيوبي، وحتى شاركوا في تكريس رواية خاطئة عن هذا المجتمع، فمن الطبيعي أن تكون قائمة الأشخاص المشاركين في هذه المبادرة مشبوهة. تكثف هذا الشك بعد أن قرأنا تصريح السيدة إيمي بالمور بأن "المسؤولية ليست على المؤسسة، وليست على المجتمع، وليست علي شخصيا. بل إن المسؤولية تقع على الإسرائيليين. إن مكافحة العنصرية ليست صراعاً يخص هذا الوسط أو القطاع أو ذاك، والمسؤولية لا تقع على الحكومة وحدها".

"إن أولئك الذين يسعون إلى مكافحة ظاهرة العنصرية ويترأسون لجنة خلصت إلى أن المهاجرين الأثيوبيين يعانون من التمييز المؤسسي من جانب الوزارات الحكومية، يجدر أن نتوقع منهم القول إن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، أولاً وقبل كل شيء على دولة إسرائيل. في ضوء ذلك، من الواضح أن السؤال هو ما إذا كان هؤلاء الأشخاص قادرين الآن على محاربة نفس المؤسسات والأنظمة من أجل إحداث التغيير الحقيقي، أو ما إذا كان الأمر سيكون بمثابة توقيع معاهدة لا غير. ليس هناك شك في أن واجب إحضار البيّنة يقع على عاتقهم.

"من ناحية أخرى، بما أن هذه المبادرة تتقدم بشكل ملموس في القضية وستعمل على القضاء على العنصرية على جميع المستويات، بالطبع نود أن نتعاون معها، كما كتبنا رسمياً بالفعل إلى من يقودون هذه المبادرة".
__________________________
(*) كاتب في موقع "سيحا ميكوميت"

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات