المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثارت في الأيام الأخيرة ضجة في الحلبة السياسية، وفي حزب العمل المعارض إلى حد ما، بعد أن نشر عضو الكنيست البارز في الحزب إيتان كابل مقالا مطولا، يدعو فيه العمل إلى تغيير توجهاته بالنسبة لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني؛ تبعه مقال آخر للنائب الأسبق ميخائيل بار زوهر، الذي يتزعم مجموعة أسماها "التيار المركزي"، يطرح فيه رؤية مشابهة لما يطرحه كابل. إلا أن المشروعين المطروحين متشابهان، والأول يكمل الثاني، وكلاهما يتوافقان مع البرنامج الذي أقره الحزب في الشهر الأول من العام 2016.

 

ويواجه حزب العمل، منذ حوالي عامين، هبوطا حادا في استطلاعات الرأي العام، برغم أنه يتمثل في الكنيست من خلال كتلة "المعسكر الصهيوني" التحالفية بينه وبين حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني. وقد كاد هذا التحالف، في انتخابات العام 2015، أن يكون القوة الأولى، وحقق 24 مقعدا، إلا أن تفاعلات سياسية في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات ساعدت حزب الليكود على تحقيق 30 مقعدا، بالأساس على حساب شركاء تقليديين له. أما اليوم فإن استطلاعات الرأي، وتقريبا كلها، تمنح "المعسكر الصهيوني" معدل 14 مقعدا، ما يعني حضيضا غير مسبوق لحزب العمل، الذي حصل في انتخابات 2009 على 13 مقعدا برلمانيا، ولكن المقاعد الـ 14 الحالية مشتركة مع حزب "الحركة".

وهذا يعود إلى حقيقة ان حزب العمل لم يستثمر القوة التي حققها في العام 2015 لتكون رافعة له، وليطرح نفسه بديلا لحكومة الليكود، بمستوى مقنع للجمهور. وبدلا من هذا، فإنه منذ الانتخابات الأخيرة زاد في زحفه نحو مواقف اليمين الاستيطاني. وهذا برز في خطاب رئيس الحزب السابق إسحاق هيرتسوغ، في نهاية العام 2015، الذي تحول في غضون شهر واحد، في مطلع العام 2016، إلى برنامج سياسي للحزب. ويقضي بانفصال من جانب واحد عن الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة، بعد استكمال جدار الاحتلال، مع ضمان أن يدير الفلسطينيون شؤونهم اليومية.

وطرح هيرتسوغ خطة من ثلاث ركائز تبناها حزب العمل كما ذكر، الأولى تقضي باستكمال جدار الاحتلال على أراضي الضفة، وخاصة حول الكتل الاستيطانية. وقال في حينه "اريد أن انفصل بأكبر قدر ممكن عن الفلسطينيين وبأسرع قدر ممكن. سنقيم جدارا كبيرا بيننا. هذا هو التعايش الممكن الآن". والثانية فصل ما أسماها 38 قرية فلسطينية في القدس، قال إنها لم تكن في أي يوم في المدينة، وغالبيتها الساحقة باتت تعد من ضواحي القدس، وبحوزة غالبية أهلها بطاقات خاصة بالمقدسيين، وبشكل خاص ضاحيتي العيساوية وشعفاط واستكمال الجدار حول القدس. والخطوة الثالثة التي يجب تنفيذها هي تهدئة الوضع من خلال خطوات لبناء الثقة. و"سيكون من حق الفلسطينيين عمل كل شيء من ناحية مدنية؛ مدنية وليس عسكرية. يمكنهم ان يقيموا مدنا جديدة، ويوسعوا مدنا قائمة، ويطوروا الزراعة، الصناعة والعمالة. لقد سبق ان ثبت أن تقليص اكتظاظ السكن وزيادة الرفاه الاقتصادي يهدئ الوضع ويقلل الارهاب. أما العكس، الاكتظاظ، الضائقة والبطالة، فتصعد الارهاب. أنا اريد تهدئة. ولكن لن تكون هنا غزة ثانية. لن نكرر خطأ فك الارتباط".

وجاء في خطة هيرتسوغ أيضا أن "الجيش الإسرائيلي سيبقى الجيش الوحيد غربي نهر الأردن. وبعد عدة سنوات، اذا ما كان هدوء وأمن، نتحدث حول ما سيأتي. وبضمن ذلك إقامة دولة، ولكن من دون تحديد موعد زمني لها".

بعد عام ونصف العام من إقرار تلك الخطة، في شهر تموز 2017، سقط هيرتسوغ في الانتخابات لرئاسة الحزب، بشكل مدو، لم ينجح فيها حتى للوصول إلى الجولة الثانية، التي جرت بين الرئيس الأسبق للحزب عمير بيرتس، والمنضم حديثا للحزب، الوزير السابق في حكومة بنيامين نتنياهو عن حزب "كولانو"، آفي غباي، ليفوز الأخير برئاسة الحزب الذي لم يصوت له في الانتخابات الأخيرة. وهذا دلّ على حالة التخبط الكبيرة في الحزب، في سعيه لوقف حالة انهياره. إلا أن غباي، الذي ظهر في حملته الانتخابات بتوجهات أقرب إلى الخط السابق لحزب العمل، بدأ بعد أشهر قليلة جدا يظهر بمواقفه اليمينية، وبضمنها تصريحه المعروف أن واقع الحال يقول إنه من غير الممكن اخلاء مستوطنات في إطار الحل الدائم. وبعد أن أثار ضجة، حاول التراجع بالقول إن على إسرائيل اخلاء المستوطنات "الصغيرة" شرقي الجدار.

خطة كابل

كان النائب إيتان كابل الأول في طرح مبادرة سياسية في الأيام الأخيرة، وقاد إلى جدل واسع، لما تضمنته مبادرته. ويُعد كابل (59 عاما) من الوجوه البارزة في الحزب، وهو في الكنيست منذ 22 عاما، وتولى أكثر من مرّة منصبا وزاريا، وكان يُعد على التيار الدافع نحو الحل، إلا أنه منذ انتخابات الكنيست الأخيرة في العام 2015، بدأ بإظهار توجهات يمينية، وهذا يظهر جليا من نمط تصويته على القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، وقد صوّت إلى جانب هذه القوانين أيضا حينما كانت أغلبية في كتلة حزبه البرلمانية تعترض عليها.

وينطلق كابل في خطته السياسية استنادا لأمرين أساسيين بالنسبة له: أولاً، استحالة التوصل إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني في هذه المرحلة. وثانيا، أن استمرار الوضع القائم سيُفقد إسرائيل طابعها "اليهودي الديمقراطي" حسب تعبيره، لأن هذا قد يقود إلى دولة ثنائية القومية، رغم أنه لم يذكر هذا المصطلح. وعليه يطلب من حزبه العمل التخلي عن فرضية التوصل إلى حل من خلال الصراع، والتخلي عن العقلية التي قادت إلى اتفاقيات أوسلو.

ويطلب كابل بداية التخلي كليا عن رؤى التوصل إلى حل من خلال المفاوضات، أو حسب صيغته "التخلي عن رؤى التوقيع على اتفاقيات سلام، في حدائق البيت الأبيض". ويضيف "نحن كأعضاء حزب العمل تقع علينا مسؤولية بلورة وعرض رؤية سياسية، تناسب الواقع الذي تغير كليا عما سبق، ولذا علينا ان نترك فكرة أوسلو. وأمر الساعة هو تبني استراتيجية جديدة، في أساسها فهم واستيعاب أنه في هذه المرحلة لا توجد في الجانب الفلسطيني قيادة تريد بالفعل، أو انها قادرة على أن تكون شريكة لاتفاق سلام معنا".

ويقول إن على إسرائيل أن تحدد ما هي الكتل الاستيطانية، ويعددها: كتلة "غوش عتسيون" من غرب بيت لحم وحتى الخليل. وكتلة "معاليه أدوميم" وهي المستوطنات من شرق القدس وحتى مشارف البحر الميت. وكتلة "كارني شومرون"، وهي المستوطنات جنوب نابلس. وكتلة "أريئيل"، غرب منطقة نابلس. والكتلة الاستيطانية في غور الأردن. ثم يطلب كابل أن تحدد إسرائيل بنفسها مناطق نفوذ كل واحدة من الكتل الاستيطانية هذه، التي يستوطن فيها 300 ألف مستوطن، من أصل 400 ألف مستوطن في الضفة من دون القدس، إذ أن الباقي 100 ألف مستوطن، يستوطنون في مستوطنات شرق جدار الاحتلال، ثم فرض ما يسمى "كامل السيادة الإسرائيلية" على كامل الكتل الاستيطانية التي حددها، وبموازاة ذلك تجميد الاستيطان كليا في المستوطنات القائمة خلف جدار الاحتلال.

وما يطرحه كابل لا يبتعد إطلاقا عما أقره حزبه في مطلع العام 2016. ولم يطرح كابل رؤيته الكاملة، مثل ما يتعلق بالقدس، ولا شكل العلاقة مع الفلسطينيين في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة.

ويقول كابل إنه إذا ما استمر الوضع الحالي كما هو، فإن إسرائيل ستفقد طابعها "اليهودي الديمقراطي"، لأن الفلسطينيين في الضفة وحدها سيشكلون 30% من السكان في البلاد من دون قطاع غزة. بحساب آخر، لم يطرحه كابل، فإن نسبة الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، من دون قطاع غزة، الذي اختار كابل عدم احتسابه، يصل إلى 40%. ولذا فإنه يقول إن استمرار الوضع الحالي سيحول إسرائيل من "دولة يهودية ديمقراطية" إلى مجتمع يهودي يسيطر على البلاد.

بعد كل هذا يجد كابل من المناسب القول "إنني لا أتنازل ولو للحظة عن حلم السلام، والطموح للوصول اليه، لكن على ضوء الواقع التي تبلور في السنوات العشر الأخيرة، فإن على إسرائيل أن تقرأ الوضع القائم بواقعية".

خطة "التيار المركزي"

وفي الأيام الأخيرة ظهرت فجأة على السطح مجموعة في حزب العمل تطلق على نفسها اسم "التيار المركزي". وتبين أنها تضم عددا من أعضاء الكنيست، ليسوا من "نجوم" حزب العمل، وهم: إيتان بروشي، حيليك بار، نحمان شاي، أييليت نحمياس فيربين، رافيطال سويد، ليئا فديدا، عومر بارليف ورئيس الصندوق القومي لإسرائيل داني عطار. ويرأس هذا التيار ميخائيل بار زوهر (80 عاما)، الذي هو أيضا ظهر فجأة على السطح، وكان عضو كنيست في ولايتين، في العام 1981 والعام 1988، ولم ينجح في العودة إلى الكنيست، خلال ثلاثة انتخابات في سنوات التسعين. وهو ذو خلفية عسكرية، ومؤلف كتب سياسية وذات طابع أمني، بلغ عددها 38 كتابا.

وتتلخص خطة "التيار المركزي" التي طرحها بار زوهر بمقال في صحيفة "هآرتس" بما يلي: إعطاء مهلة حتى عام ونصف العام لإجراء مفاوضات حول خطة ترامب المرتقبة، وفي حال لم تنجح، كما يتوقع أصحاب المبادرة، تفرض إسرائيل ما يسمى "السيادة" على كامل الكتل الاستيطانية، بما فيها غور الأردن، وترسم حدودها الثابتة. ثم "تحاول إسرائيل" إخلاء المستوطنات شرقي الجدار، على أن يبقى جيش الاحتلال منتشرا في سائر أنحاء الضفة.

وتقول الخطة أيضا إن "المنطقة المتبقية (من الضفة)، التي توجد فيها الأغلبية العظمى من السكان الفلسطينيين، يتم نقلها إلى أيدي الفلسطينيين، وهم يستطيعون الاعلان عن دولة، أو الانضمام إلى الأردن، أو اقامة فيدرالية معه، أو اقامة أي صورة اخرى لنظام الحكم". وتتضمن الخطة ديباجات تتعلق بتسويق الموقف الإسرائيلي عالميا، والسعي لتجنيد أموال دعم للفلسطينيين، لإدارة شؤونهم.

ردود من حزب العمل

في رده على إيتان كابل، قال رئيس الحزب آفي غباي، في تصريحات إعلامية "إن كابل طرح موقفه الشخصي، وهذا خطوة على ما يرام، فنحن حزب ديمقراطي، ومسموح للأعضاء أن يقولوا رأيهم". وأضاف، "نحن نؤمن أولا وقبل كل شيء بضرورة أن نفعل كل شيء من أجل أمن دولة إسرائيل. والأمر المرشد لنا هو أمن دولة إسرائيل للمدى البعيد".

وقال النائب ميكي روزنطال إنه "يمكن التفكير بهذا الشكل أو غيره، تأييد الانفصال عن الفلسطينيين، أو القول إن هذا غير عملي. أما الارتباط برواية اليمين وكأن اليسار هو موقف غير شرعي، فهذا فعل مهين. يدور الحديث عن منبطحين مستعدين مقابل عطف الجمهور للتخلي عن مواقف مبدئية".

وقال النائب إيتسيك شمولي، في مقال له في "هآرتس"، إنه "ليس هناك في المعسكر الصهيوني تقريبا من يخالف ادعاء كابل، الذي يقول إن الخطر الوجودي الأكبر على وجود دولة إسرائيل كدولة آمنة، يهودية وديمقراطية، يكمن في سيناريو كابوس الدولة الواحدة. فالمشكلة ليست في تشخيص كابل الصحيح، لكن في انذاره القاتل. بساطة خطته من شأنها أن تضلل، لكنها تضم في ثناياها خطرا كبيرا".

ويضيف شمولي أن "خطوات أحادية الجانب دون محاولة التوصل إلى اتفاق ستؤدي إلى أن إسرائيل وبأيديها تدفع العالم لتأييد المطالبة الفورية التي سيطرحها الفلسطينيون للاعتراف بدولة واحدة، وحقوقهم المتساوية فيها، بدءا من مخصصات التأمين الوطني ومرورا بإخلاء النفايات في نابلس وانتهاء بالتصويت للكنيست".

في المقابل طالبت قيادة شبيبة حزب العمل رئيس الحزب بإقصاء كابل، وجاء في بيان "لأسفنا فإن اقتراح عضو الكنيست إيتان كابل هو عبارة عن تبني مواقف البيت اليهودي، وبرنامج ضم الضفة".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات