المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أفرجت محكمة الصلح في حيفا، أمس الاثنين، عن المعتقلين الـ 19 من مظاهرة يوم الجمعة في مدينة حيفا، رافضة بذلك مزاعم الشرطة ضدهم، إلا أنها فرضت عليهم شروطا تلزمهم باستمرار التحقيقات معهم. وقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا في هجوم أجهزة الشرطة الإسرائيلية على المظاهرات، التي جاءت ردا على مجازر الاحتلال في غزة. وقد رافق هذا تصعيد للتحريض من قادة الحكم، على القيادات السياسية لفلسطينيي الداخل.

 

وقد بدأ التصعيد البوليسي ضد فلسطينيي الداخل، يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، حينما اعتدت عناصر الشرطة الإسرائيلية على التظاهرة التي دعت لها لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، قبالة حفل نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. وقد تم الاعتداء على قيادات سياسية، من بينهم رئيس المتابعة محمد بركة، وأعضاء الكنيست الذين تواجدوا في المظاهرة، جمال زحالقة، وأحمد طيبي، وعايدة توما سليمان، ومسعود غنايم، ويوسف جبارين. وسعوا الى نزعم الأعلام الفلسطينية من ايدي المتظاهرين، ليتبين لاحقا أن الشرطة أخذت على ذاتها مهمة مهاجمة رفع الأعلام الفلسطينية، رغم أن القانون الإسرائيلي لا يمنع رفعها منذ اتفاقيات أوسلو.

لكن الاعتداء الأشد شراسة كان على مظاهرة لناشطين، بمعظمهم من الأجيال الشابة، مساء يوم الجمعة، في وسط البلدة القديمة في مدينة حيفا، إذ أن الشرطة ومعها قوات "حرس الحدود"، كانت قد وصلت الى المكان مدججة بأسلحة ومعدات قمع المظاهرات، وفي لحظة ما شرعت في الاعتداء على المتظاهرين، ومن بينهم النائبان زحالقة وحنين زعبي. وشرعت بحملة اعتقالات شملت 21 ناشطا، من بينهم إسرائيليون، ولاحقا أفرجت عن قاصرين من بين المعتقلين.

وفي ذات الليلة، تم نقل سبعة معتقلين لتلقي العلاج، من بينهم مدير عام مركز مساواة جعفر فرح (54 عاما)، الذي وصل الى المستشفى بكسر في ركبته رغم أن كل الصور، واشرطة الفيديو التي انتشرت، أظهرت أنه كان معافى لحظة اعتقاله وهو مقاد إلى المعتقل. وأفاد محامون لوسائل إعلام أنهم واجهوا محاولات الشرطة لتأخير رؤيتهم المعتقلين، وتم سحب الهواتف الخليوية منهم، تحسبا لتصوير المعتقلين المصابين.
ولاحقا منعت الشرطة بقاء المصابين في المستشفيات، بمن فيهم جعفر الذي تعرض للإصابة الأكبر، وتم اقتياده الى المعتقل، دون السماح له بمواصلة العلاج.

ومساء الأحد شارك حشد كبير من الناشطين في تظاهرة قبالة محكمة الصلح في حيفا، تضامنا مع المعتقلين، الذين استمرت جلسة المحكمة بشأنهم من التاسعة مساء، وحتى السادسة من صباح اليوم التالي.

كما شهدت مدينة حيفا مظاهرة عربية يهودية، بمبادرة قوى سياسية، ردا على المجازر في قطاع غزة. ورغم أن المظاهرة قد حصلت على ترخيص، إلا أن الشرطة سمحت لعصابات اليمين المتطرف بإجراء تظاهرة مضادة قريبة من المكان، رغم أن الداعين كانت دعوتهم تحريضية ضد المتظاهرين ضد المجازر. وأفاد عدد من المتظاهرين ضد المجازر أنه بعد انتهاء المظاهرة لاحقهم عناصر اليمين المتطرف وهم في طريقهم الى سياراتهم.

وأمام الضجة التي تخطت حدود البلاد على اعتقال فرح، وضربه في المعتقل، اضطر وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان المعروف بموقفه اليمينية المتطرفة، إلى التصريح بأنه سيطلب التحقيق مع عناصر الشرطة، بما حصل. وقال في تصريحه: "إنني اتعامل بجدية جدا مع الادعاءات، بشأن ما حصل. وآمل وأتوقع من (وحدة التحقيقات مع عناصر الأمن) "ماحش"، أن تشرع في فحص ما جرى في المظاهرات، وبضمن ذلك فحص سريع، بالقدر الممكن، لظروف إصابة جعفر فرح وادعاءاته، لأنه ليس من الجيد إبقاء علامات سؤال، حول تصرف الشرطة، تحوم في الأجواء. وفحص إذا كان ما جرى هو مخالف للقانون".

وقال مدير مركز "عدالة"، المحامي حسن جبارين، بعد إصدار قرار المحكمة: لقد نجحنا في تحويل النقاش في قاعة المحكمة من المظاهرة إلى عنف الشرطة المفرط، ويرجع الفضل في هذا النجاح للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي نشرت الصور ومقاطع الفيديو والشهادات الحية من المظاهرة، والتي روت الحقيقة كاملة. هذا التوثيق أقنع المحكمة بأنه ليس بالإمكان غض النظر عن وحشية الشرطة".

وتابع جبارين "بيّنا للمحكمة مدى عبثية توجيه الاتهام إلى سبعة من المعتقلين بالاعتداء على أفراد الشرطة، خاصة أن هؤلاء السبعة عانوا من إصابات بسبب عنف الشرطة ومنهم من نقل للمستشفى لتلقي العلاج".

وأكد جبارين أنه "أثبتنا للمحكمة، خلافًا لادعاءات الشرطة، أن القانون لا يفرض على منظمي هذا الاحتجاج الحصول على تصريح قانوني من الشرطة، لأنه لم يتخلل المشي من مكان لآخر، وبالتالي كان تفريق الشرطة لها بالقوة هو التصرف غير القانوني وليس الاحتجاج".

التحريض وردود الفعل

وكتب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، في شبكة "تويتر": "إنه في كل يوم يتجول فيه أيمن عودة وشركاؤه أحرارا، ويشتمون عناصر الشرطة، فهذا يعكس فشل سلطات تطبيق القانون. إن مكان هؤلاء المخربين ليس في الكنيست، وإنما في السجن. آن الأوان ليدفعوا ثمنا على أفعالهم".

كما نشر وزير الأمن الداخلي إردان بيانا أعلن فيه أنه توجه إلى المستشار القانوني للحكومة، بطلب فتح تحقيق ضد عودة، بزعم إهانة شرطي خلال أدائه مهمته.

وقال رئيس كتلة "القائمة المشتركة"، ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، د. جمال زحالقة، في تصريحات إعلامية، إن "الشرطة الاسرائيلية تتعامل مع المواطنين العرب كأعداء، وأهداف واعتبارات الشرطة الاسرائيلية سياسية وهي إسكاتنا ومنعنا من الوقوف الى جانب شعبنا في غزة، الذي يناضل من أجل حقوقه العادلة". وطالب زحالقة بالتحقيق في العنف الذي تتبعه الشرطة تجاه المتظاهرين والمعتقلين، مما أدى الى إصابات عديدة ومن ضمنها كسر رجل مدير مركز مساواة، جعفر فرح.

وقال زحالقة: الدم الذي يسيل في غزة هو دمنا وعلينا أن نثبت لأنفسنا وللقاصي والداني أننا شعب واحد لديه قضية واحدة عنوانها تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بشعب فلسطين وتحقيق الحرية والعدالة. في هذه المعركة نحن نعرف أن كل احرار العالم معنا وكل أنذال العالم مع مجرمي الحرب الإسرائيليين.

وتابع زحالقة قائلا إن التحريض العنصري والشرس على أعضاء الكنيست، في القائمة المشتركة، يعبّر أساسا عن العقلية العنصرية المتطرفة المسيطرة على سدة الحُكم الإسرائيلي، ولكن أيضا، بات وسيلة للوصول الى وسائل الإعلام، بشكل سهل وسريع، وبذلك يتم تسويق سياسي للمحرضين بين جمهورهم الذي يزداد تطرفا.

وقال رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة: لقد كان واضحا للجميع في المحكمة أن تصرف الشرطة فضيحة. وهو تصرف عنيف استبدادي. واعتقالات لا مبرر لها. ومهاجمة وضرب معتقلين ومنع العلاج الطبي. إن الشرطة تتم تغذيتها من تحريض منفلت من الحكومة، ومن يقودها، الذين يبيحون دم قادة الجمهور العربي، والتعامل العنيف مع المتظاهرين.

وقال رئيس لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، محمد بركة، إن ما شهدناه في الأيام الأخيرة، على وجه التحديد، بدءا من الاعتداء الوحشي على مظاهرة "المتابعة" في القدس، قبالة حفل افتتاح السفارة الأميركية، مرورا بالاعتداء على المظاهرة في حيفا، مساء يوم الجمعة، والسماح لعصابات اليمين المتطرف، بالتظاهر امام مظاهرة عربية يهودية، ضد المجازر في غزة، وصولا الى الاعتداء على المعتقلين من مساء الجمعة، واصابة بعضهم في المستشفى وبينهم الأخ جعفر فرح، هو نتيجة طبيعية للتحريض العنصري، الذي تقوده الحكومة، وتصاعد في الأيام الأخيرة. فعناصر الشرطة أضعف من أن يستشرسوا بهذا المستوى، لولا أنهم مطمئنون للدعم من رأس الهرم الحاكم. وما يثبت هذا، هو أن التحريض على نواب القائمة المشتركة، وقيادات فلسطينيي الداخل ككل، والدعوة لحظر لجنة المتابعة العليا، تصاعد هو أيضا بشكل خاص خلال كل هذه الأحداث.

"هآرتس": عنف الشرطة مقصود

وتحت عنوان "أقوياء على العرب" أنشأت صحيفة "هآرتس" أمس افتتاحية كتبت فيها:

في نهاية الأسبوع جرت تظاهرة في حيفا احتجاجاً على أعمال القتل التي تجري على طول الحدود في قطاع غزة. القمع العنيف للتظاهرة واعتقال 21 متظاهراً، بينهم جعفر فرح، مدير مركز مساواة للدفاع عن حقوق المواطنين العرب في إسرائيل، هما مؤشران إضافيان إلى تقلص المجال الديمقراطي لجمهور المواطنين العرب.

لقد كان من المفترض أن تؤدي الأحداث القاسية في غزة إلى خروج الجماهير إلى الشوارع، فكم بالحري في ضوء العلاقات المعقدة بين المواطنين العرب والدولة. فعلياً، جاء الاحتجاج وسط الجمهور العربي في حده الأدنى ومعزولاً: إضراب جزئي ليوم واحد فقط واعتصامات محلية في بلدات عربية. وعلى الرغم من ذلك فشلت الشرطة في احتواء الاحتجاج.

التظاهرة التي جرت في حيفا مساء يوم السبت لم تحصل على موافقة، لكن في هذه الحالات تحديداً يجب على الشرطة أن تتحرك بحكمة وتلجم الوضع. لقد كان عليها استغلال وجود فرح، الناشط المركزي والمخضرم الذي شغل سابقاً منصب رئيس اتحاد الطلاب العرب طوال سنوات، وكان شريكاً في مبادرات مدنية كثيرة تتعلق بحقوق المواطنين العرب والنضال ضد العنصرية. شرطة حكيمة كان يجب أن ترى في وجوده قناة حوار فرصة لتهدئة الأجواء. وبدلاً من ذلك اختارت الشرطة قمع التظاهرة بواسطته.

يُظهر شريط فيديو جرى تصويره في التظاهرة أن رجال الشرطة لم يكتفوا باعتقاله بل اقتيد مكبل اليدين في شوارع حيفا كي يراه الناس ويكون عبرة لهم. وعلى الرغم من تصوير فرح يسير على قدميه، ففي اليوم التالي أُدخل إلى المستشفى، وبحسب أقربائه فقد كسروا ركبته خلال توقيفه. يطالب الجمهور العربي بالتحقيق في سلوك الشرطة في التظاهرة، ومن المتوقع أن يحقق قسم التحقيقات في الشرطة في حادثة اعتقال فرح. إن تحقيق الشرطة ضروري لكنه ليس كافياً، لأن عنف الشرطة إزاء المتظاهرين لم يكن عشوائياً بل مقصوداً، ويشكل جزءاً من سياسة التحريض والسياسة العنصرية حيال الجمهور العربي في إسرائيل اللتين تنتهجهما الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.

وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، ومفوض الشرطة روني ألشيخ، يكثران من الحديث عن أهمية وضع الشرطة في خدمة الجمهور العربي، ويتحدثان من على كل منصة عن أهمية فتح مراكز جديدة للشرطة وضم شرطة من العرب. لكن السلوك في حيفا يثبت مرة أُخرى أن الشرطة اختارت إظهار "صرامة" غير ضرورية متجاهلة انعكاسات الحدث على مدى ثقة الجمهور العربي بجهاز فرض القانون.

يتعين على وزارة الأمن الداخلي وقيادة الشرطة أن تفهما أن نزع الشرعية عن ممثلي الجمهور العربي، وعن ناشطيه البارزين، وكذلك قمع احتجاج سياسي بواسطة اعتقالات عنيفة، لا يساعدان على الشعور بالثقة. بل على العكس، فإن عنف الشرطة حيال المواطنين العربي يوسع دائرة الشك المتبادل، ويعمق الشعور بالاغتراب.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات