المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ترى الكاتبة الإسرائيلية المختصة بالسياسات السعودية أن الواقع الإقليمي العاصف يخلق فرصة استثنائية وفريدة لوضع أسس متينة لعلاقات طويلة المدى بين إسرائيل والسعودية. غير أنه برغم ما يتكرر من تصريحات من كلا الجانبين في الفترة الأخيرة وبرغم ما يبدو من حصول تقارب كبير بين البلدين، من غير المتوقع إقامة علاقات رسمية بين البلدين من غير تقدم جدي في المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

 صحيح أن وجود أعداء مشتركين قد ساهم كثيرا في إزالة عقبات كان يبدو في الماضي أنه من غير الممكن إزالتها، أو حتى تجاوزها، لكن هذا لا يعني الخلوص إلى الاستنتاج بأن قادة المملكة السعودية مستعدون للتخلي تماما عن الانشغال بالقضية الفلسطينية، خدمة لمصالحهم الوطنية. قد يكون هناك تقارب بين دولتين كبريين في الإقليم تسعيان، معا، إلى حفظ الاستقرار الإقليمي وتبديان استعدادا واضحا لتليين مواقفهما من أجل تحقيق هذا الهدف الهام والجوهري في نظر كلتيهما، غير أن اكتساب هذا السعي معنى حقيقيا يحتاج، اشتراطا، إلى تحقيق انعطاف حاد، بل اختراق، في مسار المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

وترى الكاتبة أن "الخطوات الثورية"، كما تصفها، التي يقودها مؤخرا ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تشكل دليلا ناصعا على أن العربية السعودية تتقدم بخطى حثيثة نحو مستقبل سيغيّر وجهها من النقيض إلى النقيض: لن تكون دولة تضع كل اعتمادها على النفط كمصدر أساس للدخل ويقودها الإسلام المتعصب والمتطرف، وإنما دولة مُنتجة، أكثر ليبرالية، أكثر انفتاحا على العالم الخارجي ومصدر جذب للمستثمرين الأجانب.

في واقع كهذا، ثمة طاقة كامنة كبيرة للتعاون بين إسرائيل والسعودية، في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد. ولكن، ورغم الرغبة المتصاعدة لدى كلتا الدولتين (إسرائيل والسعودية) في توسيع وتعميق أواصر العلاقات والتعاون بينهما، إلا أن التطبيع الاقتصادي والسياسي غير ممكن التحقق في المستقبل المنظور، من دون تحقيق اختراق في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

صحيح أن الواقع الراهن قد أدى إلى تليين كبير في الموقف السعودي بشأن إسرائيل، لكن ما يستدل من تصريحات لوزير الخارجية السعودي هو أن هذا التليين لا يعني بأن ثمة مجالا للقفز عن العقبة الفلسطينية أو الالتفاف عليها. هذا الاستنتاج يسحب البساط من تحت الرأي الأخذ في الاتساع في الجانب الإسرائيلي ومؤداه الافتراض بأن تطابق المصالح بين تل أبيب والرياض يمكن أن يتيح حصول تقارب جدي بينهما، من خلال تحييد المسألة الفلسطينية ورَكنها جانبا.

يرى أصحاب هذا الرأي والمؤيدون له أن المصالح الوطنية السعودية تفوق، من حيث الأهمية الحيوية، التزام السعودية بحل القضية الفلسطينية، وخصوصا في هذه المرحلة تحديدا. ولهذا، فإنْ كان الانشغال بالقضية الفلسطينية وبمحاولات حلها يستدعي دفع ثمن باهظ جدا، أكثر مما يمكن أن تسمح السعودية لنفسها بدفعه، فستجد (السعودية) طريقا لتجاوز القضية الفلسطينية والالتفاف عليها، لتتمكن من خدمة مصالحها هي مع إسرائيل. هذه الفكرة نفسها يمكن العثور عليها في تصريح أدلى به مستشار أمني سابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يدعى يعقوب نيغل، في سياق مقابلة صحافية نشرت معه في تشرين الثاني 2017، حين قال: "عليهم (السعوديين) فقط أن يقولوا إن ثمة اتفاقا بين إسرائيل والفلسطينيين، بغض النظر عن مضمون هذا الاتفاق... هذا لا يهمهم، إطلاقا... يحتاجون فقط إلى القول إن هنالك اتفاقا كي يستطيعوا التقدم خطوات إضافية أخرى". وسواء كانت هذه "أمنية" إسرائيلية أو كانت واقعا حقيقيا في الجانب السعودي، إلا أن أي تغيير جدي لم يحصل في المحصلة: ستضطر إسرائيل إلى تليين سياستها بشأن الاحتلال في المناطق الفلسطينية لضمان استكمال مسيرة التطبيع وإيصالها إلى حدودها النهائية، حتى لو كانت السعودية قد خففت مطالبها تجاه إسرائيل وقلصتها.

حيال هذا الفهم، ثمة في إسرائيل جهات عديدة، من بينها جهات أمنية وسياسية رفيعة جدا، تدعو إلى مواصلة الدولتين التقدم في المسار الدبلوماسي السري في الفترة الراهنة، نظرا لما ينطوي عليه هذا المسار من إيجابيات وأفضليات عديدة لكلتا الدولتين، عوضاً عن دفع الثمن المترتب على الانتقال إلى العلاقات العلنية. وتقول تلك الجهات إن التفاهمات التي تتبلور بين إسرائيل والسعودية في سلسلة طويلة من القضايا والمجالات يتم التوصل إليها من دون الحاجة إلى اعتراف رسمي بوجود أية علاقات بينهما، وهو ما يدفع باتجاه الحرص على "عدم إفساد الآليات الراهنة التي تؤدي المهمة على أفضل وجه". وحتى لو جرت، في المستقبل، مفاوضات إقليمية متعددة الأطراف، فمن المتوقع أن تكون مفاوضات متواصلة وطويلة تستغرق وقتا طويلا جدا، مرهقة وحساسة، وستواجه غير قليل من الصعوبات والعقبات، بينما تبقى الفائدة المرجوة منها موضع شك طالما هي (المفاوضات) لم تحقق أهدافها النهائية. ومن هنا، يبدو واضحا أن الأفضل لكلتا الدولتين هو مواصلة إدارة علاقاتهما الثنائية على نحو شامل وعميق من دون أي اعتراف رسمي، حتى لو يكن هذا المسار قادرا على تحقيق كل ما في هذه العلاقات الثنائية من طاقة كامنة.

لكن الكاتبة تسجل تحفظا على هذا التقييم الذي تعرضه "جهات أمنية وسياسية رفيعة جدا" منبهة إلى أنه "أقرب لأن يكون عرضا زائفا يشوه الواقع، طبقا لهوية الناظر"، لأن الإيجابيات والأفضليات التي تنطوي عليها العلاقات الدبلوماسية السرية "تبقى محدودة، بل محدودة جدا، بل إن هذه الدبلوماسية السرية هي التي قد تعرض المصالح الوطنية لكلتا الدولتين للخطر وقد تضر بها فعليا، في ظروف معينة".

وفي الخلاصة، تشدد الكاتبة على أن "السعودية لا تعمل بما تمليه أهواء الإسرائيليين ورغباتهم، بل وفقا لمكونات هويتها هي، بكونها دولة قائدة في العالمين الإسلامي والعربي. وحتى لو كانت مصالحها الوطنية تتقدم على التزامها تجاه الفلسطينيين وتتفوق عليه، إلا أن هذا لا يعني أن السعودية ستقوم ـ في ظروف محددة ـ بتوثيق علاقاتها مع إسرائيل وتتخلى عن الفلسطينيين تماما". وتضيف: "صحيح أن مبادرة السلام العربية من العام 2002 تحتاج إلى تحديثات وتعديلات لملاءمتها للواقع الشرق أوسطي الراهن ("مثلا: إلغاء مطلب انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان")، إلا أن مطلب السعودية التاريخي من إسرائيل بالعمل لإيجاد حل للمسألة الفلسطينية يبقى على حاله، قائما وقويا، لا يغيره شيء. معنى هذا أن تحقيق الطاقة الكامنة في مسارات التعاون المحتملة بين إسرائيل والسعودية يتطلب إزالة جميع العقبات القائمة في مجال العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولو بصورة جزئية على الأقل".

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات