المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان إن المسيحيين الإنجيليين مؤيدون متحمسون لإسرائيل أكثر من العديد من اليهود في الولايات المتحدة.

وأضاف فريدمان، في حديث أدلى به إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في نهاية الأسبوع الفائت، أن الحضور البارز لمؤيدي إسرائيل من المسيحيين الإنجيليين في مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس يوم 14 أيار الحالي، يؤكد أن المسيحيين الإنجيليين يدعمون إسرائيل بحماس وإخلاص أكبر من الكثيرين في الجالية اليهودية الأميركية.

 

وأعرب فريدمان عن تأييده لتحالف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع قادة الإنجيليين بالقول: "أنت تدير بلدا، تحتاج إلى أصدقاء، وتحتاج إلى تحالفات، وتحتاج إلى حماية شعبك".

وأقر فريدمان بأنه وجه دعوة شخصية إلى جون هيغي، الذي ألقى كلمة ختامية خلال الحدث، وإلى القس روبرت جيفريس، الذي ألقى كلمة افتتاحية. ووصفهما بأنهما من أبرز قادة الإنجيليين.
وجيفريس، هو من أشد أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكان عضوا في مجلسه الاستشاري الإنجيلي، وحذر مرة من أن الشعب اليهودي سيذهب إلى الجحيم، وقال إن هتلر هو جزء من خطة الرب لعودة اليهود إلى إسرائيل. وكان من أبرز المنتقدين لاختياره للتحدث في المراسم المرشح الرئاسي السابق ميت رومني، الذي وصف جيفريس بأنه متعصب ديني.

وردّد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون دريمر تصريحات مماثلة لتصريحات نظيره الأميركي مشيدا بالمجتمع المسيحي الإنجيلي، وقال للصحيفة إن المسيحيين المتدينين أصبحوا العمود الفقري في دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وقال دريمر: لا بد من أن الحديث يدور عن ربع ثابت من السكان، وقد يكون ذلك أكبر بعشرة أو 20 أو 30 مرة من عدد السكان اليهود.

لكنه أصر مع ذلك على أن الحكومة الإسرائيلية مصممة على الحفاظ على الدعم الواسع للحزبين وللمجتمع اليهودي الأميركي لإسرائيل. وأضاف: بالإمكان القول إن هناك تحولاً هنا وهناك، لكن من الواضح لنا أنه من المهم أن نحظى بدعم واسع النطاق ومن قبل الحزبين، إذ لا يمكنك التحليق بطائرة مع جناح واحد.

وحذر عضو الكنيست يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل" المعارض، يوم الخميس الماضي، من أن نتنياهو يقوم على نحو خطير بربط حكومته بفصائل محافظة وإنجيلية في الحزب الجمهوري، ويزيد من الانقسام مع الديمقراطيين.

وقال لبيد إن حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتفق تماما مع الفصيل المحافظ والانجيلي في الحزب الجمهوري خطيرة. وأضاف أنه إذا تم انتخاب رئيس وكونغرس ديمقراطيين في العام 2020، سيشكل ذلك مشكلة خطيرة لإسرائيل إذا ما ظل نتنياهو في السلطة.

وقال لبيد إن النائب الديمقراطي اليهودي في مجلس النواب الأميركي تيد ديوتش قال له إنه امتنع عن حضور مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس. ولم يحضر أي مشرع ديمقراطي الحدث.

وجاء في تقرير "نيويورك تايمز"، الذي نُشر تحت عنوان "إسرائيل والإنجيليون: السفارة الأميركية الجديدة هي مؤشر على التحالف المتنامي"، أن افتتاح السفارة هو بمثابة أكبر اعتراف علني حتى الآن بالأهمية المتزايدة التي توليها حكومة نتنياهو في الوقت الحالي لحلفائها المسيحيين المحافظين، حتى لو اتُهم البعض منهم بالإدلاء بتصريحات معادية للسامية.

وأضافت الصحيفة أن ذلك يمثل تحولا تاريخيا واستراتيجيا، بالاعتماد على قاعدة أكبر من المسيحيين الإنجيليين، حتى لو كان ذلك بالمجازفة بإبعاد اليهود الأميركيين الذين قد يكونون يشعرون بالانزعاج من تشويه بعض الإنجيليين لدينهم.

وقالت الصحيفة إن المفارقة معروفة جدا. فمعتقدات الكثير من المسيحيين الإنجيليين بأن إسرائيل مميزة عند الرب تقود الكثيرين إلى دعم متشدد للدولة اليهودية بينما يصرون في الوقت نفسه على أن الخلاص لا ينتظر سوى أولئك الذين يقبلون بالمسيح كمخلص لهم. ونتيجة للروابط الوثيقة بشكل متزايد بين اليمين الإسرائيلي واليمين المسيحي فإن الاستقطاب يشهد تسارعا محولا الدعم لإسرائيل إلى مسألة حزبية في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى رأت صحيفة "هآرتس"، في مقال افتتاحي نشرته في نهاية الأسبوع الماضي تحت العنوان "الحلف غير المقدس بين إسرائيل والإنجيليين الأميركيين"، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس يهدف، أولاً وقبل أي كل شيء، إلى مكافأة الإنجيليين على تأييدهم الحماسي لانتخابه ولولايته.

وأضافت: إن احتفال نقل السفارة الذي جرى هذا الأسبوع، والذي شارك فيه اثنان من الدعاة الإنجيليين المتطرفين، وهما موضع خلاف من الإنجيليين، وسبق أن أدليا بتصريحات عنصرية ضد اليهود، يمثل ذروة هذا الحلف غير المقدس.

وتابعت: تضم الحركة الإنجيلية في الولايات المتحدة عشرات الملايين من الناس. الجزء الأكبر منهم يؤمن بأن دولة إسرائيل تقرّب الظهور الثاني للمسيح المنتظر، وبأن إقامة مملكة إسرائيل وبناء الهيكل هما شرطان مسبقان لتحقيق نبوءتهم: حرب يأجوج ومأجوج يعقبها تدمير اليهود بصورة جماعية وتحولهم إلى الديانة المسيحية. وتقودهم معتقداتهم إلى التمسك بأكثر العناصر هذياناً في السياسة الإسرائيلية، وإلى تشجيع إسرائيل على انتهاج سياسات متطرفة تعمل على تقريب أهدافهم.

لقد أيّد الإنجيليون الصهيونية على الدوام، لكن في السنوات الأخيرة تحول هذا التأييد إلى مكوّن أساس في معتقداتهم. وفي الواقع بدأت حكومات إسرائيل بتطوير العلاقات بهم بعد حرب الأيام الستة (حرب حزيران 1967)، لكن في السنوات الأخيرة كلما اتجهت إسرائيل نحو اليمين، كلما ازداد تأثير الإنجيليين في العلاقات بين الدولتين. وانتخاب ترامب أدى إلى وصول هذا التأثير إلى الذروة، وذلك كما ثبت من خلال الجمهور الذي حضر الاحتفال غير المسبوق في السفارة. ويسعى السفير رون دريمر، الذين انضم إليه مؤخراً نظيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، لأن يكون التأييد الأميركي لإسرائيل معتمداً حصرياً على الإنجيليين، الذين يدعمون السياسة الصقرية والرافضة لإسرائيل حيال الفلسطينيين. هذا التضافر يتسبب بتآكل إضافي في مكانة إسرائيل وسط مراكز قواها التقليدية، وفي طليعتها يهود الولايات المتحدة الذين يعتبرون الإنجيليين خطراً حقيقياً على قيمهم.

ما يجري هو رهان خطر ومزدوج: فمن جهة، تتنكر إسرائيل لمؤيدين لها يمكن أن تحتاج إليهم في تشرين الثاني المقبل، إذا سيطر الديمقراطيون على أحد مجالس الكونغرس. ومن ناحية أُخرى، تثبت استطلاعات الرأي أن الإنجيليين من الشباب يعارضون التأييد الأعمى لإسرائيل.

وختمت الصحيفة: لو أن لدينا حكومة مسؤولة لكانت غيّرت سياستها ومدت يدها إلى الجهات التي أهملتها، وتخلت عن الاعتماد الحصري على المسيحيين المسيانيين.

يُشار هنا إلى أن التقارب الجدي، أو ما يمكن اعتباره علاقة صداقة مباشرة، بين أوساط رفيعة جدا في الحلبة السياسية الإسرائيلية، في مؤسسات مختلفة، من جهة، وجماعة المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة الأميركية، من جهة أخرى، بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك من خلال اتصالات ولقاءات مباشرة أجراها رئيس الحكومة، نتنياهو، في فترة ولايته الأولى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وقد شكّلت تلك اللقاءات العلنية مع الإنجيليين، بالنسبة إلى نتنياهو وفي منظوره، وسيلة بين يديه لممارسة الضغط على الرئيس الأميركي آنذاك، بيل كلينتون (وخاصة بعد المواجهات التي تلت حفر النفق تحت المسجد الأقصى في القدس في أيلول 1996). وفي إطار تلك الاتصالات واللقاءات، أصبح الزعيم الديني الأبرز في مجموعات الإنجيليين المحافظين، جون هيغي، الشخصية الأقرب إلى نتنياهو، علماً بأن هيغي هذا (الذي قال ذات مرة إن "هتلر حقق إرادة الربّ"!) هو صديق مقرب من الثري اليهودي الأمريكي، شيلدون أديلسون، صديق نتنياهو الشخصي وصاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تصدر يوميا في إسرائيل منذ سنوات وتوزع مجانا وتشكل البوق المركزي لنتنياهو وسياسته.

ومنذ ذلك الحين، يواصل نتنياهو التقرب من هؤلاء الإنجيليين وزعمائهم وتوثيق العلاقات معهم، ليس على الصعيد الشخصي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الرسمي، الحكومي والبرلماني، من خلال ضم مسؤولين سياسيين إسرائيليين آخرين إلى هذه الدائرة باستمرار. وقد صرح نتنياهو، أكثر من مرة، بأن "المسيحيين الإنجيليين هم أصدقاء إسرائيل الأكثر إخلاصا ووفاء"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات