المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 قالت عدة تحليلات إسرائيلية إن البيت الأبيض لا يقدّم ما يكفي إلى إسرائيل فيما يتعلق بالشأن السوري.

وأضافت هذه التحليلات، التي تزامنت مع الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة وسيلتقي خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه يجب على إسرائيل الآن أن تخبط على الطاولة في واشنطن، وأن تطالب الرئيس ترامب والولايات المتحدة بالتدخل دبلوماسياً، وربما أيضاً عسكرياً، فيما يحدث في سورية كلها، وليس

فقط شرقي الفرات. وأشارت إلى أن هذا سيخدم المصالح الأمنية للأردن وأيضا مصالح سائر دول المعسكر العربي- السني المؤيد للغرب. وفي المقابل فإن التخلي عن الساحة السورية للروس سيسمح في نهاية الأمر للإيرانيين بتحقيق أهدافهم الاستراتيجية.

وكتب رون بن يشاي، المحلل العسكري في موقع واينت، أن وضع إسرائيل في سورية لا يختلف كثيراً عن وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ففي إسرائيل أيضاً يتخوفون، عن حق، من أن تنشأ في الفترة المقبلة على الأراضي السورية حقائق تؤثر بصورة سلبية في أمن إسرائيل القومي وأمن سكانها.

وأضاف: لا نقصد هنا التلميح بأن على الجيش الإسرائيلي غزو هضبة الجولان السورية وحوض دمشق، لمنع تمركز ميليشيات تعمل بحماية إيران في إقامة قواعد صواريخ للحرس الثوري الإيراني (ضمن عملية تشبه عملية غصن الزيتون التي يقوم بها الجيش التركي، والدائرة حالياً في شمال غرب سورية ضد الأكراد)، لكن الوضع الناشىء الآن في سورية وعلى الساحة الدولية يفرض على رئيس الحكومة وعلى مسؤولي الأمن في دولة إسرائيل تفكيراً جديداً، استراتيجياً وتكتيكياً، سياسياً وعسكرياً، بشأن الوسائل وأساليب العمل التي يجب القيام بها لمنع تحوّل سورية إلى دولة تحت حماية إيران، وإلى قاعدة لانطلاق الصواريخ المنحنية المسار والدقيقة، ولانطلاق كتائب كوماندوز شيعية مسلحة نحو أراضي إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن تمركزاً إيرانياً في سورية سيزيد بصورة كبيرة تهديداً مصدره لبنان، وسيخلق تهديداً كبيراً لردع إسرائيل البحري والجوي، ولمنصات الغاز، أي أنه سيشكل خطراً على الازدهار الاقتصادي للدولة وعلى استقلالية الطاقة في السوق الإسرائيلية.

وقال بن يشاي إن المقال الذي نُشر مؤخرا في "نيويورك تايمز" وتطرق إلى تمركز قوات أجنبية في سورية، تضمن خريطة تظهر أن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الشيعية (نحو 20 ألفا من عراقيين وأفغان وباكستانيين يعملون بتمويل وبقيادة إيرانية مباشرة) يسيطرون حالياً على بضعة عشرات من القواعد في شتى أنحاء سورية. وهذه القواعد ليست كبيرة، وأغلبها موجود بعيداً عن هضبة الجولان، وهي تُستخدم بصورة خاصة من أجل الانطلاق وجمع معلومات لوجستية لمحاربة المتمردين الذين ما يزالون يحاربون النظام.

لكن إذا حقق قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني نواياه، فإن الإيرانيين سيوسعون هذه المنشآت لتصبح قواعد برية وجوية وبحرية واستخباراتية حقيقية. وسيقربون عدداً من هذه القواعد من الحدود مع إسرائيل، وعندها يصبح من الممكن الوصول الى الحدود في هضبة الجولان في ليلة واحدة والتسلل والإغارة على بلدات إسرائيلية.

وتابع: لن يحدث هذا غداً ودفعة واحدة، إذ يوجد لدى الإيرانيين جدول أعمال بشأن ما يريدون تحقيقه في سورية. وهم أولاً يريدون أن يضمنوا أن زبونهم، بشار الأسد، سيسيطر على أكبر قدر ممكن من الأرض، وسيقوي حكمه بمساعدة الروس وبمساعدتهم. ويقدم الإيرانيون مع حزب الله والميليشيات وما تبقى من الجيش السوري للروس "الوجود على الأرض" الذي هم بحاجة إليه من أجل توسيع المساحة التي يسيطر عليها النظام عسكرياً من جديد. ويتيح هذا لسليماني تأسيس ممر بري مفتوح من طهران إلى بيروت يمر بالعراق وسورية. وبذلك تتحول إيران إلى طرف عسكري استراتيجي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وسيكون في إمكانها توسيع الجبهة الشمالية ضد إسرائيل ونقل مساعدة عسكرية للجهاد الإسلامي و"حماس" في غزة بحراً. وفي الواقع فإن هذا الممر البري موجود وشغال، لكن يوجد فيه عدة منافذ ضيّقة على الحدود العراقية - السورية، في إمكان الأميركيين وحلفائهم الأكراد إغلاقها في أي لحظة.

ورأى المحلل أنه في هذه الأيام يحتل الموضوع الاقتصادي رأس سلم الأولويات الإيراني. فلقد وظفت إيران في فترة الحرب الأهلية قرابة 15 مليار دولار في نظام الأسد، وفي جيشه، وفي الحاجات الأساسية لمواطنيه (الوقود على سبيل المثال). ونتيجة ضغط الرأي العام فالنظام مضطر إلى استعادة هذه الأموال. وتطلب إيران من الأسد حقوقاً لشركات اقتصادية إيرانية (معظمها يملكه الحرس الثوري) من أجل استخراج النفط، والغاز والفوسفات من الحقول الغنية الموجودة في عمق الفرات والصحارى في شرق سورية. ويطالب الإيرانيون أيضاً بجزء من مرفأ طرطوس من أجل تصدير ما يستخرجونه، وفي الوقت عينه، من أجل إقامة وجود بري عسكري استراتيجي. لكن الأسد ليس ساذجاً، وصناديق دولتة ترزح تحت ديون ضخمة، كما لديه عائلة اعتادت على كسب رزقها بصورة جيدة مما سمح لها بجمع مبالغ كبيرة مودعة في مصارف في سويسرا على حساب المواطن السوري والثراوت الطبيعية غير الكبيرة للدولة. ولهذا لا يسارع الرئيس الأسد إلى إعطاء الإيرانيين ما يريدونه. بالإضافة إلى ذلك يطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه الحصول على حصته من الكعكة.

وبرأيه ليس بوتين وإيران ونظام الأسد والأكراد والأتراك فقط يعملون بقوة من أجل بلورة "اليوم التالي" في سورية، فإن الأميركيين أيضاً موجودون هناك. وهم يتحركون بسرية ومن وراء الكواليس لمنع عودة تنظيم "داعش" إلى المناطق التي خسرها وعدم السماح بقيام الممر البري الإيراني. لهذه الغاية يخطط البنتاغون لتشكيل قوة تتألف من 30 ألف مقاتل كردي- سوري لتعمل "كحرس حدود" في شمال شرق سورية على الحدود بينها وبين العراق. ويحتل هذا حالياً رأس جدول أولويات واشنطن.

وأضاف: إزاء هذا كله، ينشط الجيش الإسرائيلي على قناتين: من خلال عمليات سرية (معركة بين الحروب)، وهو يقضم التمركز الإيراني في سورية وتسلُّح حزب الله بسلاح نوعي. ويمكن الافتراض أن المساعدة الإنسانية أيضاً المقدمة إلى "أطراف محلية" في هضبة الجولان السوري، بمن فيهم الدروز، تثمر فوائد استراتيجية في مجال الاستخبارات والأمن الجاري على الحدود. ويضمن الضغط الذي يمارسه نتنياهو على الكرملين ألاّ تزعج القوات الروسية في سورية عمليات "المعركة بين الحروب" وألاّ يزود بوتين السوريين والإيرانيين بسلاح يقيد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي. "ويعمل الروس ونحن وفق مبدأ حرص كل طرف على عدم المسّ بمصالح الطرف الآخر الحيوية".

وبالنسبة إلى المستقبل، يبدو أن الضغط الذي يمارسه الأسد على الروس يقلص استعداد الكرملين لغض النظر عن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، لا يقدم البيت الأبيض لإسرائيل في الشأن السوري حتى شيئاً قليلاً. ويسمح الأميركيون للروس بإدارة الخطوات العسكرية ووقف إطلاق النار وأيضاً قيادة جهود التسوية السياسية. ونتيجة ذلك، ليست إسرائيل غير موجودة فحسب، بل هي أيضاً لا تملك أداة تأثير دبلوماسية جدية في مفاوضات تسوية مستقبلية. والمعركة بين الحروب ومساعي نتنياهو في موسكو لن يمنعا الضرر الخطِر الذي يمكن أن يلحق بمصالحها الحيوية في الشمال إذا تمركزت إيران هناك.

وختم بن يشاي:
الخلاصة هي أنه يجب على إسرائيل الآن أن تخبط على الطاولة في واشنطن، وأن تطالب الرئيس ترامب والولايات المتحدة بالتدخل دبلوماسياً، وربما أيضاً عسكرياً، فيما يحدث في سورية كلها، وليس فقط شرقي الفرات. إن هذا سيخدم المصالح الأمنية للأردن وأيضاَ مصالح سائر دول المعسكر العربي- السني المؤيد للغرب. وفي المقابل فإن التخلي عن الساحة السورية للروس سيسمح في نهاية الأمر للإيرانيين بتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. ومع كل الاحترام، لا يدفع افتتاح رسمي لمكتب إضافي للسفيرالأميركي في القدس المصالح الأمنية الوجودية لإسرائيل إلى الأمام ولا حتى سنتيمتراً واحداً. وإذا كان ترامب صديقاً حقيقياً لإسرائيل يجب أن يثبت ذلك في سورية، كما عليه أن يثبت ذلك الآن.

تذمر مسؤولين إسرائيليين

وكانت قناة التلفزيون الإسرائيلية العاشرة ذكرت، الأسبوع الماضي، أن مسؤولين إسرائيليين رفيعين أبدوا أخيراً تذمرهم من عدم قيام الإدارة الأميركية بعمل كاف لكبح نفوذ إيران في سورية.

وقال أحد هؤلاء المسؤولين، الذي يتعامل مع الجبهة السورية، للقناة، إنه بينما تُعتبر هذه المسألة تهديداً ملحاً في إسرائيل فإن المسؤولين الأميركيين يقللون من أهميتها بالنسبة إلى واشنطن. وأكد وجود فجوة كبيرة بين كلام واشنطن وأفعالها، مشيراً إلى أنه من المريح للأميركيين أن يجعلوا إسرائيل وكيلهم ضد إيران في سورية.

وأتى هذا التذمر عشية زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة. كما أتى غداة إعلان قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتل، أمام الكونغرس، يوم الثلاثاء الماضي، أن مهمة الولايات المتحدة في سورية هي هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، وليس العمل ضد إيران.

وتم التعبير في السابق عن خيبة أمل من السياسة الأميركية حيال إيران خلال اجتماعات مغلقة للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية- الأمنية، لكنه انتقل إلى العلن في الأيام الأخيرة. وقبل نحو أسبوعين قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد إردان، في سياق الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية الكبرى الذي عقد في القدس، إن هناك حاجة إلى مشاركة أميركية أكبر لضمان عدم قيام إيران بتحويل سورية إلى دولة دمية. وأضاف أن كل يوم تثبّت فيه إيران انتشارها في سورية يقرّب الحرب أكثر فأكثر. وشدّد على أنه في حال اختيار الولايات المتحدة عدم القيام بدور كبير في تحديد مستقبل سورية، فسيقوم آخرون بذلك بدلاً منها وبالتأكيد لن يكونوا ممثلين منتخبين ديمقراطياً من طرف الشعب السوري.

وتعقيباً على ذلك قال مسؤول أميركي مُقرّب من البيت الأبيض إن واشنطن تدرك وجود قلق إسرائيلي إزاء التهديد الإيراني الأمني في سورية، الذي وصفه بأنه حقيقي، لكنه في الوقت نفسه أكد أن لدى الإدارة الأميركية سلم أولويات في كل ما يتعلق بالتهديدات في الأراضي السورية، وأنه قبل هزيمة "داعش" لن يكون في إمكان هذه الإدارة التعامل مع الوجود الإيراني في سورية.

 

 

 

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات