المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان من المفترض أن يكون القانون الذي أقره الكنيست قبل أسبوعين، ويقضي بتشديد التعليمات لإغلاق الحوانيت وخاصة البقالات أيام السبت، سببا لتهدئة المتدينين المتزمتين "الحريديم"، أمام تزايد الأعمال في أيام السبت. إلا أن القانون سرعان ما تحول إلى نقطة خلاف داخل جمهور الحريديم أنفسهم، عدا عن أنه نقطة صدام اصلا مع جمهور العلمانيين ومدنهم الكبرى.

 

ويجري الحديث عن قانون سعت اليه كتلة "شاس" للحريديم الشرقيين، وزعيمها السياسي وزير الداخلية آرييه درعي، وبدعم طبيعي من كتلة "الحريديم" الثانية لليهود الغربيين، "يهدوت هتوراة"، ودعم أيضا من كتلة "البيت اليهودي"، التي أساسها التيار الديني الصهيوني.

ويمنح القانون وزير الداخلية صلاحية المواقفة والرفض على قوانين بلدية مساعدة، بشأن فتح المحال التجارية أيام السبت. وهو ما من شأنه أن ينتقص من صلاحيات البلديات، رغم أن الحكومة تدعي أن القانون لن يغير من الوضع القائم شيئا.

وينص القانون على أن كل القوانين البلدية المساعدة، بمعنى التي تقرها المجالس البلدية لمدنها، وفق القانون القائم، وتقضي بالسماح بفتح المحال التجارية التي تبيع الأغذية أو تقدم خدمات الطعام على أنواعها، وكذا أيضا مرافق الترفيه مثل دور السينما والفنون على أنواعها، والسيرك، والرياضة، أيام السبت والأعياد اليهودية، لا يتم نشرها في الجريدة الرسمية، بمعنى أنها لا تدخل حيز التنفيذ، إلا بمصادقة وزير الداخلية عليها.
وقد أثار هذا القانون خلافا واسع النطاق في الحلبة السياسية، وايضا من قبل البلديات الكبرى، كون القانون سيمنع سن قوانين بلدية لاحقا، تجيز فتح عدد من المحال التجارية. وقالت كتلة "يسرائيل بيتينو" إن هذا القانون ليس ضمن الاتفاقيات الائتلافية، كما أن اقراره في الحكومة ينقض الاتفاق على أن كل قانون لم تنص عليه اتفاقيات الائتلاف مسبقا، يجب أن يحظى بموافقة كل الكتل البرلمانية الشريكة في الائتلاف.

وقد عبّر رؤساء البلديات الـ 15 الأكبر، باستثناء بلدية الاحتلال في القدس، عن اعتراضهم على القانون في رسالة وجهوها إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومنهم من أعلن تمرده على القانون. وقال رؤساء البلديات في رسالتهم "إن الحكم المحلي يعارض كليا القانون، إذ يجري الحديث عن مس خطير بصلاحيات منتخبي الحكم المحلي، وأيضا عن تغيير جذري للوضع القائم في ما يتعلق بفتح المصالح التجارية أيام السبت، في مختلف المدن والبلدات".

وتابعت الرسالة التي انضم لها أيضا رئيس طاقم بلدات التطوير (الفقيرة)، أنه منذ سنين طويلة يعمل في البلاد آلاف المصالح التجارية أيام السبت، بما في ذلك أكشاك، وحوانيت قائمة في محطات الوقود، إن كان في داخل المدن والبلدات، أو في مراكز تجارية كبيرة، خارج نطاق المدن.

وشدد الرؤساء على أن القانون يلغي صلاحيات منتخبي الجمهور، إذ ينص القانون على أنه من غير المسموح نشر القانون البلدي المساعد في الجريمة الرسمية، بمعنى دخوله إلى حيز التنفيذ، إلا بمصادقة وزير الداخلية، علما انه بموجب الوضع القائم، ليس من صلاحيات وزير الداخلية عدم المصادقة على قانون بلدي مساعد، إلا في حالات استثنائية. وما يريد قوله القانون الجديد أن احتمال المصادقة على قانون بلدي مساعد، يجيز فتح جزئي لمصالح تجارية، هو أمر شبه مستحيل، عدا عن أن القانون يهدد عمليا باغلاق آلاف المحال التي تعمل أيام السبت منذ سنين.

وأعلن رئيس بلدية رمات غان، المجاورة لمدينة تل أبيب، أن في مدينته 23 حانوتا أيام السبت، ولن يسمح بإغلاقها، كما أنه لن يرسل مراقبي العمل لإصدار مخالفات ضدهم.

وبحسب مسح أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" عن العام 2016، وصدر مؤخرا، فإن 4ر16% من الإسرائيليين يعملون أيام السبت، والعدد الاجمالي 620 ألفا، ولكن المفاجأة أن غالبيتهم الكبيرة هم من اليهود- 400 ألف يهودي، يشكلون 13% من القوة العاملة اليهودية. ومن بينهم 250 ألفا يعلمون بناء على تصريح عام، والباقي لديهم تصريح فوري عيني، وفي كل الأحوال يتم دفع أجر اضافي على العمل أيام السبت. وللتوضيح، فإن جميع التصاريح للعمل أيام السبت في هذه القطاعات صدرت في سنوات الخمسين. ومنذ العام 1961 لم يتم اصدار أي تصريح عام آخر للعمل أيام السبت، وهذا بطبيعة الحال بسبب القوة المتنامية للمتدينين في السياسة، ما يمنع اصدار تصاريح أكثر للعمل أيام السبت.

وبحسب تحليل المعهد المذكور، فإن هذا يظهر وكأن القانون تعديل ذو شأن، ولكن ليس هذا هو الحال. فتعديل القانون يسري على 11 ألف عامل من أصل 400 ألف عامل يهودي يعملون أيام السبت، وفي كل الأحوال فإن اعتبارات السبت التي سيأخذها وزير العمل بالحسبان لدى اصدار قراره لن تغير الكثير من الوضع القائم، فللجميع واضح أن سلطة القطارات وشركة الكهرباء ملزمتان بالعمل أيام السبت، ولهذا لا يبدو أنه سيطرأ تغيير جوهري في الوضع القائم.
وتقول المحللة في صحيفة "ذي ماركر" ميراف أرلوزوروف، إن هذا القانون ما هو "إلا إجراء سياسي حزبي، لأنه لا يوجد لأي بلدية في إسرائيل قانون مساعد يتيح فتح المصالح التجارية أيام السبت. والمدينة الوحيدة التي لديها قانون كهذا هي مدينة تل أبيب، والآن، وبالذات بسبب هذا القانون، تسارع مجالس بلدية لسن قوانين مساعدة، تسمح بفتح مصالح تجارية، قبل أن يتم اقرار القانون نهائيا في الكنيست، ويدخل حيز التنفيذ. وإذا لا توجد لأي بلدية قوانين مساعدة تتيح فتح المحال التجارية أيام السبت، فكيف حصل هذا النمو في عدد المصالح التجارية التي تعمل أيام السبت، وأن يصل عدد العاملين في هذه المحال إلى 150 ألف عامل أيام السبت؟ والجواب لأن القوانين المساعدة في البلديات التي تحظر فتح المصالح أيام السبت، لا يتم فرضها، بسبب إهمال مقصود في تلك المدن والبلدات".

الخلاف بين الحريديم

وقبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بسن هذا القانون، سعيا منه إلى احتواء كتلتي الحريديم، "يهدوت هتوراة" و"شاس"، بعد خلافات حول الأعمال أيام السبت، وصل الأمر إلى حد استقالة وزير الصحة يعقوب ليتسمان من "يهدوت هتوراة" من الحكومة، ولكن ليس من الائتلاف، لتعود هذه الكتلة الأشكنازية، إلى قرار القيادة الدينية لهذه الكتلة الذي اتخذته في العام 1952 واستمر حتى العام 2016، بأن لا يكون من "الحريديم" الاشكناز وزير في الحكومة، كي لا يتحمل المسؤولية العامة عن أشغال تتم أيام السبت، وقبلت في المقابل بتولي منصب نائب وزير.

واضطرت "يهدوت هتوراة" للقبول بمنصب وزير في العام 2016، في أعقاب قرار للمحكمة العليا يمنع منح صلاحيات وزير كاملة لنائب وزير. وكي يتم تجاوز هذه العقبة، فقد اقر الكنيست في الأسبوع قبل الماضي بمسار سريع قانونا يقضي بالسماح لرئيس الحكومة بمنح نائب وزير صلاحيات وزير كاملة، كي يعود ليتسمان ويتولى مسؤولياته في وزارة الصحة.

لكن بعد أيام قليلة من اقرار قانون الحوانيت السابق ذكره، قال وزير الداخلية درعي، صاحب القانون، إنه لن يعمل على تطبيقه كاملا، ما أثار غضب كتلة "الحريديم" الأشكناز "يهدوت هتوراة" التي قال أحد نوابها إنه سيتم دفق مئات المراقبين من "غير اليهود"، بمعنى عرب وغيرهم، لمراقبة الحوانيت أيام السبت.

وادعى درعي في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه لم يبادر إلى سن القانون اطلاقا، على الرغم من أنه ظهر في وسائل الإعلام كمن يضغط لتمريره، ويريد ضمان اغلبية له. كما ادعى درعي أنه لن يعمل على تطبيق القانون الذي يمنحه صلاحيات لشطب قوانين بلدية مساعدة، تقرها المجالس البلدية. وقال درعي في تلك المقابلة "لم نبادر لأي قانون ديني، سجّل هذا عندك خمس مرات. أنا حقا لست بحاجة إلى هذا القانون، لأنني اعرف أنه بالإكراه الديني لا يمكن تحقيق انجازات. فأنا لم أبادر، ولا الأحزاب الدينية بادرت لقانون البقالات".

وتابع درعي قائلا في المقابلة الصحافية "لا توجد لوزير الداخلية صلاحيات لتطبيق القانون. وليس باستطاعتي أن أغلق حوانيت أيام السبت. أنا لا أستطيع ولا أنوي فرض هذا القانون. فليواجه كل شخص ومواطن هذا القانون في مدينته. فإذا لا يوجد لأي شخص اعتراض على فتح حوانيت في مدينة غفعتايم مثلا، أيام السبت، فلا مشكلة، وفي هذه الحالة لست معنيا بالتدخل".

ورد رئيس كتلة "يهدوت هتوراة" نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان قائلا: إذا كان درعي "يعتقد أنه من الصعب إلى هذا الحد تطبيق القانون، فإذن لماذا أصر على تمريره كليا؟ إنني اختلف معه، وهو قادر على التنفيذ، لأن هذا سيحافظ على الوضع القائم".

وقال رئيس لجنة المالية البرلمانية، موشيه غفني، من كتلة "يهدوت هتوراة"، في اجتماع مغلق لأعضاء في طائفته الدينية: "لقد أبرم اتفاق لدى رئيس الحكومة بأن يتم تطبيق القانون، وهذا من المفترض أن يتم". وتابع غفني قائلا: "يوجد المئات من المراقبين من غير اليهود، يعملون في سلطة السكان والهجرة، وبالامكان أن يعمل هؤلاء على مراقبة تطبيق قوانين السبت". ويقصد غفني مراقبين يبحثون ويطاردون طالبي اللجوء من أفريقيا، إلا أن سلطة السكان والهجرة قالت إن لديها 400 مراقب، وقلة قليلة جدا منهم هي من غير اليهود. وقال غفني إن يهودا علمانيين ليس باستطاعتهم تطبيق قوانين السبت، لأنهم بذلك يكونون قد خرقوا بأنفسهم قانون حظر العمل أيام السبت.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات