المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"لديّ تقدير كبير جدا لبيبي (بنيامين نتنياهو) ولا أتعامل معه باستعلاء، كما يفعل رفاقي في اليسار. صحيح أنه يعمل كل ما في وسعه من أجل ضمان بقائه في السلطة، لكن لديه رؤية كبيرة وعميقة يؤمن بها بكل جوارحه ـ أرض إسرائيل الكاملة. إنه ليس مثلكم أنتم (المستوطنون اليهود في الضفة الغربية)، لا يؤمن بهذه الرؤية من منطلق صكّ توراتي، وإنما لأسباب أمنية، ويتشبث بها بطريقة ذكية جدا. هل انتبهت إلى ما يقوم بتجميده؟ التجميد (في البناء الاستيطاني) هو في معاليه أدوميم وفي الكتل الاستيطانية الكبيرة، التي ستبقى جزءا من إسرائيل في إطار أية تسوية مستقبلية. وماذا يجري خارج هذه الكتل الكبيرة؟ حين تركتُ الحكومة كان هنالك 65 ألف مستوطن، بينما هنالك اليوم 110 آلاف مستوطن. بيبي يدرك أن هناك، خارج الكتل الكبيرة، يجري دفن حل الدولتين. إنه البناء الفردي الذي لا يحتاج إلى مناقصات. وبيبي لا يتدخل فيه مطلقا".

 

هذا بعض ما قاله حاييم رامون، الوزير السابق وأحد قادة حزب العمل طوال سنوات عديدة، في مقابلة مطولة أجراها معه المستوطن يهودا يفراح ونُشرت في صحيفة "مكور ريشون" اليمينية الإسرائيلية (12/1/2018).

وأضاف رامون: "إن استراتيجية بنيامين نتنياهو هي الإبقاء على الوضع القائم (ستاتيكو)، لأنه يعرف أن الضمّ الفعلي سيسبب أضراراً جسيمة. الحل الأفضل، من وجهة نظره، هو الإبقاء على الوضع القائم لـ 150 سنة أخرى. صحيح أنه لم يكن لديه خيار آخر في "اتفاقية الخليل"، لكن في أي مفترق جدي، تجده يعود إلى قاعدته الأصلية في اليمين. الفارق الوحيد بين نتنياهو وبينيت (نفتالي بينيت، وزير التربية والتعليم ورئيس حزب "البيت اليهودي") هو قدرة نتنياهو على الإبقاء على الوضع القائم دون إحداث أية أزمة دولية. بينيت لا يفعل أكثر ولا بمليميتر واحد".

ورداً على سؤال ما إذا كان "هذا هو سبب مقت اليسار لنتنياهو؟"، قال رامون: "اليسار لا يمقت نتنياهو، وإنما هو معجب به. أنظر إلى تاريخ حزب العمل منذ العام 2009 حتى اليوم: إيهود باراك هو الذي حافظ على حكومة نتنياهو بإشغاله منصب وزير الدفاع، بينما هو يصرخ اليوم من الخارج. أنظر كيف تلاعب نتنياهو بإسحاق هيرتسوغ حتى الدقيقة التسعين، أرسله إلى لقاءات حول العالم وفي لحظة الحقيقة الحاسمة ركله. تسيبي ليفني جلست في حكومته حتى استفاقت. بيبي هو حرباء ذكية جدا، يعرف كيف يبدل ألوانا ويقول ما ينبغي قوله في لحظة معينة، كما فعل في خطاب بار إيلان (الذي أعلن فيه تبنيه لحل الدولتين). لكن، مثل الحرباء، له لون أساس صلب، وهو لون أرض إسرائيل الكاملة".

وأوضح رامون أن "حزب العمل يعتقد بأن نتنياهو أسير الأحزاب اليمينية المتطرفة وبأنه سوف يتحرر من هذا الأسر يوما ما. إنه العمى الحقيقي. كانت لرئيس الدولة (السابق) شمعون بيريس علاقات ممتازة مع بيبي وسارة (زوجته). قلتُ له: إنه يتلاعب بك وأنت تسبغ عليه الشرعية. كان بيبي يوفده في مهمات إلى خارج البلاد فيعود مبتهجا ومنتشيا يملؤه الشعور بأنه حقق إنجازا ما. لكن في لحظة الحقيقة، وحين كان يتعين الخلوص إلى استنتاجات وخطوات عملية، كان بيبي يعيده إلى نقطة البداية ويلغي كل شيء".

وردا على سؤال آخر حول "أزمة اليسار الإسرائيلي" وعجزه عن النهوض، قال رامون إن "السبب بسيط جدا: اليمين يرفع راية واحدة ويحارب من أجلها ـ أرض إسرائيل الكاملة ـ بينما يرفع اليسار رايات كثيرة ومختلفة فيُهدر كل طاقاته. هل تعرف لماذا ينتصر المستوطنون؟ لأنهم اختاروا، من بين الوصايا الـ 613 (الواردة في التوراة)، وصية واحدة فقط هي ـ توطين أرض إسرائيل. إنهم مستعدون لخرق الوصايا الأخرى كلها من أجل تحقيق هذه الوصية، وهذا ما يفعلونه على أرض الواقع".

وقال رامون إن "اليسار الإسرائيلي يعيش أزمة حادة الآن. القرارات الحاسمة التي اتخذها الشعب منذ العام 1977 (صعود اليمين إلى الحكم في إسرائيل) لا تروق له، ولكن بدلا من أن يقاتل لتغيير رأي الشعب وموقفه، يحاول اليسار الالتفاف على نتائج الانتخابات الديمقراطية بواسطة المحكمة العليا. أنا أومن بأن أغلبية الشعب في إسرائيل تؤيد الانفصال عن الفلسطينيين وأن أقلية ضئيلة فقط هي التي تتشبث بخيار الدولة ثنائية القومية في أرض إسرائيل الكاملة. يجب حرث البلاد وتوضيح الأمور للشعب، لكن اليسار لا يحترم الشعب وخياراته. إذا كنت لا تحترم حكم اليمين الذي تمخض عن انتخابات ديمقراطية، فلن يحترمك اليمين أيضا عندما تفرزك صناديق الاقتراع"!

الفلسطينيون لا يهمّونني!

ردا على سؤال ما إذا كان "كل شيء متعلقا بنا نحن، وكأنه ليس هنالك طرف آخر... لا سلطة فلسطينية رفضية لم تترك فرصة إلا أهدرتها ولا منظمة إرهابية في قطاع غزة تدأب على إجهاض أي جهد لتطبيع الوضع؟"، قال رامون: "هل سألت نفسك مرة لماذا لا يدمر نتنياهو حكم حماس في غزة؟ الجواب بسيط جدا: لأن حماس هي مصلحة عليا بالنسبة له. تخيل لو أن السلطة الفلسطينية سيطرت على قطاع غزة. كانت ستطرح مطالب مختلفة وكان سيزداد الضغط الدولي، مما كان سيضطر نتنياهو إلى التحرك وفعل شيء ما. هل سألت نفسك: من أين تحصل حركة "حماس" على المواد الخام لبناء الأنفاق؟ إسرائيل هي التي تمنحهم كل شيء. كان بإمكاننا السماح بنقل كميات صغيرة واشتراط كل هذا بأن يكون كل شيء تحت إشرافنا ومراقبتنا نحن، لكن هذا ليس في مصلحة نتنياهو. في عملية "الجرف الصامد" (العدوان على غزة في صيف 2014) كان بإمكانه القضاء على حكم حماس في قطاع غزة، لكنه اختار ألا يقوم بذلك. العالم بأسره أراد أن تعود السلطة الفلسطينية إلى السيطرة على القطاع، باستثناء أربع جهات: إيران، قطر، تركيا ونتنياهو. هذه هي استراتيجيته".

وردا على سؤال حول البديل الذي يقترحه هو؟، قال رامون: "خلافا لك ولجميع المستوطنين، أنا أريد دولة يهودية وليس دولة ثنائية القومية. على إسرائيل أن تعلن أن الكتل الاستيطانية الكبيرة يجب أن تبقى تحت سيطرتها وسيادتها حتى الأبد وأن تتصرف فيها كدولة سيادية، ثم إغلاق الجدار من خلفها. أنا لا أقترح إخلاء مستوطنين الآن، وإنما عرض التعويضات على العائلات التي ترغب في الإخلاء طوعا، وإبقاء الجيش الإسرائيلي في المناطق حتى يوافق الفلسطينيون على إقامة دولة وتحمل المسؤوليات الأمنية فيها وعنها".

وعما إذا كان يرى "أي طرف فلسطيني جدي مستعد للقبول بهذا؟"، قال رامون: "الفلسطينيون لا يهمونني. سيكون وضعنا في العالم أفضل بكثير عما هو عليه الآن. أريئيل شارون حظي باستقبال الملوك في الأمم المتحدة في أعقاب الانفصال عن قطاع غزة. في اللحظة التي نخرج فيها من المناطق، لا تتبقى لنا أية مسؤولية وأي التزام تجاه الفلسطينيين. أنا أتفق مع نتنياهو بأن ليس هنالك شريك فلسطيني، لكنني لست مستعدا لمنح الفلسطينيين فرصة تقرير مصيري. الفلسطينيون بالنسبة لي هم العدوّ وأنا أريد الانفصال عنهم. أنتم تتمسكون بالفلسطينيين، لأنكم تريدون أرض إسرائيل الكاملة... أنا أريد العيش في دولة يهودية غالبية سكانها من اليهود ولست مستعدا لمنح المواطنة الإسرائيلية لملايين الأشخاص الذين لا يعترفون بي. الخطر الأكبر يتمثل في أن لا تبقى إسرائيل دولة يهودية. أنتم (المستوطنون) لا تفهمون أنه من واجبكم تقديم الشكر لي على الانفصال، لأنني خلصتكم به من مليون ونصف المليون فلسطيني وأخرجتهم بذلك من المعادلة".

وعن إمكانية الإبقاء على مستوطنات إسرائيلية تحت حكم فلسطيني في حال انسحاب أحادي الجانب، قال رامون: "لست مستعدا للقبول بوضع يعيش فيه يهود تحت حكم أجنبي. مثل هذه الاتفاقية لن تكتب لها الحياة ولن تكون قادرة على الصمود. حياة اليهود تحت حكم فلسطيني هي واقع مرعب وفظيع. هذا كذب وتزوير ومن يقوله فإنما يذر الرماد في العيون".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات