المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نجح بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة في تمرير خطوتين مركزيتين بالنسبة له لضمان استمرار عمل حكومته لفترة أطول، إلى درجة أن احتمال استمرار هذه الحكومة حتى نهاية ولايتها القانونية بات واردا، ولكن ليس مؤكدا. فنتنياهو ضمن اجماع حكومته وائتلافه لإقرار ميزانية مزدوجة للعامين المقبلين، ما سيبعد الضغوط على حكومته لعامين اضافيين. ودفع ثمنا ليس سهلا إسرائيليا، لاستقدام أفيغدور ليبرمان إلى الحكومة، وضمان أغلبية ثابتة. وخلافا للانطباع السائد تقريبا، فإنه ليس لليبرمان ما يضيف من تطرف، على التطرف القائم أصلا. ومن ناحية أخرى، فإن ليبرمان سيبقى ذاته، الذي من الصعب حسم توجهاته المستقبلية، لأن بوصلتها هي ما يخدم ثباته على الساحة، ما يعني أن احتمال القلاقل في الحكومة سيبقى واردا.

الميزانية المزدوجة

السياسة الاقتصادية، وبالذات الأجندة الاقتصادية الصقرية التي يتمسك بها نتنياهو، هي عنصر أساس في تحديد سياسته؛ وعدا عن كونه على قناعة تامة بهذه السياسة، فإنه أيضا مُمَوّل ومدعوم من حيتان المال، الذين تخدم هذه السياسة مصالحهم. فمثلا في العام 2013، شكّل نتنياهو حكومته على أساس مدى القبول بهذه السياسة، ووجد شريكين مركزيين في حينه، حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة من بات في حينه وزيرا للمالية يائير لبيد؛ وكتلة تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، بزعامة نفتالي بينيت من بات في حينه وزيرا للاقتصاد. وفي المقابل استبعد نتنياهو كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين مصالحهم المباشرة لا تتوافق مع هذه السياسة. إلا أن هذا الائتلاف الذي قاد سياسة اقتصادية صقرية متشددة، لم يصمد أمام تحديات أخرى، تتعلق أساسا بقضايا إسرائيلية داخلية.

واعتمادا على تجربة الحكومة السابقة، سعى نتنياهو للعودة إلى التحالف التقليدي مع "الحريديم"، ووجد أن عليه تسديد فاتورة مالية كبيرة، ولكن ما أكثر اشكالية من ناحيته، هو العودة إلى اقرار الموازنة السنوية، بدلا من المزدوجة؛ ولكن في الشهرين الأخيرين نجح في ارضاخ وزير المالية موشيه كحلون لمسار الميزانية المزدوجة، التي يعارضها، لأن كحلون رأى أنه ليس من مصلحته خلق أزمة ائتلافية تقوده إلى حل الحكومة، في ظل استطلاعات رأي تتنبأ بتراجع قوة حزبه الذي له اليوم 10 مقاعد برلمانية.

واستنادا إلى سلسلة كبيرة جدا من التقارير ومواقف الخبراء، ومؤسسات مالية محلية وعالمية، بضمنهم مسؤولون كبار في وزارة المالية، فإن الميزانية المزدوجة ليس فيها أيضا فائدة اقتصادية، بل إن كل الميزانيات التي أقرت منذ العام 2009 ولاحقا، أثبتت فشلها في التوقعات الاقتصادية، التي تبنى على أساسها الميزانية. وإن "الاستقرار" الوحيد الذي يضمنه هذا النمط هو استقرار الحكومة، لأن الغالبية الساحقة من الحكومات الإسرائيلية سقطت في أجواء اقرار الموازنة العامة، لأن أحزاب الائتلاف تثير قضاياها ومطالبها، في فترة اقرار الموازنة العامة، مستغلة القانون الذي يحدد فترة زمنية لإقرار الموازنة، وإلا فإنه يتم حل الحكومة.

اضافة إلى هذا، فإن نتنياهو كسب بضم ليبرمان إلى حكومته تعزيزا لسياسته الاقتصادية، كون ليبرمان من أنصارها، ولكن ليس قبل ضمان مطالبه العينية.

حسابات ليبرمان

منذ اليوم الأول لإقامة حكومة نتنياهو سعى الأخير إلى توسيع قاعدتها، لأن أغلبية هشة من 61 نائبا من أصل 120 نائبا، تسبب قلقا دائما لقيادة الائتلاف ورئيس الوزراء. ورغم هذه الهشاشة، إلا أن الائتلاف أظهر نجاحا لافتا، إذ لم يُسجل على مدى عام "هزيمة برلمانية" ذات قيمة. واستفاد الائتلاف عمليا من عدم تجانس المعارضة. فعلى سبيل المثال، في التصويت على كافة القوانين العنصرية، والرافضة لإنهاء الاحتلال، حصل الائتلاف على دعم مباشر من كتلة "يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان؛ ولكن أيضا بدعم وتواطؤ من الكتلتين الأخريين، "يوجد مستقبل" و"المعسكر الصهيوني". وهذا ظهر في البحث الذي أجريته في مركز "مدار" للأبحاث، وعرض الاسبوع الماضي في رام الله.

وكان واضحا أن الحل الأمثل لنتنياهو هو ضم ليبرمان وحزبه إلى الحكومة، على ضوء حقيقة التجانس السياسي التام، بين الائتلاف القائم وليبرمان. إلا أن للأخير كانت حسابات منعته من الانضمام إلى الحكومة في يومها الأول نلخصها بما يلي:

- رأى ليبرمان ذاته في ائتلاف كهذا، كعدد اضافي، لا يهدد الأغلبية المطلقة للحكومة، وبهذا فإن وزنه السياسي في الحكومة سيكون أضعف مقارنة بما كان، خاصة بعد أن تلقى ضربة في الانتخابات الأخيرة، أنزلت تمثيل حزبه إلى 6 مقاعد، بدلا من 11 مقعدا في الانتخابات قبل الأخيرة، و15 مقعدا في انتخابات 2009.

- الأمر الثاني، أن ليبرمان رأى في اتفاقية الائتلاف مع كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم"، ما يلغي كل ما أقرته الحكومة السابقة، من فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وتقليص ميزانيات مؤسسات الحريديم، ضربة لما نادى به في السنوات الأخيرة. ومن جهة ثانية، رأى في بقائه في صفوف المعارضة فرصة لكسب جمهور يميني متشدد، يعتبر أحزاب المتدينين "طفيلية" و"تبتز الميزانيات بشكل غير منصف".

- بموازاة ذلك، رأى ليبرمان أن جلوسه في المعارضة، فرصة لمهاجمة الحكومة من زاوية أشد تطرفا يمينيا.

وعلى مدار عام كامل، أبدى ليبرمان تشددا في رفضه للدخول إلى الحكومة، ورفع سقف طلباته، إذ قرر الاستغناء عن حقيبة الخارجية التي طالما طالب بها وحصل عليها في الحكومتين السابقتين، وطالب في المقابل بوزارة الدفاع اعتقادا منه أن هذا طلب تعجيزي لنتنياهو، ولهذا فإن حصوله المفاجئ على هذه الحقيبة، أظهر ليبرمان كمن يدخل الحكومة منتصرا، ولكن هذه الخطوة سبقها تغيير في حسابات ليبرمان، نلخصها بما يلي:

- رأى ليبرمان أن الحكومة، بعد عام على تشكيلها، تبدي ثباتا أكثر مما توقع، وعرف أن هذه الحكومة ستمد عمرها، بعد أن ذلل نتنياهو كل العقبات التي كانت متوقعة، حول اقرار الموازنة المزدوجة، ما يعني أن ليبرمان في حساباته، كان سيجلس لفترة أطول في مقاعد المعارضة، ما سيجعل الاضواء المسلطة نحوه تخفت تباعا، أمام استقرار الحكومة.

- قد يكون أن ليبرمان اقتنع باحتمال دخول كتلة "المعسكر الصهيوني" إلى الحكومة، رغم صعوبة هذا الضم، بموجب ما كان يظهر جليا في المشهد السياسي؛ وأمام حكومة واسعة تضم أكثر من 75 نائبا، فإن كتلة بحجم "يسرائيل بيتينو"، 6 مقاعد، ستكون هامشية في العمل البرلماني اليومي، وهذا من شأنه أن يوجه ضربة اضافية لليبرمان.

- استغل ليبرمان رغبة نتنياهو بضمه إلى حكومته، ليطلب مكاسب مالية ملموسة لجمهور مصوتي حزبه، فكان أن حصل على وعد برفع مخصصات الشيخوخة للمهاجرين المسنين، خاصة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، الذين لا يحصلون على رواتب تقاعدية من موطنهم الأصلي. وهذا انجاز يستطيع أن يعزز به ليبرمان مكانته بين جمهور المهاجرين، الذي يبتعد باستمرار عن ليبرمان وحزبه.

لا جديد في التطرف!

الضجة الإسرائيلية حول ضم ليبرمان تم تفسيرها بشكل مغلوط، وكأنها "تخوف من عنصريته وتطرفه". كما أن رد الفعل الصادر فلسطينيا وعربيا حول ضم ليبرمان، وكأنه سيزيد الحكومة القائمة تطرفا، لم يأخذ بعين الاعتبار سياسة الحكومة القائمة، ومستويات التطرف فيها، بما فيه تطرف من كان وزيرا للدفاع، موشيه يعلون، الذي لم يحد في أي يوم عن رفضه المطلق لقيام أي كيان فلسطيني مستقل، بعكس ليبرمان، الذي عرض في ما مضى أشكالا وحدودا للكيان الفلسطيني، ما يعني من حيث المبدأ أنه لا يعارض وجود كيان فلسطيني، بغض النظر عن مواصفات الكيان الذي يدعو له.

والضجة الإسرائيلية لم تكن نابعة من مواقف ليبرمان السياسية، فالاعتراض على تسليمه هذه الحقيبة الحساسة، جاء أيضا من عناصر يمينية متشددة، أبرزها مثلا، النائب بنيامين بيغن، الرافض أيديولوجيا، لأي كيان فلسطيني بين البحر والنهر. بل إن هذا الاعتراض نابع مما لخصه الملحق الأسبوعي لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية على صدر غلافه، بما يلي: "سياسي أزعر مندفع، فاقد لكل تجربة عسكرية أيا كانت، ولديه علاقات مشبوهة وخفيّة خارج البلاد، ولن تجدوا لديه أي مؤشر لأي انجاز. والرسالة التي يبثها تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، إلى الجيش والجمهور الإسرائيلي، هو منح جائزة للزعرنة، ولسياسي كل ممارسته في السنة الأخيرة كانت شتم رئيس الوزراء واتهامه بأنه مخادع وخبيث وكذّاب".

وقال كثير من السياسيين، بعد توقيع اتفاقية الائتلاف، إن ليبرمان في نهاية المطاف سيجلس كغيره على كرسيه، ويتبنى أساسا توصيات الجيش، لأن الجيش هو صاحب القرار العسكري، وهو المكلف بالتنفيذ، وهو المسؤول الأول عن شكل التنفيذ ونتائجه، لذا فإن ليبرمان ليس قادرا على دفع الجيش نحو عمليات وحروب، لا يريدها الجيش؛ ما يعني أن قرار الحرب ليس بيد وزير الدفاع أيا كان.

وفي الجانب السياسي، ليس لدى ليبرمان ما يضيف أكثر على ما هو قائم، إذ لن يجد حول طاولة الحكومة من ينادي بمفاوضات حقيقية مع الجانب الفلسطيني، بينما رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة هو موقف الاجماع بدءا من نتنياهو.

الاستقرار ليس مفروغا منه!

تنطلق حكومة نتنياهو بعد توسيعها نحو مرحلة أخرى، وكالعادة فإن الأشهر الأولى ستخصص للتأقلم أكثر بين مركبّات الائتلاف، التي عليها تخطي مرحلة اقرار الميزانية العامة المزدوجة للعامين المقبلين. ولكن بعد ذلك، يجب الانتباه إلى أن هناك قضايا خلافية، ليست سهلة، لا يمكن الاستهانة بها، بين مركبّات الائتلاف. وهناك شك في ما إذا سينجح نتنياهو في دفع هذه الملفات عن جدول أعمال الحكومة، فمنها ما هو معني بها ويسعى لتمريرها، رغم صعوبتها.

ونذكر من هذه القضايا، سعي كل مركبّات الائتلاف، بمن فيها "الضيف الجديد" ليبرمان، وباستثناء حزب "كولانو"، إلى ضرب ما تبقى من استقلالية لجهاز القضاء، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا في مجال نقض القوانين والقرارات الحكومية. إلا أن معارضة حزب "كولانو" الذي له 10 مقاعد كافية وحدها لإحباط هذه المبادرة، وهناك شك كبير في أن يتراجع زعيم الحزب موشيه كحلون عن هذا الموقف، المدعوم من التيار اليميني الأيديولوجي.

كذلك هناك قانون ما يسمى "الدولة القومية للشعب اليهودي"، فضم ليبرمان إلى الحكومة زاد عدد المؤيدين في الائتلاف، وليبرمان معني بتمرير القانون، ولكن القانون يلقى معارضة من منطلقات مختلفة، من جانب "كولانو" وأيضا من كتلتي الحريديم.

إضافة إلى كل هذا، يجب التذكير بطابع شخصية ليبرمان، كونه صاحب القرار الوحيد في حزبه، فهو شخص من الصعب تحديد توجهاته للمدى البعيد، وعامل المفاجأة لديه وتيرته عالية، وما يحكم تصرفاته هي المصلحة التي من شأنها أن تبقيه على الساحة، قويا، وما من شأنه أن يزيده قوة؛ لذا فإن ليبرمان في مرحلة متأخرة بعض الشيء، سيبحث عن نقاط خلافية للصدام مع نتنياهو، كي يبقى في واجهة الحكومة الأولى، وإن استوجبت مصلحته فإنه سيغادر الحكومة بذات السرعة التي دخل بها إليها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات