المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في حزيران 2012، رفعت "لجنة ليفي" تقريرها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن البؤر الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1967، وذلك بعد أربعة أشهر من تعيينها (في شباط 2012)، بقرار من نتنياهو نفسه ووزير العدل في حكومته، يعقوب نئمان. وتشكلت

اللجنة من: قاضي المحكمة العليا سابقا إدموند ليفي (رئيسا) وقاضية المحكمة المركزية في تل أبيب سابقا تحياه شبيرا والمستشار القانوني السّابق لوزارة الخارجية المحامي إيلان بيكر.

يفيد "كتاب التعيين" بأن قرار تعيين هذه اللجنة تولّد على خلفية المداولات التي كانت تجريها المحكمة العليا الإسرائيلية آنذاك حول "البناء في منطقة يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) والبلاغ الذي قدمته الحكومة (بواسطة النيابة العامة للدولة) إلى المحكمة، في إطار تلك المداولات، وقالت فيه: "بشكل عام، الأبنية غير القانونية المقامة على أراض خصوصية ـ سوف تتم إزالتها. وفي المقابل، صدرت التعليمات إلى الجهات المهنية المختصة بالعمل بغية تحديد الصفة التنظيمية للأبنية المقامة على أراضي الدولة، في المواقع التي يتقرر إجراء هذا التحديد فيها، وكل ذلك طبقا لاعتبارات أخرى ذات صلة، تتصل بخصوصية كل موقع وموقع".

ولكن في صورة الخلفية، أيضا، ثمة حقيقة معروفة للمتابع، لم تأت هذه اللجنة على ذكرها، ومؤداها أن قرار نتنياهو وحكومته تشكيل "لجنة ليفي" جاء استجابة لضغوط مارسها المستوطنون وقادتهم، على مدى سنوات غير قليلة، مطالبين بوضع "تقرير قضائي" مواز ومناقض للتقرير الذي كانت وضعته المحامية طاليا ساسون (المديرة السابقة لوحدة المهمات الخاصة في النيابة العامة للدولة) في العام 2005 حول "المواقع الاستيطانية غير المرخصة" وقدمته إلى رئيس الحكومة آنذاك، أريئيل شارون، وتوصلت في منتهاه إلى أن "إنشاء هذه المواقع يشكل خرقا متواصلا، فظا ومؤسساتيا، للقانون يقوّض أسس سيادة القانون" (وقد خصصت "لجنة ليفي" أجزاء واسعة من تقريرها لتفنيد ودحض توصيات "تقرير ساسون" المذكور).
وعلى هذه الخلفية، طُلبت الحكومة من هذه اللجنة تقديم توصياتها بشأن ثلاث مسائل مركزية (كما حددتها اللجنة ذاتها، في مستهل تقريرها) هي:
1. الإجراءات التي يتعين اعتمادها لتنظيم البناء، إن كان ذلك ممكنا، أو إزالته ـ طبقا للسياسة المذكورة.
2. ضمان وجود واعتماد تدابير إجرائية جديرة ومناسبة للنظر في قضايا الأراضي في المنطقة، بما ينسجم مع مبادئ العدل والإنصاف المعتمدة في نظام القضاء والحُكم الإسرائيليين، مع الأخذ بالاعتبار القانون الساري هناك، بما ذلك النظر في ما إذا كانت الحاجة تستدعي إجراء تعديلات معينة لضمان الشفافية، المساواة، إزالة العوائق وتنجيع التدابير الإدارية والإجرائية.
3. البحث والتقصي، ثم تقديم التوصيات، في أية مسألة أخرى تتصل بالمسألتين المذكورتين، طبقا لما تراه اللجنة وما ترتئيه.

تحت هذا العنوان، في الباب الأخير من تقريرها، وضعت اللجنة "استخلاصات واستنتاجات"، استهلتها بما أسمته "الاستنتاج الأساس" الذي صاغته بالكلمات التالية: "من منظور القانون الدولي، فإن أحكام وقوانين "الاحتلال"، كما تتجسد في المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة، لا تسري على الظروف والشروط التاريخية والقضائية الفريدة من نوعها الخاصة بالتواجد الإسرائيلي في يهودا والسامرة، والمستمر منذ عشرات السنين. كما أن نصوص معاهدة جنيف الرابعة بشأن نقل السكان لا تسري، هي الأخرى، على استيطان مثل الاستيطان الإسرائيلي في يهودا والسامرة. وعلى ضوء ذلك، وطبقا للقانون الدولي، فإن للإسرائيليين حقا قانونيا في الاستيطان في يهودا والسامرة. وعليه، فإن إنشاء المستوطنات، في حد ذاته، لا تشوبه أية شائبة قانونية"!

وأضاف "تقرير لجنة ليفي": "أما بشأن المستوطنات التي تم تعريفها بأنها "غير مرخّصة" أو "غير قانونية" (رغم إنها أنشئت بدعم جهات رسمية، مثل مديرية الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية ووزارة البناء والإسكان) بدعوى إنه لم يسبق إنشاءها صدور قرار حكومي رسمي، فإن استنتاجنا هو إن إقامة هذه المستوطنات قد تمت، على مدى السنين الطويلة، بعلم، قبول وتشجيع المستوى السياسي الأرفع - وزراء الحكومة ورؤسائها، الأمر الذي ينبغي اعتباره موافقة ضمنية". وبناء على هذا الاستنتاج، توصي اللجنة بـ "تسريع إنجاز جميع الإجراءات الناقصة الضرورية لإصدار التراخيص الملائمة"، بما في ذلك إزالة "العوائق البيروقراطية" المختلفة التي كانت اللجنة أوردتها، تفصيليا، في متن تقريرها. وإلى أن يتحقق ذلك، "تُحسن الدولة صنعا إن هي امتنعت عن تنفيذ أية أوامر هدم، لأنها هي التي سببت نشوء هذا الوضع".

وتعود اللجنة، مرة أخرى، إلى التأكيد على أنه "منعا لأي التباس وأية شكوك، ينبغي أن يكون واضحا أنه بمستطاع جميع المستوطنات، بما فيها تلك التي تم وسيتم ترخيصها وفق المسار المقترح من جانبنا، توسيع حدودها لتلبية احتياجاتها، مستقبلا، بما في ذلك التكاثر الطبيعي، دونما حاجة إلى قرار إضافي من جانب الحكومة، أو أي من وزرائها، شريطة أن يتم التوسيع في نطاق منطقة نفوذ المستوطنة، في حدود خارطة هيكلية مصادق عليها وأن يحصل على ترخيص قانوني من مؤسسات التنظيم المعنية".

ومن بين التوصيات الأخرى، تدعو اللجنة إلى "وضع تشريع أمني يؤكد حق أي إسرائيلي في امتلاك أرض في يهودا والسامرة، حتى ولو بصورة فردية شخصية، وليس فقط بواسطة جمعية (منظمة) تم تسجيلها في المنطقة". كما تدعو، أيضا، إلى إصدار التعليمات اللازمة للإدارة المدنية بحيث توضح لها عدم وجود أي مانع يحول دون المصادقة على أعمال بناء إضافية في نطاق المستوطنات التي أقيمت على أراض تم الاستيلاء عليها بأوامر عسكرية".

وتثبت حصيلة القراءة في هذا التقرير الحقيقة التي لم تبذل اللجنة أدنى جهد لإخفائها أو تمويهها، بل بذلت أقصى ما في وسعها لتلبية ما هو مطلوب منها وإنجاز المهمة التي أنيطت بها: تأكيد حق اليهود في "كامل أرض إسرائيل"، بما يتضمن نفي أية صبغة أو صفة احتلالية عن "الوجود" الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، ثم تأكيد "حق اليهود" في الاستيطان في أية بقعة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يتضمن نفي أي "اتهام" يوجه إلى أي تواجد استيطاني (سواء كان "حيا جديدا" أو "مستوطنة جديدة") بأنه "غير قانوني"، وما يترتب على هذا كله من "واجب الدولة" في ضمان، تسهيل، تأمين وشرعنة أي تواجد استيطاني كهذا، سواء في المستقبل أم بأثر رجعي!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات