المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تزايد في السنوات الماضية حضور كبار المسؤولين السابقين في جهاز الأمن العام (الشاباك) في الحلبة السياسية الإسرائيلية، سواء بانخراطهم في المعترك السياسي كممثلين لأحزاب في الكنيست والحكومة، أو بحضورهم المتزايد في وسائل الإعلام كمحللين أمنيين، بحيث أصبحوا يحلون مكان كبار ضباط الجيش الذين أنهوا مهامهم العسكرية وأصبحوا في قوات الاحتياط.

وأشار الباحث والصحافي في صحيفة "هآرتس"، عوفري إيلاني، يوم الجمعة الماضي، إلى أنه "تزدهر في إسرائيل في الفترة الأخيرة نظريات مؤامرة مختلفة. وفي كل القضايا المطروحة على الأجندة العامة تقريبا، تتعالى أصوات تمثل رواية معينة للأحداث وتكون مختلفة تماما عن الرواية الرسمية. ففي أعقاب العملية التي وقعت (قبل أسبوعين ونصف الأسبوع) في حانة ’هسيمتا’ في تل أبيب ظهرت علامات استفهام حول سلوك القاتل نشأت ملحم قبل العملية وبعدها. وقبل ذلك بأيام وصلت إلى ذروتها همسات بوجود مؤامرة في قتل الفتاة تائير رادا، وبموجبها أن قوى خفية جرّمت رومان زادوروف. وإلى جانب ذلك، تنتشر نظريات مؤامرة في أوساط اليمين بأن ’عرس الكراهية’ (الذي ظهر فيه نشطاء في اليمين يطعنون صورة الطفل علي الدوابشة) نظمه الشاباك من أجل تبرير استخدام التعذيب ضد المشتبهين بالقتل في دوما. وتتعالى ادعاءات في أوساط المستوطنين بأن الشاباك يوجه حاخامين ضد شبيبة التلال".

وأضاف إيلاني أنه "تنتشر في أوساط اليسار ادعاءات بأن الحريق في مكاتب ’بتسيلم’ لم يكن سببه تماس كهربائي، وأنه كانت لمنظمة ’عاد كان’ (حتى هنا) التي كانت في مركز التحقيق التلفزيوني ’عوفدا’ علاقات وثيقة مع قوات الأمن". ويشار إلى أن برنامج "عوفدا" الذي تبثه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي تحدث عن نشطاء يساريين أبلغوا السلطة الفلسطينية بأسماء فلسطينيين باعوا أراضي في الضفة الغربية للمستوطنين.

وأشار إيلاني إلى أن "الكثير من نظريات المؤامرة هذه تستند إلى تكهنات ولذلك لا تستعرضها القنوات الإعلامية الرسمية، التي تميل إلى قبول الرواية الرسمية في جميع الأحوال بصورة أوتوماتيكية. إلا أن هذه النظريات منتشرة بالأساس في مجموعات واتس- أب وفيسبوك. ورغم ذلك، يبدو أن قطاعات واسعة من الجمهور تتمسك بروايات الواقع البديل هذه. والثقة ’بالروايات الرسمية’ للأحداث التي تظهر في نشرات الأخبار آخذة بالتراجع".

وتساءل إيلاني حول تفسير الشعور السائد بأن الأحداث الحاصلة في إسرائيل تديرها أجهزة المخابرات السرية. ورأى أنه "من الجائز أن سبب ذلك هو أن الشاباك يرسل أذرعه إلى داخل الحكم في إسرائيل. وتعيين نائب رئيس الشاباك روني ألشيخ مفتشا عاما للشرطة هو نقطة الذروة في هذه العملية. ومدير عام البنك المركزي الإسرائيلي ومدير عام سلطة الآثار هما أيضا مسؤولان سابقان في الشاباك. وفي الكنيست أيضا يوجد مسؤولون سابقون في الشاباك أكثر من أي وقت مضى. فعضو الكنيست أفي أوحانا، الذي دخل إلى الكنيست مؤخرا، انضم إلى أفي ديختر ويعقوب بيري (رئيسا الشاباك الأسبقان). والشاباك ليس حاضرا بقوة في أوساط الحكم فقط، وإنما في المعارضة أيضا، فالمعارض الأكثر عنادا لحكم نتنياهو هو رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين".

ولم يكن الشاباك، أو باسمه السابق "شين بيت"، يذكر بتاتا في الحيز العام الإسرائيلي قبل عقود قليلة، بينما بات ظهوره الآن واسعا. ووفقا لإيلاني، فإنه "لا يمكن تجاهل دخول هذا الجهاز إلى مركز الحلبة العامة الإسرائيلية. ويبدو أن هذه مرحلة جديدة في تطور الثقافة السياسية الإسرائيلية. والشاباك حاضر في الحكم وسلك التعليم والإعلام. كما أن المشهد البشري في ستوديوهات التلفزيون تغير، ومكان ضباط الجيش الإسرائيلي برتبة لواء، الذين كانت لديهم سيطرة كاملة على موقع المحلل الأمني طوال عقود، تحتله الآن تدريجيا وجوه جديدة، مثل المسؤولين السابقين في الشاباك ليئور أكرمان ويارون بلوم. ويتعين على المشاهد أن يعتاد أسلوبا جديدا: لا جنرالات يحملون أوسمة ويتفاخرون بمناصب قيادية في حروب الماضي بعد اليوم، وإنما يوجد أشخاص كانوا في الظلال ولا نعرف عن ماضيهم شيئا".

وأضاف إيلاني أنه "ليس مفاجئا في واقع كهذا أن الكثيرين في الجمهور يؤمنون بأن الشاباك هو الذي يحرك الخيوط. ففي دولة الكثيرين من مسؤوليها هم عملاء سريون، إنما طبيعي وحسب الاقتناع بأن أنشطة الحكم تجري في الظلام".

وأشار إيلاني في هذا السياق إلى أقوال الفيلسوف الإسرائيلي اليساري، يشعياهو ليبوفيتش، الذي تنبأ في العام 1968 بأن استمرار الاحتلال سيقود إلى دمار المجتمع الإسرائيلي. وقد قال ليبوفيتش حينذاك إن "العرب سيكونون الشعب العامل، واليهود سيكونون المدراء والمفتشين والموظفين وأفراد الشرطة، وبالأساس أفراد شرطة سرية. والدولة التي تسيطر على مجموعة سكانية معادية عددها 4ر1 – 2 مليون غرباء ستكون دولة شين بيت بالضرورة، مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات على روح التعليم، وعلى حرية التعبير والتفكير، وعلى النظام الديمقراطي".

ورأى إيلاني أن "توقعات ليبوفيتش قريبة من التحقق، إن لم تكن قد تحققت فعلا. ولكن كما حدث في حالات أخرى، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي يعتاد بسرعة على الواقع الذي اعتبر في الماضي أنه يصعب استيعابه. والديمقراطية أصبحت منذ وقت طويل فكرة منسوبة لليسار المتطرف، ودخول قيم الشاباك إلى جهاز التعليم يعتبر فكرة جيدة. وظهر تقرير مؤخرا عن المسؤول السابق في الشاباك، بيني شميلوفيتش، الذي أسس ’منهاج دراسات إيران والاستخبارات’ في إحدى المداس الثانوية في بيتاح تيكفا. وبالإمكان الافتراض أن مجال دراسات الشاباك سيحظى بنجاح لدى الجيل الصاعد، الذي يتحول رجال الشاباك تدريجيا إلى أبطاله. ويكاد يكون ليس مؤدبا أن نذكر أن هؤلاء الأشخاص تخصصوا طوال فترة عملهم بالابتزاز والاحتيال وربما بالتعذيب".

وخلص إيلاني إلى أنه "قبل أن نعتاد على الحضور الدائم للشرطة السرية في حياتنا، يحدر بنا أن نتوقف ونتذكر أن مجتمعا تحكمه الأجهزة السرية هو مجتمع مريض بصورة لا يمكن أن يعالج منها. وكلما ازداد تدخل الشاباك في حياتنا، ستصبح السياسة الإسرائيلية أشبه ببيت من ورق، إن لم يكن أسوأ من ذلك".

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, هآرتس, بتسيلم, بيتاح تيكفا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات