المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي صادف يوم 10/12/2015، نشرت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" كما في كلّ عام تقريرَها السنوي "حقوق الإنسان في إسرائيل- صورة الوضع للعام 2015".

وقالت الجمعية إن التقرير "يهدف إلى توفير تغطية مستجدّة لحالة حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتّلة، ويعرض الاتّجاهات الأساسّية في وضع حقوق الإنسان في العام المنصرم، والانتهاكات الأكثر خطورة وفظاظة التي وقعت خلاله".

وأضافت: "في حين خلص تقرير صورة الوضع للعام 2014 الى القول ان إسرائيل وصلت الى ذروة جديدة في العنصرية والتحريض وظهور ديمقراطيتها والمجتمع الإسرائيلي بمنتهى ضعفهما، فإن تقرير هذا العام يبعث على القلق من الانزلاق نحو الهاوية، ويكشف في فصوله التدهور المستمر في حماية الحقوق المدنية".

ويؤكد التقرير أنّ نزعة المس بالحق في سلامة الجسد والحق في الاجراء المنصف وحرية التعبير، والتي تجلّت العام المنصرم أثناء الحرب على غزّة، ازدادت خطورة هذا العام مع اندلاع الأحداث الدامية في القدس والضفة الغربية المحتلة.

ويشير التقرير الى الظاهرة الأكثر خطورة التي برزت في الأشهر الأخيرة وهي عمليات إطلاق النار بهدف القتل التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين نفّذوا عمليّات ضدّ إسرائيليين أو اشتبه بهم بذلك، في ظروف لم يكن فيها أي مبرر لإطلاق الرصاص وفق تعليمات إطلاق النار. في حين ان الحالات التي كان المشتبه بهم يهودًا لم يُطلق النار على أيّ منهم باستثناء شاب يهودي اشتبه من مظهره بأنّه فلسطينيّ.

ويلفت التقرير إلى الارتفاع الملحوظ في الاعتقالات الادارية، حيث اعتقلت إسرائيل شهرياً منذ كانون الثاني وحتى آب 2015 ما يقارب 390 معتقلاً ادارياً فلسطينياً. واستصدرت ضد 62 فلسطينيّا من القدس وداخل الخط الأخضر أوامر ابعاد إدارية تحظر عليهم الدخول لباحات المسجد الأقصى، أو البلدة القديمة في القدس، أو القدس عموماً. كما تم ولأول مرة تنفيذ اعتقال اداري بحق قاصرين مقدسيين يحملون الاقامة الدائمة.

وتحت غطاء "الوضع الأمني" قررت الحكومة الإسرائيلية من جملة أمور أخرى، السماح للشرطة باستخدام رصاص "روجر" ضد راشقي الحجارة، سواء داخل إسرائيل أو في القدس الشرقية. كما شرع وزير الداخلية بإجراءات لسحب الإقامة الدائمة لمقدسيين، وهدد بسحب الجنسية لمواطنين فلسطينيين يعيشون في إسرائيل تورطوا في حوادث العنف بسبب "الإخلال بالأمانة". وفي ظل تورّط القاصرين في الأحداث الأخيرة، اقترح وزراء ونواب مجموعة من التعديلات في التشريعات والإجراءات والتي تشذّ عن مبادئ قانون القصّر. كما طُرح من جديد "قانون التفتيش"، والذي يتيح لإفراد الشرطة توقيف أي شخص وإجراء تفتيش جسدي اختراقيّ دون وجود أي شبهة ضده أو مبررات أخرى، وبالتالي فإنّه يدعو إلى التفتيش الجسدي التعسفي والمعاملة المهينة والتمييز.

وتؤكد "حقوق المواطن" أن تصريحات مسؤولين وممثّلي جمهور ساهمت في كثير من الأحيان في تأجيج المشاعر والتحريض بدلاً من محاولة تهدئتها، وحتى أنها شجعت بشكل علني على مخالفة القانون. فقد نادى وزراء ونواب ومسؤولون في الشرطة بشكل صريح بالانتقام من منفذي عمليات الطعن، أو المشتبه بهم، وذلك من خلال قتلهم، وشجعوا الجمهور على حمل السلاح. وجزء كبير من وسائل الإعلام تجنّد لتعزيز نهج مماثل، والجهات التي من المفترض بها أن تراقب عمل الشرطة - أي النيابة العامة وقسم التحقيقات مع الشرطة - وقفت صامتة حيال ما يجري.

وفي الفصل المتعلق بالعنصرية والتمييز، عبّرت "حقوق المواطن" عن قلقها إزاء الانتقال من الأقوال الى الأفعال: عملية القتل في مسيرة مثليي الجنس؛ حرق كنيسة " الخبز والسمك"؛ إشعال المدرسة ثنائية اللغة؛ الاعتداءات الجسدية على طالبي اللجوء وغيرها - كلّها بدعم وإثارة التصريحات العلنية التي أدلت بها شخصيّات عامّة والتحريض العنصري على الشبكات الاجتماعية.

وفيما يتعلق بالأقلية العربية في إسرائيل، رصد التقرير عدة ظواهر إقصاء وتمييز: فنادق "تحذّر" من مستجّمين عرب، مشروع إسكان يعد أصحابه المشترين المحتملين أن لا يبيعوا شققًا للعرب، شركة لتأجير السيارات تميّز ضد زبائن عرب، التمييز في مجال التوظيف وغيرها. وكما هي الحال في الأعوام السابقة، دُعمت ظواهر العنصرية والإقصاء من قبل تصريحات الساسة.

كما يظهر التقرير صورة قاتمة لواقع المواطنين العرب البدو في النقب، إذ إن العام 2015 لم يبشّر بحدوث تغيير في السياسة التمييزيّة ضدهم في مجال الأراضي والتخطيط. وهناك هدم منازل متواصل ولا توجد أي علامات لتعزيز سياسة تخطيط منصفة ومشارِكة في النقب، ويوضح ذلك الحُكمان اللذان صدرا هذا العام فيما يخص قرية ام الحيران وأراضي العقبي.

أما في القدس الشرقية، فقد وصل التوتر والعنف إلى ذروتهما في خريف 2015، إذ شهد المقدسيون المزيد من الاستخدام المفرط للقوة واستخدام غير تناسبي ومخالف للنظم لوسائل تفريق المظاهرات، منها استخدام سائل منتن كوسيلة للعقاب الجماعي في الأحياء المقدسية المختلفة وفي بيوتها ومدارسها، واستخدام الرصاص المطاطي الأسود الذي ادى الى عشرات الاصابات وفقدان البصر لـ12 مقدسياً نصفهم من القاصرين، ومحاصرة الاحياء المقدسية بواسطة الحواجز الاسمنتية، وتطبيق مكثف وانتقائي للقوانين البلدية خاصةً ضد أفراد اشتبه بمشاركتهم في مظاهرات عنيفة.

وفي الفصل المتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة، جاء ان حادثة حرق عائلة الدوابشة في دوما في تموز الماضي هي ذروةُ سلسلة طويلة من أحداث عدوانيّةٍ نفّذها المستوطنون ضدّ الفلسطينيّين وضدَّ ممتلكاتهم طيلَةَ سنوات: ابتداءً من الاستيلاء على الأراضي، التّنكيل أثناء قطف الزّيتون، حرق وقطع أشجار الزّيتون، وانتهاءً بالاعتداءات الجسديّة وحتّى حرق البيوت. وكشفت تحقيقاتٌ هذا العام كشفت عن أنّ نشاطات "تدفيع الثّمن"، التي ابتدأت منذ عام 2008 والتي من المعتاد نسبها لحفنة من "الأعشاب الضّارّة"، هي ظاهرة منظّمة وممأسسة، وأنّ جمعيّات مختلفة تشجّع تنفيذ نشاطات "تدفيع الثّمن" تحظى بتمويل من أموال الجمهور. كما تطرق التقرير إلى معطيات تقرير منظمة "يش دين" الذي وصف القصور في كافّة مراحل التحقيق في لواء شرطة "شاي" في دعاوى فلسطينيّين مسّ بهم أو بممتلكاتهم مستوطنون إسرائيليّون. وجاء في التقرير انه فقط في 4ر7% من تّحقيقات هذا اللواء تفضي إلى لوائح اتّهام، وان الاحتمال أن تؤدي دعوى قدّمها فلسطينيّ في الشّرطة إلى تحقيق ناجع، العثور على المشتبه به، محاكمته، وأخيرًا إدانته هي 9ر1% فقط.

ولم تسلم حرية التعبير الفني والثقافي هذا العام أيضاً من تقييدات وهجمات من قبل وزراء ورؤساء بلديات، ابتداءً من اخراج مسرحية "الزمن الموازي" من السلة الثقافية، ومحاولات المس بميزانيات مسرح الميدان، وانتهاءً بمنع عرض عروض فنية وثقافية خارجة عن الاجماع الإسرائيلي في حيفا وبئر السبع والقدس ويروحام. وجاء في تقرير "حقوق المواطن" ان الخطر الكامن على حريّة التّعبير والديمقراطيّة في كافة هذه القرارات إضافة الى ثقلها التّراكميّ، هو خلق أثر رادع وسلبي والذي من شأنه أن يخلق رقابة ذاتيّة للفنّانين وللمؤسّسات الثقافيّة، وأن تؤثّر على قرارات الصّناديق التي تموّل أعمالاً ثقافيّة وفنيّة.

وتعقيبا على فحوى التقرير، قالت المحامية شارون ابراهام فايس، المديرة العامة لجمعية حقوق المواطن، ان "واجب الحكومة الإسرائيلية في أوقات الطوارئ هو واجب مزدوج: عليها أن تردّ على الواقع الذي نشأ، وأن تحافظ على الأمن الشخصيّ لكلّ فرد، بغض النظر عن أصوله وفي نفس الوقت، عليها أن تضمن أن جميع الإجراءات التي تقوم بها، تحافظ على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، بما في ذلك تجنب المساس بالأبرياء، واستخدام تناسبي ولائق لوسائل تطبيق القانون المتاحة لها. وواجب سلطات دولة إسرائيل الحفاظ على حقوق الإنسان لا يقتصر فقط على الأوضاع التي يسود فيها الروتين والهدوء. وعلى الحكومة ان تتذكر ان القرارات وخاصةً التعديلات التشريعية التي تتخذ على عجل في الأوقات العصيبة، تثّبت في سجل القوانين حتى بعد انحسار التوتر، وتؤدي الى مزيد من التآكل في حقوق الإنسان والحمايات الممنوحة في النظام الديمقراطي".

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, شاي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات