المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، قبل أكثر من أسبوعين، عن "حصول تطور كبير جدا" في قضية تم وصفها بأنها "واحدة من قضايا الإرهاب اليهودي الخطيرة التي حدثت في السنوات الأخيرة"، لكن الرقابة العسكرية فرضت أمر منع نشر جارف حول تفاصيل القضية.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية بالتزامن مع هذا الإعلان إنه "يوجد تفاؤل في الشرطة والشاباك حيال احتمال حل لغز القضية وتقديم لوائح اتهام"، وأضافت أن "هذا التطور نابع من تعاون بين شعبة التحقيقات في الشاباك، واللواء اليهودي في الشاباك، ووحدة الجرائم القومية التابعة لمنطقة الضفة الغربية (في الشرطة الإسرائيلية)، والنيابة العامة، والمستشار القانوني للحكومة".

وسمحت محكمة الصلح في مدينة بيتاح تيكفا، بالنشر عن اعتقال مشتبهين في الاعتداء الإرهابي على عائلة دوابشة في قرية دوما، الذي وقع في تموز 2015.

ورغم النشر التدريجي الدراماتيكي، وإبقاء منع النشر على الغالبية الساحقة من تفاصيل القضية، ورغم رفع مستوى التفاؤل بأنه تم حل قضية إحراق عائلة دوابشة وبأنه سيقدم الإرهابيون الذين ارتكبوا الجريمة إلى المحكمة، إلا أن عناوين الصحف الإسرائيلية سرعان ما كبحت هذا التفاؤل.

فقد تبين أنه لا توجد لدى الشاباك أدلة كافية من أجل تقديم لوائح اتهام ضد المعتقلين، وأن المعتقلين كانوا ضمن قوائم الشاباك التي وصفتهم بأنهم "خطيرون" قبل وقوع الجريمة في دوما. والتحدي الماثل أمام المحققين هو جعل المشتبهين يتحدثون ويعترفون، بينما المعتقلون استعدوا لالتزام الصمت أثناء التحقيق. كما جرى منع المعتقلين من التقاء محاميهم لمدة ثمانية أيام.

أين التطور الكبير إذن، إذا كان الشاباك غير قادر على جمع أدلة ضد المعتقلين؟ كما أن التزام أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية الصمت أثناء التحقيق معهم، ليس بالأمر الجديد وتكرر بعد كل مرة جرى فيها اعتقال أحدهم بعد تنفيذ جرائم "تدفيع (جباية) الثمن"، رغم ندرة هذه الاعتقالات.

وإذا لم ينجح محققو الشاباك في جعل المعتقلين يعترفون بارتكاب الجريمة المنسوبة لهم طوال ثمانية أيام لم يلتقوا خلالها مع محاميهم، فهل سيعترفون في الأيام المقبلة، بعد أن اكتشفوا وخبروا أساليب التحقيق واستعدوا لها بشكل أكبر؟
عموما، ليس واضحا كيف ستتطور هذه القضية.

وقال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه "لا توجد أدلة كافية من أجل محاكمة المعتقلين بشبهة الضلوع في إحراق عائلة دوابشة".

وادعى الوزير أنه "لا توجد تحقيقات تحظى بأفضلية عليا إلى هذه الدرجة مثل التحقيق في جريمة القتل التي حدثت في قرية دوما، ورغم ذلك فإن جهاز الأمن العام والشرطة حققا تقدما في هذا التحقيق. ونحن نفعل كل شيء كي تكون لدينا أدلة تسمح بالمحاكمة وتقديم لوائح اتهام"، أي أن الأمر الوحيد الذي أكده إردان هو عدم وجود أدلة.

وسائل لإحباط التحقيق

يبدو أن التحقيق في قضية إحراق منزل عائلة الدوابشة، الذي أسفر عن مقتل الوالدين وطفلهما الرضيع، وإصابة طفلهما الآخر بدرجة خطيرة من الحروق ولا يزال يرقد في المستشفى، لا يزال بعيدا عن تقديم لوائح اتهام، وربما تُقدم اتهامات ضد بعض المعتقلين ويجري تسريح بعضهم الآخر، أو حتى تسريحهم كلهم "لانعدام الأدلة الكافية".

وهناك عدة جوانب في هذه القضية ينبغي أخذها في الحسبان باتجاه عدم حلها، أولها أن الجهة التي تنفذ التحقيق، الشاباك والشرطة، استخدمت آلية ليست جديدة، عندما تحدثت عن تطور في التحقيق وبعد ذلك بدأت تسرب معلومات حول "صعوبات" تواجه هذا التحقيق.

وأشار المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إلى أن موجة الشائعات التي سرت حول حل قضية الإرهاب اليهودي هذه بدأت خلال جلسة في المحكمة العليا.

وخلال هذه الجلسة نظر القضاة في التماس جرى تقديمه ضد إجراءات معينة طلب الشاباك استخدامها ضد أشخاص لا تُعرف أسماؤهم. وأكد المحلل أن "تفاصيل الالتماس ليست واضحة، وكذلك ليس واضحا من هم الذين قدموا الالتماس".

لكن فيشمان أكد أن "الأمر الواضح هو أنه تدور خلف الالتماس معركة يخوضها محامو أولئك الأشخاص المجهولين من أجل إنقاذهم من لوائح اتهام بسبب مخالفات أمنية خطيرة".

وأشار فيشمان إلى أنه لدى التحقيق مع معتقلين فلسطينيين، فإن الشاباك ليس بحاجة إلى تصريح خاص من أجل استخدام "إجراءات استثنائية"، أي التعذيب.

وأضاف أن "المحاكم تتعامل مع معظم الإرهاب اليهودي على أنه أعمال جنائية. وفي المعتاد يعتبر إحراق كنيسة أو أشجار، على سبيل المثال، أنه إلحاق ضرر بمُلك وليس جريمة كراهية قومية. وإلقاء حجارة باتجاه سيارة فلسطينية، إذا وصل أمر كهذا إلى التحقيق أصلا، يعتبر إخلالا بالنظام".

وتابع المحلل أن "التحقيق مع مجرمين إسرائيليين مختلف بالمطلق عن التحقيق مع فلسطينيين مشتبهين بارتكاب نفس جرائم الكراهية، وفي حالتهم توصف أعمالهم بأنها إرهابية".

الأمر الآخر هو السماح لأعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية بالتزام الصمت أثناء التحقيق معهم، وهو أمر ينص عليه القانون. لكن فيشمان رأى أن قواعد اللعبة تغيرت "ويدور الآن صراع يحاول المشتبهون من خلاله، بواسطة مقربين منهم، الترويج بشكل واسع أنهم قيد الاعتقال من أجل تغيير ظروف الاعتقال، وتجنيد دعم جماهيري لصالحهم ولجم إمكانية أن ينجح الشاباك في إخراج اعتراف منهم".

وأردف أنه "في إطار هذا الصراع يتم بذل جهود من أجل الالتفاف على أمر حظر النشر الذي صدر مؤخرا، من خلال نشر أسمائهم في شبكات التواصل الاجتماعي والالتماس إلى المحكمة العليا".

"خطة تفكيك دولة إسرائيل"

كانت بداية التنظيمات الإرهابية اليهودية في ما يسمى "عصابة ليفتا"، وبعد ذلك تشكل تنظيم "سيكريكيم"، الذي ضم التنظيم السري الذي كان مركزه في البؤرة الاستيطانية "بات عاين" وأتباع الحاخام الفاشي مئير كهانا في البؤر الاستيطانية في الخليل. وانبثقت عن هذه التنظيمات حركات أوسع تميزت بالتعصب الديني – السياسي، ونما داخلها ما يعرف بتنظيم "شبيبة التلال"، الذي يرتكب في السنوات الأخيرة جرائم "تدفيع الثمن".

ووفقا لفيشمان، فإن الهدف الأول لهذه المجموعات هو تنفيذ الاعتداءات ضد الفلسطينيين والدعوة إلى طردهم من البلاد. ومنذ عدة سنوات انتقلت هذه التنظيمات إلى المرحلة الثانية من مخططها "لتفكيك دولة إسرائيل".

وأضاف أن إسرائيل "بنظرهم هي دولة غير شرعية، وينبغي القضاء عليها من الداخل وإقامة مملكة". وهذه التنظيمات مؤلفة من "مجموعة عنيفة من المتعصبين لا توجد عليهم أية سلطة، لا سلطة والدين، ولا سلطة تنظيمية ولا سلطة حاخامين".

ولفت فيشمان إلى أنه في موازاة التنظيم الإرهابي يهودي في الضفة الغربية، هناك تنظيم يحمل أفكارا دينية قومية وينشط داخل الخط الأخضر، ويطلق على نفسه اسم "اليهود". وهو ينشط في مدن عديدة بينها القدس ونتانيا وعكا واللد والرملة. ونشطاء هذا التنظيم لا يعترفون بالمؤسسات الإسرائيلية ويدعون إلى التمرد ضد القانون الإسرائيلي.

وأشار فيشمان إلى أن تنظيم "اليهود" انبثق من "النوى التوراتية" التي يقيمها مستوطنون في المدن الساحلية خصوصا التي يسكنها عرب ويهود، وهي يافا وعكا واللد والرملة، وكذلك في مدينتي نتسيرت عيليت وكرميئيل. ويحاول حاخامون متطرفون الانضمام إلى هذا التنظيم واستغلال الفراغ القيادي فيه.

ووفقا لفيشمان، فإن هذه التنظيمات عبارة عن "أكوام من المجانين، القادرين على القتل من أجل تحقيق رسالتهم المتعصبة"، وإن "الدولة لا تريد حقا التعامل معهم. فهم ينشطون في العلن، وبعضهم لا يخفي تطلعه إلى الوصول إلى (عضوية) الكنيست".

وشدد فيشمان على أن "عجز الحكومة وترددها طوال سنين في معالجة أمر هذه المجموعات المتطرفة، هما اللذان سمحا بوجود أجواء شرعية للفكر الكهاني في صفوف أوساط آخذة بالاتساع في المجتمع الإسرائيلي".

وأردف أن "هذه الشرعية تشجع شبانا أفرادا وتشجع مجموعات تضع لنفسها أجندات العنف والإرهاب، مثل قتلة الفتى محمد أبو خضير في القدس، أو الشبان الذين يتسربون من الييشيفوت (المعاهد الدينية اليهودية) والذين أدين ثلاثة منهم بإحراق المدرسة ثنائية اللغة في القدس" لأنه يتعلم فيها يهود وعرب، وحكم على اثنين منهم بالسجن لسنتين، بينما أرجئ الحكم على الثالث بادعاء أنه مختل عقليا.

يشار هنا إلى أن عدد المعتقلين في قضية قتل عائلة الدوابشة ليس معروفا، وبطبيعة الحال فإن أسماءهم ومكان سكنهم ليسا معروفين أيضا.

ورأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه على الرغم من العناوين الكبيرة حول تقدم التحقيق في هذه القضية، إلا أن مرحلة تقديم القرائن إلى المحكمة ما تزال بعيدة.

وأشار إلى أن "حل لغز إحراق كنيسة الخبز والسمك في طبريا، وهو الإنجاز الأبرز للشاباك والشرطة في حربهما ضد مجرمي الإرهاب اليهودي حتى الآن، اعتمد بالأساس على إعادة تمثيل الجريمة بدقة، الأمر الذي ’صهر’ سوية أجزاء الصورة الاستخباراتية، من صور التقطتها كاميرات حراسة في محطات وقود بعيدة وحتى بقايا الحمض النووي".
ورغم تكراره أن نشطاء اليمين المتطرف لا ينكسرون أثناء التحقيق، فإن هرئيل اعتبر أنه "إذا اتضح أن المحققين نجحوا في استخراج اعتراف مجرّم من أحد الضالعين المباشرين في الاعتداء، فإن هذا الأمر سيعتبر إنجازا كبيرا".

ولفت هرئيل إلى أن المعلومات التي تظهر من المقابلات التي تجريها وسائل الإعلام مع عائلات المعتقلين، يتبين منها أن المعتقلين نشأوا في دفيئة عادية للإرهاب اليميني الأيديولوجي، "وهذه هي المجموعة نفسها التي كان قادتها الروحانيون الشبان معروفين جيدا للشاباك وكان يفترض أن يكونوا ضمن حيز اهتمام اللواء اليهودي قبل الاعتداء بوقت طويل".

وأضاف أنه "حتى لو تم حل القضية وبات بالإمكان تقديم لوائح اتهام، فإن ثمة مكانا لاستيضاح كيفية تهرب المشتبهين من المراقبة وما إذا كانت حرب الدولة ضد الإرهاب اليهودي، الذي يعلن رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) ووزراؤه عنها في أوقات متقاربة بأنها بأفضلية عليا، تجري بشكل ناجع حقا".

وحذر هرئيل من أنه "في هذه الأثناء، يوجد خطر بأن العناوين الكبيرة في الصحافة تؤدي إلى فهم خاطئ لدى الجمهور وكأنه تم حل لغز القضية بشكل كامل. وهذا يسري على الرأي العام الإسرائيلي، لكن علاقته أكبر بأضعاف بالنسبة للرأي العام الفلسطيني، على ضوء التقديرات بأن عملية القتل في دوما كانت أحد المحفزات الأساسية لتفجر العنف في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل أكثر من شهرين".

وتابع هرئيل أنه "إذا فشل التحقيق الآن، ولم يتم جمع أدلة كافية تسمح بمحاكمة المشتبهين الذين اعتقلوا، فسيرى سكان المناطق (المحتلة) بذلك إثباتا آخر على أن إسرائيل لا تولي أهمية لحياة الفلسطينيين، حتى لو كانوا مواطنين أبرياء وضحايا للإرهاب" اليهودي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات