المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
جندي أميركي على مدخل مركز التنسيق المدني العسكري في "كريات جات" المكلّف بالإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 6
  • ياسر مناع

صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 7 تشرين الثاني 2025 بأنّ وصول قوة الاستقرار الدولية إلى قطاع غزة بات قريباً جداً، مؤكداً أن تنفيذ وقف إطلاق النار يسير بصورة جيدة حتى الآن. ويأتي هذا التصريح في وقت يتصاعد فيه الجدل حول مستقبل غزة وترتيبات اليوم التالي، حيث تُعدّ فكرة نشر قوة دولية في القطاع إحدى القضايا المركزية في النقاش الراهن. وترتبط هذه الفكرة مباشرةً بـالبند الخامس عشر من خطة ترامب، التي تنصّ على إنشاء قوة استقرار دولية (ISF) تتولى الانتشار في غزة خلال المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة.

وتبيّن مسودة قرار مجلس الأمن التي صاغتها الولايات المتحدة في 6 تشرين الثاني 2025 أنّ المهام الأساسية للقوة الدولية المقترحة تتمثل في تثبيت وقف إطلاق النار وترسيخ التهدئة، وضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، فضلاً عن التنسيق مع إسرائيل ومصر لضبط الحدود ومنع تهريب السلاح. كما تُكلَّف القوة بتسهيل دخول البضائع والمساعدات الإنسانية، بما يسهم في تسريع جهود إعادة الإعمار وتهيئة بيئة مستقرة تمهّد لإعادة تنظيم ترتيبات الحكم في القطاع.

في هذا الإطار، تسعى هذه المساهمة إلى استعرض فكرة القوة الدولية المحتملة ووظائفها المتوقعة، ناهيك عن استعراض المواقف الإسرائيلية - سواء على المستوى السياسي أو في أوساط المراكز البحثية - المتباينة تجاهها.

رؤية سابقة في سياق مختلف

في الواقع، فإنّ فكرة نشر قوة دولية متعددة الجنسيات في غزة ليست مستحدثة، فقد شهدت الأشهر الأولى من حرب الإبادة نقاشات أوليّة حول هذا الطرح. وفي هذا السياق، كشف موقع واللا بتاريخ 29 آذار 2024 أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بحث خلال زيارة له إلى واشنطن إمكانية إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات تضمّ دولاً عربية توكَل إليها مهمة الحكم وفرض النظام في قطاع غزة.[1]

في تلك المرحلة، برز استعداد أوليّ لدى الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية لدعم هذا التوجّه، في سياق سعي إسرائيل إلى إنشاء قوة من هذا النوع لاحتواء تفاقم المجاعة في القطاع وتوفير بديل عن حكم حماس. ومع ذلك، نقل الموقع آنذاك عن مسؤولين أميركيين وعرب تأكيدهم أنّ التفاؤل بشأن هذه المبادرة ما زال محدوداً، وأنها مؤجّلة إلى ما بعد الحرب، وأن تقدمها سيظلّ مرهوناً بموافقة إسرائيل على حلّ الدولتين.

إلا أنّ خطة ترامب للسلام أو اتفاق وقف إطلاق النار تضمّن في البند الخامس عشر دعوة واضحة إلى تشكيل قوة دولية تحمل اسم قوة الاستقرار الدولية، تتولّى الانتشار في قطاع غزة خلال المرحلة الثانية من ترتيبات الهدنة. وتأتي المحاولات الجارية حالياً في سياق السعي إلى تفعيل هذا البند وتحويله من مقترح نظري إلى واقع عملي.

ومن اللافت الإشارة أيضاً إلى أنّ رئيسة جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، قامت يوم الاثنين 3 تشرين الثاني 2025 بزيارة إلى مركز التنسيق الأميركي في كريات غات (جنوب إسرائيل)، وهو المركز المكلّف بالإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة. وخلال الزيارة كشفت غابارد أنّ ما يقارب 16 دولة و20 منظمة غير حكومية تعمل حالياً ضمن إطار قوّة مدنية - عسكرية متعددة الجنسيات تُعنى بتعزيز الاستقرار في غزة وتهيئة الأسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط.

في السياق نفسه، لا يزال الغموض يكتنف استعداد الدول العربية وغيرها للمساهمة بقوات ضمن القوة الدولية، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل اعتراضها المتكرر على أي وجود لقوات تركية في غزة.

المسودة الأممية لتشكيل القوة الدولية

تتضمن مسودة المقترح المقدّم إلى مجلس الأمن منح الدول الأعضاء بالتنسيق مع مجلس السلام صلاحية إنشاء قوة دولية تعمل في قطاع غزة تحت قيادة موحّدة يوافق عليها المجلس. وتُشكَّل هذه القوة من وحدات تساهم بها الدول المشاركة على أن يتمّ التنسيق الوثيق مع مصر وإسرائيل، واستخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ الولاية الموكلة إليها وتُكلَّف القوة بالتعاون مع إسرائيل ومصر إلى جانب قوة شرطة فلسطينية جديدة خضعت لتدريبات وفحص أمني. [2]

وتشمل مهامها الأساسية: 1. تأمين المناطق الحدودية. 2. استقرار الأوضاع لا سيما الأمنية داخل غزة.    3. ضمان تنفيذ عملية نزع السلاح الكامل للقطاع. 4. منع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والهجومية. 5. نزع سلاح الفصائل المسلحة غير الحكومية بشكل دائم. 6.  حماية المدنيين ودعم العمليات الإنسانية. 7. تدريب ودعم الشرطة الفلسطينية الجديدة.  8. التنسيق مع الدول المعنية لضمان الممرات الإنسانية. 9. تنفيذ أي مهام إضافية ضرورية لإنجاح الخطة الشاملة. 10. مساعدة مجلس السلام في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.

وتؤكد المسودة أن التفويض الممنوح لمجلس السلام والوجودَين المدني والأمني الدوليين سيبقى سارياً حتى 31 كانون الأول 2027، ما لم يقرر المجلس خطوات إضافية. كما يشترط أن يجري أي تجديد لاحق لتفويض القوة بالتنسيق الكامل مع مصر وإسرائيل والدول المشاركة.

وتطالب المسودة أيضاً الدول الأعضاء والمنظمات الدولية بالتعاون مع مجلس السلام في توفير الأفراد والمعدات والموارد المالية اللازمة لدعم الكيانات التشغيلية والقوة الدولية، وتقديم المساعدة التقنية لها، والاعتراف بالأعمال القانونية والوثائق الصادرة عنها.

وتجدر الإشارة إلى ما نقلته شبكة CNN بشأن الموقف الإسرائيلي، إذ قالت بأنّ إسرائيل امتنعت في البداية عن منح الأمم المتحدة تفويضاً للإشراف على القوة الدولية قبل أن تتراجع تحت وطأة الضغوط الأميركية. وذكر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أنّ بلاده شاركت في صياغة مسودة القرار، ولا تزال تعمل على التأثير في صياغته النهائية.[3]

تحفظات إسرائيلية على القوة الدولية

من الواضح أن ثمّة تبايناً في الموقف الإسرائيلي من مسألة انتشار قوة دولية في غزة. فقد صرّح غادي آيزنكوت في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنّ وجود قوات دولية في غزة أمر سيّئ، ويجب منع دخول القوات التركية والعربية؛ لأنها ستقيد حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي في القطاع.

كما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" بتاريخ 6 تشرين الثاني 2025 أنّ عضو الكابينيت أوريت ستروك طالبت بنيامين نتنياهو بعرض خطة القوة الدولية خلال نقاشات الكابينيت. وانتقدت ستروك غياب الشفافية داخل المجلس الوزاري المصغّر، مؤكدةً أنّ أعضاء الكابينيت لم يُمنحوا أي فرصة لإبداء موقف أو التأثير في قضايا مفصلية، مثل تركيبة القوات التي ستدخل غزة، والصلاحيات الممنوحة لها وآليات الرقابة عليها ومعنى نزع السلاح وإنهاء حكم حماس ومكانة السلطة الفلسطينية ومراحل تنفيذ الخطة.

وفي الإطار ذاته، أكّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنّ أي قوة عسكرية ستدخل قطاع غزة ضمن إطار القوة الدولية لن تكون إلا تلك التي تحظى بقبول إسرائيل.

في المقابل، ترى مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وعلى رأسها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أنّ البيئة الإقليمية لا توفّر اندفاعاً سعودياً أو إماراتياً نحو الانخراط العسكري المباشر في غزة، وأنّ دعم هاتين الدولتين للمسارات الدبلوماسية كان بهدف الضغط على إسرائيل لوقف القتال وفتح مسار سياسي جديد.[4]

ويشير المعهد إلى أنّ هذا التردّد الخليجي يأتي إلى جانب رفض إسرائيل تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع وتمنّعها عن مسار سياسي مستدام يفتح الباب أمام دور متزايد لقطر وتركيا في إعادة الإعمار بما قد يُبقي على نفوذ حماس. ويدفع هذا الواقع بحسب المعهد نحو ضرورة بلورة خطة إسرائيلية واضحة ومفصلة لنزع السلاح تتضمن إنشاء قوة دولية ذات صلاحيات تنفيذية قبل أن تُفرض قرارات دولية من فوق رأس إسرائيل.

ويقترح المعهد إطاراً تدريجياً من أربع مراحل لعمل القوة الدولية، يبدأ بالاستقرار الأولي عبر نشر قوات متعددة الجنسيات مدعومة بشرطة فلسطينية مؤهّلة، ثم الانتقال إلى مرحلة الإنفاذ الفعلي لجمع الأسلحة وتدمير البنية العسكرية مروراً بفترة سيطرة مشتركة بين القوة الدولية والشرطة الفلسطينية، وصولاً إلى مرحلة السيادة الفلسطينية الكاملة مع بقاء القوة الدولية كجهة رقابية. ويرى المعهد أنّ نجاح هذا النموذج مشروط بتدخل أميركي ملزم وطويل المدى، وإقناع الدول العربية المعتدلة بالمشاركة في الجهد الأمني وإعادة الإعمار، مع عدم استبعاد مشاركة السلطة الفلسطينية بعد تنفيذ إصلاحات جوهرية تعزز مبدأ سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد.[5]

أمّا معهد مسغاف فيقدّم مقاربة أكثر تشكيكاً، إذ يرى أنّ جوهر الثغرات يكمن في الشرط المسبق لنجاح الخطة وهو تخلّي حماس عن سلاحها، وهو ما يراه غير واقعي وغير قابل للتحقق ضمن الظروف القائمة. ويشير المعهد إلى خلافات جوهرية حول تركيبة القوة الدولية، ولا سيما رفض إسرائيل لأي مشاركة تركية، وإلى فجوات زمنية خطيرة بين التفويض الدولي المحدود حتى نهاية 2027 والقدرة المتوقعة للسلطة الفلسطينية على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. كما يحذّر من غياب تصور واضح لمن سيتولى حفظ الأمن بعد انتهاء التفويض الدولي، محذراً من احتمال إعادة تموضع حماس وسيطرتها على الأرض إذا لم تُعالج هذه الثغرات مبكراً وبآليات تنفيذ واضحة.[6]

بينما يرى معهد ميتفيم أن نشر قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في غزة قد يمثّل حلاً انتقالياً لمرحلة ما بعد الحرب، في ظل غياب خطة إسرائيلية واضحة ورفض دولي لإعادة احتلال القطاع، في مقابل عدم استعداد فلسطيني لتولّي إدارته من دون أفق سياسي. ويؤكد المعهد ضرورة أن تتمتع هذه القوة بتفويض صريح وصلاحيات واسعة وقواعد اشتباك فعّالة على غرار تجارب كوسوفو وتيمور الشرقية، بخلاف نموذج اليونيفيل الذي فشل في ردع حزب الله.[7]

 ويرتكز التصوّر على ثلاث مهام مترابطة: تثبيت الأمن عبر ضبط الفصائل المسلحة وتنسيق الانسحاب الإسرائيلي، ومنع الفراغ المؤسسي بإعادة تشغيل الخدمات تحت إشراف مفوض دولي، ثم إطلاق إعادة الإعمار لمعالجة حجم الدمار واستعادة البنى التحتية. ويخلص المعهد إلى أن مثل هذه القوة يمكن أن تمنع العودة إلى نمط إدارة الصراع التقليدي، وأن تهيّئ لمسار انتقالي يقود نحو تسوية دبلوماسية أوسع بمشاركة الفلسطينيين والإسرائيليين والجهات الإقليمية والدولية.

 

القوة الدولية في غزة ونموذج اليونيفيل

يرى غدي عزرا وسرِيت زهافي في مقال نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 17 تشرين الأول 2025، أنّ ثمة فارقاً جوهرياً بين البيئة التي وُضِع فيها تفويض القوة الدولية المقترحة لغزة، وتلك التي تحكم عمل قوّة اليونيفيل في جنوب لبنان. فالتفويض الخاص بقوة التثبيت في غزة يأتي في ظروف أكثر ملاءمة من السابق، إذ إنها لن تكون قوة أممية خاضعة لتجاذبات مجلس الأمن، بل قوة تتألف من دول ذات سيادة، ما يجعل مستوى التزامها بنجاح مهمتها أكثر وضوحاً واستقراراً. [8]

غير أنّ هذا لا يُعفي من ضرورة تبنّي خطة واقعية تجاه مسار تفكيك بنية حركة حماس. لذلك يشدّد الكاتبان على أن أي اتفاق يجري بلورته حالياً يجب أن يستخلص الدروس المستفادة من تجربة اليونيفيل في لبنان، وأن تُطبَّق هذه الدروس أيضاً على آليات عمل القوة الدولية المقبلة التي ستنتشر في بيئة شديدة الحساسية بمحاذاة إسرائيل. فيما ذكرت i24 NEWS أن سلطة هذه القوة لا تستند إلى المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، أي من دون منح تفويض باستخدام القوة العسكرية الملزمة من قبل الدول المشاركة في حال تطلب ذلك.[9]

 

[1] بارك رافيد. "غالانت اقترح على الولايات المتحدة إنشاء قوة عسكرية من دول عربية تكون مسؤولة عن استتباب النظام في غزة"، موقع واللا، 29 آذار 2024. https://news.walla.co.il/item/3654209

[2] للمزيد أنظر/ي، مسودة قرار مجلس الأمن، https://2u.pw/PluWOg

[3] معاريف. "ترامب قرّر من سيحكم غزة، وقائد حماس يعترض"، 4 تشرين الثاني 2025. https://www.maariv.co.il/news/world/article-1248483

[4] يوئيل غوجانسكي ، وآخرون. " المواقف والمصالح المختلفة لكلٍّ من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وتركيا بشأن رسم ملامح قطاع غزة ودلالاتها"، مباط عال، العدد 2055، 2 تشرين الثاني 2025، معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/publication/gaza-involvement/

[5] أودي ديكل، نوي شيلو. "على إسرائيل أن تعرض خطة منتظمة، متعددة المراحل ومفصّلة لنزع سلاح قطاع غزة، تتضمّن إنشاء قوّة استقرار دولية"، مباط عال، العدد 2057، 4 تشرين الثاني 2025، معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/publication/isf/

[6] إيلي كلوتشتاين، "مجرد أحلام: خطة نشر القوة الدولية في غزة مليئة بالثغرات"، معهد مسغاف، 5 تشرين الثاني 2025. https://www.misgavins.org/klutstein-gaza-plan-dreams/

[7] نير أريئيلي وآخرون. "الفرص، التحدّيات، وشروط النجاح: نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة"، معهد مِيتفيم، نتشرين الثاني 2023. https://2u.pw/OTENPa

[8] غدي عزرا، وسريت زهافي. "نموذج اليونيفيل في غزة: هكذا يمكن تنفيذ ذلك"، يديعوت أحرونوت، 17 تشرين الأول 2025. https://www.ynet.co.il/news/article/sknk9n1rxl

[9] عميحاي شتاين. "الإدارة الأميركية ترسل إلى أعضاء مجلس الأمن مسوّدة قرار بشأن قوة الاستقرار الدولية (ISF) في غزة". I24 NEWS ، 4 تشرين الثاني 2025.   https://www.i24news.tv/en/news/international/artc-us-administration-sends-unsc-members-draft-resolution-for-isf-in-gaza

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات