المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (فلاش90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 8
  • هشام نفاع

يتبيّن على نحو مستمر مدى المساس بالحقوق الاجتماعية ضمن سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، وتكلفة الحرب المستمرة الباهظة الأثمان. ينعكس هذا في القطاعات الأكثر حيوية كالصحة والتعليم والعمل.

فقد تبيّن في جلسة للجنة الصحة في الكنيست وجود نية حكومية لإلغاء إضافة الميزانية المقررة في سلة الخدمات الصحية، والبالغة نحو 100 مليون شيكل. وبرز في نقاش اللجنة أن التقليص المتوقع سيترك الكثير من المرضى بدون إتاحة للعلاجات والأدوية التي تنقذ الحياة أحيانا. وهذا في ظل حاجات طبية متزايدة، وارتفاع أسعار الأدوية الحديثة بشكل هائل، وفي واقع تدهورت فيه صحة الجمهور منذ اندلاع الحرب.

 

ممثلو مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست أوضحوا أن التطور المستمر في مجال تكنولوجيا الصحة يفرض تحديث سلة الخدمات الصحية، لكن القانون لم يحدد آلية لتوسيعها وإدخال أدوية وتقنيات جديدة. ومع ذلك، وبفعل احتجاجات شعبية، منذ العام 1998، وضع كل عام (باستثناء 2003) ميزانية سنوية لتوسيع السلة، ويطلق على ذلك "تحديث تكنولوجي"، وقد بلغت العام 2023 نحو 650 مليون شيكل، مقابل 500 مليون شيكل في كل من الأعوام 2017–2021. أما الآن فتسعى الحكومة إلى تقليص 100 مليون شيكل، وإعادة التحديث إلى 500 مليون شيكل فقط.

منظمة الأطباء: التقليص يعني لبعض المرضى حكما بالموت

حذّر ممثل جمعية "نعمان" للسكتة الدماغية، من ارتفاع في حالات السكتة الدماغية: "مرضى ضغط الدم المقاوم للعلاجات هم قنبلة موقوتة، وكذلك مرضى القلب المعرضون لخطر السكتة الدماغية. إذا لم تدخل العلاجات المتقدمة للوقاية والتشخيص إلى السلة ولم تصل للمرضى في الوقت، ستكون العواقب خطيرة جدا، إذ أن هؤلاء المرضى يعيشون على وقت مستعار. معنى التقليص قد يكون ارتفاعا حاداً خلال سنة أو سنتين في حالات السكتة الدماغية التي ستنتهي بالموت أو بتحويل المرضى إلى عالة تمريضية. هذا التوفير قصير المدى سيكلف الدولة أضعافا على المدى الطويل، لأن عبء علاج مرضى السكتة الدماغية التمريضي أكبر بكثير من إقرار إدخال العلاجات الفعّالة المتاحة".

ممثل  جمعية "أولكن" لتعزيز علاج مرضى السرطان قال: "حتى في السلة الحالية لم يدخل 80% من الأدوية المقدمة، وبعض مرضى الأورام الذين كان يمكن إنقاذهم ماتوا ببساطة! والآن يريدون أيضا تقليص 100 مليون أخرى؟! نحن جميعا نعلم أن هذا حكم إعدام! هذا التقليص سيزيد الفجوة وسيبقي نحو 90% من الأدوية الجديدة خارج السلة".

 أما ممثل جمعية "تساف منيعاه" لمكافحة سرطان القولون فقال: "عندما ترتفع الأسعار، ويتزايد عدد السكان، والواقع الصعب في البلاد يقود إلى ضغوط وإصابات جسدية واضطراب ما بعد الصدمة وأمراض مناعية ذاتية – فالمطلوب هو توسيع السلة، لا تضييقها. والميزانية أصلا لا تزداد بالوتيرة المناسبة لنمو السكان وتكاليف العلاجات الشخصية وللمعايير في الدول الغربية، وإذا لم يكن السيف الموضوع على رقابنا حاداً بما يكفي – فيضاف أيضا التقليص. من سيبقى وراء الروليت الروسية؟ 3،000 مريض بسرطان القولون يشخصون كل عام، وهناك عشرات آلاف المرضى بأنواع السرطانات المختلفة والأمراض المزمنة الأخرى؟".

 د. زئيف فيلدمان، رئيس منظمة الأطباء، أكد أن: "انعدام اليقين بشأن حجم ميزانية سلة الأدوية والتقنيات يثير قلقا كبيرا لدى المرضى، إذ أن ذلك يعني لبعضهم حكما بالموت، كما يضر بالأطباء والطواقم الطبية الذين لا يمتلكون الأدوات الكاملة لأداء ما أقسموا على فعله – العلاج وإنقاذ الحياة. لا بد من ضمان إضافة ثابتة بنسبة 1.5% لسلة الأدوية والتقنيات كل عام".

وردّت منسقة الصحة في قسم الميزانيات في وزارة المالية بأن التقليص يعتمد على قرار حكومي.

إلقاء عبء تمويل الرسوم الإلزامية على أهالي طلبة المدارس

أما في مجال التعليم فقد تقرّر فرض دفع رسوم كبيرة على الأهالي. وتصل في معظم المدارس إلى 2،000 شيكل سنوياً عن كل طالب. وصادقت لجنة التربية والثقافة والرياضة على جدول وزارة التربية والتعليم الذي يتضمن تحصيل المدفوعات الاختيارية بما يخص السلة الثقافية، والرحلات المدرسية، وبرنامج "معرفة البلاد"، وقيادة أولياء الأمور القطرية، ولجنة أولياء الأمور المحلية، وحفلات تخرج المرحلة الدراسية (روضة أطفال، مدرسة ابتدائية، مدرسة إعدادية وثانوية) بمعدل 1300-1500 شيكل لكل طالب، وكذلك بند إعارة الكتب للعام الدراسي 2027​/2026 بمعدل 280-320 شيكلا لكل طالب، إضافة إلى مدفوعات التأمين الصحي.

 وفقاً لبيانات اللجنة: تشير التقديرات إلى أن إجمالي مدفوعات أولياء الأمور للعام 2025 يبلغ حوالي 5.2 مليار شيكل للخدمات التعليمية خلال اليوم الدراسي الرسمي (باستثناء مدفوعات ما بعد الدوام المدرسي والمدارس الداخلية)، فيما تُقدَّر التكلفة القصوى للمدفوعات الإلزامية والاختيارية، بناءً على حسابات وزارة التربية والتعليم، بحوالي 1.87 مليار شيكل.

وعُرضت خلال الجلسة دراسة جديدة من إعداد مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، تُحلل معدلات الإبلاغ للمدارس بما يخص المدفوعات ضمن منظومة "أفيك" المتبعة من قبل وزارة التربية والتعليم: حوالي 14% من المدارس لم تُقدم أي تقارير ضمن المنظومة، ومعظمها (70%) تابعة لجهاز التربية والتعليم الحريدي الرسمي والمعترف به غير الرسمي. كما تُظهر الوثيقة أن معظم المدارس (76%) حصلت على تصريح بفرض حدّاً أقصى للرسوم الدراسية يصل إلى 2000 شيكل سنوياً لكل طالب، وأن 140 مدرسة (3%) حصلت في العام الدراسي الماضي على تصريح بفرض رسوم دراسية تزيد على 5000 شيكل لكل طالب.

عبءٌ ثقيلٌ يُعمّق الفجوات في المجتمع ويقوّض تكافؤ الفرص

ويُظهر تحليل مركز الأبحاث والمعلومات أنه كلما ارتفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمدرسة، زادت المدفوعات المُعتمدة لها، وانخفضت نسبة المدفوعات الإلزامية والاختيارية من إجمالي المدفوعات. وبالتالي، تزداد نسبة المكونات الإضافية، بالإضافة إلى المدفوعات الإلزامية والاختيارية، مثل المدفوعات عن برنامج تعليمي إضافي.

 رئيس لجنة التربية التعليم ادعى أنه يجري إعداد اقتراح قانون بمبادرة منه تقوم الدولة بموجبه بتمويل الرسومَ الإلزامية للطلاب، وليس أهلهم. وقال: "لا يُمكننا الاستمرار في تحميل جهاز التربية والتعليم أعباءً ماليةً على عاتق أولياء الأمور. الرسوم الإلزامية عبءٌ ثقيلٌ يُعمّق الفجوات في المجتمع ويقوض تكافؤ الفرص بين الطلاب. رؤيتي هي أن الدولة ستتحمّل جميع هذه الرسوم. في هذه المرحلة، يجب أن نبدأ بخطوات مدروسة. يهدف مشروع القانون إلى بدء العملية من خلال تحمل الدولة مسؤولية بعض المدفوعات الإلزامية، وفي مقدمتها تأمين الطلاب، كخطوة أولى نحو تعليم عادل حقاً".

ممثل قيادة لجان الأهالي القطرية أكد أن: "المصادقة على هذه المدفوعات في ظل تفاقم الفقر في إسرائيل يُعدّ ظلماً للفئات المستضعفة تحديداً. فالوالد الذي يعتمد على سلة غذائية لا يستطيع دفع تكاليف رحلة واستعارة كتب. ليس جميع مواطني الدولة في نفس الوضع الاجتماعي والاقتصادي". وأشارت سيما عوفاديا فورتسنل، مديرة قسم تطبيق القوانين والسياسات في وزارة التربية والتعليم، إلى أن الوزارة لديها منظومة للمنح الدراسية والدعم وصلت إلى 360 مليون شيكل العام الماضي.

 ممثل قسم الميزانيات في وزارة المالية أوضح أن: "هذا ليس قرارنا. هذه أموال ائتلافية خصصتها الحكومة، وقرار توزيعها يعود إلى وزارة التربية والتعليم، التي يمكنها استخدامها بشكل مختلف". وانضم المدير العام لوزارة التربية والتعليم، مئير شمعوني، إلى وجهة نظر رئيس اللجنة، وأعرب عن دعمه لتشريع بديل قائلاً: "ينصب تركيزنا على الضواحي - فالفئات المهمشة والمدارس المهمشة تحصل على دعم أكبر. نعمل على هذا الأمر ونطبقه. مفهوم المساواة والتركيز على الضواحي مهم بالنسبة لي، وسأكون سعيداً لو تقدمت هذه الخطوة على المستوى الوطني".

وفقاً للدراسة، كان هناك إجماع في جلسات لجنة التربية التي تناولت هذه القضية على مر السنين، على ضرورة تنظيم مدفوعات أولياء الأمور وتقليصها والرقابة عليها بشكل أفضل. في العام 1992، قدمت هيئة تسمى "لجنة لانغيرمان" توصياتها، بما في ذلك تمويل التعليم من خلال زيادة مدفوعات التأمين الوطني أو ضرائب الأملاك (الأرنونا) التي تجمعها السلطات المحلية، بهدف تقليص الفجوات الاجتماعية. وتوصلت لجان إضافية شُكِّلت لاحقاً إلى استنتاجات مماثلة، إلا أنها لم تُنفَّذ. وفي العام 2012، صدر قرار حكومي بإنشاء آلية تدريجية لدعم المدفوعات المذكورة أعلاه. ومع ذلك، قررت وزارة التربية والتعليم استغلال الدعم لصالح الرحلات، ومن ثم لصالح تقديم المنح الدراسية المساعِدة.

60 مفتش عمل فقط والمعايير الدولية تنص على 300

التقليصات تطاول أيضاً سلامة وأمان العمال الأجانب أثناء العمل. وتقول مديرية السلامة والصحة المهنية: "لدينا 60 مفتشاً متخصصاً في مجالات عمل متعددة وما زالت هناك 20 وظيفة مفتش غير مشغولة. وفقاً للمعايير الدولية، نحتاج إلى 300 مفتش آخر".

​وتبيّن من بيانات اللجنة الخاصة للعمال الأجانب في الكنيست، أن عدد مواقع البناء النشطة في إسرائيل 15 ألف تقريبا ومنذ اندلاع الحرب، تغيرت تركيبة العمال في مواقع البناء تماما. هناك عشرات الآلاف من العمال الأجانب في مواقع البناء، وهم عمال من جنسيات ولغات وثقافات مختلفة، ويتعرضون للخطر بسبب وجود نقص في المعلومات والتأهيل والتدريب المهني غير الكافي، ونقص في مفتشي إنفاذ القانون ومفتشي العمل، وانتهاكات قواعد السلامة من قبل أصحاب العمل والسلطات.

تفيد معطيات مديرية السلامة والصحة المهنية في وزارة العمل أن قطاع البناء شهد ارتفاعاً في عدد ضحايا حوادث العمل هذا العام، من 20 حالة وفاة العام الماضي إلى 25 حالة وفاة هذا العام. وفي قطاع الصناعة، من 10 حالات وفاة العام الماضي إلى 13 حالة وفاة هذا العام، وفي قطاع التجارة والخدمات، لا يزال الرقم مشابهاً للعام الماضي - 6 وفيات، وكذلك في قطاع الزراعة - حالة وفاة واحدة. وقد ارتفع عدد الوفيات من 27 حالة وفاة العام الماضي إلى 45 حالة وفاة هذا العام، من بينهم 8 عمال أجانب. وأصيب 4،938 عاملاً في حوادث عمل هذا العام.

ممثل المديرية قال إنه "يشعر بالإحباط" متابعاً: "أغلقنا 300 موقع بناء هذا العام ومفتشونا ينقذون الأرواح يومياً. يُثير إغلاق موقع البناء عداءً شديداً، ويتعرض المفتشون أحياناً للضرب. عندما يصل أحد المفتشين إلى موقع بناء فإنه يقوم بعمله في موقع يعمل فيه أحياناً مئات العمال. بعض المقاولين لا يسمحون لمفتشينا بدخول المواقع. وصلنا إلى مرحلة تحصيل 50% من العقوبات المفروضة على المقاولين. منذ العام 2019، جمعنا 90 مليون شيكل من العقوبات المفروضة على المقاولين".

يشار إلى أنه وفقاً لبيانات سلطة السكان والهجرة، يعمل اليوم نحو 73 ألف عامل أجنبي في قطاعات البناء والبنى التحتية والترميمات. وبحسب مكتب المدعي العام، قُدّمت خلال السنوات الخمس الماضية 55 لائحة اتهام في حوادث عمل، وهناك ملفات عالقة من عامي 2023 و2024 ولم يتم تقديم أي لوائح اتهام في لواء الشمال خلال العام الماضي. علماً بأن 13 عاملا قد قُتلوا في حوادث عمل في لواء الشمال هذا العام. ممثلة جمعية "كاف لَعوفيد"- عنوان العامل قالت إن المقاولين لا يرفعون التقارير إلى وزارة العمل حول بدء العمل في مواقع البناء، ويجب اشتراط منح تصريح البناء برفع التقرير إلى وزارة العمل حول بدء العمل في موقع البناء من أجل ضمان فرض الرقابة على مواقع البناء.

أمام هذه القضايا قال وزير المالية في جلسة اللجنة المالية إن الميزانية الإضافية للعام 2025، البالغة نحو 28.9 مليار شيكل "مخصصة بالكامل للنفقات الأمنية الضرورية لاستمرار الحرب، وشراء الأسلحة والذخائر والمعدات"!!!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات