في خضمّ الحرب الإسرائيلية على غزة، لعبت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، أكبر لوبي صهيوني- يهودي في الولايات المتحدة، دوراً خفياً وفعّالاً في توجيه دفة السياسات والقرارات داخل واشنطن لخدمة المصالح الإسرائيلية. يقدّم هذا المقال قراءة مركّزة في أبرز تدخّلات إيباك خلال فترة الحرب، كاشفاً عن إنفاق انتخابي هائل تجاوز مائة مليون دولار لإسقاط الأصوات المنتقدة لإسرائيل، وتعبئة أدوات تشريعية وإعلامية لدعم سياساتها، إلى جانب الدفع نحو ممارسة ضغط علني على قطر، وصولاً إلى تماهي خطابها مع تبرير الهجوم الإسرائيلي على قادة من حماس في الدوحة.
- الإنفاق السخي فترة الانتخابات في 2024
شهد الإنفاق الانتخابي ارتفاعاً غير مسبوق؛ إذ أنفقت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC) ولجنة العمل السياسي التابعة لها (United Democracy Project) أكثر من 100 مليون دولار خلال دورة انتخابات 2024 حتى أيلول من ذلك العام، استُخدم معظمها للإطاحة بمرشحين انتقدوا حملة إسرائيل في غزة ودعم حلفائها في الانتخابات التمهيدية، في خطوة مرتبطة مباشرة بسياق الحرب. وتُظهر بيانات مفصلة مستندة إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية (FEC) أنّ الإنفاق المشترك لـ AIPAC وUDP بلغ نحو 126.9 مليون دولار بين عامي 2023 و2024، شمل نحو 55.2 مليون دولار تبرعات لمرشحين فيدراليين، وحوالي 61 مليون دولار في مدفوعات من لجنة العمل السياسي الخارقة، استُخدم معظمها في حملات دعائية لم تذكر إسرائيل صراحة، لكنها استهدفت دعاة وقف إطلاق النار.[1]
في هذا السياق، أسهمت الجهود المدعومة من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC) في الإطاحة بعضوين في مجلس النواب الأميركي، هما جمال بومان (ديمقراطي عن نيويورك) وكوري بوش (ديمقراطية عن ميزوري). وكان النائبان من أوائل الداعين إلى وقف إطلاق النار ومن أبرز المنتقدين لسلوك إسرائيل في غزة، ما شكّل رسالة ردع لبقية المشرّعين الذين قد يتخذون مواقف مشابهة. وتشير التحليلات اللاحقة للانتخابات إلى أنّ AIPAC أنفقت نحو 20 مليون دولار لدعم خصمي بومان وبوش، جورج لاتيمر وويزلي بيل على التوالي، ضمن استراتيجية أوسع لرفع الكلفة الانتخابية المترتبة على انتقاد إسرائيل خلال الحرب.[2]
وتشير التقارير إلى أنّ غالبية أعضاء الكونغرس تلقّوا تمويلاً مرتبطاً بالإيباك خلال العام 2024، إذ أحصى أحد التقييمات تحويل أموال إلى 349 عضواً في مجلسي الشيوخ والنواب، أي نحو 65% من الكونغرس، من بينهم ما لا يقل عن 933 ألف دولار لزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، و654 ألف دولار لرئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، ما يعكس قنوات ضغط تمتد إلى قيادات الحزبين خلال اتخاذ القرارات في زمن الحرب.[3]
على الصعيد التشريعي، روّجت إيباك لبنود داعمة لإسرائيل ضمن تشريعات كبرى، من بينها قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، الذي أبرزته بوصفه يتضمّن "بنوداً رئيسة مؤيّدة لإسرائيل" تهدف إلى ضمان حصولها على "الموارد التي تحتاجها"، بما ينسجم مع أهداف السياسات الحربية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ويضمن استمرار المساعدات الأمنية خلال عامي 2024–2025. وتشير تحليلات استراتيجية لإيباك إلى أنّ قوتها تكمن في صياغة التشريعات ومسارات تمريرها، إذ تحشد مشاريع قوانين ورسائل وتعديلات تشريعية لتثبيت المساعدات العسكرية ومنع فرض أي قيود عليها، بوصف ذلك وظيفة محورية خلال زمن الحرب، حتى مع تحوّل الرأي العام ضد الحرب على غزة.
- التوجيهات الإعلامية في الولايات المتحدة
أنشأت إيباك وحافظت على منصّات موارد إعلامية تحت عنوان "إسرائيل في حالة حرب"، قدّمت من خلالها نقاطاً جاهزة للاستخدام الإعلامي حول تدفّق المساعدات الإنسانية، وعمليات رفح، ومفاوضات تبادل الأسرى، وتحقيقات الجيش الإسرائيلي في أحداث مثيرة للجدل مثل قصف منظمة المطبخ العالمي، وهدفت هذه "التوجيهات" الإعلامية المقدمة للإعلاميين، الى تزويد صنّاع القرار ووسائل الإعلام بإطارات خطابية مؤيّدة للحكومة الإسرائيلية خلال مراحل الحرب. كما نشرت إيباك على صفحتها قسماً بعنوان "الأسئلة الشائعة حول حرب غزة" تضمّن سرداً زمنياً يؤكّد قبول إسرائيل لصفقات مدعومة أميركياً في مقابل رفض حماس لها، مصوّرةً الحرب بوصفها ضرورة لهزيمة حماس وتحرير الأسرى، وساعيةً إلى التأثير في النقاشات الجارية بواشنطن حول وقف إطلاق النار والتوقفات المؤقتة لإيصال الأسلحة.
وبعد موجة الاعتصامات الجامعية، قدّم مشرّعون مدعومون من إيباك مشاريع قوانين لمعاقبة الجامعات المتهمة بدعم حركة المقاطعة (BDS) أو أنشطة مناهضة لإسرائيل، رابطين حرب غزة بمعارك داخلية هدفت إلى تقييد النقد المؤسسي والنشاط الطلابي عبر أدوات الضغط الفيدرالي. عكست هذه التحركات توسيع اللوبي لساحة المعركة إلى ميادين التعليم والمجتمع المدني، حيث أثارت غزة معارضة متنامية، ما وسّع نطاق الضغط لتشكيل المجال العام خلال الحرب.
- تبرير قصف إسرائيل للدوحة
توثّق مواد إيباك الرسمية ومنشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب ملخصات مشاريع القوانين والتعليقات الصادرة عن حلفائها في الكونغرس، تبنّيها موقفاً صريحاً يدعو إلى الضغط على قطر بسبب استضافتها لقيادة حماس واستخدامها نفوذها. فقد نشرت إيباك على منصتها الرسمية ملخصاً لمشروع قانون "مراجعة صفة قطر كحليف رئيس من خارج حلف الناتو" يطالب وزارة الخارجية الأميركية بمراجعة علاقات الولايات المتحدة بقطر إذا ثبت دعمها للحركة أو امتناعها عن طرد قادة مثل إسماعيل هنية، خليل الحية، وخالد مشعل. وذكر الملخص أسماء مقدّمي المشروع في مجلس النواب (آن واغنر من ميزوري، وجاريد غولدن من مين) وفي مجلس الشيوخ (تيد باد من نورث كارولاينا)، مؤطّراً القانون حول نفوذ قطر على حماس وملف الرهائن الأميركيين، ما يبرهن على أنّ إيباك دفعت صراحة في اتجاه ممارسة ضغط على الدوحة.[4]
عقب الضربة الإسرائيلية في 9 أيلول 2025 التي استهدفت قادة من حماس في الدوحة، نشرت إيباك تصريحاً قالت فيه: "اليوم قضت إسرائيل على إرهابيي حماس الذين تلطخت أيديهم بدماء أميركية وكانوا يعيشون حياة فاخرة في قطر"،[5] ما يعكس تماهي خطابها العلني مع تبرير الضغط على قيادة حماس المقيمة هناك. واستمرّت منصّاتها في تلك الفترة بالمطالبة بالتحرك لحل أزمة الرهائن ومحاسبة حماس، في سياق دعواتها المستمرة للضغط على الوسطاء، وضمنهم قطر، لاستخلاص تنازلات من قيادة الحركة في الدوحة. وتجمع منصّة "ملخصات القوانين" التابعة لإيباك أدوات تشريعية لفرض عقوبات وضغوط على حماس وداعميها، متضمّنة مشروع قانون مراجعة صفة "حليف من خارج الناتو" لقطر، ما يضع الدوحة بوضوح داخل أجندة الضغط المرتبطة بحركة حماس.
[1] انظر/ي: https://www.commondreams.org/news/aipac-100-million
[2] انظر/ي: https://newrepublic.com/post/190021/report-aipac-spent-record-amount-2024-election
[3] انظر/ي: https://www.aipac.org/ndaa-2025-text
[4] انظر/ي: https://www.aipac.org/resources/qatar-ally-status-act
[5] انظر/ي: https://x.com/AIPAC/status/1965587711466836194