المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بيني غانتس خلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 10
  • ياسر مناع

انطلقت يوم 9 أيلول 2025، فعاليات منتدى MEAD (ميد/ حوار الشرق الأوسط – أميركا) الثالث في العاصمة الأميركية واشنطن، بمشاركة نخبة من الشخصيات السياسية والأمنية والاقتصادية رفيعة المستوى من الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من دول الشرق الأوسط، من بينها دول لا تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب، حيث استمرت القمة على مدى يومين من الجلسات المغلقة. انعقدت جلسات المنتدى في ظرف إقليمي بالغ الحساسية؛ إذ تزامنت مع استهداف إسرائيلي غير مسبوق للعاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت قيادات من حركة حماس، بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة. وقد أكسب هذا التطور غير المسبوق المناقشات أهمية مضاعفة، باعتبارها منصة لصياغة سياسات مستقبلية وإعادة تقييم الأوضاع في الشرق الأوسط.

 

تهدف هذه المساهمة إلى إلقاء الضوء على هوية منتدى MEAD ورؤيته وهيكليته التنظيمية، مع التركيز على الحضور الإسرائيلي البارز فيه، واستعراض أبرز المداخلات التي طرحت قضايا سياسية وأمنية هامة تتعلق بالحرب على غزة، والنفوذ الإيراني، والتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

الرؤية والرسالة

"ميد" منصة دولية رفيعة المستوى تُعنى بتعزيز الدور الأميركي في الشرق الأوسط. ويعرّف المنتدى نفسه كمساحة حوار غير حزبية تجمع قادة السياسة وصنّاع القرار والمؤثرين في مجالات الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات، بما يسهم في بلورة رؤى استراتيجية وصياغة سياسات فعّالة تدعم استقرار الشرق الأوسط.[1]

يحمل المنتدى شعار "منطقة واحدة، مستقبل واحد"، في تجسيدٍ لرؤيته الهادفة إلى تعزيز الشراكات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. ويُعدّ المنتدى حدثاً حصرياً بدعوات خاصة، إذ يقتصر حضوره على نحو 200 مشارك يتم اختيارهم بعناية فائقة. كما يتميز بطابع حواري تفاعلي، حيث تُستبدل الكلمات الافتتاحية المطوّلة بجلسات نقاش مباشرة وورش عمل متخصصة.

يضمّ منتدى MEAD فرعين رئيسيين: MEAD – واشنطن، وMEAD – أبو ظبي، الذي يُعقد بشراكة استراتيجية مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية (AGDA) برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وإدارة نيكولاي ملادينوف. وهي مؤسسة تهدف إلى إعداد وتأهيل الجيل الجديد من القادة وصنّاع القرار في مجالات السياسة الخارجية والدبلوماسية. أما من الناحية القانونية، تُسجَّل MEAD كـ منظمة غير ربحية وفق المادة 501(c)(3)  من القانون الأميركي.

هيكلية المنتدى وآليات العمل

يقود المنتدى شخصيات سياسية وإعلامية بارزة من الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط، ويبرز من بينهم الصحافي يعقوب كاتس - الباحث في معهد سياسة الشعب اليهودي - الذي يشرف على تنظيم الفعاليات بالتعاون مع رؤساء مشاركين ومجموعة من الداعمين الماليين.

يُعرّف المنتدى نفسه بوصفه منصة تهدف إلى إعادة صياغة مفهوم الدبلوماسية في عالم يشهد تحوّلات متسارعة، وذلك عبر ابتكار مقاربات جديدة تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية من خلال بناء شبكات تواصل متقدمة وإيجاد حلول عملية عابرة للحدود. ويركّز المنتدى على دمج الرؤى المتعددة وتبادل الخبرات بين مختلف الأطراف، بما يمكّنه من – وفق المنتدى - الإسهام في ترسيخ استقرار الشرق الأوسط.

كما يؤكد المنتدى التزامه بمبدأ الشفافية والنقاش الصريح عبر اعتماده قاعدة تشاثام هاوس، التي تسمح باستخدام المعلومات المتبادلة من دون الإشارة إلى هوية المتحدثين؛ بهدف تعزيز الثقة بين المشاركين وفتح المجال لتناول قضايا حساسة نادراً ما تُطرح خارج الأطر الدبلوماسية التقليدية.

النخبة المشاركة والتأثير الاستراتيجي

يستقطب المنتدى نخبةً دولية من كبار الدبلوماسيين الحاليين والسابقين، وصنّاع القرار السياسي، والرؤساء التنفيذيين للشركات العالمية، إضافةً إلى نخبة من الخبراء في مجالات الاقتصاد والتقنية والأمن. ويشارك في المنتدى ممثلون عن مؤسسات مرموقة على المستوى الدولي، من بينها: شركة غوغل، وشركة ميتا، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، ومجموعة كي -كي - آر للاستثمار العالمي، وشركة بلاكستون، وشركة إنتل، وشركة بريدج ووتر أسوشييتس للاستثمارات، وشركة لوكهيد مارتن للصناعات الدفاعية، ومجموعة غولدمان ساكس المالية.

وفي منتديات سابقة شارك ممثلون عن 15  دولة، بينها 11  دولة شرق أوسطية بعضها لا يقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، إلى جانب شخصيات بارزة من مجالات السياسة والدبلوماسية والأمن والاقتصاد. ضمّ المؤتمر أيضاً رجال أعمال من دول مثل: الأردن، قطر، الكويت، لبنان، عُمان، ماليزيا، المملكة العربية السعودية، إضافة إلى ممثلين من صوماليلاند.

مضافاً إلى ذلك شخصيات سياسية بارزة، من بينهم: أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي الحادي والسبعون، مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك والتز مستشار الأمن القومي الأميركي، ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي السابقة، السيناتور جوني إرنست رئيسة اللجنة السياسية للحزب الجمهوري، والجنرال غابي أشكنازي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق.

مشاركة إسرائيلية وقضايا حساسة

كان الحضور الإسرائيلي في المنتدى بشكل لافت، حيث عكست مداخلات القادة الإسرائيليين في مؤتمر MEAD بواشنطن حساسية القضايا المطروحة وحداثتها. وقد شارك في النقاش كل من يائير لبيد وبيني غانتس، إلى جانب شخصيات أميركية بارزة مثل السيناتور جيم ريش، حيث تمحورت كلماتهم حول الحرب على غزة، وتصاعد النفوذ الإيراني، ومستقبل موازين القوى الإقليمية.

أولاً: مداخلة يائير لبيد

من بين المداخلات اللافتة في مؤتمر MEAD المنعقد في واشنطن خلال أيلول 2025 كلمة زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لبيد، الذي أعلن بوضوح أنّ حلّ الدولتين غير مرجّح خلال العقد المقبل، مبرراً ذلك بتحوّلات عميقة في الرأي العام الإسرائيلي عقب هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأكد لبيد أنّ الفلسطينيين باتوا يتحملون عبء إثبات نواياهم وعدم سعيهم لتدمير إسرائيل قبل الشروع في أي مفاوضات سياسية مستقبلية.[2]

ركّز لبيد في مداخلته على أولوية الأمن والدفاع في السياسة الإسرائيلية، معتبراً أن التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة يشكل ركيزة رئيسة لقوة إسرائيل الإقليمية، محذراً من أنّ أي خلل في هذا التنسيق سيؤدي إلى إضعاف مكانة إسرائيل ونفوذها في الشرق الأوسط.

وفي معرض رده على الانتقادات الدولية، اتهم لبيد بعض الأطراف العالمية بتبنّي ما وصفه بـ "رواية تنظيم إرهابي" ضد إسرائيل. وأشار إلى أن إسرائيل تمثل 0.1% فقط من سكان العالم لكنها تتعرض لـ نسبة تفوق 60% من الإدانات الدولية، معتبراً ذلك انعكاساً لمعاداة السامية. كما عقد مقارنة بين تجاهل المجتمع الدولي مقتل مئات الآلاف في سورية والسودان وميانمار وبين التركيز المفرط على إسرائيل.

أما فيما يتعلق بغزة، فقد أقرّ بوجود أزمة إنسانية حادة، لكنه ألقى بالمسؤولية الأساسية على حركة حماس، لافتاً إلى وجود 700–800 شاحنة مساعدات تنتظر الدخول عبر معبر كرم أبو سالم. وانتقد لبيد ما وصفه بـ ازدواجية المعايير الدولية التي تركز على معاناة غزة وتتجاهل أزمات إنسانية مماثلة في مناطق أخرى من العالم.

ثانياً: مداخلة السيناتور الأميركي جيم ريش

قدّم السيناتور الأميركي جيم ريش مداخلة اتّسمت بحدة الخطاب إزاء حركة حماس، إذ أكّد أن قادتها الذين خططوا ونفذوا هجمات 7 أكتوبر 2023 “يستحقون الموت”، محذراً من أن وجودهم في أي مكان في العالم أصبح محفوفاً بالخطر. وحمّل ريش الحركة المسؤولية الكاملة عما وصفه بـ"المجزرة المتعمدة وبدم بارد"، معتبراً أن رد إسرائيل العسكري كان متوقعاً بالكامل في ضوء حجم الهجوم. [3]

دعا ريش إلى استبعاد حماس من أي ترتيبات سياسية مستقبلية لما بعد الحرب، مشدداً على ضرورة تحرك الدول العربية نحو خطة شاملة ودائمة لمعالجة الأزمة، وأكد أن الدعم الأميركي لإسرائيل سيستمر حتى استسلام قيادة الحركة.

كما ركّز السيناتور على الدور الإيراني، معتبراً طهران "العدو الرئيس" في المنطقة ومصدر تمويل وتوجيه للعديد من الجماعات المسلحة. وأوضح أن بعض الدول العربية أبدت استعدادها للتخلص من النفوذ الإيراني، ما يتيح فرصة تاريخية لإعادة صياغة موازين القوى الإقليمية، خاصة في سورية ولبنان.

وأعرب ريش عن تفاؤله بإمكانية انطلاق موجة تطبيع إقليمية فور انتهاء الحرب، رغم اعترافه بأن هذا الهدف بعيد المنال في المرحلة الراهنة نظراً لاستمرار القتال. وختم بالتأكيد أن إسرائيل لن توقف عملياتها العسكرية، محمّلاً من بدأوا الصراع مسؤولية إنهائه، ومشيراً إلى أن الاستسلام الفوري لحماس قد ينهي الحرب، أما في حال استمرارها فسوف تكون نهايتها شبيهة بالحرب العالمية الثانية من حيث القضاء التام على العدو.

ثالثاً: مداخلة بيني غانتس

قدّم رئيس حزب أرزق - أبيض بيني غانتس رؤية ترتكز على ضرورة الإبقاء على وجود أمني دائم لإسرائيل في محيط قطاع غزة كشرط أساسي لحماية أمن مواطنيها. وأوضح أن التحديات الأمنية في القطاع ستظل قائمة لعقد من الزمن على الأقل، مستبعداً إمكانية بروز نظام حكم بديل يمكن لإسرائيل التعايش معه في المدى القريب. [4]

وأشار غانتس إلى أنه كان قد دعا سابقاً إلى اقتحام رفح وتوسيع العمليات العسكرية في لبنان، منتقداً ما وصفه بـ"بطء وتيرة العمليات الحالية"، وداعياً إلى المضي حتى النهاية في مواجهة حركة حماس والعمل على بناء نظام بديل لها في غزة، واصفاً هذا المشروع بأنه طويل الأمد ويتطلب تخطيطاً أمنياً واستراتيجياً معقّداً.

كما لفت إلى أن أي صفقة تبادل أسرى ستستلزم إعادة هيكلة المنظومة الأمنية والاستعداد لمتغيرات ميدانية، مؤكداً أن إسرائيل قادرة على إعادة تشكيل معادلات الأمن والدفاع عن نفسها. وانتقد غانتس ما اعتبره تباطؤاً في تسليم الأسلحة الأميركية، محذراً من أن ذلك قد يُفسَّر كإشارة ضعف، ومؤكداً في المقابل أن إسرائيل تمثل شريكاً ديمقراطياً واستراتيجياً للولايات المتحدة، وأن الحفاظ على العلاقات الثنائية مصلحة مشتركة للطرفين.

تقييم استخباراتي لهجوم 7 أكتوبر

وكانت من بين المداخلات البارزة، مداخلة لمسؤول أمني إسرائيلي رفيع كشف فيها عن تفاصيل جديدة تتعلق بالتصورات الاستراتيجية التي قادت حركة حماس لتنفيذ هجوم 7 أكتوبر 2023. أوضح المسؤول أن قائد الحركة يحيى السنوار قدّم العملية باعتبارها جزءاً من "خطة إلهية" مستوحاة من تعاليم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وأن رؤيته تقوم على مفهوم "جيل الصحراء" الذي يتولى قيادة الصراع عبر ثلاث مراحل تاريخية تنتهي بمرحلة "التحرر" المتوقع بلوغها في حدود العام 2028. [5]

وبيّن العرض الاستخباراتي أنّ الهدف المركزي للهجوم كان إحداث انهيار اجتماعي داخل إسرائيل من خلال استخدام العنف المفرط والمفاجأة العملياتية، غير أن الهجوم اعتُبر خطاً استراتيجياً أدّى إلى عزلة دولية متزايدة للحركة، وأثار صدمة داخل قطاعات فلسطينية واسعة.

كما أشار المسؤول إلى أنّ السنوار أساء تقدير ردود الفعل الإسرائيلية والدولية، إذ توقّع أن يحول الرد دون اجتياح غزة، وأن يشارك حزب الله بالكامل في الحرب، وأن يؤدي ذلك إلى إضعاف العلاقات الإسرائيلية– الأميركية وإفشال مسار التطبيع مع السعودية، لكن النتائج جاءت معاكسة لهذه الحسابات.

وأضاف أنّ قيادة حركة حماس قد تضطر إلى الانتقال من الدوحة إلى قطاع غزة عقب الاغتيالات التي استهدفت شخصيات بارزة من الحركة في الخارج، مع استمرار مفاوضات تبادل الأسرى عبر قنوات دبلوماسية بديلة. وختم المسؤول مداخلته بالتأكيد على ضرورة التركيز على شبكة وكلاء إيران وبرنامجها الصاروخي، واصفاً الهجوم بأنه "مجزرة إيرانية نُفِّذت بأيادٍ فلسطينية"، محذراً من أن تجاهل هذا البُعد سيؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي.

ختاماً، يبرز مؤتمر MEAD كمنصة مغلقة تتناول ملفات حساسة تتعلق بالصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، النفوذ الإيراني، ومستقبل المنطقة، مما يعكس دوره كمختبر لصياغة استراتيجيات غير مطروحة في القنوات العلنية.

 

[1] الموقع الرسمي لـ MEAD عبر شبكة الإنترنت https://www.meadsummit.com/foundation

[2] جيروزالِم بوست، "لبيد: لا حلّ الدولتين في العقد المقبل بعد السابع من أكتوبر"، 10 أيلول 2025، https://www.jpost.com/israel-news/article-867058

[3] i24NEWS، "السيناتور جيم ريش: ’أعضاء حماس الذين استُهدفوا في قطر يستحقون أن يلقوا حتفهم’"، 10 أيلول 2025. https://www.i24news.tv/he/news/international/usa-canada/artc-b4cd3f8c

[4] نرِيا كراوس. "غانتس في مؤتمر واشنطن: ’إسرائيل يجب أن تحافظ على وجود في المحيط"’. القناة 13، 10 أيلول 2025. https://13tv.co.il/item/news/politics/state-policy/mead-904757404/

[5] تسفيكا كلاين، "السنوار قدّم هجوم 7 أكتوبر كجزء من خطة إلهية، وفق مسؤول رفيع في مؤتمر بواشنطن"، جيروزالِم بوست، 10 أيلول 2025، https://www.jpost.com/middle-east/article-867026

 

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, يائير لبيد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات