المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
السلب المتسارع للأرض الفلسطينية: مشهد بالقرب من قرية أم الخير الفلسطينية في منطقة مسافر يطا. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 8
  • وليد حباس

في 29 أيار 2024، استُحدث منصب جديد في الإدارة المدنية بالضفة الغربية هو "نائب رئيس الإدارة المدنية"، وعُيّن فيه هيلل روت (Hillel Roth). يمثّل هذا التعيين لحظة مفصلية في مسار المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ فتح الباب أمام واقع سياسي– إداري جديد يختلف جذرياً عمّا كان قائماً منذ العام 1967.

إسناد هذا المنصب إلى شخصية قادمة من قلب التيار الديني– القومي يعني وضع مصير الضفة الغربية بيد من كلّف مباشرة بترجمة "رؤية الضم" التي يتبناها بتسلئيل سموتريتش إلى خطوات عملية وسريعة. وبذلك يصبح هذا التعيين علامة فارقة تعيد تعريف طبيعة الحكم العسكري– المدني في الضفة الغربية، وتدشّن مرحلة جديدة في سياسات الاستيطان.

تهدف هذه المقالة إلى استعراض ملامح الواقع الاستيطاني بعد تعيين هيلل روت، وتحليل ما يحمله من انعطافة استراتيجية في آليات السيطرة الإسرائيلية على الأرض والسكان.

  1. إنشاء منصب "نائب الإدارة المدنية": ماذا يعني؟

التعديل الصادر بتاريخ 29 أيار 2024 من قبل قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، جاء تحت الرقم 33 كتعديل جوهري للأمر العسكري الأساسي رقم 947 لسنة 1981 المتعلق بإنشاء الإدارة المدنية. جوهر هذا التعديل يتمثل في إضافة منصب جديد تحت مسمى "نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية".

يُمنح هذا النائب صلاحيات واسعة تكاد توازي صلاحيات رئيس الإدارة المدنية. فلرئيس الإدارة الحق في تفويض كل أو بعض صلاحياته إلى النائب، كما يستطيع النائب ممارسة الصلاحيات المتعلقة بالتشريع والتنظيم عبر سنّ الأنظمة واللوائح بموجب "تشريعات الأمن" والأوامر العسكرية. وهو ملزم أيضاً بالرجوع إلى المستشار القانوني لمنظومة الأمن الإسرائيلي أو من ينوب عنه في جميع المسائل القانونية. والأهم أن النصوص القانونية والأوامر العسكرية التي تشير إلى "رئيس الإدارة المدنية" تُفسَّر الآن لتشمل أيضاً "نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية".

إلى جانب ذلك، أضيفت توسعة ثالثة إلى النصوص الملحقة بالأمر العسكري، تضم قائمة طويلة تزيد على 70 قانوناً وأمراً عسكرياً باتت خاضعة لصلاحيات النائب الجديد. هذه القائمة تشمل أوامر متعلقة بالممتلكات العقارية والأراضي الحكومية منذ العام 1967، وقوانين خاصة بالبث والإشارات والسياحة والمياه وحماية البيئة والحدائق والغابات والآثار، بالإضافة إلى أنظمة تخص التخطيط والبناء والتوقيع على العقود والهيئات المحلية والمجالس الإقليمية والبلدية. كما تتناول حماية الأماكن المقدسة (باستثناء الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل وقبر صموئيل)، إلى جانب أوامر عن المحاكم الدينية والمساعدات القانونية والحجز العسكري على الأراضي واستملَاك العقارات. وتشمل أيضاً قوانين مدنية قديمة من الحقبة العثمانية مثل قانون الأراضي لسنة 1858 وقانون الطابو، وقوانين بريطانية وأردنية مثل قانون الشركات لسنة 1964 وقوانين الأملاك والإيجار والمستأجرين.

من الناحية السياسية والقانونية، يؤسس هذا التعديل ثنائية قيادية داخل الإدارة المدنية: رئيس الإدارة المدنية الذي يعمل تحت إشراف الجيش، ونائب للشؤون المدنية يتمتع بصلاحيات مستقلة واسعة. وبهذا، يُترجم التعديل عملياً نقل الصلاحيات المدنية من المستوى العسكري إلى أيدٍ مدنية استعمارية ذات طابع إداري، وهو ما يكرس مسار الضم بحكم الأمر الواقع. دخول عشرات القوانين والأوامر في صلاحيات النائب يعني أن تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية، من الأرض والتخطيط إلى البيئة والآثار والخدمات المدنية، أصبحت خاضعة لسلطة المستوطنين.

هذا التركيز الاستثنائي للسلطات في يد روت وحده يعني أنّ الجيش نفسه بات تابعاً لتوجهاته. وفق تسريبات من سموتريتش، لا يمكن حتى لقائد المنطقة أو لرئيس الإدارة المدنيّة أن يسحب صلاحياته، بل فقط رئيس الأركان وبموافقة وزير الدفاع، ولفترة محدودة جداً. من المهم الإشارة إلى أن مسمى "نائب رئيس الإدارة المدنية" هو مسمى كاذب ولا يعبر عن الحقيقة؛ إذ أن الاعتبارات المتعلقة بالقانون الدولي هي التي أدت الى إطلاق صفة "نائب" رئيس الإدارة المدنية حتى يظهر أمام المجتمع الدولي على أنه ما يزال تابعاً للجيش ولم يتم تحويل صلاحيات اتخاذ القرار في الضفة الغربية إلى شخصية مدنية. لكن في الواقع، هو ليس تابعا لرئيس الإدارة المدنية أو المنسق، بل لمديرية الاستيطان في وزارة الدفاع، وهي المديرية التي أنشأها سموتريتش ووضعها تحت صلاحياته مباشرة. بهذا، يضمن سموتريتش وروت أنّ البنية العسكرية تتحوّل إلى جهاز تنفيذي يخدم مشروع الاستيطان بدل أن يكون المرجع الأعلى.

  1. من هو النائب الجديد: السيرة المهنية لهيلل روت

روت ليس مجرّد بيروقراطي، بل يمثّل قناة مباشرة بين مؤسسات الدولة الرسمية وبين مصالح المستوطنين، حيث أُنيطت به صلاحيات غير مسبوقة في التخطيط، الأراضي، المواصلات، البيئة، وحتى إنفاذ القانون. ومن هنا، تتضح خطورة موقعه الجديد الذي يحوّل الإدارة المدنية من أداة عسكرية مؤقتة إلى ذراع بيروقراطية بيد المشروع الاستيطاني.

ينتمي هيلل روت إلى ما يطلق عليه بالعبرية "جيل الامتداد"، هو مصطلح يُستخدم لوصف الجيل الثاني أو الجيل الثالث من المستوطنين، أبناء وبنات مؤسسي المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذين وُلدوا ونشأوا داخل المستوطنات. يتميز هذا الجيل بدمج الأيديولوجيا الدينية– القومية مع التعليم والعمل المؤسساتي، ما يمنحه شرعية مضاعفة لقيادة المشروع وتوسيعه بطرق أكثر رسوخاً وبيروقراطية. فقد نشأ روت في مستوطنة يتسهار، معقل المستوطنين المتشددين، ثم انتقل لاحقاً إلى ربافا، وهي مستوطنة أكثر اندماجاً في "mainstream" الديني– القومي. قبل تعيينه نائباً للإدارة المدنية، شغل مواقع إدارية في المجلس الإقليمي شومرون وفي شبكة مؤسسات الشبيبة القومية- الدينية "بني عكيفا". هذا المسار المهني يكشف عن تداخل بين النشاط الحركي– الدعوي وبين العمل الإداري، مما يجعله أكثر من موظف حكومي؛ بل حلقة وصل بين الأيديولوجيا الدينية– القومية والبنية البيروقراطية للدولة.

  1. مشروع الاستيطان كاستراتيجية

وجود روت في هذا المنصب يخدم الخطة الأوسع: خلق تواصل استيطاني يقطع الضفة الغربية ويمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. توسعة مستوطنة ربافا، ربطها ببركان وكريات نتافيم، وشرعنة المزارع الرعوية، كل ذلك يندرج في مخطط استراتيجي يرعاه سموتريتش. إنّ ما يُقدَّم كإدارة مدنية هو في جوهره عملية ضمّ زاحف، مدني– بيروقراطي الطابع، لكنه أكثر رسوخاً من أي عمل سابق.

يمكن القول إنّ هيلل روت يجسّد ما يمكن تسميته "خصخصة الاحتلال"؛ حيث يتولى المستوطنون أنفسهم إدارة شؤون الفلسطينيين عبر جهاز مدني، بينما يتحوّل الجيش إلى قوة حراسة. خطورة هذا النموذج أنّه يجعل الاحتلال أكثر رسوخاً و"قانونية"، ويحوّل الضمّ من شعار سياسي إلى واقع يومي.

  1. الاعتراضات على تعيين روت

في 26 أيلول 2024، قدّمت منظمتا يش دين وجمعية حقوق المواطن التماساً إلى المحكمة العليا لإلغاء الأمر العسكري الجديد وما ترتّب عليه من مناصب وصلاحيات، معتبرتين أنّ هذا النقل يشكّل تغييراً جوهرياً في بنية السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وينطوي على انتهاك واضح للقانون الدولي، كما يكرّس نظام أبارتهايد مؤسسي.

في تموز 2025 أعلنت الدولة عن حذف بعض البنود من اتفاق الصلاحيات، استجابةً لملاحظات المحكمة العليا، غير أنّها أبقت على جوهر التعديل الذي يمنح بتسلئيل سموتريتش السيطرة المدنية الفعلية على الضفة الغربية. وبهذا، فإنّ التعديلات التي جرت بقيت في إطارها الشكلي من دون المساس بجوهر المشروع.

النتيجة أنّ المسار لا يزال يتجه نحو ضمّ فعلي للضفة الغربية وتفكيك تدريجي للإدارة المدنية العسكرية لصالح إدارة مدنية سياسية خاضعة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية. وحتى اللحظة، يبقى الالتماس المقدّم من المنظمتين قيد النظر أمام المحكمة العليا، ما يجعل الملف مفتوحاً سياسياً وقضائياً، ويكشف عن إصرار الدولة على المضي في هذا التغيير رغم الاعتراضات الحقوقية والقانونية.

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, راحيل, بني عكيفا, الإدارة المدنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات