نشر مكتب مراقب الدولة الإسرائيلية تقريراً جديداً ضمن سلسلة التقارير حول أداء الحكومة في الاستجابة للاحتياجات المدنية خلال الحرب على قطاع غزة. وهو يتناول جوانب عدة من التقصير والإخفاق في قطاعات عدة ترتبط بسير الحياة المدنية، واختار هذه المرة تخصيص فقرة واسعة يعدد فيها أسماء المسؤولين السياسيين والعسكريين خلال الحرب، بما يشمل رئيس الحكومة ووزيري المالية والدفاع وسابقيهم قبل الحرب.
ويقول المراقب في مقدمته: "أدت حرب "السيوف الحديدية" إلى أضرار جسيمة وغير مسبوقة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. في أعقاب إطلاق الصواريخ والقذائف المكثفة على الأراضي الإسرائيلية من عدة جبهات قتالية، اضطر مئات الآلاف من السكان إلى مغادرة منازلهم في عشرات البلدات في منطقتين من البلاد في الشمال والجنوب؛ وتم تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط للخدمة الاحتياطية الممتدة؛ وواجه أصحاب المصالح التجارية صعوبات؛ وتضرر العديد من السكان بشكل كبير - جسدياً ونفسياً؛ وتم اكتشاف صعوبات في التشغيل الكامل والمتواصل لجهاز التعليم وسط السكان الذين تم إجلاؤهم، وغيرها".
ويشدد على أن الحرب اندلعت "بعد نحو 17 عاما من حرب لبنان الثانية (2006)، التي ألحقت آنذاك أكبر ضرر في الجبهة الداخلية الإسرائيلية حتى ذلك الوقت. وللأسف، خلال السنوات العديدة التي مرت بين هاتين الحربين، فشلت الحكومة الإسرائيلية في استخلاص العبر وتنفيذ التوصيات التي كان من المفترض أن تؤدي إلى إنشاء بنية تحتية وظيفية مستعدة ومدربة للتعامل مع الجبهة الداخلية الإسرائيلية في حالة وقوع حرب واسعة النطاق. ومن بين النتائج العديدة التي توصل إليها التقرير، يكفي أن نشير في هذه الملاحظات التمهيدية إلى حقيقة مفادها أن الحكومة لم تستكمل على مدى 17 عاماً الإجراءات المطلوبة لتعيين هيئة تتمتع بصلاحية ومسؤولية شاملة لإدارة ورعاية الجبهة الداخلية خلال أوقات الطوارئ. ولم يتم إنشاء جهاز تشغيلي والذي من المفترض أن يدعم الاستجابة في هذا المجال كما يجب".
ثغرات إدارية وتنظيمية أثرت سلباً على أداء السلطات المسؤولة
وفقاً للتقرير، فإن تحليل سير الأحداث والإجراءات المتخذة يكشف عن عدد من الثغرات الإدارية والتنظيمية التي أثرت سلباً على فعالية الإدارة، وأدت إلى تأثيرات محسوسة على حياة المدنيين، فضلاً عن خلق تحديات إضافية على المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني. الحرب كشفت، على نحو فاق التوقعات، نقاط ضعف استراتيجية في كيفية تسيير شؤون القطاع المدني أثناء أزمات واسعة النطاق، الأمر الذي يستدعي دراسة مفصلة لكل مرحلة من مراحل الإدارة، وتقييم الأداء، واستخلاص التوصيات العملية لتحسين الأداء في المستقبل.
ويكشف أن أول التحديات التي برزت كانت مرتبطة بالإعداد المسبق للطوارئ في القطاع المدني، حيث تبين أن الخطط الموضوعة لمواجهة النزاعات المسلحة كانت محدودة النطاق وغالباً غير متكاملة مع جميع الأجهزة ذات الصلة. على الرغم من وجود بروتوكولات عامة لإدارة الطوارئ، إلا أن هذه البروتوكولات لم تكن كافية لمواجهة حجم التحديات التي نشأت خلال الحرب، بما في ذلك موجات النزوح الداخلي، انقطاع الخدمات الأساسية، وزيادة الضغط على المستشفيات والمدارس والمؤسسات الاجتماعية. وقد كشفت الأحداث عن أن بعض الوزارات والسلطات المحلية لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية، سواء من حيث الموارد البشرية أو المعدات، وهو ما أدى إلى تأخر استجابة بعض القطاعات الحيوية، وخلق فجوة واضحة بين مستوى الطلب على الخدمات المدنية والقدرة الفعلية على تلبيتها.
فيما يتعلق بتقديم الخدمات الأساسية، أظهرت الحرب أن هناك خللاً في آليات توزيع الموارد، خصوصاً فيما يتعلق بالماء والكهرباء والرعاية الصحية. فقد شهدت بعض المناطق انقطاعاً طويلاً في الخدمات الحيوية، في حين أن مناطق أخرى لم تتأثر بنفس القدر، مما يشير إلى وجود ضعف في التنسيق بين المؤسسات الحكومية المختلفة وبين السلطات المحلية والمجتمع المدني. كما أن العمليات اللوجستية لتوزيع المساعدات الغذائية والطبية أظهرت قصوراً كبيراً في التخطيط المسبق، واعتماداً مفرطاً على التفاعلات الطارئة بدلاً من خطة شاملة تتضمن احتياجات جميع المناطق المتأثرة. هذا النقص في التنسيق أدى إلى تفاقم معاناة السكان المدنيين، خاصة في المناطق النائية أو المحاصرة، حيث تأخرت الإمدادات أو كانت غير متكافئة مع الحاجة الفعلية.
ضعف في نشر التعليمات والإرشادات بشأن الإجلاء الآمن والحماية
جانب آخر من الفجوات التي توقف عندها المراقب في تقريره يتصل بالتواصل مع السكان المدنيين ونقل المعلومات الضرورية لهم. خلال الحرب، لوحظ ضعف في نشر التعليمات الرسمية والإرشادات الخاصة بالإجلاء الآمن والحماية المدنية، ما أدى إلى حالة من الارتباك والارتجال بين السكان. كثير من المواطنين لم يكونوا على دراية تامة بالإجراءات الواجب اتباعها، بينما أظهرت بعض التقارير أن المعلومات الرسمية غالباً ما كانت متأخرة أو غير دقيقة، في حين تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي ونشرات غير رسمية لملء الفراغ، ما أدى في بعض الأحيان إلى تضليل المدنيين ونشر الشائعات. هذا الواقع يعكس ضرورة تعزيز آليات الاتصال الحكومي مع السكان، بما في ذلك إنشاء قنوات متعددة موثوقة وسريعة لنقل المعلومات الحيوية أثناء الطوارئ.
تطرقاً إلى التنسيق بين السلطات المختلفة، فقد ظهر أن هناك فجوة كبيرة بين التخطيط العسكري والمدني، بحيث كانت بعض القرارات العسكرية تؤثر مباشرة على المدنيين من دون استشارات كافية مع الجهات المسؤولة عن القطاع المدني. على سبيل المثال، عمليات الإخلاء أو فرض القيود على الحركة كانت في كثير من الأحيان مفاجئة للمدنيين، ما تسبب في أزمة إنسانية، وأبرز الحاجة إلى آليات تنسيق أفضل تضمن توازناً بين الاحتياجات العسكرية ومتطلبات حماية المدنيين. هذا القصور في التنسيق يكشف عن ضعف في وجود هيئة مركزية لإدارة الأزمات تجمع بين جميع الجهات المعنية، أو على الأقل، آليات واضحة لتبادل المعلومات بين المؤسسات العسكرية والمدنية.
أما على صعيد إدارة الكوارث الصحية، فقد أظهرت الحرب ضعف القدرة على الاستجابة للأزمات الطبية الطارئة. فالمستشفيات والمراكز الصحية تعرضت إلى ضغط هائل بسبب عدد الجرحى المتزايد، بينما لم تتوافر جميع المعدات الطبية والأدوية بشكل كافٍ. كما أن بعض الكوادر الطبية لم تكن مدربة بشكل كامل على التعامل مع حجم الإصابات والطوارئ الجماعية، ما أثر على جودة الرعاية المقدمة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك فجوة في الإدارة اللوجستية للأدوية والمستلزمات الطبية، مع اعتماد مفرط على الشحنات الطارئة بدلاً من وجود مخزون استراتيجي يغطي احتياجات الحرب.
ضعف جاهزية المدارس والمؤسسات الاجتماعية لتوفير الدعم اللازم للأطفال
كشفت الحرب بحسب التقرير وفيما يخص الخدمات الاجتماعية والتعليمية، عن ضعف جاهزية المدارس والمؤسسات الاجتماعية لتوفير الدعم اللازم للأطفال والطلاب، سواء في مناطق النزاع المباشر أو المناطق المحيطة بها. فقد أُغلقت العديد من المدارس بشكل مؤقت، بينما حاولت بعض السلطات المحلية توفير تعليم بديل عن بعد، إلا أن عدم توافر البنية التحتية الرقمية الكافية والفجوة في مهارات المعلمين والطلاب أدت إلى انخفاض كبير في جودة التعليم المقدم. كما أن الدعم النفسي للأطفال والأسر المتضررة كان محدوداً، وهو ما أظهر ضرورة إدراج برامج مستدامة للصحة النفسية والإرشاد الاجتماعي ضمن خطط الطوارئ للقطاع المدني.
جانب آخر مهم يتعلق بالجانب القانوني والمؤسساتي لإدارة القطاع المدني، حيث برزت فجوة في الصلاحيات والآليات القانونية لتنظيم عمليات الطوارئ. بعض السلطات المحلية لم تكن لديها صلاحيات واضحة لاتخاذ قرارات سريعة، ما أدى إلى تأخير استجابة بعض المناطق، بينما كانت بعض الإجراءات غير متسقة مع التشريعات القائمة، ما أثار تساؤلات حول مدى قانونية بعض القرارات المتخذة أثناء الحرب. هذا يبرز الحاجة إلى مراجعة الأطر القانونية والتنظيمية لضمان وجود قاعدة قانونية واضحة ومرنة تسمح للسلطات المعنية بالتصرف بسرعة وكفاءة أثناء الأزمات دون الإخلال بحقوق المدنيين.
من جانب التخطيط الاستراتيجي، أظهرت الحرب أن هناك ضعفاً في بناء القدرات المؤسسية المستدامة، حيث كانت معظم الاستعدادات تعتمد على خطط نظرية أو تجارب سابقة محدودة، من دون وجود سيناريوهات مفصلة تغطي جميع احتمالات النزاع. كما أن التدريب والتأهيل لموظفي القطاع المدني لم يكن كافياً، ما جعل بعض الفرق غير مستعدة للتعامل مع الضغوط الكبيرة والتغيرات المفاجئة في ظروف العمل. هذه الثغرة في التخطيط وبناء القدرات تشير إلى ضرورة تبني نهج أكثر شمولية واستدامة، يشمل التدريب الدوري، محاكاة الطوارئ، وتطوير خطط استجابة مرنة وقابلة للتكيف مع أي سيناريو محتمل.
أما على مستوى التمويل وإدارة الموارد، فقد أظهرت الأزمة ضعفاً في قدرة الجهات المدنية على تخصيص الموارد بشكل سريع وفعال. العمليات الطارئة استدعت إنفاقاً غير مخطط له في بعض القطاعات، بينما لم تكن هناك آليات واضحة لضمان توزيع الأموال والمساعدات بكفاءة، ما أدى إلى تراكم بعض الاحتياجات من دون تلبية، وإلى تأخير وصول الدعم إلى السكان المحتاجين. هذه الفجوة في الإدارة المالية تؤكد على أهمية وجود صندوق طوارئ مدني مجهز مسبقاً، وآليات شفافة وسريعة للصرف والتوزيع، بما يضمن الاستجابة العاجلة لأي أزمة من دون تذبذب في الأداء.
توصيات بإجراء مراجعة شاملة للخطط والإجراءات وإدارة الموارد
شدد مراقب الدولة حرفياً وبالأسماء على أنه "تقع مسؤولية النتائج الرئيسة التي أثارها هذا التقرير على عاتق الجهات التالية: رئيس الحكومة، عضو الكنيست بنيامين نتنياهو، الذي لم ينجح خلال سنوات من اشغال منصبه في إنشاء البنية التحتية الوظيفية المطلوبة. وزير الدفاع خلال فترة الرقابة، يوآف غالانت، ووزراء الدفاع الذين سبقوه، لم يقوموا بتنظيم مكانة هيئات الطوارئ لسنوات، وكذلك وزير المالية عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، الذي ترأس مجلس الوزراء الاجتماعي والاقتصادي أثناء الحرب".
يشدد التقرير على أن ما برز من خلال إدارة القطاع المدني خلال الحرب يشير إلى الحاجة إلى مراجعة شاملة للخطط والإجراءات، والتركيز على ثلاثة محاور رئيسة: أولاً، تعزيز البنية المؤسسية والقدرات البشرية، من خلال تدريب الكوادر المدنية على إدارة الأزمات، وتوسيع خبراتهم العملية، وتطوير خطط مرنة للتعامل مع مختلف السيناريوهات. ثانياً، تحسين التنسيق بين السلطات المدنية والعسكرية، وإنشاء هيئة مركزية لإدارة الأزمات تجمع بين جميع الأطراف المعنية وتضمن تبادل المعلومات بشكل سريع وفعال. ثالثاً، تعزيز آليات التواصل مع السكان المدنيين، من خلال إنشاء قنوات متعددة لنقل المعلومات الدقيقة والموثوقة، وتوفير التوجيهات والإرشادات اللازمة لضمان حماية السكان وتقليل الخسائر.
كما ينبغي التركيز على تطوير إدارة الموارد والخدمات الأساسية، بما في ذلك تحسين توزيع الماء والكهرباء والإمدادات الطبية والغذائية، وإنشاء مخزون استراتيجي يغطي احتياجات الحرب لفترات طويلة، وضمان آليات شفافة وفعالة للتوزيع المالي والمادي. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وتطوير إطار قانوني واضح يسمح للسلطات المحلية بالتصرف بسرعة وكفاءة من دون الإخلال بحقوق المدنيين.
ختاماً، يخلص التقرير، يمكن القول إن تجربة إدارة القطاع المدني خلال الحرب شكلت فرصة لاختبار جاهزية الدولة ومؤسساتها المدنية في مواجهة النزاعات المسلحة، وكشفت عن فجوات متعددة في التخطيط، التنسيق، الموارد، التواصل، والبنية القانونية. هذه الفجوات لم تؤثر فقط على جودة الخدمات المقدمة للمدنيين، بل أثرت أيضاً على قدرة الدولة على الحفاظ على استقرارها الداخلي. لذلك، فإن معالجة هذه القصورات وتحسين إدارة القطاع المدني يتطلبان التزاماً طويل الأمد بخطط شاملة، تطوير القدرات البشرية والمؤسسية، تعزيز التنسيق بين جميع الجهات، وتوفير آليات واضحة وفعالة لضمان حماية المدنيين واستمرار تقديم الخدمات الأساسية خلال أي أزمة مستقبلية، وفقاً لعباراته.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, بتسلئيل, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو