المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (عن: كلكاليست)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 20
  • برهوم جرايسي

أثار تقرير جديد للبنك الدولي، عن معدل الولادات العالمية، القلق الإسرائيلي من جديد، إذ أن معدل الولادات في إسرائيل هو ضعفا المعدل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ويزيد المعدل في المقارنة مع الدول الأكثر تطورا. ومن أبرز أسباب هذا القلق أن المصدر الأكبر لمعدل الولادات في إسرائيل الذي بات يلامس 3 ولادات للأم الواحدة، هو جمهور اليهود الحريديم (المتزمتون دينياً)، ووصل هذا القلق الى حد أن يحذر خبير ديمغرافي من "زوال إسرائيل"، إذا ما استمرت هذه الحال. وفي المقابل فإن معدل الولادات لدى فلسطينيي الداخل، بات أقل من المعدل لدى اليهود الإسرائيليين ككل.

والقلق نابع من نمط حياة مجتمع الحريديم، الذي إنتاجيته واستهلاكه أقل من معدلات الدول المتطورة، وأكثر من هذا التدني الحاد في انخراط رجال الحريديم في سوق العمل.

فقد قال تقرير منظمة OECD إن معدل الولادات في إسرائيل 2.9، في حين تقول تقارير إسرائيلية إنه بات يلامس 3 ولادات للأم الواحدة، قبل عامين من الآن (تقديرات الولادات للأم دائما يعود عامين إلى الوراء)، وهذا يعني ضعفي معدل الولادات بين دول OECD، وأن من أكبر مصادر ارتفاع معدل الولادات في إسرائيل مجتمع الحريديم.

وبحسب المعطيات الإسرائيلية الأخيرة، فإن معدل الولادات للأم الواحدة من الحريديم 6.5 ولادات، وهذا معدل لا تجده ربما حتى في الدول الفقيرة، وإذا أخذنا أن معدل الأعمار لديهم مرتفع عن المعدل العالمي، فهذا يعني أن نسبة التكاثر لدى الحريديم قد تكون الأعلى عالميا. ورغم ذلك فإن في هذا المعدل تراجعاً طفيفاً عما كان حتى قبل سنوات قليلة، بمعدل 7 ولادات.

واللافت هنا، أن المعدل لدى الحريديم الأشكناز (الغربيين)، هو الأعلى ويتجاوز بشكل ملموس 7 ولادات للأم الواحدة، بينما يقل عن 6 ولادات لدى الأم من الحريديم الشرقيين (السفاراديم).

يليهم جمهور المتدينين الصهاينة، بمعنى التيار الديني في الحركة الصهيونية، وقال آخر تقدير إن معدل الولادات لديهم 3.7 ولادات للأم الواحدة، وهذا يعد تراجعا كبيرا، عن بضع سنوات سابقة، حينما كان المعدل 4.5 ولادات للأم الواحدة.

ثم تتدرج معدلات للنساء من الجمهور المحافظ القريب للديني في حدود 3 ولادات أو أكثر بقليل، أما لدى النساء العلمانيات فإن المعدل في حدود ولادتين، وفي هذا ارتفاع عن سنوات سابقة، حينما كان المعدل لديهن بالكاد يصل الى 1.5 ولادة للأم.

وفي حين أنه حتى سنوات التسعين، ولربما مطلع سنوات الألفين، كان التحريض على فلسطينيي الداخل، أيضا من باب التكاثر الطبيعي لديهم، فقد بات حاليا معدل الولادات لديهم أقل من معدل الولادات لدى اليهود، إذ تقول آخر إحصائية أن معدل الولادات لدى الأم العربية 2.85 ولادة، لكن تقرير آخر تحدث عن أكثر من 2.9 ولادة، وهذا فارق هش.

التطور الحاصل في هذا المجال بين العرب هو الانخفاض الحاد جدا في معدل الولادات لدى الأم العربية في منطقة النقب (جنوب) إلى ما دون 3 ولادات للأم الواحدة، في مقابل ما بين 6 إلى 8 ولادات في سنوات التسعين من القرن الماضي.

وتقسّم التقارير الإسرائيلية العرب الى أديان وطوائف (وهذا قائم عند اليهود أيضا)، ويقول آخر تقرير إن معدل الولادات لدى الأم المسلمة يقل عن 3 ولادات، ولدى الأم المسيحية 1.65 ولادة (واحتمال أن تدخل في الحسابات هنا مسيحيات لسن عربيات، بل وصلن إلى البلاد ضمن عائلات يهودية)، ومثل هذا المعدل الأخير أيضا لدى النساء من الطائفة العربية الدرزية.

مقارنات مع العالم

ولإظهار مدى ارتفاع معدل الولادات لدى الأم اليهودية، وبشكل خاص لدى الحريديم، استعرضت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، معدل الولادات في عدد من الدول، وأبرزت إيران التي يطغى عليها الطابع الديني الإسلامي المتشدد، إذ أن معدل الولادات هناك 1.7 ولادة للأم الواحدة، وفي مصر 2.8 ولادة، والأردن 2.6 ولادة، وسورية 2.7 ولادة، ولبنان 2.2 ولادة.

أما المعدل في دول منظمة OECD الـ 38 فقد بلغ 1.5 ولادة، وإن الدول التي تلي إسرائيل في معدل الولادات في هذه المنظمة هي المكسيك، لكن بفارق ولادة واحدة للأم، إذ أن المعدل في المكسيك 1.9 ولادة.

أسباب القلق

وينبع القلق من التكاثر الحاد لجمهور الحريديم إلى أن هذا الجمهور المتزمت دينيا تقل فيه نسبة الانخراط في العمل، خاصة لدى الرجال، حوالي 53% لدى الرجال في جيل العمل (25 إلى 64 عاما)، في حين أن المعدل في إسرائيل في محيط 82%، إلا أن نساء الحريديم ينخرطن في سوق العمل بنسبة 81%، بحسب معدل انخراط النساء اليهوديات بشكل عام.

كذلك فإن الحياة التقشفية التي لهذا الجمهور تجعله ليس جمهورا استهلاكيا بمفاهيم اقتصاد السوق، عدا عن أن انتاجيته تقل بكثير عن غيره، وهذا ما يرفع نسب الفقر لدى، ويجعله جمهوراً يتكئ أساسا على المساعدات الاجتماعية الحكومية. 

وتقول صحيفة "كالكاليست" في تقرير لها، إن "الاستنتاج واضح: إذا كانت هناك مشكلة ديمغرافية داخل إسرائيل، فهي تقتصر على الجمهور اليهودي". وفي إشارة الى خروج فلسطينيي الداخل من دائرة القلق الديمغرافي الإسرائيلي، يقول التقرير إنه عدا عن انخفاض معدل الولادات لدى النساء العربيات، فإن معدل انخراطهم في سوق العمل في ارتفاع مستمر. وقالت الصحيفة إنه "من الأرقام الأخرى الجديرة بالدراسة: ارتفاع معدل توظيف النساء العربيات من 33% العام 2014 إلى ما يقارب 50% في النصف الأول من العام 2025". ونشير هنا إلى أن نسبة انخراط النساء العربيات في جيل الشباب، وما بعده، أعلى بكثير من المعدل العام، الذي ما زال يتأثر من الأجيال المتقدمة في العمر من النساء.

وأضافت "كالكاليست": يُعد معدل الولادات لدى النساء الحريديات الأكثر تأثيرا على الناتج المحلي الإجمالي، والخزينة العامة، والمخصصات الاجتماعية. إذ أنه وفق تقديرات خبراء في العام 2065 ستكون نسبة الحريديم من إجمالي اليهود أكثر من 32%، لكن معهد أبحاث شؤون الحريديم، في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، يقول إن نسبتهم في ذلك العام ستكون في محيط 25% من إجمالي السكان (أقل من 15% اليوم)، وهذا كما يبدو يعود الى توقعات بتراجع معدل الولادات لديهم.

ويحذر البروفيسور دان بن دافيد، رئيس معهد شورش للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية، للصحيفة ذاتها، "من أنه إذا لم توقف إسرائيل ارتفاع معدلات المواليد، مصحوبا بضعف التعليم والتهرب من العمل، فإن إسرائيل ببساطة ستزول". وأضاف: "عندما يكبر هؤلاء الأطفال، فإن مستوى التعليم المتدني الذي يتلقونه في طفولتهم سيُمكّنهم من الحفاظ على اقتصاد من دول العالم الثالث فقط كبالغين. لن يكون هذا الاقتصاد قادرا على تمويل أنظمة الصحة أو الرعاية الاجتماعية أو الأمن في دولة من دول العالم الأول. من المؤكد أن إسرائيل لن تُصبح حينها دولة من دول العالم الثالث. ونظراً لكونها مُحاطة بأعداء مُصمّمين على تدميرها، فإنها لن تنجو إذا لم تستطع الدفاع عن نفسها".

ونشير هنا إلى ما كنا قد أشرنا له في وقت سابق، وهو أن من الأسباب غير المعلنة لقانون تجنيد شبان الحريديم في الجيش الإسرائيلي إلزاميا، هو أيضا الرغبة بكسر جدران مجتمع الحريديم المنغلق على نفسه، أمام الأجيال الشابة، باعتقاد أن خدمتهم في الجيش تقرّبهم أكثر الى الحياة العامة المفتوحة، وقد تغريهم للخروج اليها، وهذا ما يعيه كبار حاخامي الحريديم، الذين يقودون هذا المجتمع كلٌ مع طائفته الخاصة، أو التيار الذي يقوده.

ودلالة على تخوّف الحاخامين هذا كان تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل نحو 3 أشهر تقريباً، حينما قال: سنهتم بأن يبقى كل شاب من الحريديم ينخرط في الخدمة العسكرية الإلزامية، من الحريديم ويعود لمجتمعه بعد إنهائه الخدمة، ولهذا الغرض فقد أقيمت وحدات خاصة للحريديم تخصهم وحدهم، وفيها معايير دينية تناسب نمط حياتهم.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات