نشرت وزارة البيئة الإسرائيلية تقرير العامّ 2024 عن انبعاث المُلوّثات إلى الهواء ونقل الملوِّثات إلى البيئة وجرد انبعاث المواد الملوِّثة إلى الهواء. ومن أبرز ما جاء فيه وأثار جدلاً كان ارتفاع انبعاثات المواد المسرطنة في خليج حيفا خلال العام 2024 بنسبة 45%، وكان المصدر الأساس لهذه الزيادة محطة الطاقة في حيفا، ومنشأة "كرمل أوليفينس"، إضافة إلى محطة معالجة مياه الصرف الصحي في المدينة، وفقا للتقرير.
يؤكد التقرير أن الحرب أثرت على النشاط الاقتصادي والبيئي، بالاتجاهين؛ إذ قلّ النشاط في الموانئ وقطاع البناء، فيما زادت حرائق الغابات. سُجّل أيضاً ارتفاع في انبعاث غازات الدفيئة (2%) والفلورية (30% لأسباب أمنية مرتبطة بالحرب). الكلفة الاقتصادية للتلوث بلغت 37 مليار شيكل، 80% منها من 20 مصنعاً فقط. ورغم الانخفاض التراكمي منذ 2012، اعتُبر هذا العام نقطة انعطاف سلبية تستدعي رقابة مشددة وتحقيقات في مصداقية التقارير الصناعية.
تُصدر وزارة البيئة بيانات سجل الانبعاث والنقل إلى البيئة منذ العام 2012. ويتضمن سجل انبعاثات المصانع للعامّ 2024 معلومات شاملة عن انبعاث الملوثات في الهواء والبحر والبر وموارد المياه من المصانع والجهات المتسببة في التلويث العالي. ويعرض السجل كمية انبعاث الملوِّثات عن 560 من أكبر مصادر التلويث القطرية. ويتم عرض المعلومات على خرائط جغرافية تفاعلية تتيح التحليل المتقدم للبيانات وفقا للمصدر الملوّث والمقارنة بين السنوات.
يقول معدو هذا السجل إنه يشكل آلية مركزية لتشخيص توجهات انبعاث الملوثات ونقل النفايات في إسرائيل ويساعد الوزارة في الرقابة وفي اتخاذ القرارات وتحديد السياسة من ناحية، ويزيد من شفافية المعلومات البيئية في إسرائيل عن الانبعاث إلى الهواء والبحر والوديان والأرض ومعلومات عن نقل النفايات من المصانع الكبيرة من ناحية أخرى. وبكونه مشابها لسجلات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتيح هذه المعلومات المقارنة بين الدول.
ارتفاع في المواد المسرطنة والمواد العضوية المتطايرة بدون ميثان
يبدأ التقرير بالإشارة إلى حالات الانخفاض في انبعاث أهم الملوِّثات، وبحسبه، ففي أعقاب التقليل من استخدام الفحم لتوليد الكهرباء يستمرّ الانخفاض في انبعاث أكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت في سجل الانبعاث والانتقال إلى البيئة (بنسبة 6%-13%). ومع أن توليد الكهرباء ازداد بنسبة 5%، فنسبته من الموارد المتجددة ازداد بنسبة 22% فقط، وبالتالي ارتفع توليد الطاقة من خلال استخدام الوقود بنسبة قليلة، 0.5% فقط.
لكن هناك ارتفاع في انبعاث غازات الدفيئة، وبلغت الزيادة نسبة 2% مقارنةً بالعام 2023 في ثاني أكسيد الكربون والميثان. وبلغت زيادة نسبة انبعاث غازات الفلور 30%، وفسّرت الوزارة هذا "بسبب الأمر المؤقت خلال حرب السيوف الحديدية حيث تسمح لوائح بروتوكول مونتريال باستيراد غازات التبريد لأغراض أمنية أو حماية البشر".
وطرأ ارتفاع في المواد المسرطنة والمواد العضوية المتطايرة بدون ميثان (NMVOC) حيث يبرز تقرير 2024 ارتفاعاً بنسبة 16% في انبعاث هذه المواد وخصوصاً من المصانع ومن مكبات النفايات وذلك، بين أسباب أخرى، نتيجة التقليل من جمع الغاز الحيوي في المكبات من ناحية، وزيادة الانبعاث من المولّدات الحيوية في المنشآت لتآكل نفايات الحيوانات ومعاهد تنقية الصرف الصحي من ناحية أخرى. أما بشأن المواد العضوية المتطايرة بدون ميثان فتم تسجيل ارتفاع الانبعاث في مصنع سولبار لمنتجات البروتين في أشدود، في مصنع ص. ل. ف. في منطقة كيبوتس نيغبا وفي مصنع روتم إمبرط في النقب.
يدّعي التقرير أنه لم يطرأ تغيير عام على الزيادة في انبعاث الجسيمات القابلة للاستنشاق في جرد الانبعاث إلى الهواء، لكن الكمية ارتفعت بنسبة 29% بسبب الجرد الجديد لقياس الانبعاث من الحرائق وإثر تحديث طريقة الحساب. وكأن تغيير طرق الحساب ليس هدفها زيادة التدقيق في المخاطر، كما علّق مراقبون.
الضرر الاقتصادي بلغ حوالي 37 مليار شيكل
تم تقييم الضرر الاقتصادي الناجم عن تلويث الهواء للصحة وللبيئة في 2024 بحوالي 37 مليار شيكل مع انخفاض بنسبة 2% مقارنةً بالعام 2023. وفقا للقطاعات: حركة السير مسؤولة عن 29% من التكلفة الإجمالية، توليد الطاقة - 28%، قطاع الصناعة – 13%. أما بشأن المواد الملوّثة: انبعاث غازات الدفيئة مسؤول عن 45% من التكلفة الخارجية، أكاسيد النيتروجين 28%، النيتروجين 13%، الجسيمات القابلة للاستنشاق 13%. حوالي 80% من تكلفة مقدمي التقارير لسجل الانبعاث والنقل مصدرها في 20 من أكبر المصانع في إسرائيل.
يشير التقرير إلى "التأثير غير المباشر لحرب السيوف الحديدية" بالقول إنها "تسببت في تغييرات في النشاط الاقتصادي، انعكست بدورها على الآثار البيئية أيضا. من بين أمور أخرى، انخفض النشاط في الموانئ بشكل ملحوظ بسبب قلة السفن التي وصلت وتقليل وقت الرسو في الميناء، وانخفاض النشاط في قطاع البناء من ناحية وزيادة حرائق الغابات من ناحية أخرى. تم في الموانئ تسجيل انخفاض في الانبعاث بنسبة 34%. أما مساحات الغابات التي احترقت في العام 2024 فكانت أكبر ثلاث مرات مما كانت عليه في العام 2022".
ويضيف: تُعبّر التكلفة الخارجية الناجمة عن الآثار الخارجية السلبية على صحة البشر والبيئة، بمصطلحات القيمة النقدية. وتبلغ التكلفة الخارجية لانبعاثات الملوِّثات في الهواء في إسرائيل، كما ذُكر 37 مليار شيكل. منها 20,2 مليار شيكل ناتجة عن الملوثات المحلية، و16,7 مليار شيكل ناتجة عن غازات الدفيئة.
أخذاً بالاعتبار انخفاض نشاط قطاعات اقتصادية عدة العام 2024 بسبب الحرب، فقد انخفضت التكلفة الخارجية بنسبة 2% مقارنةً بالعامّ 2023، وبأسعار 2024 – 860 مليون شيكل. أما التكلفة الخارجية للانبعاثات إلى الهواء وفقا للتقارير الخاضعة لتقديم سجل الانبعاث والنقل في 2024 فبلغت 15.2 مليار شيكل. بالمجمل، كما تقول الوزارة، انخفضت التكلفة الخارجية في 2024 وفقا لتقارير سجل الانبعاث والنقل بنسبة 1% أي حوالي 170 مليون شيكل. وتشير إلى أنه تم إجراء الحساب وفقا للتكلفة الخارجية في 31 كانون الأول 2024 في وثيقة: "الكتاب الأخضر: التقييم والقياس للتكلفة البيئية – التكلفة الخارجية لملوِّثات الهواء وغازات الدفيئة"، الصادر عن وزارة شؤون البيئة.
عناوين محدّدة للتلويث وفقاً للقطاعات المختلفة
الحرائق في الأحراش: تمّ جمع المعلومات في الجرد الجديد من صوَر القمر الصناعي لسلطة الطبيعة والمتنزهات. انتشرت الحرائق في الأحراش خلال 2024 على مساحات ثلاث أضعاف المساحة في 2022، فيما كانت بعضها في "خط المواجهة" (الحربية) في شمال البلاد.
المصانع في خليج حيفا: سُجّل خلال 2024 ارتفاع في معظم أهمّ الملوِّثات بنسبة 3% - 45%. المواد المشبوهة أو المؤكدة بتسببها في السرطان لدى البشر – ارتفاع بنسبة 45% في 2024 نتيجة زيادة الانبعاث في معهد حيفا لتنقية الصرف الصحي (في المرة الأولى من جمع العينات من محرك الحرق بالغاز الحيوي)، محطة الكهرباء حيفا ومصنع كرمل أوليفينيم. هذا مع أن الكمية المتراكمة منذ 2012 انخفضت بنسبة 87%.
المواد المتطايرة بدون ميثان – الارتفاع بنسبة 3% (كرمل أوليفينيم، مصافي النفط، معهد حيفا لتنقية الصرف الصحي). هذا مع أن الكمية المتراكمة منذ 2012 انخفضت بنسبة 61%.
المناطق الصناعية شمال أسدود (أشدود): المواد المشبوهة أو المؤكدة بتسبب في السرطان في البشر – الانخفاض بنسبة 17% خلال 2024 خاصّة نتيجة الانخفاض في مصنع أداما أغان، مصنع كورناس للرصاص. الانخفاض المتراكم – 84%. المواد المتطايرة بدون ميثان – الارتفاع في الانبعاث بنسبة 8% نتيجة الارتفاع في مصنع سولبار لمنتجات البروتين. االانخفاض المتراكم منذ 2012 – 8%. من الجدير بالذكر التجاوز عن القيم المسموح بها في العينات التي تم جمعها من المداخن في سولبار خلال 2024، 2025 في المواد هكسان وإجمالي انبعاث الكربون العضوي - TOC.
الانبعاث نتيجة حدوث خلل وعطل: قدم 77 مصنعا التقرير لسجل الانبعاث والنقل إلى البيئة عن الانبعاث أو الصرف للملوثات بسبب العطل أي 14% من مقدمي التقارير للسجل. خلال 2024 ارتفع الانبعاث والنقل بسبب العطل بنسبة 1%. كان أكبر الانبعاثات في منصة الغاز كريش التابعة لشركة "إنرجيان إسرائيل ليميتد"، شركة الزجاج "فينيتسيا" في يروحام ومصانع البحر الميت.
المركبات البحرية في الموانئ: انخفض عدد السفن التي وصلت إلى الموانئ في إسرائيل ورست مدة أقلّ من العادي بما تسبب في انخفاض الانبعاث بنسبة 34%.
غازات فلورية: ارتفع في 2024 انبعاث الغازات الفلورية بنسبة 30% - زيادة 1 MtCO2e – التي يتم استخدامها في التبريد وتصنيع أشباه الموصلات، وسائل الإطفاء، إنتاج مغنيزيوم وذلك بموجب الأمر المؤقت في اللوائح لتطبيق بروتوكول مونتريال الذي يسمح باستيراد غازات الفلور للأهداف الأمنية أو حماية البشر – تحت وطأة الحرب.
نفايات البناء: انخفضت خلال 2023-2024 بنسبة 10% كميات نفايات البناء التي تم علاجها في المحطات الانتقالية ومرافق إعادة التدوير ويرجع هذا الانخفاض إلى ظروف الحرب. وفقاً لبيانات المكتب الرئيسي للاحصائيات تم وقف العمل في أكثر من 50% من مواقع البناء في إسرائيل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023 فيما تمّت العودة إلى العمل في نهاية 2024 فقط.
"اتحاد مدن" يتّهم شركات بتقديم تقارير مخفّفة ومضلّلة
تقول وزارة البيئة في محاولة "لتعديل" الصورة إن "هذه المعطيات المقلقة لا تنفي حقيقة أن الصورة التراكمية منذ العام 2012 أظهرت انخفاضاً واسعاً بعشرات النسب المئوية في معظم أنواع الملوثات. ففي الفترة بين 2012 و2024، تراجعت انبعاثات المواد المسرطنة بنسبة 87%، كما انخفضت انبعاثات أكاسيد الكبريت بنسبة 94%. إلا أن التقرير شدّد على أن معطيات هذا العام تشكل تغييراً سلبياً في المسار، إذ إن اتجاه الانخفاض قد انكسر، وتبرز الآن عودة مثيرة للقلق إلى مسار الصعود".
الجدير بالذكر أن اتحاد مدن خليج حيفا لجودة البيئة أكد أن شركة "بازان" (مجمع مصافي التكرير) قدّمت عبر مصنع "غديف" تقارير مضللة حول انبعاثات مادة البنزين، إذ زعمت أرقاماً أقل بكثير من الواقع. والبنزين مادة مسرطنة عالية الخطورة، ويخشى أن تكون الانبعاثات الحقيقية أعلى بكثير مما ورد في التقارير الرسمية. وشدّد على أن ما ورد في التقرير الأخير ليس مجرد أرقام جامدة أو إحصاءات تقنية، بل هو انعكاس مباشر لواقع يومي يعيشه مئات آلاف السكان. وأضاف الاتحاد أن تقارير خليج حيفا الناقصة لا تمثل حادثة عابرة، وإنما تكشف نمطاً مستمراً من التلاعب يثير شكوكاً كبيرة حول مصداقية المعطيات التي قُدمت على مدى سنوات طويلة – على حد قوله. من جهتها، قالت الوزارة إنها تجري تحقيقاً خاصاً في أعقاب شكاوى اتحاد مدن حيفا لحماية البيئة.
وأمام هذه الصورة، يشدّد "الاتحاد" على أن وزارة حماية البيئة مطالَبة بإجراء فحص شامل للمعطيات الجديدة، وحسم ما إذا كانت الشركة ستخضع لإجراءات عقابية أو لسلسلة من العقوبات التنظيمية. وفي الوقت ذاته، جدّد اتحاد مدن حيفا دعوته إلى الحكومة من أجل الإسراع في تنفيذ برنامج إخلاء مصانع "بازان" من خليج حيفا، بسبب حجم التلوث الخطير وتداعياته المباشرة على صحة السكان. فالشفافية الكاملة والرقابة المستقلة يجب أن تكونا شرطاً أساسياً لضمان رقابة حقيقية على النشاطات الملوِّثة في مركز حضري حيوي مثل مدينة حيفا. وجاء في بيان الاتحاد: "إن السكان لهم الحق بأن يعرفوا ماذا يتنفسون، والمعطيات التي انكشفت الآن تبرز الحاجة الماسة إلى تغيير جذري".