المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لا شك في أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو على اطلاع بأنه لا "حسيب ولا رقيب" في الزمن الحالي على ما يجري في مناطق الضفة الغربية، وبأن رئيس "مجلس المستوطنات" صار له نفوذ أكبر من الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية. وفي ظل اتجاه أنظار المجتمع الدولي نحو ما يجري في قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية حاليا أوسع حملة اعتداءات من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى توسع جغرافي استيطاني، وتلعب مجالس المستوطنات دورا "ريادياً" في ذلك. هذه المقالة تسلط الضوء على ما يحصل في الضفة الغربية في وقت الحرب.

على الرغم من أن جبهات القتال الحالية هي قطاع غزة وشمال إسرائيل، إلا أن إعلان حالة الحرب يسري أيضا على الضفة الغربية، وتحديدا في المناطق "ج" حيث يعيش ما يزيد عن 520 ألف مستوطن، وتقع مراكز القيادة الوسطى للجيش ومكاتب الإدارة المدنية. وبالتالي، فإن المستوطنين يرفعون من الجهوزية القتالية، ويتسلحون، ويقومون باعتداءات على الفلسطينيين بشكل يفوق في وتيرته كل السنوات السابقة. منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، شملت هذه الاعتداءات تهجيراً متعمداً ترافق في أحيان عديدة بالتهديد المسلح وطول مئات الفلسطينيين الذين يعملون في مجال الرعي والزراعة. ووقعت اعتداءات مسلحة أدت إلى استشهاد حوالي 7 فلسطينيين برصاص المستوطنين. وتم إغلاق طرق ومنافذ تربط ما بين القرى الفلسطينية. ووقع اعتداء واسع النطاق على موسم قطف الزيتون، وأحيانا سرقة المحصول أو قلع الأشجار. بالإضافة إلى شق طرق إسفلتية بشكل ذاتي وبدون التنسيق عبر السلطات الإسرائيلية أو قيادة الجيش.

أما داخل مجتمع المستوطنين نفسه، فثمة تحولات لا بد من ملاحظتها أيضا. كباقي البلدات في إسرائيل، تلقت مجالس المستوطنات أسلحة شملت حوالي 8000 بندقية رشاش، وأجهزة اتصال وستر واقية وغيرها من العتاد. وتنتظم في كل مستوطنة مجموعة مسلحة من المستوطنين (لجان إنذار). وثمة جماعات من المسيحيين الصهيونيين في الولايات المتحدة (الأفنجيليين) الذين يرسلون عتادا وتجهيزات "دفاعية" للمستوطنين عن طريق التبرع ومد جسر جوي. كما أن معظم جنود الاحتياط في كتائب الجيش الإسرائيلي المنتشرة في الضفة الغربية هم من المستوطنين أنفسهم.

في تحقيق قامت به صحيفة "هآرتس"، قال مسؤول إسرائيلي بأن الحاكم الفعلي للضفة الغربية اليوم هم رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات. رئيس كافة المجالس الاستيطانية، يوسي داغان، هو الشخصية الأبرز هنا. والفوضى التي صاحبت حالة الحرب ساهمت في تحويل داغان إلى الطرف الأكثر تأثيرا. وتأثيره لا ينحصر في معرفته باعتداءات المستوطنين ودعمه لتوسعهم بكل الأشكال القانونية وغير القانونية، وانما يمتد أيضا إلى مجال إقناع السلطات الإسرائيلية والجيش برعاية هذه الاعتداءات أو غض النظر عنها.

داخل الحكومة الإسرائيلية، لا يوجد حاليا أي خلاف بشأن ضم المناطق "ج". وبما أن الظروف السياسية والدولية التي سادت قبل 7 أكتوبر كانت تمنع تنفيذ هذا الضم فعليا وقانونيا، فإن إحدى المهمات التي وضعتها هذه الحكومة أمامها هي الإسراع، وبشكل واسع النطاق، في فرض حقائق استيطانية جديدة على الأرض. لقد بدا هذا واضحا في تشريعات الحكومة، والخطط المصادق عليها، والميزانيات المرصودة، وسرعة التنفيذ في بناء الوحدات السكنية، وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة للمستوطنين. صحيح أن كل هذا كان قائما منذ بداية 2023 (فترة تولي بتسلئيل سموتريتش مسؤولية الإدارة المدنية)، إلا أن ما يحصل في الضفة الغربية منذ بداية الحرب يوحي بحصول تحولات جديدة. وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي، فإن النفوذ المتصاعد للمستوطنين يمهد الطريق لواقع جديد قد يتمكن فيه المستوطنون المتطرفون والمسلحون من التصرف والتدخل في إدارة شؤون الضفة الغربية وممارسة التوسع الاستيطاني "بشكل مستقل" عن الإدارة المدنية أو القنوات الرسمية.

في هذا السياق، من المهم التأكيد أن ما يحصل داخل الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر ليس مجرد تصاعد حاد في كمية اعتداءات المستوطنين. بل إن هناك أيضا تحولاً مؤسساتياً في دور مجالس المستوطنات والتي باتت تتحلى أكثر من ذي قبل بصلاحيات، ومساحات عمل. يترافق ذلك، على ما يبدو، بـ "تفهم" من قبل الجيش الإسرائيلي بأن مجالس المستوطنات أيضا تمارس دورها في الدفاع عن "أرض إسرائيل" لكن بـ"طريقتها التوراتية الاستيطانية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات