المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لطالما شكلت التقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية مصدر ذخر لإسرائيل على مدار العقود الماضية، فبفضلها انتقلت إلى مصاف الدول الرائدة في صناعة وتطوير التقنيات الأمنية والعسكرية عالمياً، كما تمكّنت من أن تحجز لها مكاناً متقدّماً في قائمة الدول المصدّرة للتقنيات الأمنية والعسكرية ومنظومات الرقابة والتجسّس حول العالم، ويعود السبب في ذلك لامتلاكها "ميزة" تُكسبها أفضلية وتجعلها أكثر قابلية من العديد من الدول في تسجيل نجاحات في هذا المجال؛ فقد شكّل استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 (وبطبيعة الحال النظام الرقابي الأمني المفروض على الفلسطينيين في الداخل)، يُضاف إلى ذلك الحروب المختلفة التي شنّتها على الفلسطينيين والدول العربية طيلة العقود الثمانية الماضية، ساحة اختبار وتجربة لهذه التقنيات والمنظومات، وهي ساحة متاحة على مدار الساعة لاختبار وتجربة هذه التقنيات والتأكد من فعاليتها استناداً لمبدأ التجربة والخطأ. لكن من ناحية أخرى، شكّلت بعض الحروب انتكاسة لإسرائيل في هذا المجال وأثّرت بشكلٍ كبير على قدرتها في تسويق هذه التقنيات أو بعض منتجات الصناعة العسكرية الإسرائيلية بالتعاون مع الشركات ذات الصلة.

في هذه المساهمة، نُحاول التعريف بواحدة من أهم التقنيات العسكرية- الدفاعية التي روّجت لها إسرائيل على مدار العقد المنصرم، وهي منظومة "معطف الريح" المُستخدمة على الدبابات والمدرعات الإسرائيلية، وهي تقنية باتت موضع الاختبار خلال هذه الحرب.

بدايةً، تُشير المصادر الإسرائيلية إلى أن المرة الأولى التي تم فيها طرح المنظومة الدفاعية للدبابات "معطف الريح" كانت في العام 2005 خلال معرض تطوير التقنيات الأمني- العسكري في إسرائيل (LIC).  ويتضح أن فكرة تحصين الدبابات بتقنيات دفاعية تولّدت في نهاية تسعينيات القرن الماضي قبيل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، في أعقاب الإدراك الإٍسرائيلي بأن الخطر الذي يتهدّد سلاح الدبابات في السنوات المقبلة لن يكون الدبابات المقابلة (حرب مع جيش نظامي)، وإنما الصواريخ التي بدأت باستخدامها التشكيلات غير النظامية (وتحديداً حزب الله) ضد إسرائيل. وبالفعل، بعد عدّة سنوات، في حرب تموز- "حرب لبنان الثانية" 2006، تكبّدت إسرائيل خسائر فادحة بعد أن بدت دبابة ميركافا عاجزة كلياً عن مواجهة الصواريخ المضادة للدبابات التي أطلقها مقاتلو حزب الله خلال المعركة، الأمر الذي تسبّب في خسائر إسرائيلية- ليس على مستوى الآليات والأرواح فقط- وإنما أيضاً في إلغاء العديد من الصفقات التي كان من المفترض أن تبيع فيها إسرائيل الميركافا الإسرائيلية لدول عديدة حول العالم.

منظومة "معطف الريح"- بالعربية، أو "معيل روْح"- بالعبرية، والمعروفة في سوق التقنيات العسكرية في العالم (Trophy) هي تقنية دفاعية نشطة للدبابات طورتها شركة رفائيل العسكرية بالتعاون مع شركة ألفا- إلكترونيات الصناعات الجوية (تابعة للصناعات الجوية في إسرائيل)، لتعمل على تحصين الدبّابات والمدرّعات والآليات العسكرية الإسرائيلية من الاستهداف الأفقي في محاولة للتغلّب على تهديد الصواريخ المضادّة للدبابات التي تتعرّض لها خلال المواجهات العسكرية والحروب مُتسبّبةً بتدميرها ومقتل طاقمها أو إصابتهم، أو إعطابها بشكلٍ كامل أو جزئي. 

في العام 2006 أظهرت حرب تموز حاجة إسرائيل المُلحّة لتسريع عملية تطوير هذه التقنية واستدماجها في الدبابات، وهي تقنية لم تكن حتى ذلك الحين قد أُدخلت إلى الخدمة بعد، على الرغم من إعلان إسرائيل في تلك السنة عن نجاح المنظومة في الاختبارات الميدانية. في العام 2010، وبعد مرور قرابة 5 سنوات من العمل على تطوير التقنية وإجراء اختبارات "ناجحة" لها تحديداً في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2008-2009، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاح عملية استدماج تقنية "معطف الريح" في ألوية المدرعات والدبابات الإسرائيلية وتحديداً من نوع ميركافا M4، والأجيال الأقدم منها من نفس النوع.[1]

في العام 2014، وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المعروفة إسرائيلياً باسم "الجرف الصامد"، روّجت المؤسسة العسكرية لهذه التقنية باعتبارها سلاحاً سرياً أنقذ أرواح جنودها وضباطها من القتل، ومنع تدمير عشرات الدبابات والآليات العسكرية في سلاح المدرعات (لواء مدرع 401). ومما سُمح بالكشف عنه حينها أن هذه التقنية الدفاعية تحتوي على رادار يكشف عن التهديد الصاروخي من مسافة بعيدة، جهاز حاسوب آلي لإطلاق نار، ووسائل اعتراض، كما تحتوي على مجسّات لتحديد مدى خطورة التهديد وفي ما إذا كان لا بد من تدميره أم لا دون الإفصاح عن طبيعة التقنيات التي تعمل على تقييم خطورة التهديد. وقد اعتُبرت هذه الحرب أول اختبار حقيقي لنجاعة هذه التقنية الدفاعية. وعلى النقيض من المنظومات الصاروخية الأخرى، فإن وسيلة الاعتراض (التي يتم إطلاقها باتجاه التهديد) لا تحتوي على آلية تتبّع؛ بل إنها تتكون من أجسام تضم كرات معدنية تصطدم بالصاروخ (التهديد) الموجّه للدبابة وتتسبب بانفجاره قبل اصطدامه بها، ولديها أيضاً، بحسب رفائيل، القدرة على التعامل مع الصواريخ قصيرة المدى وصواريخ RBJ والكورنيت خلال سير الدبابة وليس فقط أثناء توقفها، وتبلغ قيمة المنظومة الواحدة 300 ألف دولار.[2]

بالإضافة إلى ذلك، يُشير طاقم تطوير هذه التقنية إلى أن "الثورة" التي أحدثتها تقنية "معطف الريح" لا تتمثّل في قدرتها على حماية الدبابات والآليات العسكرية من التهديدات الصاروخية المضادة للدبابات؛ بل أيضاً تعزيز القدرات القتالية خلال "المناورة البرية" كون هذه التقنية تحتوي أيضاً على نظام معين يحدّد مصدر التهديد استناداً إلى نظام (Awareness Situational)، ويقوم بتعميمه على الفور على نظام- شبكة متصلة بكافة القوات (الجوية، البرية والبحرية)، وهو ما يُساعد في استهداف الخلية المهاجمة أو مصدر التهديد على الفور وبالتزامن مع عملية تدمير التهديد، ما يجعلها أكثر فتكاً ضد التهديدات من خلال القدرات الدفاعية والهجومية- المساعدة التي تمتلكها بحسب مطوّري التقنية.[3]

إجمالاً، هذه مساهمة تعريفية قصيرة بتقنية "معطف الريح" التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية في إسرائيل السلاح السرّي الناجع لمواجهة التهديدات الصاروخية للآليات العسكرية والدبابات بواسطة الصواريخ المضادة للدبابات التي تمتلكها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.  ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي تُطلق عليها إسرائيل اسم "السيوف الحديدية"، أظهرت العديد من المقاطع المصوّرة، بالإضافة إلى التصريحات المختلفة بما في ذلك تصريحات إسرائيلية رسمية، تعرّض عدد من الدبابات والآليات العسكرية للتدمير/ الإعطاب الكلّي أو الجزئي جرّاء تعرّضها لصواريخ مضادة للدبابات محلّية الصنع أو حتى الروسية الشهيرة- الكورنيت- الأمر الذي يضع كل الرواية الإسرائيلية المستمرّة منذ أكثر من عقد حول نجاعة هذه التقنية موضع شكّ، وهو الأمر الذي لا يُمكن خلال المعركة تلمّس آثاره وأبعاده على المدى الطويل (من القدرة على الاستمرار في تسويق التقنية، أو حتى تطويرها وملاءمتها وفقاً للتهديدات المستجدّة)، لكن ما هو مرئي وقابل للقياس في الوقت الحالي هو التأثيرات الحاسمة لمدى نجاعة التقنية على مُجريات المعركة الدائرة، وهذا سؤال سيظلّ مفتوحاً في ظل استمرار الحرب.

 

[1] أمير بوحبوط، الجيش يستدمج تقنية معطف الريح للدفاع عن الدبابات، مكور ريشون، 06.08.2009، https://short-link.me/vlTN.

[2] عنبال أورفز، التكنولوجيا السرية معطف الريح التي أنقذت الدبابات في غزة، ذي ماركر، 20.11.2014، https://short-link.me/vlTK.

[3] خلافاً للنظرة السائدة، منظومة معطف الريح ليست معدّة فقط للدفاع، وإنما أيضاً تعمل على تقوية القدرات الهجومية للقوات البرية المناورة، معرخوت، 448، 2014. 

المصطلحات المستخدمة:

تلم, مكور ريشون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات