المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حملت الحرب على قطاع غزة تداعيات على العلاقات الإسرائيلية مع دول إقليمية ودولية، مثل روسيا، الصين، تركيا وغيرها. لكن كان اللافت هو التداعيات على علاقات إسرائيل مع كل من روسيا وتركيا. لذلك ستركز الورقة الحالية على تداعيات الحرب وتأثيرها على العلاقات مع هاتين الدولتين، ومستقبلها بعد الحرب. بحيث يكون السؤال المركزي الذي ستحاول الورقة الإجابة عليه هو: هل ستحدث الحرب تغيرات جوهرية بعيدة المدى في علاقة إسرائيل مع كل من تركيا وروسيا؟ أم أن العلاقات المتأثرة بالحرب ستكون طارئة وتعود إلى حالها كما كانت قبل الحرب؟

العلاقات مع روسيا وتركيا قبل الحرب

شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية قبل الحرب انفراجاً دبلوماسياً كبيراً بين البلدين، تمثل في ما يشبه المصالحة وإعادة العلاقات إلى طبيعتها وإعادة تعيين سفراء، وقد كان التقارب التركي الإسرائيلي بدأ منذ سنوات، وعادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين في فترة حكومة بينيت- لبيد، واستمرت تركيا في الحفاظ على علاقتها مع إسرائيل خلال فترة حكومة ب. نتنياهو الأخيرة،[i] والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي. واعتبرت إسرائيل أن المصلحة التركية مع إسرائيل لم تعد كامنة في التوتر بين الدولتين كما كان في السابق.[ii]

أما بالنسبة إلى العلاقات مع روسيا، فقد حافظت إسرائيل عليها من خلال الاستمرار في اتخاذ موقف محايد نسبياً من الحرب الدائرة في أوكرانيا، وذلك على عكس الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي دعمت أوكرانيا اقتصادياً، عسكرياً وسياسياً. وامتنعت إسرائيل عن استنكار الممارسات العسكرية الروسية في أوكرانيا، فضلا عن امتناعها عن فرض أي عقوبات اقتصادية عليها. وكانت المصلحة الإسرائيلية من العلاقة مع روسيا، لا سيّما في إبقاء التفاهمات الأمنية بينهما حول الهجمات الإسرائيلية على القواعد الإيرانية في سورية، أولوية إسرائيلية تتفوّق على اتخاذ موقف مؤيد للولايات المتحدة ضد روسيا. كما تظهر المصلحة الإسرائيلية مع روسيا في جعل الأخيرة متوافقة مع الموقف الدولي الرافض لتطور المشروع النووي الإيراني عسكرياً. 

ومع ذلك زاد القلق الإسرائيلي من التقارب الروسي الإيراني في العام الأخير في أعقاب الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لروسيا في حربها على أوكرانيا، خاصة في قطاع الطائرات المسيّرة، حيث هنالك قلق إسرائيلي من أن التقارب الإيراني الروسي قد يؤدي إلى تعميق التعاون بين البلدين في المجال العسكري وتطوير القدرات الإيرانية، أو تزويد إيران بمنظومات دفاعية روسية متطورة تعيق على إسرائيل تنفيذ هجمات مستقبلية على المشروع النووي الإيراني.[iii]

 

العلاقات بعد الحرب

تدهورت العلاقات بين إسرائيل وكل من روسيا وتركيا بعد الحرب على غزة. فالدولتان لم تعتبرا حماس حركة إرهابية، لا بل إن وفداً من حماس برئاسة موسى أبو مرزوق زار روسيا في 27 تشرين الأول والتقى مع ممثلين عن وزارة الخارجية الروسية، وأشادت حماس بموقف روسيا، وموقف الرئيس فلاديمير بوتين من الحرب. كما أن أردوغان قال إن حماس ليست حركة إرهابية متهماً إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن تواجد قيادات من حماس في تركيا. 

كذلك تشترك الدولتان في مهاجمة الغرب، حيث صرح بوتين أكثر من مرة بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة فشل في وقف الحرب لا بل يعمل على توسيعها، فيما صرح أردوغان بأن الدعم الغربي غير المحدود والمشروط لإسرائيل يحوّل الصراع إلى صراع بين الشرق والغرب. وقد هاجم أردوغان مراراً الدول الغربية على دعمها لإسرائيل وتجاهلها لاستهداف السكان المدنيين في القطاع.

بالنسبة لروسيا فقد استغرقها الأمر تسعة أيام للتعبير عن رفضها لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك خلال اتصال أجراه بوتين مع نتنياهو، وكانت هذه أول محادثة بينهما منذ عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة، على عكس الفترات السابقة التي تميزت بقرب الرجلين وحديثهما المتواصل. وقد اعتبرت روسيا أن الأحداث هي بسبب فشل الولايات المتحدة في تحقيق حل الدولتين، والممارسات الإسرائيلية، وقد شبّه بوتين حصار غزة بحصار القوات النازية لمدينة لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، والتي تعتبر في الذاكرة الروسية كارثة إنسانية.[iv] وتبنت وسائل الإعلام الروسية وشبكات التواصل الاجتماعي في روسيا موقفاً عدائياً من إسرائيل، كما أن الهجوم على مسافرين إسرائيليين في مطار داغستان بتاريخ 29 تشرين الأول اعتبر تعبيراً عن الجو العام في روسيا المعادي لإسرائيل خلال الحرب.[v]

وقدمت روسيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن بتاريخ 16 تشرين الأول لوقف إطلاق النار، من دون الإشارة إلى تنديد مباشر بحركة حماس، بل دان القرار مبدأ المسّ بالمدنيين، وفي 29 تشرين الأول استعملت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد القرار الأميركي الداعم لإسرائيل ولحقها في الدفاع عن النفس.

دفع الموقف الروسي إلى ظهور اتجاه في إسرائيل يطالب بإعادة التفكير في العلاقة مع روسيا وتغيير الموقف الإسرائيلي من الحرب على أوكرانيا بحيث تكون إسرائيل جزءاً من المعسكر الغربي برئاسة الولايات المتحدة الداعم لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً.[vi] ويعتبر هذا التوجه أن الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل خلال الحرب يستدعي من إسرائيل تغيير موقفها من روسيا، فضلاً عن أن الدول الغربية سوف تطالب إسرائيل بعد الحرب بالوقوف معها ضد روسيا كما هي فعلت خلال حربها في قطاع غزة. وأشار النائب زئيف إلكين، عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إلى أن روسيا تعتبر اليوم بمثابة دولة معادية لإسرائيل، وعلى هذه الأخيرة أن تتصرف معها بالمثل.[vii]

تحلل المصادر الإسرائيلية الموقف الروسي في أن هناك مصلحة لروسيا في الحرب على غزة لنقل الأضواء والاهتمام الدولي من الحرب في أوكرانيا إلى أزمة الشرق الأوسط، فضلاً عن أن هناك أنباء تتحدث عن أن السلاح الذي كان ذاهباً لأوكرانيا ذهب بدلاً من ذلك إلى إسرائيل، وإظهار الولايات المتحدة بأنها سبب الأزمات واستمرار الحرب في غزة كما هو الوضع في استمرار الحرب في أوكرانيا، كما أن روسيا تعتقد أن إسرائيل وبسبب الدعم الغربي لها تحولت إلى جزء من هذا المعسكر، حيث أن حرب روسيا هي ضد الولايات المتحدة، والوقوف ضد إسرائيل هو مثل الوقوف ضد الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مصلحة روسيا في لعب دور إقليمي من خلال تأثيرها وعلاقاتها مع حلفائها في المنطقة، كما ليس من مصلحة روسيا توسع الحرب في المنطقة مما قد يضر بسورية وإيران التي تعتبرهما حليفتين لها، وخاصة إيران التي عززت علاقتها بها في أعقاب الحرب في أوكرانيا.[viii]

بالنسبة إلى تركيا، فإن الخطاب المتكرّر لأردوغان يطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة، وتحميلها مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة، وقام بإرجاع السفير التركي من تل أبيب، وذلك فضلاً عن خطاب أردوغان الذي قال فيه إن نتنياهو انتهى بالنسبة له كطرف في الحوار، "هو مشطوب بالنسبة لنا" كما قال.[ix] وأعلن أردوغان عن إلغاء الزيارة التي كانت مقررة له لإسرائيل قبل الحرب، قائلا إن إسرائيل "استغلت النوايا الحسنة لتركيا". وهاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية أردوغان في أعقاب إرجاع السفير التركي متهمة إياه بأنه يدعم "المنظمة الإرهابية حماس". 

 

إجمال

أثرت الحرب ضد غزة على مسار العلاقات الإسرائيلية من كل من روسيا وتركيا، والتي توترت خلال الحرب بشكل كبير. فقد تبنت روسيا وتركيا مواقف متشابهة من الحرب في اتهام الولايات المتحدة والغرب بالمسؤولية عن عدم وقف الحرب وإعطاء الشرعية لإسرائيل في استمرار عملياتها العسكرية بدون حسابها على قتل المدنيين واستهداف المؤسسات في قطاع غزة. كما تشترك الدولتان في اعتبار حركة حماس حركة سياسية وليست حركة إرهابية كما يُعرفها الغرب، وقد انتقدت إسرائيل الدولتين على هذا الموقف. 

في المقابل فإن ردة الفعل الإسرائيلية على تركيا كانت أكثر حدّة من ردها على الموقف الروسي، وذلك بسبب حساسية العلاقة مع روسيا وارتباط مصالح إسرائيلية أمنية مع روسيا، وقدرة روسيا على إزعاج إسرائيل في ملفات عديدة، منها الملف السوري والملف الإيراني. ولا شك في أن العلاقات الإسرائيلية مع الدولتين سوف تدخل طور التوتر لكن لا بد من التفريق بينهما، فمع روسيا ليس من المتوقع أن تغيّر إسرائيل من علاقتها، حتى تحت الضغط الأميركي بعد الحرب، فإسرائيل تحتاج إلى روسيا أكثر من حاجة روسيا لها. في المقابل فإن الموقف الإسرائيلي سيكون مختلفاً مع تركيا، حيث أن تركيا هي من بادرت قبل عامين لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل في إطار سياسة "تصفير الأزمات" مع الدول الإقليمية والخروج من الأزمة الإقليمية والعزلة السياسية النسبية التي كانت بها في الشرق الأوسط. 

في المقابل فإن تركيا لم تعلن عن قطع العلاقات مع إسرائيل، وحاولت تركيز اتهامها على نتنياهو أساساً بأنه يقود حرباً تدميرية في قطاع غزة بسبب مكانته السياسية، لكن تركيا تأمل في أن تحافظ على الحد الأدنى من علاقتها مع إسرائيل للعب دور إقليمي خلال الحرب وبعدها. واضح أن الموقفين التركي والروسي موجهان أيضاً ضد سياسات الإدارة الأميركية، فكلا الطرفين لديهما حساب مفتوح مع واشنطن. وهما يرغبان بالضغط على الولايات المتحدة وإضعاف دورها في المنطقة.

 

[i] شاي هار- تسفي، هذا الوقت الذي على حكومة إسرائيل تعزيز علاقتها مع تركيا، معاريف، 30\5\2023

[ii] إيتمار أيخنر، تركيا اختارت الاستمرارية: هذه هي التداعيات على العلاقات مع إسرائيل، موقع ynet، 29\5\2023

[iii] داني سيترينوفيتش، تعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية بين روسيا وإيران، معهد دراسات الأمن القومي، 22\5\2023

[iv] إيتمار أيخنر، علاقات إسرائيل وروسيا على مسار صدامي، موقع ynet، 1/11/2023

[v] إيتمار أيخنر، 60 معتقلاً في داغستان، شهادة مرعبة: لقد مروا على كل واحد في الباص، لقد نجونا بأعجوبة، موقع ynet، 30/10/2023

[vi] اركادي ميل- مين وبات- حين فيلدمان، علاقات روسيا-حماس في ظل حرب السيوف الحديدية، معهد دراسات الأمن القومي، 8/11/2023

[vii] إيتمار أيخنر، علاقات إسرائيل وروسيا على مسار صدامي، مصدر سبق ذكره.

[viii] معاريف، الخوف الكبير لبوتين، لماذا لا تريد روسيا أن تتوسع الحرب؟، معاريف، 23/10/2023

[ix] هآرتس، تركيا أعادت سفيرها من إسرائيل، أردوغان، قطعت التواصل مع نتنياهو، هو مشطوب بالنسبة لنا، هآرتس، 4/11/2023

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات