المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما يريده شارون هو دولة مسخ، لا يوجد فيها من صفات الدولة أي شيء، إلا الاسم الذي أطلق عليها حتى تدخل إلى مسامع الفلسطينيين بشكل هادئ وبدون ضجيج وانفعال..

بقلم: نضال حمد
لم يكد يمضي نهار واحد فقط على التصريحات الرنانة التي أطلقها شارون (في صحيفة "واشنطن بوست" - الأحد 19-1)، والتي هاجم فيها "اللجنة الرباعية" واعتبرها "لا شيء ولا تساوي شيئا"، وقال فيها أيضا إن الرئيس بوش لا يعيرها أي اعتبار، حتى قام هو نفسه بالدعوة لمؤتمر صحافي جمع فيه مراسلي وكالات الأنباء الأجانب وعرض أمامهم خطته الجديدة لحل الصراع العربي – الإسرائيلي.

وبموجب خطط شارون ستكون الدولة الفلسطينية حاضرة وستقام لكن بعد أن يتم القضاء على" الإرهاب" الفلسطيني طبعا، لأن الانتفاضة ومقاومة الاحتلال تعتبر برأيه إرهابا وخروجا عن رؤية دولته "السلمية"، حيث يحق لإسرائيل المتفوقة على الفلسطينيين عدة وعددا وسلاحا أن تقتل وتدمر وتغتال وتعتقل وتعذب وتحاصر وتفعل كل شيء مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية بحجة الأمن والسلام وباسم حماية أمنها ووجودها، بينما لا يحق للفلسطيني الذي يهان في بيته ومدينته وعلى الحواجز التي تقطع أوصاله أن يقاوم تلك الجرائم القائمة على سياسة حرق السلام الوحشية وذبح الأمن وتقطيع الأمان وحرمان الفلسطينيين من أي أمن وسلام وحقوق.

هذه هي السياسة التي حطمت أمال البشر في المنطقة بسلام حقيقي يجعل من الممكن بدء حياة جديدة في في المنطقة. لأول مرة منذ بدء الصراع توفرت على مسار التسوية فرصة لأن تستوعب المنطقة إسرائيل بهويتها اليهودية والصهيونية، وكان هناك إمكانية لتكون إسرائيل آمنة وتعيش حياة عادية مع جيرانها، لكن السياسة الشوفينية والاستعلائية العنصرية التي أتبعتها وتتبعها حكومات إسرائيل المتعاقبة جعلت من غير الممكن للأطراف المتصارعة العيش معا بسلام. لأن تلك السياسة بكل بساطة سياسة قتل وتدمير وإلغاء واحتلال وحشي لا يعير الإنسانية والمجتمع المدني أي اهتمام ولا يعطيه أية قيمة. فكيف بدولة تقتل مواطنيها من غير اليهود لمجرد خروجهم في تظاهرات مسالمة تناصر أخوة لهم يموتون برصاص دولتهم التي تحتل أرض اخوانهم العرب في الضفة والقطاع. هكذا كيان وهكذا دولة لا يوجد لديها الاستعداد لتقبل الحياة بسلام مع جيرانها ولا تعترف بالحقوق الوطنية للسكان الأصليين وتحارب الجيران وتحتل أرضهم وتنشر الإرهاب والرعب بينهم، لا يمكن لها أن تكون دولة تنظر للسلام بمنظار جهة مسالمة.

لكن ما نوعية تلك الدولة المرتقبة وكيف يراها عدوها الأول شارون؟

بحسب شارون سوف تكون دولة بلا جيش، لكن بشرطة محلية فقط، وبلا حدود، لأن الحدود والسيادة للإسرائيليين فقط، كما أنها ستكون محددة بعلاقاتها الدبلوماسية حسب الإرادة الإسرائيلية، ولا يحق لها أن تقيم علاقات مع دول تعتبرها إسرائيل دولا معادية لها، وتكون العلاقات الدبلوماسية فقط مع دول تحددها إسرائيل وتقام مع دول صديقة لإسرائيل.

بعد كل هذا يتأكد لنا ان ما يريده شارون هو دولة مسخ، لا يوجد فيها من صفات الدولة أي شيء، إلا الاسم الذي أطلق عليها حتى تدخل إلى مسامع الفلسطينيين بشكل هادئ وبدون ضجيج وانفعال.

هذه هي الدولة التي يراها شارون ويريدها أن تكون مطيته للانتخابات التي بقي على موعدها أسبوع واحد فقط. لكن حتى هذه الدولة المسخ لن تغير كثيرا في الانتخابات ولن تؤثر على التصويت لأن المجتمع الإسرائيلي بأغلبيته تبنى اللاءات اليمينية التي لا تعترف بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ولا تقبل بسلام حقيقي تقوم إسرائيل في نطاقه بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس، وبتفكيك المستوطنات والاعتراف بالقرارات الدولية ذات الصلة بالموضوع الفلسطيني والتي تنص على حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا.

فلسطينيا، فلا يمكن للعقل أن يتصور بان هناك فلسطينيا واحدا سوف يقبل بدولة بمقاسات شارون، وبتلك الخطة السخيفة والتي أقل ما يقال فيها أنها فكرة سخيفة لرجل سخيف ومهووس، عنده مرض نفساني ونقص خطير في التفكير والتصور والتحليل. خطة مهذه أشبه بالهراء والكلام الفارغ، لن تجد آذانا صاغية تسمعها ولا حتى عيونا تقرأها، لأنها فارغة من المضمون والمعنى ولا تستحق القراءة. يمكن لنا أن نفكر ونعتقد بأن موعد طرح تلك الفكرة قبل الانتخابات وقبيل أسبوع واحد من يوم الحسم جاء محاولة من شارون لتعزيز مواقعه الانتخابية، وكرسالة للعالم بأنه لا يقبل بغير التصورات التي يراها هو ويعتبرها الحل الأنجع والأفضل للصراع.

أنها خطة من بنات أفكاره وطرحها لتحقيق رغباته ولتطوير الأوهام التي يريد عبرها تأكيد مبدأ وسياسة الشطب والإلغاء التي تعتمدها الحركة الصهيونية في تعاملها مع الحقوق الفلسطينية. فالحدود غير موجودة في الدولة التي يريدها شارون ويحق لإسرائيل تقليصها وتقليمها وتحديدها ورسمها من جديد، حسب الحاجة الإسرائيلية. وهذه الحاجة دائما في تصاعد عامودي وتطالب دوما بالمزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وضمها، خدمة لمشروع إسرائيل الكبرى. ولكي لا ينعدم "نور إسرائيل الكبرى" يجب أن يبقى الفلسطيني في الظلام وبلا نور وضوء وحرية وسيادة فعلية. إنها المأساة التي يتلهى بها سفهاء السياسة.

(اوسلو – خاص)

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات