المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الطريقة التي تتعامل بها سلطات تل أبيب مع الوفود النرويجية والأوروبية والعالمية العديدة والمتنوعة التي تسافر لكي تبدي تضامنها مع الشعب الفلسطيني في محنته أو تأكيدا منها على رفض السياسة الدموية ولغة الموت والدمار التي تمارسها إسرائيل في فلسطين المحتلة، تلك السياسة تعود بالضرر على إسرائيل نفسها وتزيد من عزلتها وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك مدى هشاشة ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية..

بقلم : نضال حمد
في خطوة إسرائيلية جديدة تعبر عن مدى ضيق السلطات الإسرائيلية من تصاعد حملة التضامن العالمية مع الانتفاضة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ومن جهة ثانية تصاعد الرفض للاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية والتجاوزات الخطيرة التي تمارسها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قامت سلطات مطار بن غوريون في ضواحي تل أبيب بمنع دخول الوفد النرويجي غير الرسمي الذي يمثل شبيبة حزب العمل اكبر الأحزاب النرويجية على الإطلاق، والذي كان بدوره حتى فترة قريبة من أكبرالأحزاب النرويجية المؤيدة لإسرائيل.

لقد تم منع الوفد المؤلف من رئيسة منظمة الشبيبة العمالية النرويجية غري لارسن وعضو قيادة الشبيبة أود بيورن نيشي من دخول البلاد بتهمة تشكيلهم خطرا على أمن اسرائيل. وكان الوفد المذكور وصل مطار بن غريون تمام الساعة الحادية عشرة والنصف منتصف ليل الخميس 23 كانون الأول الحالي قادما من أوسلو عبر بروكسل. وقد تم احتجاز الوفد والتحقيق معه لمدة ساعة كاملة اتسمت فيها معاملة السلطات الإسرائيلية بالعدائية والأستكبار والتشنج والعصبية. وبعد تحقيق استمر ساعة كاملة قامت سلطات تل أبيب بتسفير الوفد على نفس الطائرة التي جاءت به من بروكسل، وقد وصل الوفد المذكور إلى مطار أوسلو بعد ظهر الجمعة الموافق 24 الشهر الحالي. وجدير بالذكر أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان النرويجي تور بيورن ياغلاند أعلن عن أسفه الشديد لإعادة الوفد وعدم السماح له بدخول إسرائيل.

من المفيد هنا إلقاء الضوء قليلا على شخصية غري لارسن الوجه السياسي الشاب والصاعد في حزب العمل النرويجي وبخاصة في منطقة أوسلو العاصمة.

تعتبر لارسن من الأصوات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وقد عملت بشكل جدي وجهدت خلال الانتفاضة الحالية من أجل رفع الحصار والمعاناة والظلم عن الشعب الفلسطيني وكذلك من اجل تقديم مجرمي الحرب من قادة إسرائيل وجيشها للمحاكم الدولية المختصة، فتقدمت باسم شبيبة حزب العمل النرويجي بدعوى قضائية أمام المحاكم والقضاء النرويجي تقاضي فيها شارون وقادة آخرين من إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب منظمة ضد الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا في حرب اجتياح لبنان سنة 1982 وفي مخيم جنين ومناطق مختلفة من فلسطين خلال و أثناء الانتفاضة الحالية. وقد تكون هذه الدعوى من الاسباب الرئيسية التي ساهمت في منع لارسن ووفد الشبيبة المذكور من دخول تل أبيب.

هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات الإسرائيلية بمنع وفود عالمية وأوروبية من الدخول للبلاد، فالأمثلة كثيرة ووفيرة، لكننا نأخذ منها ما يخص النرويج.

في أيار من العام الماضي احتجزت السلطات الإسرائيلية وفد نقابات عمال النرويج ممثلا بنائب رئيسه فين اريك ثوريسن لمدة أربع ساعات متواصلة في مطار بن غوريون ولم تسمح له بالدخول إلا بعد تدخلات نرويجية عالية المستوى، وهنا يجب أن ننوه ألى أن موقف النقابات النرويجية يعتبر أقوى المواقف المعارضة لأسرائيل على الأطلاق في النرويج. وقد تبنت النقابات حملة مقاطعة اسرائيل بحماس لافت للنظر، وتضم هذه النقابة 800 ألف عضو.

كما كانت تلك السلطات منعت أيضا في تموز/ يوليو من العام الماضي وفد لجنة التضامن النرويجية مع الشعب الفلسطيني من دخول البلاد وأعادتهم إلى اوسلو عبر العاصمة التشيكية براغ بعد حجزهم لعدة ساعات في مطار بن غوريون. وقد شاءت الصدف أن التقي بهم على نفس الطائرة التي أقلتنا جميعا إلى أوسلو، حيث كنت يومها عائدا من زيارة خاصة للمخيمات الفلسطينية في لبنان. وكان معظم الوفد المبعد من أصدقاء لي اعرفهم نتيجة عملنا المشترك في المنظمة النرويجية الموحدة من أجل فلسطين.

في ظل قيادة لارسن للشبيبة العمالية تعالت الأصوات المتعاطفة وتكاثرت تلك المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بتدخل نرويجي أكثر فاعلية في عملية السلام ومن اجل الضغط على إسرائيل للقبول بمبدأ السلام الذي نسفته أعمال الجيش الإسرائيلي الوحشية في الضفة والقطاع. حيث تم تشديد الحملة المعادية للاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بمعاقبة الكيان الإسرائيلي عبر مقاطعته ومحاصرته واعتباره نظاما عنصريا وعسكريا يمارس أعمالا منافية للقانون الدولي وتتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أن الطريقة التي تتعامل بها سلطات تل أبيب مع الوفود النرويجية والأوروبية والعالمية العديدة والمتنوعة التي تسافر لكي تبدي تضامنها مع الشعب الفلسطيني في محنته أو تأكيدا منها على رفض السياسة الدموية ولغة الموت والدمار التي تمارسها إسرائيل في فلسطين المحتلة، تلك السياسة تعود بالضرر على إسرائيل نفسها وتزيد من عزلتها وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك مدى هشاشة ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية، لأنه تحت غطاء الأمن يمكن منع أي إنسان من دخول البلد ومن ممارسة حقه الطبيعي في التعبير عن رفضه للغة الحرب ومطالبته بالسلام للفلسطينيين كما تطالب فئات أخرى بالسلام للإسرائيليين.

من المهم هنا التذكير بأن هناك الكثير من النرويجيين المتعاطفين الآن مع الشعب الفلسطيني كانوا من المؤيدين لإسرائيل ولكنهم منذ فترة سلام اوسلو بدأوا يعلنون مواقف مخالفة ومغايرة، بعد ان ذهبوا وشاهدوا بأم أعينهم مدى الظلم والعذاب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، واكتشفوا حجم الكذبة الإسرائيلية التي كانت تقول بوطن بلا شعب لشعب بلا وطن، وعرفوا أن إسرائيل ليست جادة في عملية السلام وأنها تريد سلاما بمقاساتها هي لا بمقاس العدل والقانون والحقوق الشرعية. كما يجب لفت الأنظار ألى مواقف القيادات الروحية المسيحية النرويجية وبعض كنائسها التي انقلبت مواقفها رأسا على عقب، خاصة بعد حملة التدمير والتنكيل والأغتيالات والتصفيات والمذابح التي حدثت خلال الأنتفاضة الفلسطينية الحالية.

قبل فترة كتب احد رعاة الكنائس النرويجية من مدينة بيرغين عبر الصحافة أنه وبعد زيارته الأخيرة لأسرائيل خرج بانطباع أن اسرائيل ليست هي البلد الذي يراعي حقوق الأنسان وخاصة الأنسان الفلسطيني، وقال المطران المذكور أنه بعد عودته من زيارة المنطقة والأراضي الفلسطينية المحتلة واسرائيل قام بتوجيه رسالة تحمل أسئلة كثيرة واستفسارات بعث بها للسفيرة الاسرائيلية في تل ابيب، لكن لم يتلقَّ أي جواب من السفارة الاسرائيلية، مما حذا به لنشر وجهة نظره الجديدة في وسائل الاعلام.

لقد صدق أحد اصدقائي من الدبلوماسيين العرب المعتمدين في النرويج عندما قال أن اسرائيل فنانة في كسب الأعداء. وطريقة تل أبيب الاستعلائية في التعامل مع الوفود النرويجية تزيد من المتعاطفين في النرويج مع الشعب الفلسطيني وتؤكد عنصرية الدولة اليهودية وتعمق الهوة التي وجدت بين مجتمع كان شديد الولاء والوفاء لإسرائيل وبين إسرائيل التي جعلت قسما كبيرا من النرويجيين يلتحق بالمنددين بسياستها وعنجهيتها، وقد اصبح واضحا للجميع أن الدولة العبرية تحتكر لباس الضحية، خاصة بعدما شاهد العالم اجمع كيف تقوم آلة الحرب والموت الصهيونية بقتل الفلسطينيين بلا خوف من أحد وأمام الكاميرات والمصورين الذين لم يسلموا أيضا من الرصاص الإسرائيلي المميت.

غري لارسن عادت إلى النرويج لكن بقناعة أكبر ورؤية أوضح عن الاحتلال العنصري الذي لا يتوانى في استعمال عنصريته حتى مع وضد الذين يرفضون تلك العنصرية من الأوروبيين. ولم يعد أمام الذين يرفضون السياسة العنصرية الإسرائيلية من خيار سوى تصعيد حملة المواجهة مع النظام الأسرائيلي المخالف للشرائع الدولية والذي يخرق ابسط حقوق البشر بلا خوف وبلا محاسبة. والتصعيد يكون كما اكد بعض قادة النقابات النرويجية بتعزيز وتصعيد مقاطعة إسرائيل وحصارها وفضحها في وسائل الإعلام وفي الشارع النرويجي. هذه المهمة شاقة وصعبة لكنها ممكنة وقابلة للتحقيق إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الشارع النرويجي مهيأ لمقاطعة إسرائيل ومحاسبتها لكن ينقصه تنظيم العمل ووتوحيد القوى التي تعرف كيف تدير تلك المقاطعة وكيف تستغل التضامن النرويجي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة.

(اوسلو – خاص)

24-1-2003

المصطلحات المستخدمة:

ألف, اوسلو, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات